Blog
منزل البروفيسور نُشرت في عالم أدبي ما بعد يوليسيس وهو عالم لم تعد كاثر تشعر أنها تنتمي إليه.

في مقدمة كتاب Not Under Forty، وهو مجموعة مقالات نشرتها ويلا كاثر عام 1936، كتبت (عن عمد أو غير عمد) عبارتها الشهيرة: “لقد انكسر العالم إلى نصفين في عام 1922 أو ما يقاربه”، وهي وجهة نظر أدت، في أقل تقدير، إلى فصلها عن صفوف الفنانين والكتّاب الذين يُطلق عليهم عادة “الحداثيون”.
ومع ذلك، يبدو هذا الحكم متسرعًا للغاية. فقد انشغل الباحثون بتتبع جذور الحداثة إلى أوائل القرن التاسع عشر، ولا يزال المعنى المقصود من “ما بعد” في مصطلح “ما بعد الحداثة” محل جدل. وكل محاولة جديدة لتحديد ملامح الحداثة لا تؤدي إلا إلى تعميق ضبابية حدودها، كما أن موقع كاثر ضمن هذا التيار يبقى — وربما عن قصد — غير واضح.
رواية منزل البروفيسور لـ كاثر نُشرت لأول مرة عام 1925، في عالم أدبي ما بعد يوليسيس (رواية جيمس جويس)، وهو عالم لم تعد كاثر تشعر أنها تنتمي إليه. وتتمحور الرواية إلى حد كبير حول شخصية جودفري سانت بيتر، مالك المنزل المذكور في العنوان، والذي يجد نفسه في مرحلة يصبح فيها عمله وزواجه وعائلته، بل وحتى بيتيه، في حالة من التغير المستمر. ويلجأ إلى الذكريات، وخصوصًا ما يتعلق منها بأحب طلابه، توم أوتلاند، كوسيلة للتأقلم، وهي الذكريات التي تشكل جزءًا أساسيًا من حركة الرواية.
في كتابه كل ما هو صلب يذوب في الهواء، يكتب مارشال بيرمان أن الحداثة هي “وحدة متناقضة، وحدة التفكك: إنها تصبنا جميعًا في دوامة من التحلل والتجدد المستمر، من الصراع والتناقض، من الغموض والعذاب. أن تكون حداثيًا، يعني أن تكون جزءًا من كون، كما قال ماركس، ‘يذوب فيه كل ما هو صلب في الهواء’”.
وتشارك رواية ويلا كاثر، مثلها مثل أي عمل آخر على جانبي “الانقسام” الذي يفترض أنها أحدثته، في هذا الغموض، وفي استكشاف تجربة ثقافية تتسم بالوحدة من خلال الانقسام — بانكسار شامل. وعلى الرغم من تصريح كاثر بأنها “عادت إلى الوراء سبعة آلاف سنة”، إلا أن رواية منزل البروفيسور تحمل سمات عصرها، وتحكي قصة رجل محطم بأسلوب يعكس انكسار الزمن نفسه. وتنقسم الرواية إلى ثلاثة أقسام غير متساوية: “العائلة”، “قصة توم أوتلاند”، و” البروفيسور”، ويعكس هذا البناء التوترات التي وصفها بيرمان باعتبارها جوهر الحداثة، والأسلوب الذي يُنسب كثيرًا إلى الأدب الحداثي.
يشعر الأفراد بعدم يقين الحداثة بشكل مكثف على المستوى الشخصي، إذ كان من أبرز ضحايا تفكك الحداثة ـ وربما أكثرها حزنًا ـ تلاشي مفهوم الهوية المتماسكة. وتتناول كاثر هذه المسائل بحساسية ودقة طوال الرواية، مستخدمة البروفيسور كشخصية تأملية لتُظهر استحالة الإحاطة الكاملة بأي فرد، حتى الذات.
تُعد إحدى تأملات سانت بيتر في أوتلاند مثالًًا جيدًا على تقنية الرواية: ففي ذكرى محددة، وبعد أن تناول توم الغداء مع الأستاذ وزوجته، التقى لأول مرة بابنتيه، إحداهن ستصبح لاحقًا خطيبته. وقدم لهما حجرين خام من الفيروز كهدية عفوية وسخية. حاولت الأم منعه من تقديم هدية ثمينة، لكن صوته “كان حزينًا وجذابًا لدرجة أنه لم يكن هناك ما يُقال”.
بعد أن حُسمت المسألة، يتفحص سانت بيتر كلًا من الأحجار وتوم نفسه، ويتذكر: للأسفل، ليس إلى الفيروز، بل إلى اليد التي تمسك بها: راحة اليد القوية المليئة بالخطوط، الأصابع الطويلة القوية ذات الأطراف الناعمة، الخنصر المستقيم، والإبهام المرن ذو الشكل الجميل الذي ينحني مبتعدًا عن بقية اليد كأنه سيد نفسه. هذا المقطع مثال كلاسيكي على أسلوب “الرؤية المزدوجة” في الأدب الحداثي: فكما يرى البروفيسور، يرى القارئ، وتُنقل ملاحظاته مباشرة إلى القارئ، لتسهيل إصدار حكم مشترك حول يد صاحبها. فاليد مثيرة للإعجاب من الناحية الشكلية: تبدأ براحة قوية، ثم أصابع طويلة ذات أطراف ناعمة — ما ينقذها من القسوة أو الفظاظة. الخنصر مستقيم — ما يشير إلى النمو السليم وربما النزاهة أو العقلانية. لكن الإبهام هو المثير حقًا، ليس فقط بسبب مرونته، بل بسبب وصفه بأنه “جميل الشكل”، ثم يتطور الوصف ليُشخَّص — يصبح كأنه كائن مستقل، سيد لنفسه، رمزًا لنبالة روحية.
ينتهي المشهد بصيحة من سانت بيتر: “يا لها من يد!” ويخزن الصورة في ذاكرته كواحدة من أعمق ذكرياته عن توم أوتلاند. “ما زال يراها، مع الحجارة الزرقاء تستقر فيها”. وهكذا، يصبح الجزء رمزًا للكل؛ ذاكرة اليد تختزل الرجل كله.
لكن هذه الرؤية النقية التي ينقلها الأستاذ للقارئ ليست إلا وهمًا. فالانقسام المألوف بين الواقع والنفسية يظهر هنا بوضوح: فالمعطيات تتعلق بتوم، لكن التفاعل النفسي ينتمي إلى الأستاذ. وكما يوضح مايكل ليفنسون في Genealogy of Modernism: “في المعارضة بين الحقيقة وعلم النفس، فإن الاهتمام الأعمق يكون بالجانب النفسي”.
سكوت ماكغريغور، الطالب السابق للأستاذ وزميل توم، يقول: “لم يعد توم واقعيًا بالنسبة لي. أحيانًا أشعر وكأنه مجرد… فكرة براقة”. لا يرد البروفيسور حينها، لكن التأمل في اليد يُظهر أنه هو الآخر بدأ يرى توم على هذا النحو — سلسلة من الأفكار اللامعة التي تُجسد الحدث والشخصية في آن.
وكما يشير جيمس ماكسفيلد، فإن صورة توم المفضلة لدى البروفيسور هي صورة الفرد الحر الوحيد في الهضبة، لا ذلك الملتزم اجتماعيًا. وفي الفصول الأخيرة، يحاول سانت بيتر أن يُسقط هذه الصورة المثالية على نفسه.
لكن الوصف المثالي لليد يكشف بدوره عن تحريف للواقع: فقد نشأ توم فقيرًا، عمل في المزارع، وعانى على الأرجح من قسوة الحياة اليدوية. ومع ذلك، فإن يديه في وصف الأستاذ خاليتان من الندوب، خاليتان من الخشونة أو الانتفاخ — بأطراف ناعمة، كما لو أنه لم يعمل يومًا.
وبذلك، تصبح اليد رمزًا لـ”وحدة التفكك” — تذوب الحدود بين توم والأستاذ، ويصبح الفرق بينهما شبه معدوم. ورغم أن كاثر قبلت بإقصائها من معسكر الحداثيين — أو ربما تأكيدًا على ذلك — فإن منزل الأستاذ تتعامل مع نفس القضايا التي شغلت الحداثيين “الرسميين”، وبأساليب مشابهة، ما يذكرنا بأن الحداثة ليست تصنيفًا يقينيًا ولا ثابتًا كما يُعتقد غالبًا.
يبقى انقسام كاثر مهمًا لبعض الباحثين، لكن رواياتها المتأخرة تشير إلى أن الانقسام الحقيقي — بين ما نسميه الحداثة وما سبقها — وقع قبل عام 1922، وأن جميع من يعيش على هذا الجانب من الخط، سواء اعتُبر “حداثيًا” أم لا، يحمل آثار هذا التمزق وأعباءه.