بوابة أعضاء جدل, موضوعات متنوعة

“الصحافة بوصفها مشروعًا ثقافيًا”

نوره بابعير

الكتابة الصحفية ليست مجرد ممارسة مهنية، بل هي أداةٌ فاعلة لصقل الذائقة واختيار العناوين بعناية فائقة، وطرحها في سياقات تعبّر عن الوعي الإعلامي والهوية الثقافية للكاتب. فهي تُجسّد انعكاسًا لسلوك الإنسان، وتُبرز أساليبه السردية في التناول، لتُكوّن له هوية إعلامية متميزة.

ولعلّ نجاح الصحف والمجلات لطالما ارتبط بقدرة إداراتها التحريرية على بناء صورة متكاملة تُعبّر عن رؤاها، وتُحسن تمثيل رسالتها أمام القارئ. لقد تميزت الصحف في الماضي ببساطتها الآسرة، وطرحها للمواضيع الثقافية والاجتماعية بطريقة تمزج العمق بالوضوح. وكان لحضور الكتّاب والمفكرين فيها أثر بالغ، إذ عكست مقالاتهم ثراء معرفيًّا ينبع من تنوّعهم الثقافي واتساع أفقهم.

هذه المرحلة الذهبية للصحافة ما زالت محفورة في ذاكرة الثقافة، وكأنها تأبى أن تندثر. فما زلنا نستلهم من كتاب تلك المرحلة بساطتهم الآسرة، وننهل من خبراتهم المتراكمة، وكأن حبرهم لا يزال حيًّا في زوايا الورق.

وفي هذا السياق، لفتني الإعلامي عبدالله الحسني، الذي يُجسّد صورة الصحفي المثقف بأبهى تجلياتها. ففي لقاءاته، بدا وفيًّا للمهنة، واعيًا بمسؤوليتها، حريصًا على أن تُنشر الثقافة كما تستحق أن تُقدّم: بنضج معرفي، واتزان لغوي، ورؤية مسؤولة.

تحدّث الحسني عن المثقف الذي يتقن فن الكتابة الصحفية، لا بوصفها حرفة فحسب، بل بوصفها موقفًا معرفيًا. وقد لخّص رؤيته تلك في كتابه: “الاختلاف أفسد للود قضية”، حيث يفيض حديثه عن قيمة الإنسان المبدع، وأثر الاحتراف في تحقيق جودة الكتابة وتأثيرها.

وقد قرأت له نصًا مؤثرًا كتب فيه عن والده، جاء فيه:

“والدي… مُرشِّد وعيي، وسلوكي… أوّل من غرس فسائل الشغف والانهمام المعرفي في روعي… يغرس دونما انتظار لجَنْي. لا يجيد القراءة، لكنه يملك حصافة المثقف ولقانة الفيلسوف. رحل منذ أعوام؛ لكنه ظلّ حاضراً بِسَمْتِهِ الوقور، تحفّني عنايته وحرصه ألا أهِن. سلام لروحه الطاهرة.”

نصّ كهذا لا يُكتَب إلا بقلمٍ مسكون بالوفاء، ومدادٍ مشبع بالمعرفة.

الإعلامي عبدالله الحسني يمثل نموذجًا نادرًا في المشهد الثقافي والإعلامي، ويمكن تلمّس أثره الواضح من خلال صفحته الثقافية بجريدة الرياض، وحواراته في البرامج التلفزيونية، حيث تبرز ملامح المثقف المسؤول.

الثقافة، في زمننا هذا، تحتاج إلى وجوهٍ مثل عبدالله الحسني وغيره العديد من الادباء والصحافيين والإعلامين .و هم صورة شاهدًا على أهمية أن تُمارَس الصحافة بوصفها فعلًا معرفيًّا يُعلي من قيمة الكلمة، ويمنح المتلقي زادًا من الفهم والتنوير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *