سارة ناصر العتيبي
عاشَ رسامٌ عجوز في قريةٍ صغيرة، وكان يرسمُ لوحاتٍ في غاية الجمال ويبيعُها بسعرٍ مرتفع، وفي يومٍ من الأيام أتاهُ فقير وقال له: أنتَ تكسبُ مالاً كثيراً من بيعِ لوحاتك لماذا لا تُساعد فقراء القرية؟!، انظُر الى الجزار في قريتنا رغم أنهُ لا يملك مالاً كثيراً إلا أنهُ يوزعُ على الفقراء لحماً مجانياً كل يوم، لم يرد عليهِ الرسام بحرف واحِد، وإنما اكتفى بالابتِسام، خرجَ الفقيرُ منزعجاً من عند الرسام وأشاعَ في القريةِ أن الرسام ثري وبخيل، فنقم عليهِ أهل القرية، بعد مدة مرض الرسام العجوز، ولم يعرهُ أحد من القرية اهتِماماً، ومات وحيداً، مرت الأيام ولاحظ أهل القرية أنَ الجزار لم يعُد يوزع اللحم على الفُقراء وعندما سألوه عن السبب قال: كان الرسام يعطيني المال لأوزع اللحم على الفُقراء فلمَّا مات انقطع المال فانقطع اللحم!،
القصة مُقتبسة من كتاب حديثُ المساء الذي يطولُ المدحُ فيه للكاتِب القدير أدهم الشرقاوي، أوضح مدىٰ شِقاق سوء الظن على أفئدة البشرية، وكيفَ يمكن لسوءِ الظن ان يُحدِثَ جُلبةً في أرواح الناس، وكيف يُمكن لسوء الظن أن يُعرِبَ عن سَرِيَّة بني آدم بشفافيَّة، فالبدارُ البدارُ في حُسن الظن مع العبادِ وخالقِ العباد!، فأنتَ لا تعلم الغيبَ وبواطن الأمور وسرائر العالم، لا تفهمُ خفايا الأفعال وحكمةُ المواقف مهما حاولت، فلا تتعجل بالحُكمِ على جميع رداتِ الفعل المجهولة، ولا تحكم على أحدٍ قبل ان تعرفَ القصةَ بأكملها، بعضُ الأحيان يكون حُكمنا على الأمور مُتسرع وبهِ نظلمُ عزيزاً أو نرفعُ رخيصاً، وكما يقولون “لا تحكُم على الكِتاب من عنوانه”، ومن هُنا أختِمُ بالقول أن حُسنَ الظنِ بالناس مُقدَّم على سوءِ الظن بهم كما حدثَ مع الرسام العجوز!.