(الاستعجال ام التأني)

ولاء الشمري

تستعجل الشاي لكي يبرد وتشربه، فتحرك الملعقة فيه اجباري..
تستعجل الطبخه لكي تنضج وتأكلها، فترفع النار عليها اجباري..
تستعجل القميص لكي ينشف وتلبسه، فتعرضه للحراره اجباري..
تستعجل سماع “احبك” لتنتشي بها، ف تضغط حبيبك للنطق بها اجباري..
فتشكوا من قلة جودة حياتك!
وتشكك في مصداقية النتائج ولن ترضيك..
نعم قد تتحقق لك الاشياء ولكن لا بطعمها الحقيقي ولا برائحتها الحقيقه ولا بلونها الحقيقي..
انظر من حولك، هل جميع ما تملك استمتعت بالحصول عليه، ام حتى هذه المتعه اجباريه؟
هل اخذت الوقت الكافي للاحتفال بنجاحك؟
هل اعطيت نفسك استراحه بعد انجازك؟
لا تلم احداً ان كانت حياتك سطحيه، لا شيء فيها عميق
لا مشاعر ولا اشخاص ولا ماديات ولا ذكريات..
انت الذي لم تحترم طبيعة الاشياء، وحاجتها للوقت المناسب والكافي..
وهناك من خالفني مخالفه جميله فقال لي:
“إن مايجعل القصةَ قصه هو الاستعجال! ففي الاستعجال قصة نرويها نتعلم منها لكننا نعيشها..”
#بقلمي

الجمال والقبح .. الجمال هو الحقيقة

الجماليات المجسمة

في مقالةٍ نُشرت في الدورية الأدبية السياسية المراجعة الفصلية (Quarterly Review) لـ شهر نيسان/أبريل 1900، تتناول السؤال في مقالة تولستوي (Tolstoi) «ما هو الفن؟»، اغتنمتُ الفرصة لألمح إلى علم جديد في الجماليات أراه قادراً بالفعل على حسم بعضٍ من الحجج التي ساقها الروسيُّ الكبير، ويمكن أن يُظهر مصالحةً بين الفن والحياة تختلف عن استنتاجاته المتقشفة. يهدف موضوعُ الصفحات التالية إلى توصيف بعض هذه الميزات الجمالية الجديدة لتحديد المشاكل المختلفة في سعيٍ تدريجي لحلها، وللإشارة إلى المسارات الدراسية التي قد تفضي في نهاية المطاف إلى حلها.

لقد قلتُ إن هذه الجماليات جديدة، وعليّ أن أضيف أنها لا تزال أوّليّة ومليئة بفرضياتٍ غير مبرهَنة بعْد، وبثلّة حقائق تحتاج إلى أن تُربط بِصلةٍ جليّة مفهومة. لا يمكن للأمر أن يكون خلاف ذلك. وفي حين أن جماليات الماضي كانت، في الأساس، فرعاً من الفلسفة الاستدلالية الصرفة، التي تعتني بالأحرى بتماسك المنطق أكثر من اعتنائها بالتحقق من وجود الشيء، وهي لهذا تُعدّ فلسفة نظامٍ منهجي وعقائدي؛ إن جماليات اليوم، على نقيض ذلك، ليست كما يشرح كاتبٌ مفرد أنها ما ينتج عن اتفاقٍ عرَضي بين مختلف الطلاب، وأنها التقارب -الحتمي أكثر منه الفعليّ- بين أنواعٍ عدة من الدراسات. وسبب هذا الأمر أن المشكلات المتعلقة بالجمال والقبح، والمتعلقة بتلك الأنشطة الفنية، التي تزيد من مشكلات جمالياتِ أحدهما وتقلل من مشكلات الآخر -هاتين المشكلتين في الجماليات- تتم مقاربتها من جهتين، ومن مجموعتين من الباحثين الذين غالباً ما تجهل مجموعتهما وجودَ المجموعة الأخرى، وغالباً أيضاً ما يجهلون المسائل ذاتها التي يضيّقونها، في ما بينهم هم وشركائهم المجهولين لهم، لتصبح وجوداً قطعياً محدداً.

هذه الدراسات غير المترابطة، التي تتجمع بشكلٍ لا واعٍ في العلم الجديد للجماليات، هي نفسها حديثة وغير ناضجة. إنها دراساتٌ تشمل، على التوالي، علمَ العقل، الذي لم يَفصل نفسَه عن الفلسفة العامة إلا مؤخراً فقط، وأيضاً مختلفَ العلوم التي تتناول مقارنةَ الشكل الفني وأصلَه وتطورَه، وهي لا تزال تعتمد على دراسات الأعراق البشرية الإثنوغرافيا ودراسة المجتمعات والثقافات البشرية الأنثروبولوجيا من ناحية، وعلى علم الآثار وما يسمى خبرة التذوق من الناحية الأخرى. ومن ثم من المهم معرفة أن الموادَ اللازمة لعلم الجماليات،

 

التي خلّفها الماضي لنا، موجودةٌ كحقائق متفرقة، وملاحظات جزئية وفرضيات غير مكتملة، مبعثرة في أعمال الفلاسفة مثل “أفلاطون” و”أرسطو” و”كانط” و”شيلر” و”شوبنهاور” و”سبنسر” من جهة، ومن جهة أخرى، في أعمال متخصصين في بعض فروعٍ فنية محددة مثل “وينكلمان” و”موريللي”، أو في أعمالِ مرافِعين عن قضيةِ فنان معين مثل “راسكين” في «الرسامون الحديثون» (Modern Painters)، و”نيتشه” في «قضية فاغنر» (Wagner Case). وإلى جانب هذا، تتبقى كمية كبيرة من الحقيقة والنظرية القابلة في المحصلة للتطبيق على جمالياتٍ في كتبٍ حول الأطفال والبدائيين والمختلّين، وكل الأدب بأكمله الذي يمثله، بما يثير الإعجاب، الأساتذةُ “إرنست جروس”، و”يرجو هيرن”، و”هنري بلفور” أما فيما يتعلق بالأساليبِ التي سيتم توظيفها، والمقارباتِ التناظرية التي ستُتّبع، بل الأسبابِ الكامنة وراء هذه الظاهرة قيد النظر، فسيتم تعلّمها بشكل أساسي من علماء الأحياء، وعلماء النفس، وطلاب التطور العقلي والجسماني، الذين يسيئون، في أغلب الوقت، فَهمَ وجود الجماليات ذاته، أو يزدرونه.

الهدف من ورقة البحث الحالي هو إظهار بعض النقاط التي تنحو لتلتقي عندها كل هذه الدراسات المنفصلة، على أملِ أن تسهم محاولةُ رسمِ المجال الملتبس للجماليات في تعريف حدوده ومساراته، ومن ثم في تطويره المنهجي الشامل.

……..

تتضمن المشكلة الأولى لعلم الجمال تعريفاً للصفة التي تأخذ منها هذه الدراسة اسمَها؛ وتعريفاً للدراسة نفسها. لا نحتاج إلى أن نشقّ على أنفسنا، أكثر مما نفعل مع مسائل تاريخية أخرى، بمغامراتِ كلمة «الجَماليّ aesthetic»، وتحوّلِها من صفةٍ فلسفية مرتبطة بالإدراك إلى صفةٍ حالية ترتبط بالفن (art) وبالجميل (beautiful). ولكن من المهم أن يقرر المرء في ما إذا كان ينبغي أن يعدَّ الكلمةَ، تبعاً للاستخدام الخاطئ لها حالياً، صفةً تشير إلى الفن  (art)أو صفةً تشير إلى الجمال (beauty)؛ فاستخدامُ المعنَيين لهما تناوباً قد ساهم، لدى معظم الكتّاب، بدرجة لا يستهان بها، في تشويش هذه الأسئلة المعقدة أصلاً. لَئِن كانت صفة «الجَماليّ aesthetic» تُطلَق على «ما له علاقة بالفن»، وتعني كذلك «ما له علاقة بالجمال beauty»، فيجب، إذاً، تحديد المفهومَين وسلسلة لاحقة بهما من المناقضات الذاتية. لا يمكن لأحدٍ، على سبيل المثال، إنكار أن المسرحية والرواية والشعر هي، بشكل عام، من طبيعة الفن، لكنّ أحداً لا يمكنه إنكار أنه يوجد فيها كلها، إضافة إلى ما يستميل رغبتنا إلى الجمال، ما يستميل أيضاً مطالبَ مختلفة تماماً في النفس البشرية، مثل مطلب النشاط المنطقي، ومطلب إشباع الرغبة الأخلاقية، وكل ما هنالك من تحفيزٍ عاطفي، من الأجلف إلى الأرفع؛ ناهيك عن مطلب التعبير عن الذات، والبناء، والصنعة الماهرة. كل هذه المطالب، المتضمَّنة في كل شكلٍ من أشكال الفن، هي بطبيعة الحال مَطالب للسعادة والمتعة، لكنّ بعضَها لا يتناغم مع إنتاج الجمال وتصوره، بل مع القبح.

 الآن، إنْ كانت صفة «جَماليّaesthetic » مرادفة لـ «فنيّ artistic»، وتستحضرُ أيضاً دلالة ما هو «جميل beautiful»، فسوف يتم الخلط والتشويش بين متعة الفن وبين المتعة المستمدة من الجَمال (beauty). سيصل الأمر بنا إلى المغالطة التي تقول إن الجمال يعتمد على الوضوح المنطقي، أو المهارة الآلية، أو اللياقة العملية، أو الأهلية الأخلاقية، أو الدقة العلمية، أو الاهتمام المسرحي؛ أي فعلياً الجمال الذي له كل الصفات ما عدا صفة عدم القبح. وبهذا إن صيغة كيتس (John Keats) -«الجمال هو الحقيقة، والحقيقة هي الجمال»- إما أنها تحدّ من معنى الحقيقة وإما تُوسّع معنى الجمال ليشمل الكثير من العناصر غير الجميلة إطلاقاً. إن استعمال عالِم الجماليات لكلمة «جميل beautiful»، لأيّما ميزة في العمل الفني تشعره بالإشباع والرضى، هو السبب الرئيس إلى الآن في أن مشكلةَ الجمال والقبح قد سُلبتْ احتيالاً من أي دراسةٍ تُناسب أهميتها وصعوبتها. لذلك من الضروري العاجل، كخطوة أولى في كل مجال الجماليات (aesthetics)، أن تكون هناك تعبيرات منفصلة للتعبير عما «يتعلق بالفن art»، و«عمّا يتعلق بالجميلbeautiful »؛ ونظراً إلى أننا نمتلك مسبقاً صفةً مفهومة على التمام وهي صفة «فنيّ artistic»، إذاً هناك ما يكفي من الأسباب التي تحدونا لنُفرد للصفة الأخرى «جَماليّ aesthetic» تسميةَ ظاهرةِ الجمال وأيضاً القبح؛ إذْ إنّ له علاقة ارتباطٍ وثيق اللزوم بهذه الظاهرة، بدلاً من تعقيد بحوثٍ هي مسبقاً كثيرة التعقيد بسبب التغيير الحاصل في المعاني أو إدخال كلمات غريبة غير مألوفة.

ربما تبدو المناقشة الآنفة مجرد نزاعٍ حول المصطلحات، بَيد أننا سنجد أن الحال ليس كذلك، وأن تعريف كلمة «جَماليّaesthetic » يقدم دليلاً على جملةِ سؤال «ما هو الفن، وما علاقة الجميل (beautiful) بالفن؟» سنجد أن مطلب الجمال (beauty) هو الذي يؤهل جميع المطالب الأخرى، التي قد تسعى إلى الإشباع من خلال الفن، ومن ثم إنه يوحّد، بوصفه عاملاً مشتركاً في الاختلاف، بين كل الغرائز والأنشطة غير المتجانسة التي تذهب لتؤلف الفروعَ المختلفة للفن.

في الوقت الحاضر استُبدل هذا الرأي من الجميع بنسخةٍ من النظرية التي تطرّق إليها أولاً “شيلر”(Friedrich Schiller) في عمله “رسائل حول الجماليات”، ثم أعاد إحياءها السيد “هربرت سبنسر” (Herbert Spencer)، والتي تنص على أن الفن يتمايز عن التوظيفات الأخرى للنشاط البشري لكونه نوعاً من اللعب. تنسحبُ نظريةُ “اللعب” هذه على جميع فروع الفن المختلفة، لكنها تركز بشكل خاص على الفروع الأدبية وتتجاهل، كقاعدة عامة، تلك الفروع التي يكون فيها الجمال متحداً مع المنفعة، وتربط ُبين الفروع بخاصيةٍ مشتركة هي التأمل المنزّه عن الحرص، أما حقيقةُ هذا الزعم، سواء كانت صحيحة أم خاطئة، فهي أن هذه الفروع لا تخدم أي هدفٍ عملي بل تشكل نوعاً من العطلة في الحياة. وأضاف السيد سبنسر إلى نظرية “شيلر” عن الفن، بوصفه نوعاً من اللعب ويستمد قيمته من تحرره من أي حرص، فكرةَ أن الفن، مثله في هذا مثل جميع أشكال اللعب الأخرى، هو نتيجة لتخزين الطاقة التي لم تجد تنفيساً لها بطرقٍ أخرى، لكنّ الفرضية المحدِّدة «لغريزة اللعب» هذه، والتي يكون الفنّ فيها مجرد واحدٍ من تجسيداتها، تغاضت عن حقيقةِ أن جميع الأعمال الكفؤة تقريباً، وبالتأكيد كل الأعمال الإبداعية، مهما توجهت إلى غاياتٍ عملية، لا بدّ أن تعتمد على فائضٍ من الطاقة، وأنها -تقريباً في كلٍّ منها- تحضر المتعة المختصة بالصرف المحسوب لمثل هذه الوفرة في الطاقة.

ولأن البروفيسور جروس ليس فقط أحد أبرز علماء الجماليات(aesthetics)  الأحياء، بل هو أكبر سلطة مرجعية لما يخص اللعب  (Play)وفق هذه الطريقة، فإنه قد أضرّ كثيراً بنظريته الخاصة في الفن، أقصدُ عندما اضطر، في كتبه المتميزة حول لعب الإنسان ولعب الحيوان، إلى الاعتراف بأنه لَمِن الخطأ التحدث عن أية «غريزة لعبٍ» بهذه الطريقة، وأن اللعب ليس نشاطاً محدداً، بل هو مجرد نمطٍ من الأنماط قد يُقضى فيه كثيرٌ من الأنشطةِ البشرية أو معظمها؛ ولذلك رفض البروفسور جروس صيغة “الفن بوصفه لعباً” في نظرية السيد سبنسر. بَيد أنه بعد أن ألغى الفكرة السبنسرية عن “فائض الطاقة”، قام ببساطة بالعودة إلى نظرية “شيلر” القائلة إنّ الإمتاعَ المستقى من الفن يرجع إلى خاصيةٍ تميز جميع أنواع اللعب الأخرى، وهذه الخاصية هي الإحساس بالحرية أو العطلة.

لكنّ هذا بالتأكيد قلبٌ للترتيب الصحيح للحقائق، فنحن لا نستمتع باللعب لأن اللعبَ يجعلنا نشعر بالحرية، بل على العكس، نحن نحصل على متعةٍ أكبر وأكثر صفاء أثناء اللعب؛ لأننا أحرارٌ في التوقف وإجراء تغيير؛ أي فعلياً نحن أحرارٌ في فِعل ما لا نستطيع فعله أثناء العمل. لقد أجرى البروفيسور “جروس” نفسه، في صيغة لا تُنسى سنعرض لها تواً، ربطاً بين الإمتاعِ الخاص الذي يُسعى له عبر الفن وبين نشاطٍ مختلف تماماً عن اللعب وفق ما تَقدّم. وآمل أن أبيّن أن التعارضَ، الذي أقامه “شيلر” بين السكينة والراحة في الفن من جهة، وقسوة الحياة من جهة أخرى، هو بعيد كل البعد عن أن يكون من الأساسيات. آمل، بما أعانتني عليه بعضُ فرضيات الأستاذ “جروس”، أن أطرح أن الحالةَ الجمالية هي نقيض ذلك؛ إذْ إنها حصيلة كل أفعال الانتباه الصحية المستمرة والمتكررة؛ وأن الفن ببساطةٍ، وبعيداً عن إقصائنا عن الإحساس الحقيقي بالعيش، ينتقي ويكثف ويضاعف حالات الصفاء التي مُنحنا منها عينةً نادرة جداً، وقليلة جداً، ومختلَطة للغاية، في سياق حياتنا العملية العادية.

وهنا يحضُرنا مرة ثانية التمايز بين لفظتَي فنيّ(artistic)  وجماليّ (aesthetic)، وضرورةَ تخصيص المصطلح الثاني لوصف انطباعاتنا حول الجمال والقبح؛ إذْ بعد أن وجدنا أن التوظيفَ الفني لبعض الملَكات لا يمكن له أن يتمايز إنْ سميناه لعباً، سنجد أن أرقى الأعمال الفنية قد أُنتجت عندما وُظفت الأنشطة التعبيرية والمفيدة والمنطقية وغيرها من الأنشطة في أقصى توظيف عمليّ لها، ومع إقصاءٍ حتى لكل ديكور الزخرفة، ما قد يفسَّر كزوائد طُفيلية من اللعب على العمل. لا يوجد لعبٌ عندما يحسّن الخزّافُ أو المهندسُ المعماري شكلَ إناء أو مبنى إلى أن يصل إلى ما نسميه جميلاً (beautiful)؛ ولا عندما يرتب كاتبٌ جُملَه، أو قاطعُ حجارةٍ نقشَه، بطريقةٍ لا نتعلمها فحسب بل نشعر بالسرور في سيرِ التعلم. وإنْ كان التحررُ من الاعتبارات العملية داخلاً، دونما ريب، في مثل هذه الصناعة، التي تجعل الأشياءَ الضرورية جميلةً، فإن تلك الحرية ليست هدفاً لهذه العملية الفنية، بل هي شرطها الضروري؛ إذْ نحن لا نتصرف بحريةٍ من أجل التمتع بالحرية، بل نمتع أنفسَنا لأنه حدثَ أن كنّا أحراراً لنفعل هذا.

لذلك، إذا أعطينا مسمى الفن لكل محاولةٍ من هذا القبيل تضيف صفة أخرى إلى جانب صفة المنفعة على الأشياء المفيدة أو الأعمال المفيدة، فهناك، إذاً، طبيعة مشتركة يتمايز بها الفن عن جميع الأنشطة الأخرى، سواء في العمل أم اللعب. وهذه الطبيعة المشتركة، التي تجعل اللعبَ أحياناً فنياً، وأحياناً أخرى تجعل العملَ فنياً، والتي إنْ غابتْ فسيؤدي غيابُها إلى إقصاء اللعب والعمل على حدٍّ سواء خارج فئة الفن (art)، هي بالضبط ذلك الطابع القائم بذاته الذي أرغب في أن أخصص له كلمة «جماليّ aesthetic». إنْ نحن تفحصنا جميعَ فئات الفن، بغض النظر عن هدفها الرئيس، سواء كان بناءَ شيءٍ مفيد، أم شرحَ شيءٍ مهم أو تسجيلَه، أو التعبيرَ عن عاطفةٍ، أو إشباعَ رغبةٍ، أو فعلَ شيءٍ ما سواء كان عملياً أم غير عملي، مفيداً أم مؤذياً، فسنجد أن تحقيق هذا الهدف الرئيس يتمايز من خلال محاولةِ تجنب القبح قدر المستطاع، وتحقيقِ أكبر قدر ممكن من الجمال (beauty) الذي تسمح به الظروف الخاصة. ربما يكون المبنى أو الآلة المطلوبة خرقاء في أجزاء منها لا شك؛ وربما يكون الشخص المراد رسم صورته قبيحاً بالطبيعة؛ والحقيقة المراد توصيفها ربما مثيرة للاشمئزاز؛ وربما تكون الغريزة التي تبغي الإشباع وحشيةً أو بذيئة؛ ورغم ذلك، إنْ كان المبنى أو الآلة، أو الصورة، أو الوصف، أو الرقص، أو الإيماءة، أو الثوب، سيؤثر فينا بفنيّته، فلا بد بالضرورة أنه يمتلك، بدرجة أو بأخرى، الميزة الخاصة بما يكون جميلاً (beautiful). وفي حالة العكس، حيثما لا يكون مطلبُ الجمال (beauty) واضحاً جلياً، وحيثما لا توجد محاولة لإحلال الجميل محل القبيح، في الخط مثلاً أو في الفراغ أو اللون أو الصوت أو الكلمات أو الحركات، هناك لا تنطبق كلمة فنيّ (artistic)، بل تستخدم بدلاً منها عباراتٌ مخالفة لها في التمييز، مثل عبارة بارع تقنياً، أو معقول منطقياً، أو مناسب عملياً، أو مقبول حسياً، أو مثير عاطفياً، أو يستحق الثناء أخلاقياً، أو أي من النعوت الأخرى التي تصف جدارةَ العمل البشري أو اللعب البشري. الفن، إذاً، هو إظهارٌ لأية مجموعةٍ كانت من الملَكات، وتعبيرٌ عن أية غريزةٍ كانت من الغرائز، واستجابةٌ لأية حاجةٍ كانت من الاحتياجات، وهو كفوء بأية درجة كانت؛ أيْ بمعنى أنه منضبط وقابل للإضافةِ إليه وتعديلِه أو انعطافِه، في طاعةٍ لرغبةٍ منفصلة تماماً عن أي من هذه، ممتلكاً أسبابه الخاصة ومعاييره الخاصة ومقتضاه الخاص؛ حيث رغبته هي الرغبة الجمالية (aesthetic). أما الميزة التي تلبي هذه الرغبة الجمالية فهي ما نسميه الجمال (Beauty)؛ أما الصفة التي يجتنبها أو يقلل منها فهي القبح (Ugliness).

نأتي الآن إلى المشكلة الرئيسة الثانية في مسألة الجماليات: ما الجمال (Beauty)؟ أَهو صفة محددة بعينها، يسعى الجميعُ إليه قاطبة بدرجة أو بأخرى، ويدركونه، أم الجمال مجرد التعبير عن علاقات متغيرة معينة، عن علاقات ملائمةٍ أو تجديدٍ أو تقليدٍ، وهكذا دواليك؟ يستمر عدد من المتخصصين في الجماليات، كتفسيرٍ كلي أو جزئي، في القول إن الجمال هو تكيف مرئي لغاية مقصودة سواء كانت بشرية أم إلهية. نجد هذه الفكرة موجودة ضمناً، على سبيل المثال، في إصرار “راسكين” فقط على الضروريات المفيدة والعملية في العمارة. ورغم ذلك، إن هذا التفسير له القليل من المصداقية الفلسفية، وقد تم دحضه سابقاً وبشكل معمق من قِبل “كانط”، وللتذكير فقط إنه مَن أسهمت قدرتُه على التمييز والحكم مساهمةً مهمة في مجال الجماليات. هناك شرح آخر للجمال يخلط بينه وبين المهارة الفنية أو الوضوح المنطقي، اللذَين يحتاجهما الجمالُ ليظهر؛ وهناك فكرة أخرى تتكرر بشكل أكثر خفية ضمن التوجه مؤخراً لجعل سهولة الإدراك ليست شرطاً للجمال، بل معادِلاً للجمال وتساويه؛ فعملية التعريف بالصورة مثلاً أو التمثال، وفق مثل هذا التبسيط للخطوط والأسطح المستوية، لكي يصبحا مفهومَين بسهولة بمثل هذا الترتيب، تعني كأننا نجعل الصورةَ أو التمثال يدفعان لنا ثمن فهمنا لهما. ومن الصعب للغاية تفادي هذه النظرة الخاطئة حالياً؛ حيث توجد في أقصى درجات الفهم الفني دقة بين المشتغلين بالجماليات.

أما الفكرة البديلة، أي حتى يكون الشيءُ جميلاً تجب علاقة فريدة قائمة بذاتها بين الأشكال المنظورة والمسموعة وبيننا نحن أنفسنا، فيمكن استنتاجها من المقارنة بين الأعمال الفنية مِن أنواعٍ وفتراتٍ ومناخاتٍ مختلفة؛ إذْ إن مثل هذه المقارنة ستُظهر أن نِسَباً محددة وأشكالاً ونماذجَ وتكوينات تميل نحو التكرار حينما لا تعيق الفنَّ رغبةٌ واعيةٌ تتعمد التجديد. سوف تُظهر مثل هذه المقارنة أن الجنسَ البشري يفضل دائماً أن يكون أثاثه وحاجياته المنظورة، مثلاً، مجسِّدةً لبعض ميزات خاصة من التناظر وعدم التناظر، ومن التوازن، وأيضاً تأكيد جانب على آخر؛ وهو دائماً، عند التصرف بشكل عفوي ومن دون تَفكّر، يعدّل الأشكالَ التي يوفرها الواقعُ له، أو توحي بها المتطلباتُ العملية إلى أن يطابقها مع أنماطٍ متكررة محددة. مثل هذه الدراسة المقارِنة، التي بدأت للتو في أيامنا هذه (والفضل يعود جزئياً إلى التسهيلات الميكانيكية مثل صبّ قوالب الأشكال والتصوير الفوتوغرافي)، يجب أن تصبح جوهر علم الجماليات كله. لا يمكن إلا لدراسة عمل الفن أن تجيب عما ينضوي تحت اسم الجمال، وما ميزات الشكل الرئيسة التي تعتمد خاصية الجمال عليها. وإلى أن نعلم هذا، سنستمر في التكهنات المبهمة أو حتى غير المجدية للفلاسفة السابقين حول الكيفية والسبب اللذَين يؤثر بهما الجمالُ فينا بالمطلق، وسنستمر في التخمينات العشوائية لنقاد الفن حول الأسلوب الذي تأتّى فيه الحصول على مثل هذا الجمال.

اعتمدت هذه الدراسة المقارنة للفن –أي مقارنة فئة بفئة، عمل بعمل، تفصيل بتفصيل- حتى الآن، بشكل أساسي، على المحاولات التي بُذلَت للتأكد من هوية مؤلّفي الأعمال الفنية الفردية، على سبيل المثال، محاولات علماء الآثار من نوع “جوستاف فيلهلم فورتفانغلر” (Gustav Wilhelm Furtwängler)، و”جوزف لوي” (Josef Löwy)، و”ويكو” (Wickow)، ومحاولات ذواقة الرسم من مدرسة “موريللي”. ومن ناحية أخرى، كان مما ساعد هذه الدراسة بشكل كبير هو الدراسات والتوضيحات، التي قام بها عدد قليل من الفنانين العمليين، مثل النحات “أدولف فون هيلدبراند” (Adolf von Hildebrand) في كتابه (حول الشكل النحتيّ)، ومثل “راسكين” نفسه، ليس فقط في كتاباته، بل في الرسوم البيانية والرسوم التوضيحية التي أضافها كتكملةٍ مساعِدة لكتاباته.

من المحتمل أن يتم رفد هذه الدراسة للبنية الحقيقية للعمل الفني، عاجلاً أم آجلاً، ليس فقط بالمقارنة المنهجية للشكل كما يوجد في الفن -فن الحائك أو الخزّاف أو صانع الأسلحة، وبالقدر نفسه فن المهندس المعماري أو الرسام- وكما يوجد في العمل، رفيعاً كان أم متدنياً، بل أيضاً عبر مقارنة الشكل الموجود في الأجسام الواقعية والشكل المعدّل بالفن أو «البعيد عن الأشكال الواقعية». في أرقى المنحوتات، من العصور القديمة والقروسطية، لا تؤدي العضلات، على سبيل المثال، دوراً وفق النظام الحركي الواقعي، فالكثير من حقائق بنية الجسم يجري الابتعاد عنها لمصلحة البحث عن سطحٍ وكتلةٍ تروقان للفنان. وبطريقة مشابهة، يتعارض منظور؛ أي تكوين الصور العظيمة مع تكوين المنظر الواقعي؛ وعلى هذا النسق، تُجعَلُ الأشكالُ الحيوانية والنباتية متناظرة وإيقاعية ومنسجمة مع المقتضى الجمالي الذي يمكن رؤيته على حد سواء في صنع السلال من عملِ البدائيين، وأيضاً في المنحوتات القوطية من عملِ نحّاتي الحجارة.

 لقد استخدمتُ أكثر من مرة تعبيرَ “المقتضى الجمالي” (aesthetic imperative). بطبيعة الحال هذا المقتضى يكون مضمراً ضمناً في كل التقاليد الفنية، ويوجه ممارسةَ كل حِرفيّ وكل مدرسة فنية، بل حتى لو تمكنا من أن نترجم إلى مصطلحات منطقية؛ أي إلى كلمات مفهومة، ذاك غير المنطوق به، وتلك الخيارات التفضيلية التي لم تجرِ صياغتها، والتي يخضع لها كل فنان ويطيعها، عظيماً كان أم قليل الشأن، فسنعرف وقتئذٍ بدقةٍ ما هو الجميل وما ليس بالجميل، وأين تكمن الميزة الأساسية لكل عملٍ فني وكل مدرسة، لكن لأنّ الممارسةَ الفنية هي التعبير الخاص والوحيد للجمال، ولأنّ الأسبابَ التي تحدد مستوى الحِرفيّ تنبع بالضرورة من اللاوعي –طالما أننا نربط الوعي بالمنطق والكلمات- فإنه لا يمكن أن نواصل دراسة ماهية الجمال إلا بالأساليب العلمية للمقارنة والحذف. نستطيع أن نرمز لهذه الطريقة، وأن نجعل منها مثالاً بتطبيقها على الفن البصري، فنأخذ صورة فوتوغرافية لموضوع واقعي، وصورة أخرى معدّلة فنياً لهذا الموضوع نفسه، ثم نمحو ونضيف ونعدّل في الصورتين إلى أن تصبح كلتاهما متشابهتين، باتّباع نظام التحليل والتوليف العملي نفسه وتطبيقه على مختلف أنواع الأعمال ودرجات تَميزها؛ فنحدد من خلال هذا الحذف والدمج ما الذي يمثل ما نسميه “جمالاً”، ومن ثم نتثبت من صحة استنتاجاتنا عن طريق المقارنة المعالَجة إحصائياً لـلأشكال الفنية المتكررة، التي ستُثبت قبولَها عالمياً حال وجود انتظامٍ متماثلٍ في تكرارها.

 ولكن ما السبب الذي يجعلنا نفضّل ترتيباً محدداً للخطوط والألوان والأسطح والأصوات، ناهيك عن الكلمات؟ الجانب النفسي من الجماليات، واعتماده المتبادل على كل أسئلة العلوم العقلية، يبدأ بهذا السؤال الذي سيكون تعبيره العلمي كالآتي: ما هي أولاً حقائق الوعي، وما هي ثانياً العمليات الفيسيولوجية، التي تترافق مع الرضا والإشباع من أشكالٍ معينة لكونها جميلة وتكمن وراءها، وتترافق مع عدم الرضا من أشكال أخرى معينة لكونها قبيحة؟

 هذه المسألة، التي حلها النهائي مشروطٌ، بشكل طبيعي، بتقدم علم النفس عموماً -لا شك- تطرح نفسها مجدداً فيما يتعلق بكل نوع من الفن، وكل حرفة تنطوي على مسائل الجمال والقبح. بَيْدَ أنّ هذه المسألة معقدةٌ للغاية في الأدب بفعل اهتماماتٍ أخرى، منطقية وعاطفية وعملية، تؤلف القسم الأكبر مما هو جزءٌ فقط من الفنون جميلة؛ وتحجب وضوحَها مسائلُ تفصيلية لم يتم تفحص أيٍّ منها بشكل صحيح، وتتعلق بالعمل المباشر للكلمات. حتى جماليات الموسيقى -إنْ أمكن القول- لا تزال في حالة أكثر تخلفاً بسبب الصعوبة الكبيرة في المراقبة الذاتية والخلط الذي لا يُرتجى منه خيرٌ في المصطلحات المستخدمة. لذلك، وعلى الرغم من قيمة أشخاص مثل “ستومبف”(Stumpf)  و”هانسليك” (Hanslick) و”دورياك”(Dauriac)، لم ألحظ كثيراً من التقدم منذ التحليل البارع للراحل “إدموند جورني” (Edmund Gurney)، الذي دحض عملُه العظيم (قوة الصوت) كل ما وجِد من التفسيرات، لكن دون إحلالٍ لأية تفسيرات جديدة محلها. على أنّ الفنون الجذابة للعين قد أثبتت طواعيةً أكثر للتحليل النفسي، فقد خضعت أكثر بكثيرٍ للفحص العلمي بفضل الخبراء المتذوقين، وعلماء الآثار، وعلماء دراسة المجتمعات والثقافات البشرية. وفيما يتعلق بهم، من الممكن بالفعل أن تظهر المسارات الرئيسة التي تتحرك وفقها الملاحظةُ والفرضيةُ؛ أي الاتجاه الذي سيكون ملزِماً لكل فئات فلسفة الفن بأن تذهب فيه.

البوهيمي

ولاء الشمري

‏( La Boheme )
مصطلح فرنسي، كان يستخدم للتحقير والازدراء لمجموعة الغجر “مجموعة اشخاص ذوي ميول مشتركه، غالباً فنيه” ، وعلى الاشخاص المهمشين الفقراء، وتعني ممارسة نمط حياة غير تقليدي..
لكن سرعان ما ازدهر هذا المصطلح واصبحت له دلاله رومانسيه في خمسينيات القرن التاسع عشر، بعد نجاح مسرحية (مشاهد من الحياة البوهيمه)، وقيام الموسيقار الإيطالي (بوتشيني) بتحويل هذه الأفكار إلى اوبرا..
ف اصبح رمز للبساطه وايقونه، ومحط اعجاب وانتماء، وتجد الستايل البوهيمي، في اللباس، الاثاث، نمط الحياة..
ومن وجهة نظري الشخصيه ان من تابع مسلسل
“عيلة سبع نجوم” سيفهم كيف البوهيميون يعيشون ويفكرون ولكن بطريقه كوميديه “دراويش”..
وغالباً البوهيمي الحقيقي يظهر بملابس فضفاضه من النساء والرجال على حد سواء..
ولكن في ظل التطور وزمننا هذا، اصبح البعض يستخدم الاسلوب البوهيمي ويعبر عن ذاته بطريقه تثير السخريه فعلاً، كأن يتكلف ويبالغ في لبس الالوان المتناقضه..
البوهيميه في رأيي تعني البساطه والعفويه والحريه وعدم الاهتمام لنظرة الآخرين، وهو فكر يراه البعض لغريبين الاطوار، وفي نفس الوقت هو مسبه واستهزاء، وايضاً هو مديح واعجاب!
كما توصّل الفيلسوف المعاصر آلان دو بوتون الى ان البوهيميه هي الحل لمن يعاني من “قلق السعي الى المكانه” كما هو عنوان كتابه..
#بقلمي

حكايات “هدى جعفر” عن الحاجة لامتداد السينما فيما تكتب

حكايات “هدى جعفر” عن الحاجة لامتداد السينما فيما تكتب

بقلم: عبير اليوسفي

 

في إحدى المقالات التي كتبتها الناقدة السينمائية هدى جعفر، اقتبست جملة جاءت في رواية الإيطالي إيتالو كالفينو: “هل كنت سأكتب جيدًا لو لم أكن موجودًا؟”، لتسقطها على شغفها تجاه الكتابة السينمائية منذ حديثها عن نفسها أرادت هدى أن نقرأها بعيدًا عن محاولات تقييمها بصفتها امرأة يمنية اكتسحت الكتابة عن السينما وترتدي الحجاب الأسود في وقت لم يكن اليمن يهتم بهذه الصناعة، ويفتقر لهذا النوع من الكتابات، ونجحت في ذلك. مؤخرًا، أعلنت عن صدور مجموعتها القصصية، التي حملت عنوان “اليد التي علقت المرآة” عن دار جدل، ويعد هذا الإصدار الأول لها. تأتي المجموعة في سبع قصص قصيرة، تنوّعت في شخوصها وعناصرها ومواضيعها، رغم غلبة المصير المأساوي للشخصيات.

منذ القصة الأولى، وعند المشهد الأول، تلتقط ذاكرة الكاتبة السينمائية، فتأثيرها حاضرٌ في التفاصيل الصغيرة التي تواجدت. تستفتح المجموعة بـ”الباب وأنا وعنايات أبو سنة”، لتشدّ انتباهك نحو الدمية القطنية والسجادة الأصفهانية والمسرح الحاضر بجريمته، التي أفزعت طفلة ذات خمس سنوات، في مشهد كان وقعه مضحكًا على المشاهدين، بينما فتحت السكين المستقرة في منتصف جسد الراقصة البابَ نحو الأسئلة: “هل يكون الحضور عن طريق الغياب؟ أين ذهبت عنايات أبو سنَّة بعد السكِّين التي اخترقَتها؟ من أيِّ باب انسلَّت؟ في أي قصة كانت قبل هذه القصَّة؟ لماذا سمح المشاهدون للضحك بأن يأخذهم بعيدًا عن جثة الجميلة المقتولة؟”.

يظهر اليمن بحقائقه الواقعية ومجتمعه الخانق، في ثلاث حكايات وثلاث مدن مختلفة. الأولى صنعاء في “حديث الساعات” وجبالها فج عطان ونقم، وأحياؤها وبيوتها، وفتاة يمنية ترقص على أنغام أبو بكر سالم وتحاول فهم علاقتها بالزمن غير المستقر حين قادها عملها لمصادفة امرأة مجهولة تطالبها بسرد القصة التي تخصها. ليمتد السرد من نهار صنعاء حتى فجرها وينتهي بتساؤلها عن العلاقة مع الزمن “اليوم الغريب الذي انتهى بقصةٍ عن ساعةٍ قديمةٍ، صنعاء التي ابتلعت ساعتي، أو صنعاء التي ألقمتها ساعتي، أنا وصنعاء، من مِنَّا أوقف ساعة الآخر؟”. ثم تدرك حالما تطأ قدمها خارج المنزل، أن لا شيء سيعود كما كان، فثمة تغير في زمنها، لتقلب تلك الليلة مسار حياتها، وتصبح الساعات المعلقة على الحائط هي الشيء الوحيد الذي يؤكّد حقيقة ما حدث.

على خلاف مدينة صنعاء وزمنها الحاضر، ظهر مجتمع القرية بزمنه القديم في قصة “شعرة على صحن العالم” بمدرجاته الزراعية، وبيوته الحجرية ولهجته البسيطة. استردت الكاتبة واقعية حياة الريف من تفاصيل صغيرة ارتبطت به، ونجحت في تصوير تفاصيل المرأة الريفية التي تعمل في الأرض عبر جليلة “كانت جليلة قوية وجميلة، لها عينان صغيرتان، وأنف أخنس، وفلجة بين الأسنان، وبشرة لم تغيرها الشمس بسبب الكُركم الذي تفرده على وجهها كل يوم، وقد انسابت خصلات شعرها المتعرِّج البُنيِّ من تحت غطاء الرأس”. ومن الشطر الشمالي الذي يقع تحت حكم الأئمة الزيدية، تنتقل البطولة بكل خفة إلى عدن، التي تقع تحت حكم الإنجليز، المنفتحة على مختلف الجنسيات، وشهقة “علي” عند اللقاء الأول: “وعندها رأيتُ الله؛ رأيتُ بحر عدن. وفي تلك اللحظة بالذات من حياتي، في تلك الثانية التي شهدَتْ عيناي الموجات العالية تضربُ الصخور، شعرتُ بيدٍ تكسر كلَّ الأشواك داخلي”.

يختزل السردُ التغيراتِ السياسيةَ والمجتمعية التي شهدتها عدن وحروبها الداخلية وتأزم العيش فيها، ممّا دفع عليًّا للهروب منها، لينتهي مشهده الأخير داخل دكان.

تتلاشى القرية في ذاكرته لتحل عدن مكانها بتفاصيلها التي استوقفته “بنايات نظيفة متجانسة الألوان من خمسة وستة وسبعة طوابق، شوارع عريضة مُعبّدة، دكاكين تبيع كل شيء من البِسباس (الفلفل) الهَرري، وحتى السيارات الأوروبيَّة، شوارع وأزقة يرتدي الناس فيها ملابس مختلفة عن الزقاق المُجاور: فساتين إنجليزية، سواري هنديَّة، فُوطًا يرتديها الرجال حول خواصرهم تزينها مربعات كثيرة، طواقي زنجبارية، بنطلونات من أقمشة سميكة، كعوبًا عالية تدق الشوارع طوال اليوم، ملابس إفريقية فاقعة، دروعًا شفافة تكشف خصور النساء الدقيقة، وشومًا بدويَّة على الجباه والذقون. عدن كانت بلادًا لكل شيء، وأنا كنتُ في قلب هذا الكُلّ”.

لا تغيب السينما عن الذكر، فقد ظهرت في مشهدين ضمن معجزات عدن الكثيرة، وأهمّها “البحر والسينما”؛ الأول عن تجربة “علي” حين دخلها للمرة الأولى، والآخر مشهد بكائه بخيبة أمام سينما “هريكن”. يختزل السردُ التغيرات السياسية والمجتمعية التي شهدتها عدن وحروبها الداخلية وتأزم العيش فيها، مما دفع عليًّا للهروب منها، ينتهي مشهده الأخير داخل دكان، ودون أن يدرك أنّها الليلة المأساوية، يقرر إعداد الزربيان الذي امتهن صنعته في عدن.

في “صلاة مسعود”، تقابلك تعز بعتبة منزل عاقل الحارة، والقطط الخمسة التي تلتهم بقايا الطعام، أربعة رجال يناقشون الحدث المهم، ومسعود أمام المرآة يتساءل: “ما الذي جعل حَلَمة النهد هذه تنبتُ فجأةً على جبينه!”، تتضح لك معالم المدينة بسوق الشنيني والمجلية وشارعها ٢٦ سبتمبر أو شارع الحب الذي يضج بقصة “جبهة مسعود”. وبعد أن سعى في الأرض بحثًا عن علاج لتلك الحلمة البارزة، يقترح الشيخ طه على مسعود أن يغطيها بقطعة قماش، كون “جسد المرأة عورة” وجبينه تتزين بحلمة لأنثى لذا وجب سترها، لكنه يقرر كسب المال عن طريقها بالتقاط الصور معه. يشتهر مسعود بحدثه الغريب، وبين التساؤل إذا ما كانت تلك حلمة رجل أم أنثى، يسيل الحليب ذات يوم ليؤكد أنوثتها، ويجد مسعود نفسه يُلقمها لطفلة ألقيت في القمامة بعد أن جرته العجوز “جمالة”، ثم يأتي الحدث الذي أفزعه ليدرك أنّه الحلمة لم تكن فقط للأطفال المنبوذين، بل للرجال الذين ليس لهم إمكانيات لمس امرأة.

“تعز غافية في إشفاقٍ ككلبٍ ينتظر كرم سيِّده، تعز تأتي بإقدامٍ كسيّدٍ يعرف أنَّ عبيده وكلابه في انتظار كرمِه، المدينة تنظر إلى مسعود من علٍ، مسعود ينظر إلى الأشياءِ من جبينِه لأول مرَّة في عمره الذي تجاوز الأربعين، ما هذه المدينة التي تقتر على كل شيء، لكنَّها تمنح حَلَمة فائضة عن الحاجة؟!”، في اللحظة التي تصالح مع وجودها على جبينه واعتبرها جزءًا منه لا يحتاج إلى التغطية، يختفي ويظل الناسُ يتناقلون مصيره المجهول.

جاءت هذه الحكايات عن حاجة امتداد السينما في كتاباتها، مما جعلها تمتاز في إطعام عملها نصوصًا ذات مشاهد تصويرية بديعة.

ما يميز أسلوب هدى جعفر، هو أنها كونت علاقة وثيقة مع القارئ في نبش ذاكرته للمدن والأماكن والأغنيات، وملامسة أزماته الداخلية عبر شخوصها، فضلًا عن نجاحها في وصف أبسط الأشياء التي تستدعي الحنين. وصفت الروائح وأعطتها صورة شاعرية، كالضيفة الخضراء التي لها رائحة الكتب المهجورة، والحقيبة الزرقاء التي لها رائحة الهجران، والبيت الذي له رائحة القماش الذي لم يجف جيدًا. كما أنّ للمدن روائحها؛ وصفت رائحة عدن، “الأبخرة المُتصاعدة من قدور الطبخ التي تحمل نكهات البصل، والبهارات، واللحوم، والسميد، والسكر، فكانت رائحة عدن، تطيرُ حتى تترسخ في ذاكرة الغيم وقمم الجبالِ، حيث كان يقف والداي ذات يوم”، وكانت رائحة تعز تفوح من الجبن البلدي، “الرفوف الخشبية مشبعة برائحة اللفَح المُستخرج من أمعاء صغار الماعز، الهواء بارد، وجبل صَبِر يبدو من بعيد، كظهر رجلٍ يغادر مطأطئ الرأس؛ لأنَّه فضَّل تفحُّص الأرض على تأمل السماء”.

عودة إلى مقالها المنشور على مجلة المدنية، صرحت عن شغفها في اختيارها الكتابة عن السينما، بأنه “نتيجة لإشباع حاجة بداخلي”، وربما جاءت هذه الحكايات عن حاجة امتداد السينما في كتاباتها، ممّا جعلها تمتاز في إطعام عملها نصوصًا ذات مشاهد تصويرية بديعة. وقد تبدو الكتابة مع شخص يمتلك هذا الشغف، خاليةً من التعقيدات، فاستدعاء تفاصيل المكان يأتي من ذاكرة أتقنت التقاط الأحداث اليومية، ممّا خلق الواقعية على الشخصيات حتى يخيل أنك تقرؤها وتراها، وكما هي شخصيات نجيب محفوظ التي عاشت في ذاكرة أعماله، تعيش فجر وبدور وعلي ومسعود في ذاكرة قارئ هدى جعفر.

 

المصدر: مع خيوط

المسوده الاولى

ولاء الشمري

هي لحظة تعرّفك على فكرتك الجديده الطارئه، لحظه عجوله ومليئه بالحماس والفوضى، لكنها احياناً قد تكون لحظة انطلاق..
تشبه لقاءك بشخص جديد صدفه، تجامله وتمنحه الاهتمام والوقت، وتطيل الحديث معه، ولكن ما ان تمضي فتره من الزمن في التعرف عليه، حتى تصل لأمرين لا ثالث لهما، وهي اما انك ستستثمر به، وستفخر بمعرفته وستعلنه للجميع، او ستتهرب وتتركه في المنتصف لان معرفته غير لائقه..
نعم يتنكر الكاتب احياناً من كلماته ويجحدها ان هي خيبة امله، واحرجته..
ولكل شيء مسوده اولى، ف شعور البدايات له رنه خاصه في الذاكره، شعور لذيذ مهما كان ساذج ويفتقد لحكمة الخبره.. تلك البدايات التي نتذكرها بين حين وآخر، بين كلماتنا وفي عزلتنا التي نختارها لنتذكر بداية كل اللحظات والمشاعر…
اول يوم دراسي واخره، اول دقت قلب، اول مره نجحت او فشلت، اول ليله بجوار شريك حياتك، اول قبله على جبين طفلك البكر، اول سياره، وحتى اول مخالفه..
نستيقظ ونشعر احيانا بثقل واحيانا اخرى باحباط ومرات سعيدين، ثم ننغمس في ساعات يومنا ودقائقه وثوانيه حتى تحين لحظة النوم، وما بين الاستيقاظ والنوم نحن في الحقيقه لم نشعر بشيء! كالطائره فقط نتذكر لحظة اقلاعها ولحظة وصولها لا اكثر…
البدايه والنهاية هما اصدق شعور!
بين حين واخر، نسعى الى شيطنة مابين بداياتنا مع اشخاص ونهاياتنا معهم، لعلنا نحيي ذلك التصفيق الذي يسبق الانطلاق ونعيد اضاءة تلك الشرارات التي اشعلت اول اصدق المشاعر..
#بقلمي

(كاتب افتراضي)

ولاء الشمري

ان التطور مرحله يحلم بها الجميع، لما فيها من تغير الحال للافضل، ولكنه بهذا الزمن اصبح التطور زيفي بالشكل والكلمه وحتى المشاعر، هذه الاخيره باتت مقتبسه من قصص خياليه لم تنجح..
لست كثيراً ممن يعرفون اخر تطورات التكنولوجيا، ولكنني بالصدفه عرفت ان العلم تطور لدرجة انك اصبحت تستطيع كتابة مقال بل كتاب ايضاً، عن طريق الذكاء الاصطناعي!
وهناك مواقع وتطبيقات تساعدك بضغطة زر في اخراج مقال بجوده عاليه وفي دقائق معدوده ومترجم لعدة لغات ان شئت، وبسهوله شديده!
نحن بصعوبه تقبلنا وجود ريبوت، وهضمنا فكرة انه يتحرك ويتكلم ويعمل بدل عمل الانسان، ف هذه اشياء بلا تفكير وبلا مشاعر، مجرد آله تنجز..
اما الان ف حتى التفكير والمشاعر والاحاسيس والمنطق
اصبحت وهميه ومجرده من الحس الانساني الوجداني!
لا روح ولا بصمه ولا شخصيه خاصه ولا اسلوب مميز!
نحن مقبلين على كذب كبير، وانجازات وهميه، وامجاد تظليليه، سنعجب بكتّاب مزيفون وسنصدقهم وربما حتى سنقتدي بهم!
الحقيقه والمصداقيه سيقلون بمرور الزمن الى ان يتلاشون، ستصادق كذبه، وستثق بكاذب!
اتساءل هل هذا النوع من التطور خدم البشريه ام ضرها!؟
#بقلمي_حقاً

م. خباز

ولاء الشمري

ذات يوم رأيت شخصاً على التلفاز، من احدى الدول العربيه يعمل كـ خباز ويعلم ابنه الصغير هذه الحرفه كي يتقنها في المستقبل وتكون مصدر رزقه.. ف ألهمني لكتابة هذا المقال..
بصراحه انا كنت لا افضل ان يتم تعليم الاطفال امور شاقه كهذه، وكنت افضل ان يعيش الطفل سنّه وهكذا.. ولكني وبصراحه شديده غیرت رأيي!
لا بل واصبح يعجبني منظر الطفل الذي يتعلم ويزاحم الكبار على اتقان مهنهم، ف هذا امر لن يأخذ من طفولته شي، بامكانه اللعب طوال اليوم، والتعلم لو لساعه واحده حرفه تنفعه..
من قال انه يجب ان تصبح دكتوراً او مهندساً او محامياً! من قال انه ضروري ان تصبح مديراً يجلس على مكتب! من قال انه ضروري ان تغرس في ابناءك حب
الشهادات والجامعات!
ومن قال ان العلم والتعلم نحصل عليهم فقط
من هذه الامور!
العلم بنسبه كبيره تجده في الكتب والقراءه والمطالعه
والتجربه والخبره..
لولا المزارع لما كنا نملك حدائق جميله!
ولولا عامل البناء لما كنا نملك منازل جميله!
ولولا الخباز لما اكلنا خبزه طازجه لذيذه
شهيه في عدة ثواني ونحن بكامل اناقتنا!
وغيرها من الحرف والمهن التي تتطلب جهد وخبره، لولاهم لما نعمنا بحياة كريمه وبيئه نظیفه تؤهل
الدكتور منا لاداء رسالته، وتؤهل المهندس لاستمرار ابداعه، وتؤهل المحامي لزيادة تحسين قدراته في الدفاع عن الحق..
صف لي كيف سيكون حالهم من دون محيط مريح ميسر جميل..
شكراً لجميع اصحاب الحرف النبلاء المبدعين، واصحاب الشهادات العليا المؤثرين، كلاكما الحياة قائمه على استمراريتكم، وكلاكما مكملين لبعض..
#بقلمي

الطاقه المبعثره

ولاء الشمري

هي هدر وقتك في مراقبة امور ليست لك
او ليست من شأنك
وسرحانك في ذكريات انتهت
ونظرك في ما لا يعنيك
وملاحقتك لسراب
ومتابعة التافهين وتتبع اخبارهم وتخمين قصصهم
والالتهاء في القشور، في الترف،
في الوهم
في التفنن بتبديل الاقنعه..
لذلك لا تنجز بالكامل ولا تنجح بالكامل وهذه معادله عادله، لانك لم تستثمر تلك الطاقه في نفسك وفي اتجاه واحد..
اتقان العمل لا يعني صرف مال اكثر، او وقت اكثر
بل تركيز اكثر واخلاص اكثر..
#بقلمي
Insta: wals_books

اعرف مسارك

ولاء الشمري

احياناً يكون المستقبل خلفك! وانت تتجه الى الماضي! بكل جهل تدير ظهرك عن المستقبل!
وبكل غباء تقبل على الماضي! وتتسائل لماذا لا اتقدم رغم اني في الاتجاه اسير..!؟
انت فعلاً (اسير)..!
اسير عند زمنٍ ولى!
اسير عند لحظةٍ تبخرت من شدة غليانها في ذاكرتك! ولازلت تجددها باستحضارها!
اسير عند موقفٍ أبيت الا ان تعشعش فيه وتدور حوله! وتتسائل لماذا التاريخ يعيد نفسه معي!؟
ببساطه لانك تدور! وان اخترت ان تخرج من الدائره، فتختار المسار الخاطئ..!
زوبعه من الذكريات، اما آن لك ان تصنع غيرها ذكريات جديده حاضره حيه!
اما آن لك ان ترجع باتجاه مستقبلك وتعيش في الحاضر وتستمتع بالرحله..!
اذا رأيت ان احداث حياتك متشابهه منذ سنوات ولم يطرأ عليك تغيير جذري، فاعلم انك تعيش في التوقيت الزمني الخاطئ!
فقط قف وتمعن في مسارك وستعرف اين انت بالضبط! كن واعي لعمرك واستثمر حياتك
وكفاك ماضاع من وقتك..!
#بقلمي

عن المرأة وتأنيث العالَم

عمر الخالدي

تدخل المرأة في لاوعيها عالماً كريستالياً كل ليلة وتحلم أنها الحرية، تفتح عينيها في الحلم وترى ما لا يراه الرجال لا في يقظتهم ولا في منامهم، بطريقة أكثر فلسفة يمكننا أن نقول إن المرأة كائن أمثل والرجل كائن بشري وكلما قويت الروابط بين الرجل والمرأة اتضح للرجل ذلك الكهف البعيد الذي نسجه أفلاطون وتخيَّله على نحو خاطئ مقدار بعده عن المرأة وكينونتها المُثلى.
هكذا وبهذه الطريقة يمكنني الادعاء أن ساراماغو – الروائي البرتغالي والحائز على جائزة نوبل للأدب – فكر وهكذا تحدث حين رسم صورة مختلفة للمرأة في رواية العمى حيث يصيب العمى المفاجئ جميع الناس بلا استثناء سوى امرأة واحدة، وهي الرائية، وهي المُخلِّصة، وهي الرسولة، ورغم أنها تعرضت للاغتصاب إلا أنها تسمو وتتعلى على كل شيء وتقتل الشيطان بيديها العاريتين وتقود بقية العالم للضوء وكما نعلم “مباركٌ هو الضوء” وليست مصادفة أنها كانت نصف عارية خصوصاً عند حصولها على الطعام لتنقذ آخر الجنس البشري من الهلاك، وليست مصادفة أن المطر انهمر على عُريها ولمع على صدرها فور حملها لأكياس الطعام رغم كل توهانها ورغم أننا لا نعرف عنها شيئاً سوى أنها “زوجة الطبيب” وذلك على سبيل التهكم من الكبير ساراماغو على ما يبدو، وليست مصادفة أنها فور وصولها لزوجها – هي التي – طلبت منه جاكيته لتغطي نصف جسدها رغم أن الجميع عميان ولا يستطيعون رؤيتها. هي لا غيرها.
هكذا فكر ساراماغو في روايته التي رسم أحداثها في عالم لا يتوقف فيه الموتى عن الموت ومن قبله سميي عُمر “ابن الفارض” الشاعر الصوفي العذب الذي جعل قلبه يقف على أطراف أصابعه وهو يصرخ في عوالم الأنثى البعيدة : “هي التي علَّمتني كيف أعشقها” – بصوت لطفي بوشناق بالتأكيد – وإذا كان لي أن أدَّعي مرة أخرى فسأقول إن ابن الفارض لم يستحق لقب سلطان العاشقين إلا بسبب هذا البيت الشعري والذي احتوى على هذا الشطر إذ جعل الأنثى عالماً مختلفاً تماماً بأبعاده وترك نفسه الطفلة تتعلَّم من الأنثى إلى ما لا نهاية.
الجميل في كل ما سبق أن الأنثى المذكورة مجرد قيمة مثلى وليست أنثى بعينها تمشي على قدمين، لذا نجد ديلاكروا الرسام الفرنسي يضع المرأة في أوج أشكال الحرية – الثورة – وهي نصف عارية أيضاً وذلك في لوحته الشهيرة “الحرية تقود الشعب” وبعيداً عن عشتار وأساطيرها التي عفا عليها الرجل فإن تمثال الحرية الموجود في أمريكا مرتبط أيضاً بالمرأة وتقول الإشاعة إنه مستوحى من لوحة ديلاكروا الآنفة الذكر، وعلى كل حال فإن المرأة / الحرية ليست جسداً ولا كلمة، بل هي حياة كاملة تقف وتمشي على قدمين وتتربَّع وتستلقي على ظهرها وتتقلب على جنبيها وحين تفتح المرأة عينيها تبدأ حضارة الإنسان بالنشوء، ويبدأ الضوء.
كان أحد الأصدقاء يكرر على مسمعي : “العلاقة بين الرجل والمرأة يجب ألا تكون باردة على طريقة الرومانسيين، يجب أن يتجاوز الإنسان المثقف نفسه التي تفكر بالأنثى على طريقة : هل تسمحين لي بهذه الرقصة؟ ويدخل للأنثى/الحرية/الحياة بيديه وقدميه” ومن هنا يمكنني القول إن لحضور الأنثى الواحدة في هذا الزمن الذي لا يجيء عالماً كريستالياً مختلفاً وناضجاً بشكل لاذع، وسأدَّعي للمرة الثالثة أن ذلك يتجلى بشكله اللاذع والمختلف بالصراخ، وأعني صراخ الأنثى الأنثوي والأمثل وليس صراخ الصوت البشري، صراخ جمالها الواحد وعوالمها التي لا تبدأ ولا تنتهي وحياتها الكاملة. قريباً سأكتب بشكل مختلف عن الصراخ وكيف أنه علامة أنثوية فائقة الأنوثة.