Blog
” العقل الخائف رماداً بلا نار “
نوره بابعير
لماذا يتوقف العقل عن استشعاره للمخاوف؟
رغم أن الإنسان قد يدرك بعقله حدود قراراته وإمكاناته الذاتية، إلا أنه أحيانًا يظنّ أنه عاجز عن النهوض أو التجاوز، فيقف عند نقطة من الجمود الداخلي، وكأن وعيه انسلخ عن قدرته على الفهم.
وفي غفلة منه، يتجرد وعيه من الفهم العميق، فيبقى رهينًا لذلك الخوف الذي اجتاح أفكاره وأفعاله وتعامله مع الآخرين، فيغدو متغيّبًا عن الحقيقة التي يفترض أن يواجهها في داخله.
قد يكون السبب في ذلك قلة الثقافة الذاتية؛ إذ تجعل الإنسان يرى الحياة بسطحيةٍ لا تمكّنه من لمس العمق في وعيه تجاه ما يمرّ به من أحداث. فالعقل الذي لا يُغذّى بالمعرفة ولا يُدرَّب على التأمل، يكتفي بظاهر الأشياء، ولا يملك أدوات التحليل أو التفكيك، فيبقى خاضعًا لما تمليه عليه انفعالاته.
وربما أيضًا القناعة المتعلّقة بالخوف هي التي تفرض هذا الانغلاق، حين يتشبّع الإنسان بشعورٍ دائمٍ من الخشية: الخوف من التجربة، من التغيير، من الرفض، أو حتى من تقبّل ذاته كما هي. فيغدو الخوف سلطة داخلية تتحكم في قراراته وتحدّ من رؤيته للحياة، حتى يُصبح الوعي مشلولًا أمامها.
لكن الحقيقة أن العقل لا يتوقف فعليًا، بل ينسحب من مساحة الفهم إلى مساحة الدفاع، فيحاول حماية النفس من الألم أو الخطر، ولو كان ذلك على حساب النموّ والتطور. وهنا تكمن المفارقة؛ إذ يتحول الخوف من وسيلة للنجاة إلى قيد يمنع الحياة نفسها.
إن التحرر من هذا الجمود يبدأ من المواجهة الهادئة، حين يقرر الإنسان أن يواجه ذاته لا أن يهرب منها، وأن يسائل خوفه بدل أن يخضع له. فالفهم أول طريق الشفاء، والوعي الحقيقي لا يُبنى إلا بالشجاعة، تلك التي تدفع الإنسان لأن يرى ضعفه بصدق، ويعيد بناء توازنه بثقة.
وحين يتصالح العقل مع خوفه، ويفهم أسبابه بدل أن ينكرها، تتحول تلك المخاوف إلى قوةٍ دافعة نحو الإدراك والنضج، فيتبدد العجز، ويولد من رحم الخوف وعيٌ جديد قادر على الفهم والتجاوز .