Blog
الفلسفة فن يُمنح للأشياء معناها الحقيقي

نوره بابعير
تمر بنا الأشياء كما تمر الريح وتنثر الأشياء معها و لا نتوقف عندها، لا نسألها ولا تسألنا بل نستمر ، نأكل، نلبس، نُحب، نعمل، نحزن ونفرح، دون أن نتساءل: لماذا؟ كيف؟ وما المعنى؟ أما حين تتدخل الفلسفة، لا كعلمٍ للنخبة، بل كفن إنسانيّ عميق يُعيد إلينا قيمة الأشياء التي نسينا أن ننظر إليها بوعي. الفلسفة تفتح أعين القلب ، لا تُعطينا إجابات جاهزة، بل تفتح أعيننا على الأسئلة المنسية. لماذا نخاف ؟ لماذا نشعر بالأشياء في وسط الزحام؟ و ما معنى السعادة؟ و ما حدود الحرية الناضجة في الإنسان والعديد من تلك التساؤلات الواعية ؟
كل تلك المفاهيم، التي نمارسها دون تأمل، تُعيد الفلسفة صياغتها أمامنا، فتغدو الأشياء التي بدت عادية، محمّلة بالمعنى، ومفعمة بالدهشة. تصبح الفكرة طعامًا للروح، ويصبح التفكير حاجة لا تقل عن التنفس.
قيمة المعنى في عالم تحكمه السرعة، و السطحيات، وصناعة الصورة، تبرز الفلسفة كفعل مقاومة. تُعيد الاعتبار للباطن، للمغزى، لما هو خلف القشرة. الفلسفة لا ترفض المادة الناتجة عنها ، لكنها تسأل: ما وراءها؟
كوب شاي ، لحظة الصمت، كتاب عتيق، شروق أو غروب الشمس، كلها أشياء يومية، لكن الفلسفة تُعلّمنا أن ننظر إليها كمرآة للوجود. أن نتعمق في خطواتنا، لنفهم أن الأشياء الصغيرة قد تحمل أجوبة الأسئلة الكبرى.
الفلسفة تمنح الإنسان مرآة لذاته ، ما أثمن شيء في حياة الإنسان؟ هو ذاته. لكن الذات لا تُكتشف من الخارج، بل من الداخل. و تأتي الفلسفة، لا لتقول لنا من نكون، بل لتدفعنا اكتشاف ذلك بأنفسنا مجرد ما نفهم غاية الفلسفة في إحياءها لقيمة الأشياء تفتح لنا آفاق واسعة .
لذلك حين يتأمل الإنسان معنى وجوده، وحدود حريته، وغايته من الحياة، لا يعود مثل السابق ، بل يصبح عميق أكثر وعياً ، وهذا الوعي هو ما يجعل كل لحظة أكثر امتلاء، وكل علاقة أكثر صدقًا، وكل قرار أكثر مسؤولية. الفلسفة تُهذّب الرغبات وتُضيء وتقوي حواسنا اتجاه بعض الأشياء ، الفلسفة لا تقتل الشعور، بل تُهذّبه. تجعلنا نُحب بعمق، لا بتعلق. نرغب دون أن نستعبد. نفرح دون أن نُفرّط. نحزن دون أن ننهار. لأنها تُنير لنا طبيعة الإنسان، وتكشف كيف يكون التوازن فنًّا نابعًا من الفهم.
حين نفهم لماذا نرغب، ولماذا نغضب، ولماذا نُخطئ، نصبح أكثر تصالحًا مع ذواتنا. وحين نصبح كذلك، تصبح الحياة نفسها أكثر رحابة.
” الفلسفة لا تعزلنا عن الحياة.. بل تُعيدنا إليها أجمل مما كنا”
الفلسفة هي أدب وأسلوب الحياة، وضمير العقل، ولغة القلب حين يُريد أن يُفكّر. تعلّمنا أن لا شيء عابر. أن وراء كل تفصيل صغير حكمة، وأن الحياة، رغم صخبها، تستحق أن تُعاش بعينٍ متأملة، وعقل واعي متسائل، وقلب لا يكتفي عن البحث عن المعنى.
الأشياء تُقاس بثمنها، لذلك تُعيدنا الفلسفة إلى قيَمها. فتُعلّمنا أن القيمة لا تُشترى، بل تُدرك. وأن أجمل ما في الأشياء… هو ما لا يُرى بالعين، بل يُبصر بالعقل.