بوابة أعضاء جدل, موضوعات متنوعة

اليوم العالمي للشاي ” في مديح الشاي وأهله “

نوره بابعير

في ركن من أركان العالم، هناك قرية صينية تعانق الضباب، أو هناك مقهى هادئ في قلب المدن ، أو حتى في المجلس العربي حيث يتعاقب الضيوف وتتلاحق الأحاديث، وُلدت لحظة من التأمل، ترافقها رائحة الشاي الصاعدة في بخارٍ دافئ، تحكي قصة واحدة: وهي قصة الإنسان مع كأسه المفضل من الشاي .

في الواحد والعشرين من مايو كل عام،يحتفي العالم باليوم العالمي للشاي، ذلك المشروب العتيق الذي لا يعرف الحدود، ولا يعترف بالاختلافات. لكن لماذا سُمِّي هذا اليوم بهذا الاسم؟ وما سر اختيار هذا التاريخ تحديدًا؟

من يقرأ التاريخ يعرف أن الشاي.. أكثر من مجرد مشروب

قد نعتقد أن الشاي مشروب بسيط يرافق الصباحات الكسولة أو الأجتماعات العائلية، لكن الحقيقة أن الشاي هو حكاية حضارات،وتاريخ من التجارة، والسياسة، والثقافة. من الصين مهده الأول، حيث استُخدم طبيًا قبل أن يتحول إلى مشروب يومي، إلى الهند وسريلانكا وكينيا، حيث تحوّل الشاي إلى اقتصادٍ قومي ومعيشة لأجيال كاملة هناك الكثير من الوثائقيات تتحدث عن حكاية الشاي بتفاصيل أنيقة تبرز قيمة الشاي من بداية المزارعين إلى للجنة المتذوقين به .

إن اليوم العالمي للشاي، الذي أقرّته الأمم المتحدة رسميًا في عام 2019، لم يُطلق من فراغ، بل كان تتويجًا لسنوات التي كانت تحتفل بشكل غير رسمي و الذي بدأته بعض الدول المنتجة للشاي منذ عام 2005. لذلك تم اختيار 21 مايو لما جاء متزامنًا مع فترة حصاد الشاي في أغلب البلدان المنتجة، وهي المرحلة الأهم في دورة حياة هذا المشروب، و كأن البشرية أرادت أن تقول: “لنحتفل ونحن نقطف أوراق الشاي ”

الشاي عدة حكايات لنخوض بينهما حتى نعرف عن مزاياه المتعددة بين الأصابع… و ورقة حياة .

ليست كل أوراق تُحكى، ولكن أوراق الشاي حكت كل شيء. ففي ورقة صغيرة خضراء، تختبئ آلاف القصص: قصة مزارعٍ ينهض مع الفجر ليقطفها بحنان، وقصة سيدةٍ تصبها في فنجان الضيف باهتمام، وقصة شاعرٍ يغمس فكره في دفئها ليكتب بيتًا جديدًا .

لماذا نحتفل؟

وجدت أننا نحتفل بيوم الشاي هو اعترافًا بملايين البشر الذين يقفون خلف هذه الصناعة، من مزارعين وعمال ومصدّرين، ونحتفل احترامًا للثقافات التي نسجت طقوسًا فريدة حول فنجان شاي، من جلسات “الشاي المغربي” بالنعناع، إلى “الشاي الإنجليزي” مع الحليب، إلى “الشاي العدني” الغني بالتوابل جميعها ثقافة بلدان و تاريخ وحضارة .
فيكون هذا اليوم للوقوف مع القيم من الجانب التجاري ومن حقوق المزارعين، وحماية البيئة، لأن زراعة الشاي ليست فقط زراعة مشروب، بل زراعة علاقة بين الإنسان والطبيعة، بين الرغبة والهدوء، بين الاحتياج والجمال المتعة التي تحقق من قبل هولاء المزارعين هي سبب في انتشار الشاي بشكل دائم دون انقطاع .

الشاي لا يقبل السطحية بل هو لغة لا حد لها .

الشاي لا يُشرب فقط، بل يُتحدث به. كل حضارة صنعت لغتها الخاصة مع هذا المشروب: في الصين هو طقس تأمل، وفي اليابان فلسفة “تشانويو”، وفي العالم العربي رفيق المجالس والأحاديث.

الشاي لا يُطلب أحيانًا، بل يُفهم حضوره من نظرة، من طقس، من ساعة معينة. من قال إن اللغات فقط تُكتب وتُلفظ؟ ثمة لغات تُرتشف بهدوء

و في اليوم العالمي للشاي، نستمتع بأكوابنا من الشاي لا للاحتفال بمشروب، بل لنتأمل كم من الأشياء الجميلة في هذا العالم تنمو في صمت، وتُقطف بحب، وتُقدّم بدفء. نشرب إذن، لا لمجرد الارتواء، بل لنتذكر أن في تفاصيل الأشياء الصغيرة، تكمن أعمق المعاني

أما عن الشاي في دول الخليج فهو طقس للضيافة
وذاكرة البيوت…

في دول الخليج لا يُقدَّم الشاي فقط لمجرد الضيافة، بل بيان ترحيب وعربون مودة، وامتداد لذاكرة قديمة نسجتها المجالس الشعبية كان الشاي يُعدّ على الجمر، في إبريق نحاسي، وترافقه رائحة الهيل أو أعواد النعناع .
ويعرف أن الشاي الخليجي لا يُشرب على عجل، بل يُصبّ بتأنٍ، ويتكرر صبّه بكرمٍ لا يعرف الانقطاع من المجالس بل هو البداية الرسمية لكل حكاية . ولا ننسى أن “الشاي العدني” الذي انتقل إلى الخليج عبر الموانئ، واستقرّ في القلوب قبل الأكواب بطعمه الغني بالحليب والزنجبيل والقرنفل، أصبح خيارًا يوميًا لعشّاق النكهات القوية. بينما يحتفظ “شاي الكرك” بمكانته في المقاهي الشعبية، ومع الوقت قد تحول من مشروب تقليدي إلى رمز عصري للهوية الخليجية الحديثة

أصبح الشاي في الخليج ليس فقط مشروبًا، بل ركيزة من ركائز التواصل الاجتماعي، وامتدادًا حيًا للضيافة العربية الأصيلة التي تبدأ بالترحيب وتنتهي بالودّ .

إلى الذين يشربون الشاي…
أنتم عشّاق الذوق، وأصحاب مزاج يعرف متى يهدأ، ومتى يصغي، ومتى يكتفي بكأس شاي لتستقيم أمامه الدنيا.فلكم التحية، أنتم لا تشربون الشاي فقط، أنتم تصنعون به لحظة سلام و رقياً في المقام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *