بوابة أعضاء جدل, موضوعات متنوعة

فلسفة الذوق ” حينَما يتشكّل الإنسان بالجمال “

نوره بابعير

فلسفة الذوق ” حينَما يتشكّل الإنسان بالجمال ”

للذوق فلسفة عميقة مما نعتقد لأنها تنتج من خلال أفكارنا الواعية ثم تتشكل بين الاخلاقيات و التهذيب الذاتي اتجاه الذوق الفردي و الذوق العام بين البيئة والإنسان . لذلك ، قد نظن أنّ الذوق” هو أمر بسيط أو ثانوي، لا يتجاوز اختيار اللباس أو تفضيل نوع معين من الطعام أو الموسيقى. لكن حين نتأمل نتعمق لهذا المفهوم، نكتشف أنه يتجاوز كل ما هو سطحي، ليغدو تعبيرًا جوهريًا عن ذات الإنسان، بل وسيلة لفهم العالم والوجود.

الذوق هو أنعكاس مرآة للذات .

الذوق ليس مسألة شكلية يهتم الإنسان من خلال المظهر فقط ، بل هو جوهر يتشكل داخل النفس، ويتجلّى خارجها في السلوك والتفضيلات والأسلوب العام في الحياة. عندما نقول عن شخص ما إنه “ذو ذوق رفيع” فإننا لا نصف فقط أناقته أو اختياراته الفنية، بل نشير ضمنيًا إلى رقيه الأخلاقي ووعيه الثقافي وهذا الترابط العميق بين الذوق والأخلاق ليس جديدًا، بل هو جزء من الإرث الفلسفي والإنساني الذي تعامل مع الجمال بوصفه قيمة مرتبطة بالحق والخير، ودائماً الفلسفة تأخذ من التفكير حقها في مفهوم المعنى ومدى بقائها في حياة الإنسان وتأثيرها عليه لذلك كلما تأمل الإنسان نحو الذوق يجد هناك طرقات مترابطة بين المعنى و التأثير الناتج عليه اتجاه حياته .

فطرة الذوق ومساحة التكوين..

قد يولد الإنسان بميل فطري إلى الجمال والتناغم، لكن الذوق يُصقل بالتربية، ويتشكل بالتجربة، ويُهذّب بالقراءة والفن والتفاعل مع محيط راقٍ. فالشخص الذي ينشأ في بيئة تقدّر الجمال، وتعلّم احترام الآخر، وتغذي الحس الفني لديه، يكون أكثر قدرة على تطوير ذوقه وتوسيعه. فإن الذوق ليس ثابتًا بل قابل للنمو، مثل أي بعد من أبعاد الوعي الإنساني ، لان نمو الذوق قد يعتمد على وعي العقل في مفهومه وقد يكتسب من خلال البيئة التي يعيش بها . فيحتاج الإنسان إلى انتباه عميق ليحرك الرغبة الناضجة في بناء الذوق المتلائم مع قيم ذاته وقدرات وعيه .

الذوق في الفلسفة: ما وراء التفضيلات ..

غالباً مفهوم الذوق من زوايا متعددة. يساهم في تغيير الفكر والتفكر اتجاه المعنى للذوق فيصبح اختلاف الاّراء يعود إلى ذلك الانطباع الفكري والحسي للمعنى ، مثل إيمانويل كانط اعتبره أن الحكم الجمالي، الذي يُعد تعبيرًا عن الذوق، وبانه لا ينبع فقط من الشعور، بل من عملية عقلية تأملية. وقد رأى أيضاً أن الذوق يحمل طابعًا “كونيًا” بمعنى أنه يتجاوز الأذواق الفردية نحو إحساس مشترك بالجمال.

أما ديفيد هيوم شدد على أن الذوق يمكن تهذيبه وتطويره، لكنه أقر بانه هو بوجود تباين بين الأفراد. وعلى الرغم من أن الناس يختلفون في تفضيلاتهم، إلا أن هناك مبادئ عامة للجمال يمكن الاتفاق عليها، مثل التناسق، التوازن، والبساطة.

ينمو الذوق في جذور الاخلاق وسلوك ..

إذا تاملنا في تصرفات الناس بتفاصيل دقيقة نجد أن الذوق لا يظهر فقط في الملابس أو ترتيب المنزل، بل في أبسط تفاصيل الحياة: في طريقة السلام، في اختيار الكلمات، في نبرة الصوت، في احترام خصوصية الآخرين في أبدا الاراء والعديد من الأفعال التي لها صلة بإبراز الذوق اتجاه شخصها و إن الذوق الحقيقي هو ذلك الذي يتجلى في التعاملات اليومية، ويعكس احترام الإنسان لذاته أولًا، ثم لمن حوله وهذا الأمر جداً دقيق قد يتنبا له الإنسان المهتم في اختلاق ذات انيقة المظهر الداخلي قبل الخارج يدرك القيمة الناضجة من هذا الميول أو المكتسب من حوله . الشخص الراقي في ذوقه لا يجرح بكلمة، ولا يرفع صوته في وجه الآخرين، لا يتعدى على خصوصية الآخرين، يدرك التأدب مع ذاته قبل الآخرين ، لأنه يرى في كل فعل انعكاسًا لجوهره الداخلي. إنه يُراعي مشاعر الناس دون تكلّف، ويمارس الاحترام كعادة فطرية، لا كقناع اجتماعي الشخص الواعي دائما يحرص أن يمثّل ذائقته بالطريقة الملائمة مع وعيه .

للذوق تأثير في تكوين الهوية ..

يتشكل الذوق عبر التفاعل مع الثقافة، والاطلاع، والتجربة، ثم يساهم في تكوين الهوية الشخصية والذهنية. فالذوق لا يختصر في “ما نحب” بل يشير إلى لماذا نحب ما نحب؟وما القيمة التي تمنحها أذواقنا لذواتنا. اعتقد أن التساؤلات الذاتيّة لها دور في حراك الدوافع و الفهم اتجاه أذواقنا الفكرية و الحسية و الفعلية، تلك العادات والانطباعات الصادرة هي تمثل داخلنا في أطار هويتنا الثقافية و البيئيّة و المكتسبه من تجارب الحياة اليومية .
و المجتمعات التي ترتقي بذوق أفرادها، تكون أكثر تحضرًا، لأنها تنتج أفرادًا يقدّرون الجمال،ويحترمون النظام ويتواصلون برقي. بينما غياب الذوق، أو تسطيحه، يؤدي إلى الفوضى البصرية، والسلوكية، وحتى الفكرية تجرد الإنسان من أخلاقياته وسلوكياته المفترض أن تتواجد به كانسان ملم بانسانيته

الذوق في أنصاف الـزمن و التّيه من نافذة التقليد

حالياً في وسائل التواصل الاجتماعي تُفرض علينا يوميًا آلاف الصور والمقاطع والمؤثرين، أصبح الذوق مهددًا بالسطحية والنسخ و لم يعد كثير من الناس يختارون بناءً على ذائقتهم الحقيقية، بل بناءً على ما يفرضه “ الوقت ”. وهذا يشكّل خطرًا على الهوية الفردية، إذ يُفقد الإنسان خصوصيته، ويجعله تابعًا لأذواق الآخرين دون وعي ، لكن لا ننسى أن ما زال هناك من يحرص على تشكيل ذوقه الخاص، بقراءة الأدب، والتأمل في الفن، وملاحظة الجمال في تفاصيل الحياة اليومية، لا في مظاهرها الصاخبة. وهؤلاء هم من يُعوّل عليهم لإعادة الاعتبار للذوق كقيمة إنسانية وثقافية.

الذوق كفعل فلسفي وحضاري وانساني.

الذوق ليس رفاهية، ولا مختصّ بجودة قيمة للنخبة، بل هو فعل يومي يعكس درجة وعي الإنسان بنفسه وبالآخرين. حين نرتقي في ذوقنا، فإننا نرتقي في إنسانيتنا. نغدو أكثر رهافة في الشعور، وأكثر اتزانًا في ردود الأفعال، وأكثر قدرة على التمييز بين ما يليق وما لا يليق تصبح القابلية في الأشياء و رفضها تفتح أفاقنا الأخرى من الأذواق المختبأة في مسار حياتنا ، حتى الانسجام الذي قد يفرض بقائهُ علينا يعيدنا إلى المبدأ الذوقي القائم عليه ، مجرد الفهم في مراحل الذات وانغماسها في الذوق هنا كل إنسان بفطرته يقدر يشكل فلسفته الخاصة اتجاه مفاهيمه للذوق وانسجامه معها في اداء حياته .

الأهم من ذلك أن نفهم بأن الذوق هو فلسفة شخصية، واختيار وجودي، يعكس كيف نرى أنفسنا، وكيف نريد أن نُرى وأن نترك الاثر من ذلك العبور لكل ما يصدر منا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *