نوره بابعير
قصة قصيرة
.
“قتل الصمت بثرثرته الفارغة ”
كان يظن أنه يتحدث بطلاقة ، ظل يصرخ دائماً مقتنعًا بذلك الصراخ هو من يقوى على إيصال ما يريد أخباره ، أوهم نفسه كل ما يفعله متشبثًا في التصديق بما ينطق ، بل في الصوت الذي يخرج من حنجرته ، كلما يرغب بقول شيء يزداد في حدة نبرته متيقنًا فيَ استجابة إيصال غايته من كل رغبة ، مضى عليه من الوقت وهو مستغرقًا فيما يظن وهو بنفس الهاجس يتعامل مع رغباته في الحديث بشدة الصوت لا الفكر فيما ينطق ، لم يعد منتبهًا في ذلك الغرق والبلل الذي ابتلعه ، كان في عجبة الإرتياح الناتجة من فعلته هذه ، كان عالقًا في مفهوم أن الأشياء التي تعلو فيها الأصوات فهي مسموعة بحذافيرها ، ومرئيةً بتفاصيلها وحدة وضحوها أن حتم الأمر .
كان عدوة للذوذ للصمت ، يعتقد أن الصمت عن الكلام هو أنقطاع عن العالم بل عن ما يريد إيصاله من خلف ذلك الصوت ، فكل ما يختلج بداخله كان يحتم عليه بالزن نحو الصوت العالي لا الصمت الهادئ ، أصبح هاربًا منه ، فلم يعد يعطي لنفسك مساحة للصمت يعيد توازنه المفقود من ذلك القول ، ظل تائهاً في ضجة صوته لأقوال لم تصل بعد لكنه أصيبت الحقيقة بالعمى ، كان متعلقًا بالصوت لا بالفهم مما يتحدث به ، متعلقًا بالأنا الأنانية لا بالحكمة العقلانية لدى قول الآخرين له ، متعلقًا في فراغ الكلمات لا بما يملئها من المعاني ، لم يتبين معهُ الخديعة و الحقيقة التي كانت مخبأة خلف معتقداته المرتبطة بقوة الصوت لا بقوة الأسلوب بقوة النبرة لا بقوة العقل وفكرهُ ، كان يبحث عن فعل يحقق له ما يريد التحدث به دون أن يرى قابلية الآخرين نحو فعلهُ هذا .
كان يقتل العقل بصوتهُ العالي ، ويحجب الآخرين عن مسمعه كان يفسد على نفسه كل غاياته من تلك الأفعال المفعمة بإصرار الصوت لا بالمنطق فيما يفعله ، ظلّ غارقاً في عتمته ولم يتنبأ بذلك القصور منه ، حتى تأتيه لحظة الصمت الذي تخمد فيه شعلته الفاسدة ، حينها يستطيع أن يستعيد فيها ذاته الغائبة عنه منذ أن تخلى عنها ، ليدرك أن الصوت غير كافيًا في ترجمة المعاني نحو الأشياء هناك الكثير من الأشياء تحتاج إلى صمتك فيها ، حتى تستطيع تنجح في إيصال فكرها الناتجة من نضجها .