ماذا علمتني الحياة ؟ الكاتب: جلال أمين
د.ك 6.00
منذ سنوات كثيرة، رأيت فيلما بولنديا صامتا لا يزيد طوله على عشر دقائق، ظلت قصته تعود إلى ذهني من وقت لآخر، وعلى الأخص كلما رأيت أحدًا من أهلي أو معارفي يصادف فى حياته ما لا قِبَلَ له بردّه أو التحكم فيه.
تبدأ القصة البسيطة بمنظر بحر واسع، يخرج منه رجلان يرتديان ملابسهما الكاملة، ويحملان معًا، كل منهما فى طرف، دولابا عتيقا ضخما، يتكون من ثلاث ضلف وعلى ضلفته الوسطى مرآة كبيرة.
يسير الرجلان فى اتجاه الشاطئ وهما يحملان هذا الدولاب بمشقة كبيرة، حتى يصلا إلى البرّ في حالة إعياء شديد، ثم يبدآن فى التجول فى أنحاء المدينة وهما لا يزالان يحملان الدولاب.
فإذا أرادا ركوب الترام حاولا صعود السلم بالدولاب وسط زحام الركّاب وصيحات الاحتجاج. وإذا أصابهما الجوع وأرادا دخول مطعم، حاولا دخول المطعم بالدولاب فيطردهما صاحب المكان.
لا يحتوي الفيلم إلا على تصوير محاولاتهما المستميتة فى الاستمرار فى الحياة وهما يحملان دولابهما الثقيل، إلى أن ينتهى بهما الأمر بالعودة من حيث أتيا، فيبلغان الشاطئ الذى رأيناه فى أول الفيلم، ثم يغيبان شيئا فشيئا فى البحر، حيث تغمرهما المياه وهما لا يزالان يحملان الدولاب.
منذ رأيت هذا الفيلم وأنا أتصور حالي وحال كل من أعرف وكأن كلا منا يحمل دولابه الثقيل، يأتى معه إلى الدنيا ويقضي حياته حاملا إياه دون أن تكون لديه أية فرصة للتخلص منه، ثم يموت وهو يحمله.
على أنه دولاب غير مرئي ، وقد نقضي حياتنا متظاهرين بعدم وجوده ، أو ما نظن أنها اختياراتنا. فأنا لم أختر أبي وأمي أو نوع العائلة التى نشأت بها، أو عدد إخوتي وموقعي بينهم، ولما أختر طولي أو قصري ، ولا درجة وسامتي أو دمامتى، أو مواطن القوة والضعف فى جسمي وعقلي. كل هذا عليّ أن أحمله أينما ذهبت، وليس لدي ّأمل فى التخلص منه.
عدد الصفحات: 338
الوزن | 0.528 كيلوجرام |
---|---|
الأبعاد | 23.6 × 16.0 × 2.0 سنتيميتر |
غير متوفر في المخزون
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.