المدونة

من يمثل الثقافة العربية؟

 

ترتبط كثير من الثقافات والآداب العالمية بكُتُب معينة وأسماء بعينها، بحيث لا يمكن أن نذكر تلك الآداب أو تلك الثقافة من غير ذِكر ذٰلك الكتاب أو ذٰلك الاسم. وهكذا غدا اسم غوته بديلاً عن ألمانيا أدب وثقافة، كما صار اسم شكسبير وثيربانطيس وهوغو بدائل عن إنجلترا وإسبانيا وفرنسا ..

كان الأخ عبد الفتاح كيليطو طرح السؤال ذاته فيما يخص الثقافة العربية، واستخلص أن الاسم البديل عنها في أعين من يتأملها خارجاً ليس اسم علم هذه المرة، وإنما عنوان كتاب، هو ” ألف ليلة وليلة “.

ربما يتبدى لأول وهلة أنه لاختبار صدق التمثيل الذي يقترحه كيليطو أن يعمد المرء إلى تقصي أوجه الشبه التي تربط العرب أدباً وثقافة ب الليالي. إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة، ولا هو حتى في هذا الاتجاه. وهذا، بالضبط، ما يلحظه بورخيس في إحدى محاضراته. فعلى عكس ماهو متوقع. فإن جميع البُلدان قد “اختارت” ممثلاً عنها أفراداً، قد لا يشبهونها في شيء.

فعوضاً عن أن يقع اختيار إنجلترا، على سبيل المثال، على صامويل دجونسون، فإنها ربطت نفسها بشكسبير، والحال أننا يمكن أن نقول “إن شكسبير أقل الأدباء الإنجليز تَنَجْلُزاً” كما يلاحظ بورخيس. إذ إن ما يميز الإنجليز هو أنهم يلمِحون و “يقولون أقل ما يريدون قوله”، على عكس شكسبير تمام الذي”يميل إلى الغُلُو في استعاراته”.

الأمر عينه ينطبق على ألمانيا،”هذا البلد العجيب الذي يميل بكل سهولة نحو التَّعصُب”، ومع ذلك فقد اختار، بالضبط رجلاً سمحاً أبعد ما يكون عن التعصُب، بل” رجلاً لا يهمه كثيراً حتى مفهوم الوطن” هو غوته.

فيما يخص فرنسا يلاحظ بورخيس أن ليس هناك اسم بعينه تم الحسم بصدده. والغريب أن الكاتب الأرجنتيني لا يقترح اسم ديكارت، بل يؤكد أن الميل ينحو نحو اختيار هوغو ممثلاً عن فرنسا. غير أنه سرعان ما يُعقب: “إلا أنني أعتقد أن هوغو ليس مَن هو أولى بتمثيل فرنسا” لما تتميز به كتاباته من لجوء إلى استعارات فضفاضة”.

حالة أخرى أكثر غرابة يقف عندها بورخيس هي حالة إسبانيا. فهو يرى أن مَن كان أولى بتمثيلها هو لوبي دي فيجا، إلا أن إسبانيا ترتبط في ذهن الجميع بثيربانطيس. “ومع ذلك فهذا الرجل لا يتصف لا بمناقب الإسبان، ولا بمثالبهم”.

كل بلد من هذه البلدان، إذن، يظُّن أن مَنْ يخالفه هو الأولى بتمثيله. فكأنه يشعر برغبة في التعويض، ف “يختار ” مَن لا يقاسمه أوجه الشبه.

إذا كان الأمر على هذا النحو، يصعب علينا أن نُجيب عن سؤالنا: من يمثل الثقافة العربية؟ إذ إن الأسماء التي هي من هذه الثقافة من غير أن تلتقيَ كثيراً مع مميزاتها غير قليلة. فالثقافة العربية مَلأى بمتونها،لكن، أيضا، بهوامشها. قد نلجأ على غرار ما يفعل ابن خلدون إلى اقتراح أسماء هي أَوْلى من غيرها في تمثيل فرع من فروع تلك الثقافة، بيد أن المقصود هنا ليسَ هذا، ليس انتقاء اسم يجسِّد الكلام، وآخر يمثِّل الشعر، وآخر يمثل البلاغة… وإنما الاستعاضة عن الثقافة بمجموعها باسم واحد.

ربما كان الأجدر، إذن، التساؤل ليس عمَّن يُمثل الثقافة العربية” أحسن تمثيل؟ وإنما لماذا لم تلجأ الثقافة العربية تلقائياً إلى فرض اسم واحد بعينه بديلاً عنها دالاً عليها، حتى إن كان سيتبيَّن فيما بعد أن ذلك الاسم ليس هو الأنسب؟ لماذا استغنت هذه الثقافة عن البحث عن اسم، يعوضها عن نواقصها؟ ألِشُعورٍ بعدم الحاجة؟ أم لأنها من السعة، بحيث لم تجد لا في المتنبي ولا في ابن خلدون ولا في التَّوحيدي، ولا في الجاحظ، من هو أوْلى من غيره في أن يكون غوته العرب؟

 

المؤلف: عبد السلام بنعبد العالي.

المصدر: كتاب لا أملك إلا المسافات التي تُبعِدني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *