Posts by نوره بابعير
القراءة وتحوّلات الإنسان
نوره بابعير
في حياة الإنسان لحظات لا تصنعها الأحداث الكبرى، بل تصنعها جملة في كتاب، أو فكرة تقع على القلب . القراءة ليست هواية، وليست مجرد عادة ذهنية، إنها فعل داخلي عميق، يشبه التهذيب الروحي. الإنسان الذي يقرأ لا يبقى كما هو، لأنه يُعاد تشكيله سطرًا بعد سطر، وفكرة بعد فكرة.
القراءة ليست مجرد استقبال للمعلومة، بل هي دعوة إلى حوار داخلي، إلى مساءلة الذات والعالم. إنها لحظة يتوقّف فيها الزمن الخارجي، ليبدأ زمن آخر؛ زمن التأمل والتخيّل والانفعال. نقرأ لا لنكتسب معرفة فقط، بل لنعبر إلى أماكن لم نصلها، لنتحدث مع أرواح لم نلتقِ بها، ولنشعر بما لم يحدث لنا، لكننا نعيشه كأنه حقيقي.
في أولى مراحل وعيه، يكون الإنسان كتلة من الأسئلة، من الانفعالات الغامضة، من الإحساس المتكرر بالعجز عن الفهم. القراءة تأتي لتمنحه المفردات، لا لتشرح له العالم فقط، بل ليعيد بناءه من الداخل. الطفل الذي يكتشف الحكايات لا يعود كما كان. العاشق الذي يقرأ الشعر يرى لذة الشعر بعينٍ أخرى. الحائر الذي يقرأ الفلسفة لا تهدأ حيرته، لكنها تتحوّل من فوضى إلى سؤال ناضج.
وحدها القراءة تزرع فينا القدرة على النظر إلى الحياة بأكثر من زاوية. إنها لا تغيّر الواقع، لكنها تغيّر من يرى الواقع. تقوّم العقل، وتلين القلب، وتفتح النوافذ في جدران الذات. إنها تُهذّب، لا بالقوة، بل بالتماس العميق بيننا وبين تجارب الآخرين، أفكارهم، رؤاهم، وهزائمهم أيضًا.
نقرأ لنعرف، لكننا نقرأ أكثر لنشعر. في الرواية، نعيش حيوات لا نملكها. في الشعر، نستعير لسانًا أبلغ مما نملك للتعبير عمّا لا نستطيع قوله. في كتب السيرة، نختبر قدرة الإنسان على السقوط والقيام. في الفلسفة، نطرح الأسئلة التي لا يجرؤ الكثيرون على مواجهتها. في كل قراءة، هناك باب يُفتح في داخلنا، وغالبًا لا يُغلق أبدًا.
قد يقال إن الكتب لا تغيّر العالم، لكن من ينكر أنها تغيّر الإنسان؟ والإنسان هو من يصنع العالم. من قرأ عن العدالة، لا يمكنه أن يحتمل الظلم بسهولة. من غاص في عوالم الفكر لا يمكنه أن يقبل الجهل كما هو. من قرأ عن الشجاعة، عن المعنى، عن الألم، عن الحب، لا يمكنه أن يعود فارغًا كما كان. إننا، بغير قراءة، نظلُّ في سطح ذواتنا، نعيش في حدود التجربة المباشرة. أما القراءة، فهي توسّع تلك الحدود، تجعل الداخل أعمق، والخارج أكثر وضوحًا.
ليست القراءة مجرد معرفة تُكتسب، بل هي وعي يُعاد بناؤه. إن الإنسان حين يقرأ، لا يبحث فقط عن إجابات، بل يصير أكثر وعيًا بأسئلته، وأكثر شجاعة في مواجهة تعقيده الداخلي. يصبح أكثر قدرة على الإصغاء، وعلى الشك، وعلى الإيمان أيضًا – لا الإيمان الأعمى، بل ذلك الذي يأتي بعد أن نعرف كم أن الحقيقة أوسع من أي إطار جاهز.
ومن أجمل ما في القراءة، أنها فعل حر. لا يُفرض ولا يُشترى. هي ذلك الوقت الذي نهبه لأنفسنا، لا لنستعرض معلومات، بل لنتنفس ببطء في زمن يركض. في ظل عالم يتكدس فيه الضجيج، تأتي الكتب كصوت خافت لكنه عميق. صوت لا يصرخ، لكنه يبقى. في زحام الأيام، نقرأ لنستعيد توازننا، لنفهم ما لم يُفهم، ولنتذكّر من نكون.
القراءة لا تغيّرنا دفعة واحدة. إنها أشبه بالماء الذي ينحت الصخر قطرة بعد قطرة. نقرأ اليوم، ونظن أن شيئًا لم يتغير، لكن بعد شهور، وربما سنوات، نجد أننا لم نعد أولئك الذين كنا من قبل ، صرنا أكثر إنصاتًا، أقل حكمًا، أكثر امتلاءً، وربما، أكثر حزنًا، لكن ذلك الحزن الجميل الذي لا يُهين، بل يعلّم.
ربما لا نحتاج أن نقرأ لنكون مثقفين، بل لنكون إنسانيين أكثر. لأن القراءة، في أعمق تجلياتها، ليست تكديسًا للمعرفة، بل رفقة هادئة تذكّرنا بأننا لسنا وحدنا في هذا الطريق المعقّد،وأن بين السطور أناسًا يشبهوننا أو يختلفون عنا، لكنهم يمنحوننا فرصة أن نكون أكثر فهمًا، وأكثر حياة
التذوق الحسي للفن والجمال: حين تتكلم العين وتُصغي الروح
نوره بابعير
غالباً التفكير يعيد للأشياء هيبة أعماقها يبيّن الخفايا المبطنة في المعنى نفسها فيبقى الإنسان عالقاً في صحبة التفكير ، فيجد نفسه بين تفكير ناقد يحلّل للأشياء وجودها به ويترك الأخريات تأخذ أنصافها من غيرها . لذلك حينما تتكاثر الأفكار حول المواضيع تبقى رهينة البقاء حتى تجد جدواها من البحث عن المعنى وتبقى المفاهيم اساس يقود للعقل طريق فكرهُ .
لذلك غالباً ما يلامس العقل أفكاره بأشياء تلحُ عليه الاطلاع نحوها والأخذ بالانطباع من خلفها ، وهذا ما يجعلني دائماً أكتب عن الفن والجماليات و الحس مما ادرك الاثر الذي تستطيع أن تغير مجرى الانسان الذاتي إلى حس ذوقي يترك من بعده التهذيب الاخلاقي .
تهميش الفن عند البعض ليس إهمالاً منهم بقدر الجهل والتوسع للمفهوم الذي يحمله الفن للمعنى الحقيقية في حياة الإنسان . الفن في المعرفة و الثقافة والأتساع الفلسفي هو ليس مجرد مادة تُعرض ، ولا الجمال هو مشهداً يشاهد ، بل أنهما تجربة داخلية تبدأ من الحواس ، لكنها واسعة لا يمكن أن تنتهي عندها ، أن يتذوق الإنسان الفن ، هو لا يستخدم بصره دون سمعه ولا يمكن له أن يستخدم سمعهُ دون بصره وما إلى ذلك ، بل هو يُجنّد كل ما في كيانه من المشاعر و الذكريات و الخيال وهذا يولد التذوق الحسي ، بصفة تبين للإنسان مفهومها أن ما وصّل إليه من هذا الفن هو أرقى الأشياء لتفاعلك الإنساني مع الجمال .
التعمق في التفكير يولد التساؤلات المفرطة و الذي لا يرضيها إلا الفهم ، حينَما تتساءل عن التذوق الحسي نبدأ في محاولات عديدة لتفسر التذوق الحسي سواءً من منظورك أو من منظور الآخرين تبحث عن المعنى الناتجة من خلق الكلمة ما هو التذوق الحسي ؟ قد يكون هو الاستجابة الشعورية العميقة التي تحدث في النفس و عندما تتعرض لمثير جمالي مثل لوحة فنية أو قطعة موسيقية أو مبنى معماري، أو عادات بشرية تميز الأساليب بين شخص وأخر ، حتى لو كانت تقتصر على زهرة في طريق، أو مشهد طبيعي بسيط. هو ما يجعل العين تُضيء عند رؤية لون متناغم، يلامس القلب و يخفق لسماع نغمة موسيقية تتسلل دون استئذان و يخلق شعور الدهشة لأشياء غير معتاد عليها فتنفض ركودها وتستبدلوا بالتذوق الحسي العميق ليفسر كل ما شعر به الإنسان من تلك اللحظة وتميزت من زاوية شعوره .
ثم تعوّد للتفكير مرّة اخرى تنغمس في المفاهيم الواسعة لهذا الوصف تجد أنه شعور خفي لا يمكن لك أن تشرحه بالكلمات لكنهُ فعلاً يعاش بالكامل ، حينما يقف عند للوحات فنية أو الميول إلى مقطوعة موسيقيّة أو تأملات في الطبيعة ، هو يعلم تماماً ما الذي يعنيه من هذا الوقوف و الاكتساب الذي أضيف له من حراك الذوق الحسي حينها .
حينَما نرى أن الفن يتشكل على مدى حواسنا، نستطيع أن نضعه بوصف جسوراً للحواس تعبر الأشياء من وجهتهُ ، الفن يتشرب حواسنا لكنه لا يبقى على سطحيتها ، العين لا تكتفي برؤية الخطوط والألوان إذا تحدثنا عن الأعمال الفنية ، بل تترجمها إلى مشاعر ، والأذن لا تسمع فقط الالحان بل تلتقط المعاني من خلف الإيقاع، واليد حين تلامس خامة فنية لا تكتفي بإدراك الملمس بل تُحسّ بالحرفية التي صنعتها ، بالزمن الذي عبرها و احتفظ فيها في أعمال فنيّة و هنا، يتحول التذوق من مجرد “إدراك” إلى “إحساس”، ومن مجرد “نظر” إلى “رؤية داخلية”. فالجمال ليس شيئًا نراه فقط، بل شيء نُحسّ به، ونتفاعل معه على مستوى أعمق.
ما زال التذوق الحسي قابل لطرح التساؤلات ، هل التذوق الحسي فطري أم مكتسب؟
هو سؤال فلسفي قديم و اختلف فيه الفلاسفة والنقاد: هل نحن نولد بحسّ جمالي فطري، أم أننا نتعلم التذوق؟ في الواقع، ربما يكون كلاهما الأمرين صحيحان . فثمة إحساس فطري يجعلنا ننجذب للجمال منذ الطفولة و طفل صغير يتأمل فراشة ملونة أو يُصغي بانبهار لصوت الناي – لكن هذا الحسّ يظل خامًا حتى تصقله التجربة، والثقافة، والمشاهدة.
من يقرأ الادب و الشعر كثيرًا، تتشكل لديه ذائقة لغوية مرهفة، ومن يزور المتاحف ويتأمل الأعمال الفنية، تتسع رؤيته للجمال، ويبدأ في تذوق ما لم يكن يراه من قبل. وهكذا، و يصبح التذوق الحسي مهارة تُنمّى، لا موهبة فطرية فقط.
أما إذا تواجد التذوق يصيح الجمال قيمة شعورية كيف ؟ الجمال ليس دائماً ما هو “متناسق” أو “مألوف”. أحياناً يكون الجمال في الغرابة، في كسر الروتين في المفارقة. أو قطعة فنية قد تكون مربكة بصرياً، لكنها توقظ فينا مشاعر غير متوقعة. وهنا يأتي دور الذوق الحسي في استقبال الفن بروح متفتحة، لا تكتفي بما تعرفه مسبقاً، بل تجرّب وتغامر وتُنصت إلى الجديد.التذوق الحسي لا يبحث عن “الإعجاب السريع”، بل عن الأثر البعيد. عن ذاك الشعور الذي يصيبك حين ترى شيئًا لا تعرف لماذا أحببته، لكنك أحببته بقوة. عن المشهد الذي يظل عالقًا فيك بعد زمن طويل.
من المفترض أن يكون التذوق الحسي هو تربية للنفس و ليس ترفاً ثقافيًا، بل ضرورة إنسانية. تهذيب للمشاعر، وتوسيع لأفق الحياة. فالحياة، رغم صعوبتها، تصبح أكثر احتمالاً حين نراها بعيون تعرف كيف تلتقط الجمال حتى في التفاصيل الصغيرة. اقرأ لوحة. استمع إلى مقطوعة. امشِ في معرض، أو شاهد فيلماً فنياً، لا لتُعجب به فقط، بل لتتركه يتسلل إليك، ويُعيد ترتيبك من الداخل. لأن التذوق الحسي في جوهره، ليس فقط ما نُحب… بل ما يجعلنا أكثر إنسانية، وأكثر اتصالاً بالمعنى الأعمق لما نراه ونعيشه .
فلسفة الذوق ” حينَما يتشكّل الإنسان بالجمال “
نوره بابعير
فلسفة الذوق ” حينَما يتشكّل الإنسان بالجمال ”
للذوق فلسفة عميقة مما نعتقد لأنها تنتج من خلال أفكارنا الواعية ثم تتشكل بين الاخلاقيات و التهذيب الذاتي اتجاه الذوق الفردي و الذوق العام بين البيئة والإنسان . لذلك ، قد نظن أنّ الذوق” هو أمر بسيط أو ثانوي، لا يتجاوز اختيار اللباس أو تفضيل نوع معين من الطعام أو الموسيقى. لكن حين نتأمل نتعمق لهذا المفهوم، نكتشف أنه يتجاوز كل ما هو سطحي، ليغدو تعبيرًا جوهريًا عن ذات الإنسان، بل وسيلة لفهم العالم والوجود.
الذوق هو أنعكاس مرآة للذات .
الذوق ليس مسألة شكلية يهتم الإنسان من خلال المظهر فقط ، بل هو جوهر يتشكل داخل النفس، ويتجلّى خارجها في السلوك والتفضيلات والأسلوب العام في الحياة. عندما نقول عن شخص ما إنه “ذو ذوق رفيع” فإننا لا نصف فقط أناقته أو اختياراته الفنية، بل نشير ضمنيًا إلى رقيه الأخلاقي ووعيه الثقافي وهذا الترابط العميق بين الذوق والأخلاق ليس جديدًا، بل هو جزء من الإرث الفلسفي والإنساني الذي تعامل مع الجمال بوصفه قيمة مرتبطة بالحق والخير، ودائماً الفلسفة تأخذ من التفكير حقها في مفهوم المعنى ومدى بقائها في حياة الإنسان وتأثيرها عليه لذلك كلما تأمل الإنسان نحو الذوق يجد هناك طرقات مترابطة بين المعنى و التأثير الناتج عليه اتجاه حياته .
فطرة الذوق ومساحة التكوين..
قد يولد الإنسان بميل فطري إلى الجمال والتناغم، لكن الذوق يُصقل بالتربية، ويتشكل بالتجربة، ويُهذّب بالقراءة والفن والتفاعل مع محيط راقٍ. فالشخص الذي ينشأ في بيئة تقدّر الجمال، وتعلّم احترام الآخر، وتغذي الحس الفني لديه، يكون أكثر قدرة على تطوير ذوقه وتوسيعه. فإن الذوق ليس ثابتًا بل قابل للنمو، مثل أي بعد من أبعاد الوعي الإنساني ، لان نمو الذوق قد يعتمد على وعي العقل في مفهومه وقد يكتسب من خلال البيئة التي يعيش بها . فيحتاج الإنسان إلى انتباه عميق ليحرك الرغبة الناضجة في بناء الذوق المتلائم مع قيم ذاته وقدرات وعيه .
الذوق في الفلسفة: ما وراء التفضيلات ..
غالباً مفهوم الذوق من زوايا متعددة. يساهم في تغيير الفكر والتفكر اتجاه المعنى للذوق فيصبح اختلاف الاّراء يعود إلى ذلك الانطباع الفكري والحسي للمعنى ، مثل إيمانويل كانط اعتبره أن الحكم الجمالي، الذي يُعد تعبيرًا عن الذوق، وبانه لا ينبع فقط من الشعور، بل من عملية عقلية تأملية. وقد رأى أيضاً أن الذوق يحمل طابعًا “كونيًا” بمعنى أنه يتجاوز الأذواق الفردية نحو إحساس مشترك بالجمال.
أما ديفيد هيوم شدد على أن الذوق يمكن تهذيبه وتطويره، لكنه أقر بانه هو بوجود تباين بين الأفراد. وعلى الرغم من أن الناس يختلفون في تفضيلاتهم، إلا أن هناك مبادئ عامة للجمال يمكن الاتفاق عليها، مثل التناسق، التوازن، والبساطة.
ينمو الذوق في جذور الاخلاق وسلوك ..
إذا تاملنا في تصرفات الناس بتفاصيل دقيقة نجد أن الذوق لا يظهر فقط في الملابس أو ترتيب المنزل، بل في أبسط تفاصيل الحياة: في طريقة السلام، في اختيار الكلمات، في نبرة الصوت، في احترام خصوصية الآخرين في أبدا الاراء والعديد من الأفعال التي لها صلة بإبراز الذوق اتجاه شخصها و إن الذوق الحقيقي هو ذلك الذي يتجلى في التعاملات اليومية، ويعكس احترام الإنسان لذاته أولًا، ثم لمن حوله وهذا الأمر جداً دقيق قد يتنبا له الإنسان المهتم في اختلاق ذات انيقة المظهر الداخلي قبل الخارج يدرك القيمة الناضجة من هذا الميول أو المكتسب من حوله . الشخص الراقي في ذوقه لا يجرح بكلمة، ولا يرفع صوته في وجه الآخرين، لا يتعدى على خصوصية الآخرين، يدرك التأدب مع ذاته قبل الآخرين ، لأنه يرى في كل فعل انعكاسًا لجوهره الداخلي. إنه يُراعي مشاعر الناس دون تكلّف، ويمارس الاحترام كعادة فطرية، لا كقناع اجتماعي الشخص الواعي دائما يحرص أن يمثّل ذائقته بالطريقة الملائمة مع وعيه .
للذوق تأثير في تكوين الهوية ..
يتشكل الذوق عبر التفاعل مع الثقافة، والاطلاع، والتجربة، ثم يساهم في تكوين الهوية الشخصية والذهنية. فالذوق لا يختصر في “ما نحب” بل يشير إلى لماذا نحب ما نحب؟وما القيمة التي تمنحها أذواقنا لذواتنا. اعتقد أن التساؤلات الذاتيّة لها دور في حراك الدوافع و الفهم اتجاه أذواقنا الفكرية و الحسية و الفعلية، تلك العادات والانطباعات الصادرة هي تمثل داخلنا في أطار هويتنا الثقافية و البيئيّة و المكتسبه من تجارب الحياة اليومية .
و المجتمعات التي ترتقي بذوق أفرادها، تكون أكثر تحضرًا، لأنها تنتج أفرادًا يقدّرون الجمال،ويحترمون النظام ويتواصلون برقي. بينما غياب الذوق، أو تسطيحه، يؤدي إلى الفوضى البصرية، والسلوكية، وحتى الفكرية تجرد الإنسان من أخلاقياته وسلوكياته المفترض أن تتواجد به كانسان ملم بانسانيته
الذوق في أنصاف الـزمن و التّيه من نافذة التقليد
حالياً في وسائل التواصل الاجتماعي تُفرض علينا يوميًا آلاف الصور والمقاطع والمؤثرين، أصبح الذوق مهددًا بالسطحية والنسخ و لم يعد كثير من الناس يختارون بناءً على ذائقتهم الحقيقية، بل بناءً على ما يفرضه “ الوقت ”. وهذا يشكّل خطرًا على الهوية الفردية، إذ يُفقد الإنسان خصوصيته، ويجعله تابعًا لأذواق الآخرين دون وعي ، لكن لا ننسى أن ما زال هناك من يحرص على تشكيل ذوقه الخاص، بقراءة الأدب، والتأمل في الفن، وملاحظة الجمال في تفاصيل الحياة اليومية، لا في مظاهرها الصاخبة. وهؤلاء هم من يُعوّل عليهم لإعادة الاعتبار للذوق كقيمة إنسانية وثقافية.
الذوق كفعل فلسفي وحضاري وانساني.
الذوق ليس رفاهية، ولا مختصّ بجودة قيمة للنخبة، بل هو فعل يومي يعكس درجة وعي الإنسان بنفسه وبالآخرين. حين نرتقي في ذوقنا، فإننا نرتقي في إنسانيتنا. نغدو أكثر رهافة في الشعور، وأكثر اتزانًا في ردود الأفعال، وأكثر قدرة على التمييز بين ما يليق وما لا يليق تصبح القابلية في الأشياء و رفضها تفتح أفاقنا الأخرى من الأذواق المختبأة في مسار حياتنا ، حتى الانسجام الذي قد يفرض بقائهُ علينا يعيدنا إلى المبدأ الذوقي القائم عليه ، مجرد الفهم في مراحل الذات وانغماسها في الذوق هنا كل إنسان بفطرته يقدر يشكل فلسفته الخاصة اتجاه مفاهيمه للذوق وانسجامه معها في اداء حياته .
الأهم من ذلك أن نفهم بأن الذوق هو فلسفة شخصية، واختيار وجودي، يعكس كيف نرى أنفسنا، وكيف نريد أن نُرى وأن نترك الاثر من ذلك العبور لكل ما يصدر منا .
فن الجمال في حياة الإنسان
نوره بابعير
” الجمال أسلوب حياة يعزز من جودة الإنسان وعلاقاته ومشاعره”
في عمق ضجيج الحياة وتسارع وتيرتها، يظل الجمال ركيزة أساسية تهب الإنسان لحظات من السكينة والتأمل. و”فن الجمال” ليس رفاهية كما يظنه البعض، بل هو حاجة نفسية و روحية تعزز التوازن الداخلي، وتمنح للحياة معناها الإنساني العميق.
منذ أزمنة بعيدة، يسعى الإنسان إلى تجميل محيطه، سواء من خلال الفن أو العمارة أو الملبس و الزينة وقد اعتبر الفلاسفة الجمال هو من أحدى فروع الفلسفة، لما له من أثر عميق في تشكيل الذائقة والسلوك والخلق و التهذيب فليس غريبًا أن نجد الجمال متجذرًا في تفاصيل الحياة اليومية؛ من ترتيب المنزل، إلى تنسيق الألوان، بل وحتى في الكلمة والتصرف والإبداع والإنجاز.
الجمال لا يُقاس بالمظهر وحده، بل هو أوسع من ذلك بكثير فهو يكمن في الأخلاق، في التعامل الراقي، في الكلمة الطيبة، وفي البساطة التي تعكس رقيًّا داخليًا. وكلما ازداد وعي الإنسان بقيمة الجمال في سلوكياته، ارتقت علاقاته بالآخرين، وازدادت جودة حياته الشخصية والاجتماعية والإبداعية .
و أن تذوّق الجمال سواء عبر الفن أو الموسيقى أو الطبيعة له تأثير إيجابي في تقليل مستويات التوتر، وتعزيز الشعور بالسعادة والرضا والانتماء و هذا ما يسعى إليه الإنسان لدمج مفاهيم الجمال في أنظمة التعليم، والهندسة المعمارية، وتصميم الأشياء العامة ، ليفهم الإنسان قيمة هذه المفاهيم و الأنظمة اتجاه جودة الحياة .
فن الجمال ليس رفاهية كما يُظن، بل هو أسلوب حياة ينعكس على طريقة تفكير الإنسان، ونظرته للكون، وتفاعله مع الآخرين. وعندما نبني في النفس عادة حب الجمال، نزرع فيها قيم الذوق، والإبداع، والتقدير، والسلام الداخلي.
و يظل الجمال رسالة صامتة من الحياة هادئة ، تقول لنا إن في التفاصيل قد نجد دهشة تستحق التأمل، وأن في كل لحظة فرصة لاكتشاف معنى أعمق للوجود .
وفي المعارض عقولاً ناهضة وثقافة واسعة
نوره بابعير
وفي المعارض عقولاً ناهضة وثقافة واسعة
معارض الكتب تحدث العقول الناضجة المستنيرة الراغبة في مجال العلم و المعرفة الهادفة في أتساع وعيها إلى مدى البعيد و الشغوفة بالإبداع الثقافي بين الفكر و الفكر الأخر بين التوافق وَ الاختلافات بين التواصل في المخيّلات و تعمّق فيَ الفلسفات بين تساؤلات مجهولة و أجوبة مدروسة بينَ الحوارات الثمينة وَ الورشات الحكيمة تسيّر الأقدام وكلها شغفًا فيَ الاكتساب بالنهوض الدائم بالتوسع الناتج عَن الغزارة التوعوية فيَ المجالات المسرحية و الأفلام السينمائية و الموروث التاريخي و ما يخص معرفته وبين إلكترونيات و وسائل الاجتماعية والإعلام ، تصنع المحتوى من المحتويات لتخرج بزوارها البارعين في الإختيار الناجحين بقضاء أثمن الأوقات .
تبقى الثقافة طريقًا طويلًا تضع الحقائب في أيادي باحثيها ليكملوا تِلْك المسافات الفارغة بأثر علمها، تخلق الأتزان في علم و أساسيات الفهم فيَ رصانة العقل الواعي و العقل المحتاج إلى هذا الوصول من الوعي المكتمل.
تِلْك التجربة الذي تتسع في المساحات الثقافية تجعلنا في إطلاع مزهر يخلق في النفوس منابت ثمارها تستطيع من خلالها تفهم العقول الملائمة معها و المنافسة لها ،تلك الخطوة تجعل القراء و الزوار فيها شيئًا من الضوء يُرافِق العقول في مسائل السطور وضوءً يرافق الذهول في مفارق الحضور ، رغم أن المعارض ذات أوقات محددة الأيام إلا أنها تستطيع أن تغير حقولنا بقفزات واعية و قد تبني في الأطفال جوانب قيمة وفي الإعلام إزدهار مكانها .
“الادب بين الايجابيه والسلبية”
حنين العصيمي
**”الأدب بين الإيجابية والسلبية”**
في اختيارك للكتب والأفلام التي تتابعها، هل تفضل اختيار الكتب المأساوية، السوداوية، ذات النهايات الدرامية الحزينة، أو الأفلام المليئة بالمعاناة والدموع؟ هل تفضل رؤية شرور الدنيا المتجسدة بالخيانة، الغدر، الكراهية، الفقر، الجوع، الظلم، الانكسارات العاطفية، وقصص الغرام المستحيلة، الفراق، الموت، القهر، وغيرها من المآسي الأخرى… أعني ، أليس الواقع مليئًا بكل ذلك أصلًا؟
نظرة واحدة على الواقع اليوم وستجد كل ذلك وأكثر… ملايين الضحايا، ملايين الفقراء، ملايين المحطمين مع اختلاف الأسباب…
والقصص التي ترتعد لها فرائصك وتكون بمثابة مادة خام لصنع أكثر الأفلام رعبًا وحزنًا…
بل والأسوأ أنها حقيقية تمامًا وخالية من ادعاء الممثلين، وصنع الكاميرات، وألوان المساحيق، وتهذيب وزخرفة الحروف…
بل إن أبطالها أشخاص حقيقيون من لحم ودم تعرفهم أو قابلتهم أو سمعت عنهم من مصادر مختلفة… بل وربما تكون قصتك أنت.
في إحدى النوادي الأدبية التي حضرتها،
وفي نقاش مع الزملاء ، ذكر أحدهم أنه يفضل الكتب التي تجعله يصطدم بالواقع! وفي حقيقة الأمر، بلى، خاصةً إذا كان هذا الواقع يستحق تسليط الضوء عليه، أو كانت قضية مأساوية منسية تستحق الطرح…
والأمر سيان بالنسبة للأفلام السينمائي الخ ..
لكن إن كان الواقع يميل إلى السوداوية، والكتب وغيرها من الفنون المختلفة سوداوية أيضًا، فأين المفر؟ أليس من واجب الأدب والفن بأنواعه أن يكون المهرب والملاذ الآمن الذي ينتشلنا من رمادية العالم، من همومنا اليومية ومسائلنا الشائكة؟ أليس من المفترض أن يكون هو المخرج السري الخاص بنا، الذي يجعلنا ندخل عالمًا أقل ظلمة، ويجعلنا نصدق بأن العوض موجود، وأن النهايات السعيدة من نصيب الأشخاص الطيبين الذين ناضلوا على مدار الأحداث، وأن الحبيبين يلتقيان في آخر القصة لأن الحب دائمًا ينتصر، أو أن الجائع سيشبع لا محالة ما دام يعمل ويأمل، وأن الحزن لا يدوم، والفرح يتجدد ليشمل العالم أجمع، وحبل الكذب قصير يلتف على رقبة صاحبه ويخنقه في النهاية، والأشرار الظلمة لا يصفق لهم، بل يتم نبذهم واحتقارهم، أما عن نهايتهم فهي قاسية وعادلة كفاية، لأن القدر يتربص بهم وبأعمالهم، فظلمهم يتبعهم مهما طال الزمن أو قصر…
ألن يولد هذا شيئًا من الأمل أو بريق الأمل في نفس القارئ… ذلك الأمل الذي نهرب إليه ونستظل بظله.. ونستأنس بوجوده .
– حنين العصيمي
وفِي شدائد الأفكار هزائم الأفعال
نوره بابعير
وفِي شدائد الأفكار هزائم الأفعال
ربّما فاصلة تُصنع الغرابة في كل شيء لكنها تقود السّير على قوة جسورها ، تفرّق الفَهْم بين المبدأين ، هناك من يُنهي الفهم وأخر يبتدأ مع تلك النهاية التي تمثلت فيها كل الأشياء على أنها في أطراف فهمها ، لكن تشبثت في حقائق تكاثرت من منابت وحيها .
الفَهْم وحدهُ من يفسر المعنى المخبأة في جدار الكلمات و تلامس العقل على مَدَى انتقائها ، تلك التساؤلات التي تطرح من العقل لم تكن كافية ليدرك الإنسان أن على شرفة الفهم أحيانًا الأجوبة تضع الفاضلة الحقيقية بين كل سؤال و اخر ، تبين المستوى المخزون من وعي الإنسان ثم تشكلك في نضج عميق يوهبك الإنتباه و تنبؤات لتستطيع أن تقف أمام موقفك بوضوح .
التأني الذي يجتاح العقل و يملأ عليه السكون هو البصيرة التي يحتاج إليها كل إنسان ويظن أن أعتمد عليها من خلال العين ، لا أدري ربّما عين القلب أقوى لترى ما يحجب عن النظر نفسه ؟
الانشغالات التي تصيب العقل قد تجعله خاليًا من الإنتباه فيبقى في انغماس لا يمثل حقائق الوعي بقدر خدائعة ، لأبد من الفصل و تفعيله للعقل ، حتى يتمكن العقل من أحياء وعيهُ ، النجاة التي يبحث عنه كل إنسان هو دافع العقل الناضج ، قد يرغب في النضج لكنه متجردا منه لا يعرف كيف السبيل إليه ، يرى أنه ناضجًا ولكن من الداخل يعرف النقص الذي لم يغطيهُ ذاك النضج حتى يصبح شامخًا ، الفواصل هي تشبة المراحل كلما أيقنت أنك تفهم زادت عليك المفاهيم من غيرها ، وتشعرك بالاستيعاب الواعي دون الفراغ ، القوة التي تستطيع أن تكونها ، هي الذّات التي تمتلكها ، الاستثمار بالذّات نجاة دائم يجعلك تقفز دون مخاوفًا من المساحات التي سرت عليها أو سوف تقف أمامها ، تؤمن بأن العقل الذي يحتوي النضج هو عميق بما يفهم ويفسر و يحلل الاشياء على رغباتها ثم يلامس الرغبة التي يتحقق من خلالها نجاحه ، التعامل مسألة أخرى تبين لك القيمة من ذلك الأثر ، لكنها بينك وبيّن ذاتك تجعلك أكثر دقة فيما تفكر ، تلك الأفكار الصاخبة تعطيك الأفكار الراكدة ، وبين الركود و الصخب غزارة وعيا شاق لكنهُ اثلج الشعور في انفعالات موقفه ، يبقى متوازيا لا يملك الاحتراق الذي يفسد كل شيء ولا يملك البرود الذي يبهت الأشياء كلما وقع يجد أنه حكيم نفسه لا شيء ياخذه منه سوى إرادته فيما يرغب .
أحفظ مسافة عقلك مع الاشياء حتى تستطيع أن تنجو من الفوضى ، من الثرثرة الفارغة بلا وعي ، من الزوائد الخالية منك ، من قلة الفرص ، وأتساع القبول ، من دهشة الأفكار ، واتزان الأفعال .
نظرية السيارة الحمراء
سارة العتيبي
في موسوعةِ الخيال تخيَّل بأنك تقودُ السيارة متوجهاً الى العمل، وتم سؤالك كم عدد السيارات الحمراء التي رأيتها اليوم في الطريق ؟
من المحتمل .. لن تعرف الإجابة؛ لأنَّك لم تبحث عنها بمُبالاة ولم تُعرها اهتماماً.
ولكن ماذا لو تم اخبارُك قبل أن تقود سيارتك الى العمل بأنّ تلاحظ عدد السيارات الحمراء في طريقك ؟
وبالمقابل على كل سيارة حمراء تجدها ستحصل على 100 دولار نقداً، ستلاحظ نفسك بدأت بالبحث عن سياراتٍ حمراء تلقائيًا وبوعيٍ تام وبتركيزٍ أكبر، وسوف تبدأ بملاحظة سياراتٍ حمراء موجودة في كل مكان وسيصبح عقلك اكثر وعياً بها، وبذلك ستبدو السيارات الحمراء وكأنَّها تتكاثر بينما هي في الواقع عكس ذلك.
نظرية السيارة الحمراء (Red car Theory) هي نظرية تشير إلى آلية إدراك الفرص المحيطة وملخصها أن إدراك الأفراد للفرص المحيطة بهم يتأثر بما يختارون التركيز عليه من أهداف، وعليه سيشعرُ الفرد كما لو أن الفرص زادت من حوله بعد أن ركز على هدف معين.
آلية تطبيق نظرية السيارة الحمراء:
يمكن الاستفادة من نظرية السيارة الحمراء في تحقيق إنجازات عديدة على الصعيدين الشخصي والمهني، ويمكن تطبيقها من خلال برمجة الدماغ على التفكير بالطريقة الآتية : التركيز على الهدف المراد تحقيقه وإمداد العقل بالكلمات المفتاحية التي تساعد على ذلك، – وبناء تصور عقلي يركز على النتيجة المراد تحقيقها من الحصول على الفرص، والمثابرة في التركيز على الأهداف المرجوة، وتوسيع الوعي بالفرص المحيطة.
• عندما تسيرُ في الحياة وأنت غير واعي بما يدورُ حولك، ستمرُ الحظوظ والفرص وانت لم تعرها اهتماماً قط، إنَّ كلُ شيءٍ يمكن تحويلهُ الى فرصة!. كُن أكثر وعياً واستمِر في البحث.
يا ترى كم سيارة حمراء ستلاحظها اليوم؟
العلم نورٌ وضّاء
أ.بشاير خالد الصفران
العلم نورٌ وضّاء
الكاتبة: أ.بشاير خالد الصفران
تتجلى حكمةُ الانسان بمدى ادراكه بمستويات الاحداث، فالإنسان الحكيم هو انسان مُتزن انفعالياً وعاطفياً وهو ايضاً ناضج فكرياً ومعرفياً، وصفة الحكمة هي هبة من الله يؤتيها من يشاء من عباده، فنسأل الله باسمه الحكيم ان يؤتينا الحكمة التي من اوتيها فقد اوتي خيراً كثيرا، فعندما اتأمل بتفاصيل هذه الصفة الذهبية اشعر وكأنني ابحرت نحو عالم واسع من الجَمال، فالإنسان الحكيم يُحجم الأمور بما يُناسبها من مقياس فهو لا يعير اهتمامه لتوافه الأمور، لأنه على فقه ان وقته ثمين ولا توجد لديه مساحة لتوافه الأمور ان تأخذ حيّزاً من حياته، فالإنسان الحكيم عالياً بعقلانيتهِ ورَشاده، مُحلقاً نحو آفاق العلم الرصين، والثبات هو اجزى ما يستوطن مُهجته، ويتمتع بسمو ذكاءه الاجتماعي وزهو احتوائه للمواقف بكل حنكة وفن، والعلم نورٌ وضّاء يُضيء المَدارك ويرتقي بها لأقصى سلالم المعرفة والفِكر السديد، والغنى هو غنى النفس وملؤها بما ينفعها من علم ومعرفة وتهذيب للذات، وغنيمة القناعة والرضى التي تُعلينا طمأنينةً وسلاماً داخلياً، ودقة اختيار الحروف والكلمات في حواراتنا وانتقاء الانقى والارقى كي تبقى مخلدةً في العقلِ والقلب. ما أجمل أن يُعز الانسان نفسه بالعلم والتعلم وما ألطف أن تكون نظرته لتفاصيل الحياة إيجابية وفؤاده مُشبعاً بالتفاؤل والتلألؤ السامي، منعماً بالرحمة وتفاصيلها الحنونة التي تشبه علو الغيمة البيضاء في سِعه السماء الزرقاء حيث ان الرحمة حياة ومن يتحلى بها فقد حَيا، فجمال الرحمة تطغى على روح الانسان بهاءً وجاذبيةً بقلبٍ مشع بألوان الحنية التي لها رونقاً فريداً وتأثيراً واسعاً تتمركز في لُب الانسان كإشراقة الشمس المتجلية التي تعلو لتلون دُنيانا بأشعتها البراقة، وبألطاف نسيم الندى المنعش الذي يسمو بنا لنرتقي كفراشةٍ بأجنحةٍ زاهيةٍ وبروعة ألوانها الملفتة وحُسنها، العلم خيرٌ من الجهل، فالعلم نور للعقل وتاجٌ مرصع بالمجوهرات الفكرية والمعرفية الشامخة، أما الجهل على عكس ذلك تماماً فهو يقود بك للانغماس بالتوافه والغرق في بحر هائجٌ ومُعتم، العلم والتعلم رِفعة وعِزة للعقل البشري، تبّصر ذاتك جيداً أيها الانسان، وأكرمها بما يليق بها من علم ومعرفة وجَمال، فالجمال مكنون بالعقلِ والمنطق فإذا ارتقى العقل ونضج نقى اللسان وسَما، وأعلم أيها الانسان أن الله لا يكلف نفساً إلا بقدر استطاعتها وتحملها لأنه أعلم بك سبحانه من نفسك ويعلم ما تستطيع أن تتجاوزه كي تكتسب العبرة والقيمة المستفادة من الحياة.
غازي القصيبي ” سيرة لا تنسى في حقائب الأدب “
نوره بابعير
هناك شخصيات تحفر لنفسها البقاء القيم حتى من بعد رحيلها تجعل من أفعالها دور في تفعيل الآخرين لم أجد شيئًا يثير الدهشة مثل الأديب غازي القصيبي كانت الأيام تصور كل تعاملاته الحقيقية مع الحياة مع تلك المناصب الذي كان يتحول معها في كل مرة يصنع الآمل في مساحاتها ليوقظ الإنجاز على أكتاف غيره ، كان متنبهًا في تهذيب ذاته متألقا فيَ ارتقاء الرُّوح واللين ، ممتلئًا بالحياة الشغوفة إتجاه إنجازاته و خبرته العملية و الثقافية ، يرى أن الثقافة هي المحرك الأول في تغيير إعداد داخل الإنسان ثمّ ذلك الفعل يرتب العقل نحو صواب منطقيته ، لم يقف عند عتبه واحده ولا يهمل كل خبرة معقدة ، كان يرى الحق في المشاء وينسجم مع المتاهات حتى يخلق الضوء بنفسهُ ، و يروي الحكايات ليغيره و يلبس ثوب الحكمةً من مأزق مواقفه ويتحلى بالنضج من تجارب فعلهُ .
كان متوازياً في الفكر العملي خلق الإدارة في الإرادة و اللين في العاطفة ، كان يسعى في النهار منجزاً و كان يغني في المساءُ شعرهُ ، اجمع بين عقلاً ناضج و قلباً شاعرًا، تلك السطور الذي بقيت أثارها فوق صفحاتهُ حملت إلينا كل المتاعب الذي مال فيها و انتصبت به و تلك القراءات التي كان يتحدث عن وعيها ظلت تنمو مع اتزان رؤيته فيها ، وتلك اللقاءات التلفزيونية التي كانت تأخذ من اقوالهُ البساطة في الحوار و العمق في الجواب كلها كانت تأخذ بأيدينا إلى تغيراً جذريًا يصقل فينا المعرفة التي تملأ علينا فراغ عقولنا منها ، وتجعل من الهزائم التي نقع فيها دافعًا قوي يؤهلنا إلى قفزات غيرها .
كان شاعرًا يصنعُ من الكلمات جمالها و من الإلقاء أثراً علَى مسامعنا ، وحينما تغيب عنا لم يغيب بل ظل رفيقاً للأشياء المحفورة به في الأدب والعمل الإداري ، أصبحت الإدارة ترتبط باسم غازي القصيبي وكأنه يبلل الأشياء بمفهومًا بدا منه واتسع باجتهاد زائره ، لم يكن قاسيًا بل كان يحاول إن يفهم الأشياء بمعانيها لا بمعتقداتها المرتكزة على مخيلاتها، تعلم ليتمكن من ثمار نفسهُ و حينما أثمرت ارضهُ كان يشارك النَّاس خير علمهُ و رقي فعلهُ و انتقاءه فكرهُ وتعاملهُ مع الآخرين و الحياة بما تحملهُ من حكايات البهاء و بقايات الإبداع و نهايات موثرة و قناعات واعية .
الأديب غازي القصيبي ، شخصية مبدعة لم يكن قاصدًا في حديث عنه كانت الأشياء كلها تتحدث عنه تخبر القارئ عن مدى الأفكار التي ترافق الكتابة الذي كان يمارسها ، و عن الإشعار التي أزهرت على مشاعرهُ فكأن أهلاً لها ، أبرز لنفسه المكانة القيمة وإلى الآن تحمل في داخلها حكاية الأيام و صقل الخبراء و صناعة المهن و الإنجازات .