القارئ الأسفنجة
خُلُود / قِدّيسِّة
” القراءة حياة أُخرى نعيشها ” .. ” القراءة تجعلنا نعيش مرتين ” ..
جملتان مُفعمتان بالحياة، جملتان رنانتان ويالهذه الأكذوبة التي يرتّد صداها في جوف الكثير من الذين يدّعون القراءة. لكن أكثر الشعارات توهجاً ” أمة اقرأ تقرأ ” ليُصبح فعل القراءة في فوضى أشبه ما تكون ببقعة خراب فاسدة.
تتكاثر هذه الشعارات والذين يبشرون بها يتزايدون، إنهم لعنة ..! ليسوا فقط لعنة بل ورطة سيكولوجية. فعندما يعمل أحدهم على غرس قيمة القراءة بمفهومها الخاطئ، سنجد الحمقى يتساقطون من سماء الإدعاء نيازكاً، فهم لا يموتون وينتهون، بل يُخلفون شيئاً بهم للآخرين من حولهم بطرقٍ شتى.
ثمة قراءة والتي تُعدّ في وقت برامج التواصل الاجتماعي ( عملية تباهي ) حيث يتباهى البعض بها. جاعلاً إياها كقطعة حُلّي عُلقت في جِيد العنقاء. أو ربطة في عنق الغول. إنه أمر يُثير اهتمامي مُوخراً، فقد زادت هذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة بشكلٍ ملحوظ ومُبالغ فيه.
تكون البداية لهذه الكارثة هي أن البعض يُمارسون القراءة كهواية، ثم يبدأ السقوط التدريجي الذي يبدأ من القراءة اللامنهجية، فيبتلع القارئ هذا الطعم واصلاً بذلك مرحلة العدوى. فيأخذ على عاتقة حمل زمام المبادرة في النصح والإرشاد بطريقة غير مُباشرة للتأثير في المتلقي. تُستكمل الرحلة بهدوء كي تبدو الأمور ذات جدوى وأن قطوفها الدانية قد حان تناولها. فتتكاثر هذه النجاحات – الاخفاقات – بشكلها الممسوخ، لنجد ( القارئ الأسفنجة ) ذلك آخر الألقاب التي قُلتها في حديث طويل لي مع أبناء أخوتيّ حول القراءة.
( القارئ الأسفنجة ) وهو لقب لا يحتاج لشرح مُفصل لوضوحه في أفكار هذه الأسفنجة، فهي تمتص كل ما تقع عليه دون أدنى محاولة في تحليلها أو التفكير بمعناها الحقيقي. فنجد تلك الأسفنجة عندما تمتلئ تبدأ بترك أثر خفيّف وراءها. إنه الأثر الذي يُعّد سُمّاً قد انتشر في الجسد كله. تستمر الحكاية في تكرارها وقبل أن تكاد تنتهي – أقول تكاد لأنها لا تنتهي بل تستمر في ازدياد منقطع النظير -. فنجد الأسفنجة قد تم تمجيّدها من قِبل الأيدي التي تُصفق لها على كل شيء. حتى تألف هذا التصفيق وتبحث عنه.
تكتمل الصورة الآن في مُخيلة القارئ لهذه السطور؛ لذا سأتجاوز السرد التحليلي وأرسم الخطوط التابعة للمشهد. فيتحول القارئ الأسفنجة إلى أيقونة في عالم القراءة. ويبدأ في فرض سيطرته على من حوله بلباقة – ذلك أن الإنسان لا يُجيد التصرف بحريته، بل يُحب عبوديته التي لو فقدها لفقد ذاته – لدى البعض بكل تأكيد. تمضي الأيام، الشهور، والسنوات كذلك ويزداد حجم تلك الفقاعة فنجد ذلك المرء وقد انحدر في ( وحل الإعلان ).
الإعلان المادي الذي إمّا لكتاب أراد مؤلفه أن يقوم بعملية تسويق بسيطة له من خلال هذه الأيقونة في عالم القراءة، حيث تتم عملية تبادل إما بين صورة للكتاب مُقابل مبلغ مادي. أو بصورة للكتاب مع عدد من الاقتباسات بمقابل مادي أعلى سعراً هذه المرة، ونُبذة لا علاقة لها بمحتوى الكتاب. في كثير من الأوقات وبعد التجارة بهذا الشكل يدخل الشخص إلى عالم التسويق لمنتجات أخرى، وسيظل هو ركيزة أساسية لدى مريدوه فهم يمجدونه حدّ التقليد الأعمى.
المشهد في توسع وازدياد، وهو مشهد ينحدر بالمرء، فالأمر بات منافسة أكثر من كونه حالة طارئة. ربما ستتفاقم هذه المشكلة فعلاقاتها تبدو علاقة طردية مع الأيام. لكن هناك دوماً نهايات لهذه الظواهر. فلا شيء يبقى كما هو.