أول قصة للكاتب العالمي : ارنست همينغوي ،لم تنشر
عباس محسن
لا يأس في عالم النشر
أول قصة للكاتب العالمي : ارنست همينغوي ،لم تنشر !!
نشرت الغارديان في يوم 27- سبتمبر/ ايلول /2013 خبرا للكاتبة ساندرا سبنسر مفاده ” ان الغارديان نشرت خبرا عن صدور كتاب عن الكاتب همينغوي وهو الجزء الثاني لمجموعة من رسائله والتي نشرت جزءها الاول في فترة سابقة ، وهذا الكتاب الجديد – حسبما افادت الغارديان – عبارة عن رسائل الكاتب المرسلة لأصدقائه ومعارفه في الفترة ما بين 1923-1925 ، “.ومن الجدير بالذكر ان هذا الجزء من الكتاب قد احتوى على رسالة ارسلها الكاتب إلى صديقه الكاتب والناشر دونالد ستيوارت،وقد ارسلت هذه القصة برسالة حملت تاريخ 15- ديسمبر- كانون الاول/ 1924 ، لغرض النشر إلى مجلة ( فانيتي فير) والتي رفضت برسالة من المحرر (فرانك كروين انشيلد) حملت تاريخ 22-يناير /كانون الثاني/ 1925 جاء فيها ما مفاده :” كنا نفكر منذ وقت طويل نشر مثل هكذا عمل قصصي ولكن الان نعتبره وقت غير مناسب ، ارجعها لك معتذرين عن نشرها ” وقد يكون السبب الاساس لعدم نشرها هو بإعتبارها قصة لـ ( كاتب مبتدئ) وغير معروف .وعلى الرغم من مرور ما يقارب على القرن من الزمان على كتابة هذه القصة ، الا انها تعد الاساس الاول وبداية المعرفة لأسلوب همنغوي الادبي.
ادناه النص الكامل لهذه القصة وهو من ترجمتي
ارجو ان تنال اعجابكم
حياتي في حلبة مصارعة الثيران مع دونالد أوغدن ستيوارت
قصة قصيرة لـ ( إرنست همينغوي )
لقد التقيت بـستيوارت عن طريق الصدفة ، في حلبة لمصارعة الثيران ، الوقت مبكر جداً لكن لقاء الصدفة هذا لم اعره أي انتباه ولم اهتم برؤيته . كان يبدو شكل اللقاء كأحد سكان لقاءات القارة الاميريكية ، حيث في اللقاء الاول يروي الفرد ومن يلتقي به عن أماكن بين الحين والحين تواجدهما وعن الساكنين في تلك الاماكن .
التعليق الأول الذي وجهه لي والذي بدأ فيه الحديث ، كان منه ، عندما كان اللقاء في الـ ( بلازا دو توروس ) في بامبلونا .
” أحترس ،” قال ستيوارت .” ذلك الثور مجنون ” .
كنت ، نوعا ما على معرفة جيدة وعلاقة طيبة بزوجة السفير الأمريكي في اسبانيا عندما كانت في جولتها الأوربية آنذاك ، لذا كنت على معرفة قليلة بما كان له من القاصدين من لكنته الأمريكية ، ان المقصود بصفة الثور هي الغضب الشديد .
” لا شي غير معتاد في الوضع الراهن “، قلت ، بينما كنت اختار الرمح المزركش البانديرلوني .
” هي الإثارة ، أليس كذلك” قالها ستيوارت.
كانت الجملة قليلاً متقاربة من اللهجة الاميريكية لذا لم أعط أي جواب ،اكتفيت فحسب بتوجيه إيماءة للعمال لفسح المجال لي فحسب وبدأت استعداداتي لأحرض الثور لمواجهته بالرمح البانديرلوني ، ولكن بينما كنت على تلك الحال من التحريض وصيحات الابتهاج والتهليل والتي تتعالى ، لاحظت امراً غير اعتيادي . عينا الثور اللامعتين كانتا محدقتين صوب ستيوارت . التفت نحو ستيوارت وقلت له بلهجة يملأها الرقة واللطف : ” أقول لك أيها الرجل العجوز .كن رجلاً عاقلاً وارجع لما وراء السور الحامي .”
” أقول لك ان ذلك الثور مجنون .” صاح ستيوارت.
في تلك الإثناء ، الجمهور رفعوا قبضات الأيدي متحمسين ، هاتفة بالتشجيع والصراخ على ستيوارت وهو يندفع مهاجماً قبالتي .
“نريد دون ستيوارت !” كانت النبرة الرئيسية والغالبة في نبرات الصراخ المتعالية والصادرة من الجمهور ، وحالما رأيت ارتباكهم في لفظ نغمة اسمه الأول وبنبرة اسبانية وهم يأخذون ستيوارت من اجل جعل احد أبناء البلد بطلا قوميا لهم .
” سلم لنا (دون) !” رجل ذو بشرة حمراء ، عظيم الجثة ، قالها صارخاً هذه الجملة بالقرب من أذني .
” ارجع لنا أموالنا !” . صرخ آخرون .
” ارجع لنا أموالنا ! وسلمنا دون !” انضم الرجل ذو البشرة الحمراء والضخم الجثة من بين اثنين من هولاء الصارخين .
” نريد دون ستيوارت ” . جزء من المضمار ملأ بصرخات بدأت تتعالى .
” أقول !” . عملاق اسباني ، يضع قرطين تتراقصان في أذنيه ويحرك مسدساً أوتوماتيكيا ، علا صوته ملعلعاً من بين الحشود .
” أقول لك سلمنا ستيوارت.”
في تلك اللحظة ، احدهم ألقى بثمرة طماطم ضربتني مباشرة في وجهي ، كنت مستندا بصعوبة والتفتت بعدها نحو الحشد .
رفعت يدي لأسكت الحشد ، وهو يبدو هادئ . أبدو إني لا زلت محافظاً على شعبيتي وبينما قمت بمسح بقايا ثمرة الطماطم الملقاة على عينيّ بوساطة منديل ذو نوع فاخر قد أعطي لي ، قررت ان أعطي الجمع درساً بليغا .
” رجال “، قلت ” حمقى ، أطفال” موظفا الكلام بلهجة قشتالية . ” أنا مجبر” .
أخذت هذه الجلبة أكثر من ربع ساعة لقول هذا الكلمة بلهجة قشتالية ولكني بإجادة تامة أرد على عجاجة الحديث والتي قوبلت بتصفيق علا أكثر ، حالما انتهيت من الكلام .
” دون ستيوارت، دون ستيوارت ، دون ستيوارت ” الشباب ذوي الصوت الخشن يصيحون .
الاسباني الكبير والذي يجلس بمقعد ورائي وتبدو على وجهه الحماسة الزائدة .
“دون، ” تكلم بصوت غير واضح . ” دون” بعدها امسك بحافة السياج في الحلبة ووجهه الأرجواني يقترب حتى صار قريباً جداً من المشهد . ” سيقتلهم ! سيأكلهم احياءً !”.
التفت ، انحنيت محيياً الجمهور بتحية يملأها الفخر والكياسة وأنا أضم بيدي السيف أما القماش الأحمر فمن اجل ستيوارت . أما ستيوارت فرد عليهم بكلمات من الشكر والثناء ولكن بصوت غير مسموع أو مفهوم – ربما بسبب الصراخ – . التفت نحوي ملوحاً لي ووجهه قبالة الجمهور .
” رجال !، مخنثون ! ،صغار ! ” بدا وكأنه يستخدم لهجتي الأندلسية . ” هل هناك طبيب في المنزل ؟”
متعب وبحالة مزرية ، وكأنه محاط بمجموعة من طلبة كلية الطب والزهور تغطي قدميه .
” أقول طبيب” قالها ستيوارت بصوت أجش .
جلس رجل .
” اعتقدتك تقول طبيب أسنان” أجابه بصوت ذو نبرة تذمر .
” ألا يوجد طبيب في هذا المنزل ؟” نادى ستيوارت .
” ندى، ندى” صاح احد الحضور . ” يوجد طبيب لكنه سكران “.
” الحمد للرب القدير” كلمني ستيوارت بصوت مفهوم ، ملتفتاً نحوي بسرعة .
” وأنا متدين عليم “
قلتها كي يعجب الرجل بحديثي .
نزع قبعته الديربية السوداء محيياً ، كلا ، تذكرت الآن لم تكن سوى قبعة اعتيادية ، ستيوارت لم يرتد قبعته الديربية مطلقاً في حلبة مصارعة الثيران. تبدو نازلة على عينيه . عندها بدأ ستيوارت يحي الجمهور .
” اقسم لك إني سأقتل هذا الثور أو هو الذي سيقتلني ،” تلفظ هذا القسم أو اليمين بلهجته القشتالية القديمة .كانت هناك موجة عارمة من التصفيق والترحيب لاختياره هذه اللهجة . التفت ستيوارت واظهر سيفه والرداء الأحمر قبالة الجمهور . لحظة موت صامتة عمت الإرجاء ، ” سوف يقاتله بيديه المجردتين ” صرخ احدهم .
بالخلف مني ، الاسباني ذو السحنة الغاضبة ، تراجع للخلف مذعوراً.
” سيقتلهم بالتأكيد” صاح بصوت كالعويل، ” سيأكلهم وهم أحياء”.
امسكني ستيوارت بأحكام من يدي .
” هلا بقيت بالقرب مني همنغواي ؟ ” .سألني .
نظرت داخل عينيه الرماديتين الصافيتين .
” للموت ، ” قلتها .
قفز ستيوارت بشكل مفاجئ إلى احد الجوانب .
” لا تفكر بتلك الكلمة ” قالها .
مشى ستيوارت بخطوات متسارعة نحو الثور الهائج والذي بدوره اندفع صوبه مهاجماً من الجهة المعاكسة له .لم ارّ مثل هذا المنظر منذ لحظة موت مصارع الثيران (غاليتو ) . كانت لحظة يملأها الارتباك والحيرة وقد وجدت صعوبة في إعادة تركيب هذه الصورة وأنا لا أتذكر سوى ستيوارت والثور الهائج ، يصارع بعضهما بعضاً ويرمي بعضهما البعض في أطراف الحلبة .وبعدها انتهى هذا المشهد وستيوارت يقف بالقرب من الثور الساقط على الأرض . قتله ستيوارت بيديه المجردتين، ومن دون أي سلاح .
صديق مسكين ، كان عبارة عن علامة من علامات الرعب ، أضلاعه مندفعة للخارج مثل هيكل عظمي يرتدي معطفاً . كان يحمل عضو البنكرياس في يده اليسرى. بينما وصلت إليه ، صبي صغير يعبر السور راكضا في الحلبة ، ثم التقط شيئاً من بين رمال الحلبة . حمله إلى ستيوارت والذي سريعا ما وضعه في مكان ما جانباً . لقد كانت أمعاءه ألاثني عشرة.
” من الأفضل ان تغتسل” قلت له بصوت واهن .
” لم يعد يجدي الأمر ، ليس ذا بال .” قال ستيوارت، ,بصوت خفيف .
عندما أفاق واسترد وعيه ،كنا مجتمعين حوله ، كان الجمهور يحاول ان يقتطع ملابسه التي يرتديها كقطع تذكارية ،جموع كثيرة تتقافز من سياج الحلبة متوجهة إليه .
” قل لهم ماذا فعلت لـ ( فيلاديفيا جاك اوبراين) ” همس بصوت خشن . لم أكن اعلم صاحب الاسم المذكور في سؤاله السابق .لكني رأيت ستيوارت بمشهد لن يخبو من ذاكرتي ، وهو يتقاتل مع الثور المجنون. ربما ادع ذاكرتي تستريح قليلاً ، لكن حمل ستيوارت بين ذراعي . وبأفضل الكلمات من لهجتي القشتالية القديمة والتي احتفظ بها لمناسبة عيد ميلاد ولدي الأول، البكر ، – وأنا أحتفل بعيده مولده العشرون – قلت له الكلمات .
ستيوارت فتح عينيه مرة أخرى بينما كنت أتكلم.
” اخبرهم ، يا فتى !” قال ” اخبرهم”.
بسعادة، الصديق القديم يردد الكلمات .