بوابة أعضاء جدل, موضوعات متنوعة

فن الإنتباه للجمال

نوره بابعير

في زحمة الحياة، وانشغالاتها المتكررة، يضيع منا شيء ثمين لا يُقدّر بثمن: الإنتباه للجمال. ذلك الفن الرقيق الذي لا يُدرّس في المدارس، ولا يُلقَّن في المحاضرات، بل ينبت في أرواحنا كزهرة تحتاج إلى عين تلاحظها، وقلب يحتضن حضورها.

الجمال ليس صفةً مقصورة على الملامح أو الألوان. الجمال روح. يتجسد في التفاصيل الصغيرة التي تمرّ بنا كل يوم، في ابتسامة عابرة من غريب، في انعكاس الشمس على زجاج نافذة، في كلمات تقال بصوت دافئ، في رائحة الخبز صباحاً، في انسجام النفس مع تفردها ، في صمت الغروب، حين ينسحب الضوء بهدوء كما لو كان يستأذننا للرحيل.

ولكن كيف ننتبه للجمال؟ الانتباه ليس فعلاً آلياً، بل هو يقظة داخلية. هو قرار بأن لا نمر مرور العابرين. أن نكون حاضرين بكامل حواسنا. أن نسمح لأنفسنا أن تتباطأ قليلاً لنلتقط اللمحات العابرة التي تشبه الومضات، لا تبقى طويلاً، لكنها توقظ فينا شيئاً قديماً وأصيلاً.

هناك جمال في اللغة، في الكلمة التي تلامسنا دون أن تطرق. هناك جمال في الفن، حين يحكي عنّا دون أن يعرفنا. هناك جمال في الألم حتى، حين يعلّمنا كيف نرقّ، كيف نفهم، كيف نصغي. الجمال في كل مكان، لكنه لا يُرى إلا بالانتباه.

في زمن السرعة، فقدنا قيمة التأمل. اعتدنا أن نُستهلك، لا أن نعيش. نركض خلف كل شيء، ونفقد كل شيء في الركض. لكن لحظة توقف واحدة، لحظة إنصات إلى نغمة عصفور، أو تأمل في ظل شجرة، قد تكون كافية لتعيد ترتيب أرواحنا من الداخل.

ربما لهذا السبب نجد أن أكثر الناس سعادة هم أولئك الذين يُتقنون فن الانتباه للجمال. لا لأن حياتهم مثالية، بل لأنهم يرون الجمال رغم كل شيء. يلاحظونه في الأماكن المنسية، في المواقف العادية، ويمنحونه أهمية تستحقها.

لنُربِّ أنفسنا على هذا الفن النبيل. لننظر بعيون مندهشة، كأننا نرى الأشياء لأول مرة. لنصادق الجمال حين يمرّ، ونشكره حين يبقى.
فالحياة، في جوهرها، لا تقاس بطولها، بل بلحظاتها الجميلة التي انتبهنا لها، وتركناها تنقش أثرها في قلوبنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *