بوابة أعضاء جدل, موضوعات متنوعة

” حينما تركض التساؤلات “

نوره بابعير

الانتماء الفكري للمكان قد يُضعف دور العقل في رؤية الحقيقة داخل الإنسان نفسه، فاعتياد السلوكيات الخاطئة يجعلها تتحول مع الزمن إلى عادات مستقرة في سلوك الإنسان، بل ويُعيد إنتاجها في غيره. وما يصدر عن الإنسان من أفعال ليس بالضرورة خطيئة بقدر ما هو ترجمة لتغيّرات داخلية دائمة، لكنها تتجلى أحيانًا في سلوك غير سوي، مما يؤدي إلى الوقوع في أنماط سلوكية مشوَّهة.

الغريب أن تلك السلوكيات، مع مرور الوقت، تتسلل تدريجيًا إلى عمق الذات حتى تصبح جزءًا من أساسياتها، فيراها الإنسان أمرًا طبيعيًا يمنح ذاته قيمة، رغم أن القيمة الحقيقية لا تُكتسب بالاعتياد، بل بالتفكير الواعي الذي يميز بين ما هو مكتسب وما هو حقيقي. وهنا تتشكل مشكلة الفهم والوعي، إذ يظل العقل يمارس أفعاله الموروثة والمكتسبة سواءً عن قناعة بها أو بتأثير من البيئة المحيطة، حتى يعتادها فلا يعود قادرًا على مساءلتها أو التحرر منها.

وحين يواجه الإنسان لحظة انتفاضة عقلية تجاه ما اعتاده، يجد نفسه أمام سؤالٍ جوهري: هل يحتاج إلى إعادة تأهيل لبناء سلوكيات جديدة؟ أم أن تلك السلوكيات القديمة كانت تعبيرًا عن طبيعته الأصيلة التي زرعتها نفسه منذ البداية؟ ومع مرور الوقت، تنبت تلك البذور لتكشف ما أرادته النفس حقًا.

والمؤلم أن بعض العقول لم تزل بعيدة عن الازدهار، وأخرى لم تصل بعد إلى الفهم الحقيقي له، ربما لأنها تظن أنها بلغت الكفاية من الوعي. لكن حين يتغيب العقل، تعود المشكلات إلى أسبابها الأولى، فتتعثر رحلة النضج والتفكير النقدي.

ويبقى السؤال غالباً لماذا يعجز البعض عن اتخاذ خطوة التغيير، والتحرر من الخطايا الفكرية المتوارثة؟ ربما لأن الاعتراف بالضعف والمخاوف لا يزال مؤجلاً، فيكذب الإنسان على نفسه، ويقاوم الأفكار التي قد تعيد إليه وعيه الحقيقي… وعودة عقله كما يجب أن يكون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *