سماء قريبة أعرفها ، تأليف : تسنيم الحبيب

الرواية تترجم كينونة الكاتبة الشابة تسنيم- وحسها العقائدي المصقول بمتانة وقوة، فيها التناقض الإنساني بكل صوره، والمفاهيم الاجتماعية التي تتصارع فيها قوى الشر والخير ومصطفى بطل الرواية نموذج يجسّد كمالاً إنسانياً منشوداً، عاش اغتراباً في واقع شحّت فيه القيم حتى غيبته ظروف غامضة. وهنا محك الرواية، فهذا الإشعاع النوراني لمصطفى- كان المحور لتجاذبات انسانية متنافرة النوايا والاستقطاب الأبرز لتطلعات الناس الذين ارتبطوا به في علائق قوية، فهو الرمز لكل أوجه الخير المتعددة، كالأمان، الصبر، الإيمان، مبادئ مجتمعة في ذاته المتحركة على أرض الواقع، احتوى الأرملة الطيبة (أم محسن) بعد أن توفى زوجها بجرعة زائدة من المخدرات تاركاً لها طفلا صغيرا استحوذ انتباه مصطفى- فنهل هذا الطفل من معينه حنان الأب وقيم الرجولة وصار صبياً، والحب الذي يكنه مصطفى لهذه الأرملة الثرية ذات المقام والهيبة تركه مضطرباً في لجة اللوعة والانتظار، عاش معها ظلاً لكن كيانه كرجل مع زوجته الثانية (ياسمين) الفتاة التي أوقدت في حياته اشتعالاً لا ينطفئ فقد أضرمت تلك الأرملة في قلبها نار الغيرة والحسد، ونستقرئ من دوح الرواية معاني أخلاقية غزيرة عززتها الكاتبة في سياق العلاقات الإنسانية الحرجة والتي يبتلى بها الإنسان في الزواج الثاني، كغيرة المرأة، ظن السوء، الشك، الحقد والانتقام وغيرها وتداعيات تلك القيم السلبية على باطن الإنسان وتأثيرها المدمر على من حوله.كانت دوافعه، أي مصطفى- خيّرة قد لا يستوعبها الإنسان العادي ولهذا عاش غريباً، مضطهداً بفعل الضغوط النفسية التي أكلت طاقته وسلبته قوته، وقد حاول بمقتضى مبادئه أن يعيش مع الزوجتين بعدالة، فهو نسيج مختلف في نظرته العميقة للحياة، نهجه، طريقه النوراني، دلته تلك النظرة الوالهة ان خلاصه في سماء قريبة تحتويه، تحتضنه، تضمه، تفتح ذراعيها لتغيبه في أتون فردوسها كلما أعياه المسير. في ختام الرواية تقف مشدوهاً و تفكر في حيرة، أين ذهب مصطفى وترك المحبين حوله في بحثٍ وهمٍ وماذا يعني هذا الغياب؟هل هو الرمز القيمي الذي بتنا نفتقده الان ونحتار ما بين وجوده من عدمه؟أين ذهب مصطفى وماذا يعني غيابه المفاجئ؟ربما لا نعرف قيمة من نحب إلا عندما يرحلون؟ هل هو رمز الفرج والخلاص لعذاباتنا اليومية؟ولن يظهر مصطفى إلا عندما تصفى النوايا والنفوس، وهل غيابه يرمز إلى غياب الخير في دنيا خدّاعة غرور.

عدد الصفحات: 167