شوق محمد
”كل اقتباس هو كتابة ثانية” كما يقول كيليطو ، واختيار المرء قطعه من عقله كما يخبر الجاحظ عليه.؟فالإقتباس ليس مجرد نقل للفظ منسوب؛بل له علاقة بذوق المقتبس وعلمه ،و اشارة لدقة فهمه و جمال احساسه.لكن الغريب أنك تلاحظ أن هناك اقتباسات لكلمات عادية فقط لأنها منسوبة لكاتب كبير أو فيلسوف.
فهناك اقتباسات لعبارات لاتحمل مضموناً لافتاً ولا بلاغة استثنائية ولا معنى فريد، كل مافي الأمر أنها مذيلة باسماء كبيرة، مثل تولستوي أو ديستوفسكي و غيرهم، وهذا أجده يزداد انتشاراً مع الوقت، فيما يتم اغفال عبارات بارعة وكلمات فريدة؛ لأن قائلها ليس له ثقل أو ليس من مشاهير الكتّاب”.
تغريدة قديمة لعمر دافنشي كنت قد قرأتها منذ مدة طويلة جعلتني أتسائل ، لماذا بات الناس يفضلون الاقتباسات ويستعينون بها في حواراتهم ونقاشاتهم،و البعض قد يكون مأخوذاً بها وإن لم يفهم ما تعنيه حقيقة معانيها، فقط لأنها تحمل اسم كاتب مشهور، وكيف للإسم كل هذا التأثير على المعلومة المنقولة وهل هذ أمر طبيعي؟
يعود سبب تفضيل الناس للإقتباسات وحب تداولها والإستعانة بها في النقاشات وغيرها إلى
وهج الفقرة القصيرة، وهذا الوهج يحدث لأسباب:
١- البساطة وعدم التركيب، فلا تحتاج لكد ذهن ولا تفكير طويل، وهذا يناسب المزاج العقلي العمومي.
٢- اعتمادها كثيرا على الالفاظ، مثل المفارقة والرنين الجرسي.
٣- سهولة التداول عبر (شبكات التواصل، تويتر خاصة روجت لهذا النوع من الفقرات بشكل مسرف).
٤- إيهامها بالخلاصة، لاحتوائها على القطع والتركيز وإهمال الاستثناءات والنقد المضاد.
٥- أنها تمنح صوتا لمن لا صوت له مناسب، بالضبط كما تفعل الأبيات الشعرية والأمثال الشائعة.تقدم للمستهلك صيغة لغوية تفسر او تبرر او تعقلن او تسهل او تقوي أفكاره.
أما بالنسبة للإسم وتأثيره على المحتوى المنقول
فيعود ذلك بسبب ، ” الهالة” التي تخلقها السمعة فتجذب الناس وتجعلهم يؤيدون جل ما قد يقوله هذا الشخص ،وهذه طبيعة بشرية..
فهم يكتبون أي جملة ثم يضعون بعدها الشقيري الشعراوي ابن القيم.. لتطير الجملة في الآفاق.. اكتبها نفسها بغير اسم لن يكون بها الاحتفاء الكبير
وأظن لذلك اسباب متعلقة بأمور :
١- طبيعة البشر في حبهم للقدوة أو الأسوة أو “الآيدول” بحيث يتبعونه بشكل واعٍ أو لا واعٍ.
٢- عدم قدرة كثير من الأشخاص على التوثق من المعلومة فإذا كانت باسم من يثق به ارتاح لها ولم يتعب نفسه في التأكد من صحتها.
ضع اي معلومة فيزيائية وبعدها اسم آينشتاين.. يرتاح القارئ لصحتها ولا يسأل عنها مهما كانت غريبة.
٣- حب الشخصيات المشهورة يورث حب كلامهم.
٤- في حالات الخصومة أو الجدل ذكر اسم شخص مشهور كفيل بقلب الجدال لصالح من ذكره لذلك يحب الناس الاستشهاد بهم.
٥- عدم قدرة كثير من الأشخاص على تفكيك المعلومة أو العبارة ونقدها ،وعدم قدرته على التحقق منها يجعله بحاجة لاحد يسلّم له بها.
٦- بعض الأشخاص لا يملكون الفكرة.. يمكنك أن تقنعهم بالفكرة وضدها معا لخلو بالهم عن تجريدها والنظر فيها، بالتالي يكون اقناعهم بذكر فلان الذي يحبون أيسر بكثير من المجردات.
وبينما كنت أدون ذلك استحضرت موقف حدث مع الغزالي ،أثناء خلوته في الجامع الأموي ،
حين أجاب على أحد المستفتين ، إلا أنه لم يقتنع بإجابته لأنه لم يكن يعلم أنه الغزالي .فتبين لي أن
الناس حقيقة يتأثرون بالمظهر وكثير ما يعتمد قبلوهم للأمر على “القائل” لا “القول ”
وقد ألمح القرآن الكريم لهذا المعنى قال الله تعالى :(( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ، وإن يقولوا تسمع لقولهم )) .
و أيضا هناك موقف مشهور حدث لأحد علماء الهند اعتقد ، وقد كان يكفر الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فقدم له أحدهم كتاب التوحيد للشيخ بعد أن نزع الغلاف منه، فأعجب المكفر به ثم لم عرف دعا للشيخ وتوقف عن تكفيره.
إذاً الأمر طبيعي جداً وللهالة أهمية وتأثير كبير .
ولكن !! ماذا لو جردنا الفكرة من أصحابها وإن كان ذلك صعبا..لمن أنفسنا قدرة على التمحيص والتقدير ؟!
يقول مالك بن نبي :
إننا عندما نربط الأفكار بالأشخاص نحرم أنفسنا من الفكرة الجيدة حين تأتي من الضد، ونتورّط في الفكرة السخيفة طالما جاءت من صديق.
فهل نستطيع ؟!