كمثل شجرة تسقط من ثمرة ، تأليف : روبرتو خواروس
د.ك 3.50
كتب يوسف الشايب:
“لديَّ طائرٌ أسود
ليحلِّق ليلاً..
وطائرٌ أجوف ليحلِّق نهاراً..
لكنّي اكتشفتُ أنهما اتفقا
على أنْ يشغلا العُشَّ ذاته،
العزلة ذاتها،
ولذا،
أنتزعُ منهما أحياناً هذا العشَّ
لأرى ماذا يصنعان حين لا يمكنهما العودة”.
تحت عنوان “كمثل شجرة تسقط من ثمرة”، أعدَّ الشاعر والمترجم الفلسطيني وليد السويركي وترجم أشعاراً للأرجنتيني روبرتو خواروس، قدَّم من خلالها إطلالة على تجربة واحدٍ من أبرز شعراء أميركا اللاتينية والشعر المكتوب بالإسبانية عامَّة، لا سيّما في النصف الثاني من القرن الماضي.
“التفكير بشيء ما
شروعٌ في صلاة،
صُنْع ظلٍّ لكل شيءٍ
في قطرةٍ من وجود،
التفكير بشيء ما
إيمانٌ به أيضاً،
تأكيدٌ لوجوده،
مشاركةٌ في الإيمان بأنه
موجودٌ في ذاته
وأنه يكتمل في ظلِّه.
التفكير بشيء ما
إحياءُ طقسٍ في الهاوية
التي تعيدنا للحلم العصيّ على البوح:
قبالة شيءٍ ما
ثمة دوماً شيء آخر”.
في هذا الإصدار يُنقل عن خواروس قوله: “في وقت مبكر من حياتي، شعرت أن الإنسان ينطوي على ميلٍ حتميٍّ للسقوط. فلا بد أن يسقط الإنسان، وعلينا أن نتقبَّل هذه الفكرة التي لا تكاد تُحتمل، فكرة الإخفاق في عالم منذور لعبادة النجاح. غير أنه لدى الإنسان، بالتناظر مع هذا السقوط، نزوع نحو الأعلى، يساهم فيه الفكر واللغة والحبّ، وكل الإبداع. ثمَّة حركة سقوط وارتفاع مزدوجة لدى الإنسان، إذاً، أشبه بقانون جاذبيَّة متناقض، وثمَّة بُعْد عمودي بين الحركتين”.
وأشار السويركي في مقدّمة “كمثل شجرة تسقط من ثمرة”، إلى أن خواروس، وعبر خمس عشرة مجموعة شعرية، حملت جميعها عنواناً واحداً “شعر عمودي” (شعر عمودي أول، شعر عمودي ثانٍ، وثالث، وهكذا)، وخلت قصائدها من العناوين فبدت كأنّها كلٌّ واحدٌ متماسكٌ، اقترح الشاعر الأرجنتيني معماراً شعرياً تنتظم فيه القصائد حول استعارة مركزية هي “العمودية”، بوصفها تمثيلاً للوعي الإنساني المتأرجِح ما بين حتمية السقوط والنزوع نحو العلوّ.
“فيما تفعل هذا الأمر أو ذاك،
هناك من يموت،
فيما تلمِّع حذاءك،
فيما تغرق في الكراهية،
فيما تكتب رسالةً مسهبةً لحبِّك الوحيد أو غير الوحيد،
وحتى لو استطعتَ ألّا تفعل شيئاً،
سيكون هناك من يموت
وهو يجاهد عبثاً كي يجمع كلَّ الزوايا،
وهو يجاهد عبثاً كيلا يثبِّت نظره في الجدار،
حتى لو كنتَ تموت الآن،
فسيكون هناك شخص آخر يموت،
رغم رغبتك المشروعة بأن تموت حصرياً للحظة،
لذا، إذا ما سُئِلتَ عن حال العالم،
فلتُجِب ببساطة:
هناك من يموت الآن”.
ولكون خواروس يرى أن “الشعر هو الشرط لاحتمال الهاوية، فمن دونه لا يبقى سوى الدُوار والسُّقوط”، فإن قصائده ليست محض فنٍّ لغويٍّ ومنتَجٍ جماليٍّ فحسب، بل بديلاً للميتافيزيقا، فعبرها يتَّضِح المعنى ليُضيء عتمة الوجود بسبره أعماق الأشياء، وارتياده المجهول الكامن في كلِّ ما نتوهَّم معرفته، من الكلام إلى الصمت، ومن الضوء إلى العتمة، ومن الحياة إلى الموت.
“أن تكون هنا يعني أن تتحرَّك،
أن تكون هنا يعني أن تقتلَ شيئاً ما،
حتى الموتى أنفسهم يتحرَّكون،
الموتى أنفسهم يَقتلون،
وللهواء هنا رائحة الجريمة،
لكن الرائحة تأتي من بعيدٍ جداً
والرائحة نفسها تتحرَّك”.
ويرى الشاعر الأرجنتيني أن مهمة الشاعر تتجاوز الحفر في الواقع القاتم إلى خلق واقعٍ جديدٍ غايته إعادة توحيد الذات الإنسانيَّة المتشظيَة، وأن على الإنسان، الذي خُدِعَ وضُلِّلَ طويلاً، وانقسم على نفسه بفعل الأعراف الاجتماعية، والانشغالات الماديَّة التي أضعفت قدرته على التخيُّل والتأمُّل والرؤية بسبب الفصل ما بين الفلسفة والشعر.. “على الشاعر أن يفكِّر تارةً مثل عالمٍ أو فيلسوف، وتارةً أخرى مثل متصوِّف، أو فنَّان، أما الشاعر الحديث فقدَرُه أن يوحِّد الفكر والعاطفة، والخيال والحبّ والإبداع”.
“ما من نهاية سعيدة،
السعادة، في المنتصف، ليست واردة،
وإنْ جاءت، تكاد تكون دائماً معصوبة العينين،
وفي النهاية، لا حاجة لعصابةٍ على العينين كي لا نرى،
فألا نرى وألا نكون سعداء يصوغان المعادلة الأخيرة،
فتسقطُ المعادلات الأخرى الممكنة وراء الفكر
كما لو أن أرضاً أكثر خصوبة انتظرتها هناك،
ما من نهاية سعيدة،
فمكان السعادة احتلَّه نداءٌ،
ولسنا ندري حتَّى
إن كان يُسْمَع إلى النهاية”.
قصائد خواروس جمعت “مقاربتين للوجود، استقرَّت الأعراف الأدبيَّة على الفصل بينهما: الشعر والفكر”، لكنَّ الاثنين انصهرا في أشعاره، فكوَّنا سبيكة واحدة لم تعد مجرَّد قالب أو وعاء للفكر، بل باتت ممارسة لغوية وفكرية وشعرية تجاوزت الثنائيّات الضدِّيَّة، والتفكير الخطِّي، وتخلَّق زمنها “العمودي” الخاص الذي يكسر رتابة اليوميِّ وأفقيَّتِه.. كل ذلك بلغة صافية ودقيقة، تنأى عن العاطفيَّة المفرطة والصُور المُحلِّقة والوصف المسهب، مثلما تخلو من نبرة الاحتجاج أو التبشير الأيديولوجي.
“لا شيء يتغيَّر تماماً،
وما يبقى بلا تبدُّل بين الأشياء التي تتغيَّر
يُحيي رحلتنا إلى الوراء،
ويحتفي بما لا يتغيَّر فينا،
بثباته السحيق في العُمق،
وإخلاصه الذي لا يعترف بالزمن”.
للوهلة الأولى، والحديث للسويركي، “تتبدَّى قصيدة خواروس ببنائها الصارم ولغتها الحادَّة، كمنحوتة صخرية ملمومة على نفسها، مغلَّفة بالقسوة أو البرود، لكن القارئ لا يلبث أن يجد نفسه فجأة أمام صدع صغير فيها، تطلّ منه نبتةٌ خضراء تحمل زهرة المعنى، فإذا بالصخر يشفُّ ويشعُّ بالضوء والجمال”.
“ثمّة حيوات تدوم لحظة: ميلادها،
ثمّة حيوات تدوم لحظتين: ميلادها وموتها،
ثمّة حيوات تدوم لحظاتٍ ثلاث:
ميلادها، وموتها، ووردة”.
عاش خواروس “حياة كاملة بالشعر وللشعر، بوصفه قدراً شخصياً وهويّة وخياراً وجوديّاً”، ولعل هذا ما دفع السويركي إلى تقديم هذه المختارات المحكومة بذائقته الشخصية وانحيازاته الجمالية، وهي تجربة كانت نواتها قصائد قليلة نُشرت في جريدة “الدستور” الأردنية قبل ما يقرب من عقدين، تلتها مجموعة من القصائد نُشِرَت في العدد المزدوج (6 و7) من فصلية “أوراق فلسطينية”، وتصدر عن مؤسسة ياسر عرفات في رام الله، وكان ذلك في العام 2014، ثم استُكْمِلَتْ على فترات متقطعة خلال السنوات الماضية، حتى خرجت مجموعة شعرية مترجمة، صدرت، مؤخراً، عن “خطوط وظلال”، تحت عنوان “كمثل شجرة تسقط من ثمرة”.
ولِدَ خواروس في مدينة “كورونيل دوريجو” بالقرب من بوينس أيرس العام 1925، ودرس الفلسفة في جامعة العاصمة الأرجنتينية قبل أن يُسافر إلى فرنسا للدراسة في “السوربون”.
أصدر أولى مجموعاته الشعرية في العام 1958، تحت عنوان “الشعر العمودي”، وهو العنوان ذاته الذي اختاره بعدها لجميع دواوينه، وفق ما ذكر أعلاه. واعتبره النقاد واحدا من أهم شعراء الإسبانية في القرن العشرين، ووضعوه في قائمة تحمل الشعراء الكبار، مثل: أنطونيو ماشادو، وفديريكو غارسيا لوركا، وفاسنتي أليكسندر وأكتافيو باث.
وقال عنه أكتافيو باث: خواروس شاعر اللحظات المطلقة.. اللغة الشعرية عنده تتحوَّل إلى قطرةٍ من نور. توفي خواروس في العاصمة الأرجنتينية، في آذار من العام 1995.
الوزن | 0.150 كيلوجرام |
---|---|
الأبعاد | 21.5 × 14.5 × 1.5 سنتيميتر |
دار النشر |
متوفر في المخزون
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.