غاسبار الليل « خيالات على منوال رامبرانت وكالو » ، تأليف : آلويزيوس برتران

تُؤلّف لوحات هذا الكتاب الشّعريّة بين فنون عصر النّهضة الأوروبيّة وعوالم القرون الوسطى السّحريّة العجيبة والرّوح الرّومنطيقيّة المُستجدّة أَذْكتها روحٌ شاعرة مرهفة حازت تقدير أهمّ كتّاب عصرها من مثل “سان بيف” و”فكتور هوغو” و”تيوفيل غوتييه” و”شارل بودلير”. ولا شكّ في أنّ “غاسبار اللّيل” سيعيدنا إلى بعض إشكاليّات الشّعر العربيّ المعاصر، خاصّة فرعه النّثريّ، ومن بينها علاقة “قصيدة النّثر” بالشّعر الموزون، إذ غلب الرّأي الذي يَصِلُها به وصْل تجاوز وقطيعة. لكنّ العودة إلى نشأة “قصيدة النثر”، من خلال هذا الكتاب، تضعنا في ممكن آخر منسيّ أو مغيّب يَقرن ظهور هذا الجنس بفن الرّسم، بل بضرب محدّد من اللّوحات الفنّيّة ظهر وسط أوروبّا في حدود القرن السّابع عشر متأثّر بفنّ عصر النّهضة. وربّما لم يخطر ببال صاحبه، وهو يقدّمه إلى النّاشر الأوّل مع مجموعة من اللّوحات المرسومة بريشته وقد خلا من أيّ تحديد أجناسيّ، أن يتحوّل كتابه إلى أصل أو منوال شعريّ، بدءا بديوان شارل بودلير “سأم باريس، قصائد نثرية صغيرة”، ومن بعد سائرا في الآفاق. هكذا نكون إزاء شعريّة متطوّرة سَبِق أن تحّللت آثارها في بعض مستويات الشّعر العربيّ المعاصر في جزئيّات ومكوّنات بسيطة أو بالأحرى “نصيّات” منسوخة نسخا فنّيّا، لكنّها تبدو، ههنا، إطارا شاملا وتقنية كاملة ورؤية جمالية عميقة.