المدونة, موضوعات متنوعة

أمينة مكتبة جيه بي مورغان امرأة سوداء في زمن العنصرية

لديّ اعتراف: أنا لست من محبّي المجاز التصويري الماضوي. بدءاً من فيلم نيلا لارسن الكلاسيكي مضى في عام 1929، إلى النسخة الأصلية من تقليد الحياة (فيلم من 1934، من بطولة فريدي واشنطن في دور بيولا الذي لا يضاهى؛ الفتاة الصغيرة التي أرادت أن تكون بيضاء)، وصولاً إلى رواية بريت بينيت لعام 2020 النصف المختفي، فإن فكرةَ شخص أسود يتمظهر كأبيض للهروب من سواده هي فكرةٌ تُشعِر… بالتعب والملل.

«في الأعماق، يريد كلّ السود أن يكونوا بيضاً». سمعت هذه العبارة في أحد صفوف علم النفس الاجتماعي تتكرَّر كما لو كانت حقيقةً بديهية، وهي ليست كذلك. في عدة مراحل من طفولتي، وبوصفي شخصاً بالغاً، أحببت فكرة أن أكون ثرية، لكن بيضاء؟ لا أستطيع تخيّل ذلك. لن أكون أنا.

وهذا، أساساً، هو جوهر كتاب أمينة المكتبة الخاصة، وهي رواية جديدة من تأليف هيذر تيريل (Heather Terrell) (وهي تَكتب باسم ماري بنديكت) وفيكتوريا كريستوفر ميوريه. كانت بطلتهما، بيل دا كوستا غرين، واحدة من أبرز النساء العاملات في عصرها. بصفتها أمينة المكتبة الخاصة للخبير المالي جي بي مورغان، تابعتْ ونظمتْ مجموعةً من الكتبِ النادرة، والمخطوطاتِ، والقطعِ الفنية، التي أصبحت مشهورة عالمياً.

تسجيلهم كبيض يسبّب انفصال الأسرة

ما لم يعرفه العالم أنّ بيل دا كوستا غرين كانت سوداء، أو، بِلُغةِ اليوم، ملوّنة. وُلِدت غرين في عائلة بارزة من سكان واشنطن الخلاسيين في عام 1883. كان والداها من المثقفين؛ حيث والدها، ريتشارد تي غرينر، كان أول أسود يتخرج في جامعة هارفارد، كما كان أيضاً رجلاً متحمّساً قضى حياته يضغط لأجل المساواة العرقية. قررت والدة غرين، جينيفيف فليت، أنّ المساواة العرقية لن تحدث في مدّة حياتها، ولهذا، بعد انتقال الأسرة إلى نيويورك، صرّحت بأن العائلة بيضاء في إحصائيّة تعداد ولاية نيويورك عام 1905. أصبحت هذه الخدعة سبباً لصَدعٍ كبير: انفصل والدا غرين، وعاشت عائلتها بعد ذلك بيضاء.

بيل ماريون غرينر صار اسمها بيل دا كوستا غرين، ودا كوستا يشير إلى جدة برتغالية مختلقة، وهو تفسير مناسب لبشرة بيل زيتونية اللون. (تُظهر الصورُ المعاصرة امرأةً جذابة يميِّزُها العديدُ من السودِ، على الفور، كقريبةٍ لهم؛ وتظهر أن الأشخاص البيض من العصر الذهبي كان خداعهم أسهل).

بيل تجتمع مع جيه.بيربونت مورغان

اعتمدت حظوظ العائلة بأكملها (مكان معيشتهم ومهنهم وكل شيء)، بشكل كامل، على هوية بيل البيضاء، كما كانت والدتها تذكِّرها باستمرار. عندما صارت صديقة لابن شقيق الخبير المالي جيه بيربونت مورغان، وقد كانا يعملان في مكتبة الكتب النادرة في برينستون، اقترح الشاب مورغان على عمّه أن يعتبر بيل أمينةً لمكتبته الخاصة. أثناء المقابلة، راقَ لمورغان شيءٌ شفَّ عن ذكاء الشابة، وروح الدعابة لديها؛ فتم تعيينها على الفور.

أصبحت بيل قوةً بذاتها، يتودّد إليها تجار الأعمال الفنية، ويتبنّاها أصحاب النفوذ الاجتماعي، وتوصف بأنّها محترفة أنيقة في وقت كانت فيه النساء العاملات نادرات.

عندما بدأ الاثنان العمل بشكل وثيق معاً، صار مورغان يثق في رؤية بيل وخبرتها، وكان يعي أن مجموعته، تحت عينيها الفطنتين، ستكون مجموعة متنوعة من النوادر لا يمكن إلا لرجل واحد فقط من أغنى أغنياء العالم أن يقتنيها. كان باستطاعة بيل أن تمدّ وتزوّد بما فُقد من ربطٍ مهم: السياق. وبالفعل، أصبحت مكتبة مورغان معروفةً بوصفها مجموعةً خاصة من الكتب النادرة والمخطوطات والفنون، التي تنافس المؤسسات العامة المرموقة مثل المتحف البريطاني. بصفتها كانت، حَرْفياً، وجهَ المكتبة، أصبحت بيل قوة في حدّ ذاتها، يتودد إليها تجار الأعمال الفنية، ويتبناها أصحاب النفوذ الاجتماعي، وتوصف بأنّها محترفة أنيقة في وقت كانت فيه النساء العاملات نادرات.

دفع الثمن لحياة جديدة

ولكن، كما أظهرت بنديكت وميوريه، كانت هناك تكلفة باهظة للحفاظ على تلك الواجهة؛ انقطعت بيل عن عائلتها المحبوبة في العاصمة. تقول: «بمجرد أن اتخذتْ أمي القرار بأن نعيش كالبيض لم يعد بإمكاننا المخاطرة». وبينما كان لديها العديد من العشاق (بمن في ذلك مؤرخ الفن الشهير برنارد بيرينسون)، لم تستطع الزواج من أحد:

«لقد عرفتُ دائماً أنّ العلاقة التقليدية، بسبب إرثي، لن تكون ممكنةً بالنسبة إلي… لأنّ الزواج يعني الأطفال، وهذا شيء لا يمكنني المخاطرة به. من دون البشرة الفاتحة لأقربائي، لم أستطع أبداً تحمل أن يولد لي طفلٌ ربما يكشف لونُ بشرته خداعي».

تقوم بنديكت، وهي بيضاء، وميوريه، وهي أمريكية من أصل أفريقي، بعمل جيّد في تصويرهما الحبلَ المشدود الذي سارت عليه الحسناء، وصراعها الداخلي من كلا الجانبين: الرغبة في التمسك برغبات والدتها والمضي عبر العالم كبيضاء، وتوقها إلى أن تظهر لوالدها أنّها فخورة بعرقها. وكما كانت لدى بيل وربِّ عملها، كانت لدى بنديكت وميوريه كيمياءُ فورية تقريباً، ونتيجةً لذلك أصبح سردُ الكتاب سلساً. وعلى الرغم من نفوري من المجاز التصويري الماضوي، بتُّ مشدودةً للكتاب.

بيل دا كوستا غرين ليست، الآن، في مقدمة وقلب قصة مكتبة مورغان، بل ستكون أكثر بروزاً عندما تحتفل المكتبة بالذكرى المئوية لتأسيسها كمؤسسة عامة في عام 2024، وهو أمر مناسب؛ حيث أقنعتْ جاك مورغان بالتبرّع بمكتبة والده المذهلة للمدينة. إنها هديةٌ تكرّم جيه. بي. مورغان وأحفاده، وأمينة المكتبة الخاصة، التي كانت عاملاً حاسماَ في نجاح مورغان.

بقلم: كارين غريغسبي بيتس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *