بوابة أعضاء جدل, موضوعات متنوعة

مأدبة الإنسان في عقله

نوره بابعير

في عالمنا الداخلي، لا تقتصر مأدبة الإنسان على ما يراه الآخرون أو ما يعبر عنه بالكلام، بل توجد مأدبة أعظم وأعقد تحدث داخل عقله هي مأدبة سرية، عميقة و عامرة بالضيوف المتنوعين: أفكاره، مشاعره، مخاوفه، أحلامه، وذاكرته التي لا تهدأ. هذه المأدبة هي ساحة صراع مستمر بين تناقضاته لمصدر كل تساؤل وتأمل، بل أحيانًا بين الإلهام والضياع نفسه .

المأدبة العقلية: ما هي؟

المأدبة العقلية ليست مجرد وصف ، بل هي صورة حية لتجربة الإنسان مع ذاته. هي لحظة جلوس متأمل، حين يواجه الإنسان ما في داخله من أفكار متناقضة، من مشاعر متداخلة، ومن رغبات متصارعة.
في هذه المأدبة، يجتمع العقل والمنطق مع الشك والشكوك، يجتمع الحلم مع الخوف، وتتناقض الذاكرة مع الحاضر. وهذا الاجتماع ليس بالضرورة سلمياً، لكنه ضروري لكي تتشكل رؤية الإنسان لنفسه وللعالم.
حينما وصفت المتواجدة بالذاكرة ضيوف لانها هي زوايا المأدبة: و في مأدبة العقل، كل ضيف له دوره مثل الخوف: هو الصوت الذي يحذر، لكنه أيضًا يمنع أحيانًا الإنسان من المجازفة. مثل الأمل: هو النور الخافت الذي يشعل رغبة الاستمرار رغم كل شيء. مثل الشك: هو الذي يعيد النظر في كل يقين، فلا شيء يبقى كما هو و الذاكرة :هي المرآة التي تعكس الماضي، وتحمله معنا في الحاضر.و الضمير: هو الصوت الداخلي الذي يراقب ويدعو إلى الصدق والعدل .

أما عن الحوار الداخلي وأثره على الإنسان فهذا العمق يأخذنا إلى التفاصيل نحو الفكرية و الانتاجية القائمة على هذه المأدبة .
حين يقرر الإنسان “الجلوس إلى المأدبة”، أي مواجهة هذه الأصوات المختلفة، يبدأ حوار داخلي عميق. هذا الحوار يساعده على فهم أعمق لذاته، وإدراك أبعاده المختلفة. إنه حوار لا يهدأ، لكنه يمنح الإنسان القدرة على اتخاذ قرارات واعية، وتشكيل معنى لحياته. تبني في تحديات مأدبة العقل اعلم أن ليست مأدبة العقل سهلة. فهي تتطلب شجاعة، لأن الإنسان غالبًا ما يهرب من مواجهة مخاوفه أو شكوكه. والانشغال اليومي هو طريقة للهروب من هذه المواجهة. لكن الهروب يولّد فراغًا أكبر، لأن المأدبة تستمر مهما غاب الإنسان عنها.

كيف نجلس إلى المأدبة حتى نجد ضالتنا ؟
الجلوس إلى مأدبة العقل لا تتطلب مكانًا خاصًا، لكنها تحتاج إلى وعي وتركيز. يمكن أن يكون في لحظة هدوء صباحي، أو أثناء نزهة في الطبيعة، أو حتى في لحظة تأمل عابرة. المهم هو الانتباه، الاستماع، والسماح للأصوات الداخلية بأن تُسمع حتّى تستطيع أن تنضج بك كما تستحق مَن التفاتك لها ، في النهاية مأدبة الإنسان في عقله هي رحلة لا تنتهي، وليست هدفًا أو لحظة تتجدد يوميًا، بل تدعونا إلى مواجهة أنفسنا بصدق، وإلى خلق معنى في وسط الفوضى. ومن خلال هذه المأدبة، أكثر وعياً، وأكثر قدرة على العيش بتوازن داخلي يليق بحياة متلائمة مع وعينا فيها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *