Posts by نوره بابعير
النقد كحاجة مطوِّرة… ومتى يفقد قيمته
نوره بابعير
في كل حقل من حقول الإبداع، يكون النقد هو ذلك المرآة التي لا تخجل من أن تعكس كل تفاصيل الصورة، بوضوح لا يتواطأ مع المجاملة، ولا يُهادن الرداءة. لكن السؤال الأعمق الذي يتسلل من خلف هذا الدور هو: متى يتحول النقد من حاجة مطوِّرة إلى ممارسة تفقد القيمة ولا تضيف شيئًا؟
ليس النقد فعلًا هامشيًا أو ترفًا فكريًا. هو ضرورة حتمية لكل مشروع ثقافي وفني، لأنه يُعيد ترتيب العلاقة بين المبدع والمتلقي، ويؤسس لفهم أعمق لمضامين العمل. هو أداة لا تُمسك السيف، بل تضيء العتمة حول العمل وتمنحه أفقًا جديدًا من التأويل والمعنى.
لكن هذه الضرورة لا تعني أنه لا يُخطئ، أو لا يتحول أحيانًا إلى عائق بدل أن يكون عونًا.
النقد حين يكون امتدادًا للفهم
النقد حين يُمارَس من وعي، يتحول إلى عملية مُشاركة في البناء، وليس فقط تحليلًا لما تمّ. هو ليس حُكمًا قضائيًا، بل عملية تواصل عالية بين النص والعقل، بين الفن والواقع. إن الناقد الحقيقي لا يسعى لإثبات سلطته، بل لتفكيك الجمال الكامن، وتعريته من الضباب، لكي يرى المتلقي العمل بعين أكثر تبصرًا.
في هذه الحالة، يصبح النقد أشبه بجسر، يمكّن النص أو العمل من عبور حدوده الأولى، والانفتاح على تأويلات جديدة، ربما لم يضعها المبدع في حسبانه. وهنا، تتحقق القيمة التطويرية للنقد: حين لا يقتل التجربة، بل يُعيد بعثها من جديد.
عندما يُصبح النقد سلبياً بلا جدوى
لكن النقد، كأي أداة، يمكن أن يُساء استخدامه. يحدث ذلك عندما يُمارَس بروح الخصومة، أو بنية الهدم لا الفهم. حين يُختزل في المقارنة، أو يُمارَس من دون خلفية معرفية عميقة بالعمل، أو حين يتحول إلى قالب جاهز يُفرَض على كل إنتاج دون مراعاة خصوصيته.
الناقد الذي لا يُنصت، بل يُعلّق حكمه منذ البداية، لا يُطوّر العمل ولا يحترمه، بل يُمارس إلغاءً ناعمًا تحت لافتة “التحليل”. وهذا هو النقد الذي يفقد قيمته: حين لا يحمل قدرة على الإضافة، ولا رغبة في الاكتشاف، ولا روحًا للحوار. يصبح حينها عَبئًا معرفيًا، يُكدّس اللغة دون أن يفتح نافذة واحدة للرؤية.
بين الحاجة والتجاوز
تكمن المفارقة في أن بعض الأشكال السلبية من النقد، حتى حين تكون “ذكية” ظاهريًا، قد تُصيب المتلقي بالإرباك، أو تدفع المبدع إلى الانغلاق بدل الانفتاح. وتكمن الخطورة عندما لا يستطيع المتلقي التمييز بين نقد هدفه التوضيح، ونقد غايته التشويش.
لذلك، نحن لا نحتاج إلى نقد “أنيق” فقط، بل إلى نقد منسجم مع قيمته الأخلاقية: أن يكون صادقًا، موضوعيًا، ومبنيًا على المعرفة، لا على الانطباع. لا قيمة لنقد لا يعرف أن يُضيء، حتى وهو يُشير إلى العيوب. ولا جدوى من نقد يُجيد الهدم، لكنه لا يملك لبنة واحدة للبناء.
الوعي النقدي كفضيلة ثقافية
من الضروري أن نُعيد التفكير في ماهية النقد، لا بوصفه سلطة، بل كمسؤولية ، الوعي النقدي اليوم ليس مطلوبًا من النقاد فقط، بل من المتلقين أنفسهم، ليُميزوا بين من يُمارس النقد كفن، ومن يتخذه كوسيلة للضجيج. النقد الحقيقي لا يعلو صوته، بل يعلو أثره.
النقد، حين يُمارس بشروطه الفكرية والإنسانية، يحمي الإبداع من التحجر، ويمنحه فرصته الثانية للوجود. لكنه، حين يُنزَع من روحه، يتحول إلى حالة شكلية تُفرغ النصوص من معناها، وتقتل الحس الجمالي في سبيل استعراض المعرفة.
لذلك، علينا أن نسأل أنفسنا دومًا:
هل هذا النقد يُضيف للنص حياة جديدة؟
أم يُطيل في جنازته بصياغة أنيقة؟
“عقلٌ معطّل في وجه المألوف”
نوره بابعير
مشكلة الإنسان أنه أحيانًا لا يرغب في التفكير ببعض الأمور، فيضعها أمام غيره ليكونوا هم من يُشكّلون معناها. يترك فوضى الفهم تمضي دون أن يتأملها، ثم يعود، وعندما يرى جاهزية الآخرين، ينخرط في معناهم وكأنّه تبناه منذ البداية. لكن السؤال الحقيقي: هل منح تلك الفكرة مساحة فكرية صادقة من ذاته، أم اكتفى بانعكاسات غيره؟
هناك دومًا فجوة عميقة في الفهم، تحاول أن تُذَكّر الإنسان بقيمة العقل الذي يحمله في رأسه. إلا أن بعضهم يتجاهل هذه القيمة، ويستبدلها بما لدى الآخرين من وعي، بغضّ النظر عن مدى قوّته أو هشاشته. لا يهمّه إلا أن يصل بخفة إلى الموضع الذي يريد البقاء فيه، ولو على حساب ذاته.
وهنا يكمن الخطر؛ حين يتخلى الإنسان عن العقل، والأفكار، والنضج، والحكمة، وكلّ ما يترتب عليها من وعي وتميّز. يصبح أشبه بمن يُسلّم أدواته العقلية لطرفٍ آخر، مكتفيًا بالنتيجة لا بالرحلة.
إن التشابه بين المعنى الحقيقي ومحاولة اختلاقه، يكشف لنا عن دقة التوازن من جهة، وعن غفلة العقل حين يقبل كل ما يُطرح على سطحه دون أن يُصفيه عبر وعيه. وهنا، تتسرب الفكرة كما هي، دون عمق، دون وزن.
التفكير هو أحد أعظم احتياجات الإنسان، وهو ما يمنحه حق الوجود الحقيقي في حياته. كلما تثقف، وأعاد ترتيب قِيمه، اتسعت فرص تقدّمه، وتطورت قدراته العقلية والعملية. تصبح رؤيته للحياة أكثر مرونة، وأكثر صِلة بالحقيقة.
العقل هو ما يُبقي الإنسان متّصلاً بالعالم، لكن عليه أحيانًا أن يتخلى عن بعض قناعاته ليتسع لما هو جديد. فالعقل لا يقبل الشتات، بل يسعى للفهم. ومن الفهم يولد الاتساق، ويُضاء الطريق.
حتى تلك السلوكيات التي يتفاجأ بها الإنسان، يظن أحيانًا أنها لم تكن من اختياراته، ويتساءل: كيف لها أن تلتصق به رغم انعدام رغبته فيها؟ ينسى أن العقل حين يترك نوافذه مشرعة للأفكار السطحية، يفقد شيئًا من هويته، ويكتسب أخرى ليست منه، لكنها تسكنه، وتُفرز سلوكيات لم يعرفها من قبل.
أحيانًا، يفقد الإنسان السيطرة على ذاته حين يمتلئ بغيره. ويكفي موقفٌ واحد ليُحيطه بتنبؤات داخلية تُذكّره أن ما يصدر عنه لا يُشبهه، وكأنه تلبّس وجوه الآخرين دون وعي. وهنا تبدأ الأزمة، حين يصل الإنسان إلى مرحلة الانفراط الذاتي والانخراط الفكري، فيسير في خيط رفيع لا نهاية له، يقطع المسافات، لكنه لا يمثّل نفسه
كأنها الضوء… حين يصمت الظل
نوره بابعير
كأنها الشمس،
وأفكارها ظل.
تقودها الأشياء، ثم تختارها.
تفلت بعضها، وتلملم أخرياتها.
تصون نضجها كلما احتاجت الخديعةُ قولها
تبقى شاهقة كأنها لا تُرى،
تسكن في الضوء، وتختبئ في المعنى.
تعرف أن بعض الحضور عبء،
وأن الغياب أحيانًا، طوق نجاة.
تسير وحدها، لا تُخيفها العتمة،
فالنور يسكن أعماقها،
وخطواتها، وإن ترددت، تعرف الطريق.
كأنها خُلِقت لتكون الفاصل بين الهاوية والنهوض،
بين الكلمة الصادقة، والندم المتأخر.
كأنها الحياة… إذا اختارت أن تُكتب بشاعرية.
تمشي على الحافة، لا خوفًا، بل احترامًا للتوازن،
تعرف أن الخط الفاصل بين القوة والهشاشة
هو صوت داخلها يقول: “ما زلتِ قادرة.”
لا ترفع صوتها إلا حين يصمت الإنصاف،
ولا تتشت إلا لتعيد ترتيب ذاتها
كما يُعاد ترتيب القصائد قبل أن تُلقى.
تحمل بداخلها فصولًا لا يقرؤها أحد،
شتاءات باردة، وصيفًا مشتعلًا،
وربيعًا يأتي فقط حين تبتسم.
هي لا تبحث عن النجاة،
بل عن المعنى في التيه،
عن الضوء لا في نهايات النفق،
بل في الجدران التي ظنّها الجميع صمّاء.
كأنها أُنشئت من صمتٍ حكيم،
ومن صبرٍ طويل،
ومن شتاتٍ جمع نفسه،
ثم قرر أن يكون ذاتً لا تنكسر.
قصة قصيرة ” مسوّغات الغياب “
نوره بابعير
كان يفتّش عن الأسباب المتغيّبة من حقائق حجّته.
يلتفت لبعض الأشياء، وأخرى تغيب عنه، وكلّما غفل، سقط منه الجزء الأهم. لم يكن قاصدًا، لكن خطيئة الغفلة جعلته يفقد التوازن الذي كان يفترض به أن يحفظه.
ظلّ يبحث عن ظلٍّ يحمي ذاته من سطوع الأسئلة، ومن ذلك الضوء الذي يفضح هشاشة يقينه.ظنّ نفسه منسيًا، لا شيء يلامس أفكاره، يغيب عنه ضوء النضج كما تغيب الشمس خلف سحابة عابرة. كان شيءٌ من الصمت يعيد إليه ترتيب الفهم… أو قل يبعثره ليتشكّل من جديد.
ثم توقّف.
راح يفتّش مرّةً أخرى عن تلك البداية الغامضة، تلك اللحظة التي جعلته يقع فوق حجّة ما… ثم تلاشت منه.
تساءل: هل كان يبحث حقًا عن حقائق تغيّر مسار فكره؟
أم أن هناك حجّة خفيّة لكل شيء، تدفع المواقف لتتماهى معها، فتشكّل المعنى كما يُشكَّل الطين بين اليدين؟
كانت الأفكار تتكاثر، لا تشبه التوالد، بل الزحام.
كل فكرة تحمل على ظهرها أخرى، وتتناسل منها أسئلة لا أجوبة لها. بات لا يعلم إن كانت تلك الحجج صادقة، أم مجرد قشور يكسو بها ضعفه، ليُقنع نفسه أن الغفلة لم تكن خطيئة، بل حكمة مؤجلة.
ربما لم يكن يبحث عن معنى، بل عن عذرٍ للفراغ الذي يسكنه. وربما ،كان كل ما مضى محاولةً لتفسير صمته، لا أكثر .
و كانت الحيرةُ كثيفة، تمشي خلفه كظلٍ لا يفارقه، تتربص بكل لحظةِ هدوءٍ ليشتعل فيها السؤال. لكنّه، في لحظة لا تشبه غيرها، أدرك شيئًا صغيرًا كأنّه لم يكن غائبًا بل كان ينتظر النضج داخله.
أن بعض الأسئلة لا تأتي لتُجاب، بل لتفتح الباب نحو وعيٍ أعمق،وأن الغفلة التي ظنها خطيئة، لم تكن إلا طريقًا آخر للفهم متأخراً ، و لكنه صادقًا .
توقّف عن النبش في البداية، وتعلّم أن لا يمسك المعاني بأطراف أصابعه،بل يتركها تنمو فيه بهدوء، كما تنمو الأشجار بلا عجل.في النهاية، لم يصل إلى يقينٍ كامل،
لكنه وصل إلى سلامٍ خافت… سلام لا يقطع الأسئلة،
لكن يمنحها مقعدًا هادئًا في ركن القلب و ضوءً خافتاً في مسكن العقل وأفكاراً ناضجة في مساحة الوقت .
العقل الذي خلع يقينه ومشى
نوره بابعير
ما النضج؟ أهو لحظة يبلغ فيها العقل قمته، أم حالة دائمة من التحوّل؟ هل هو معرفة، أم تخلي؟ سؤال فلسفي يتسلل إلينا كلما واجهنا ذاتنا مجردة من أقنعتها الاجتماعية. العقل الناضج في جوهره، ليس مزيجًا من الحقائق الثابتة، بل هو مرونة في مواجهة تغيّر المعاني.
النضج العقلي لا يعني تراكم السنوات، بل انفصال الوعي عن سذاجة الأحكام، وتحرره من أوهام السيطرة والفهم السطحي للواقع. إنه الخروج من كهف أفلاطون، لا لمجرد رؤية النور، بل للإدراك أن ما كنا نراه من ظلال، كان أيضًا يحمل معنىً في لحظته.
العقل الناضج لا يبحث عن الإجابات السريعة، بل يسكن في الأسئلة. لا يخشى التناقض، بل يعانقه بوصفه جوهر الوجود. إنه عقل عرف أن الحقيقة ليست مطلقة، وأن المعرفة أفق لا يُطال، وأن الإنسان ، مهما بلغ من وعي يظل ناقصًا بالضرورة، وهذا النقص هو ما يجعله إنسانًا.
في فلسفة النضج، الحرية ليست صخبًا، بل وعيًا بالاختيار. والاختيار ليس دائمًا بين خير وشر، بل بين حقائق متعددة، كلها صحيحة، وكلها ناقصة. الناضج لا يبحث عن المثالية، بل عن التوازن. يعرف أن العالم ليس عادلًا بالمعنى المطلق، فيُعيد تشكيل عدالته الذاتية بقدر فهمه، لا بقدر سخطه.
النضج هو أن ترى الحقيقة في عيون من يختلف معك، وتفهم أن الفكرة لا تموت بخصمها، بل تنمو حين تُناقَش. أن تتعلم كيف تخسر دون أن تهزم، وتربح دون أن تُخضع. أن تعرف أن الأنا ليست ذاتك، بل قيدًا يكبلك إن عبدتها، ويحررك إن وعيْت هشاشتها.
العقل الناضج لا يحتفل باليقين، بل يُقدّس الشك. يرى في كل فكرة احتمالًا، وفي كل قناعة مراجعة مستحقة. هو عقل لا يُسلّم بقيوده الداخلية، بل يسعى لتفكيكها، واحدة تلو الأخرى، بإرادة الباحث، لا غرور العارف.
إنه عقل يقف على الحافة، بين الفناء والخلود، بين العبث والمعنى، ويقرر أن يسكن التوازن: لا يستسلم للعبث، ولا يتعالى على الواقع بمعنىٍ زائف. هو عقلٌ يعترف أن لا شيء يدوم، حتى هو ذاته. وهذه هي الحكمة: أن تعرف، ثم تنسى. أن تمتلئ، ثم تفرغ. أن تحيا، ثم تمضي دون أن تترك سوى أثر من فكرة، لا من صدى .
فلسفة كائن في منتصف الحكاية
نوره بابعير
ليس ثمة ما هو أكثر إرباكًا من أن تجد نفسك كائنًا في منتصف الحكاية. لا أول السطر لك، ولا خاتمته بيدك. أنت هنا، في الصفحة الممزقة بين الماضي والمجهول، تقف وحيدًا على جسر هشّ، لا تدري أهو طريق، أم مجرد فاصل زمني بين فقدين.
في منتصف الحكاية، لا يصفق أحد. لا الأبطال منتصرون، ولا الضحايا بوضوحهم متعاطف معهم. في هذا المنتصف، أنت لا تزال حيًّا بما يكفي لتحلم، لكنك مُتعب بما يكفي لتخاف من الحلم.
كأنك سطرٌ نسي الكاتب أن ينهيه.
الذين وُجدوا في البدايات، عاشوا دفءَ الفكرة الأولى، بهجة الاكتشاف، طفولة اللغة، انبهار العين بالبدايات.
أما الذين سينتهون في الخاتمة، فسيحملون لذّة الخلاص، ووضوح الغاية، وخفّة الختام.
لكن ماذا عن الكائن في المنتصف؟
ذلك الذي لا يتذكر متى بدأ، ولا يعرف إلى أين يسير، ولا لماذا لم يرحل بعد.
أنا كائن في منتصف الحكاية.
لي وجوه كثيرة، وأسماء سقطت سهوا من دفاتر الأيام. لا أملك صورة البداية، ولا حق المراجعة. كل ما لديّ، هو هذه اللحظة، بما تحمل من أسئلة عالقة، وبقايا لم تُفهم بعد.
في منتصف الحكاية، يصبح الإنسان في مواجهةٍ مع ذاته، دون أن ياخذ دور البطولة أو أقنعة الانكسار.
لا مكان هنا للبطولات الدرامية ولا للانهيارات المدوية. هناك فقط تلك التفاصيل الصغيرة التي تقتلك ببطء:
نظرة لم تفهمها، و صمتٌ طال أكثر من اللازم، كتاب لم تُنهه، مقعد فارغ ظلّ ينتظرك، وندم ثقيل لا يعرف اسمه.
في هذا المنتصف الرمادي، لا أحد يصفق لك لأنك استيقظت من سريرك رغم أن قلبك لم يخرج من ليله، لا أحد يحتفل بكونك لا تزال تقرأ، رغم أن بصيرتك قد تعبت.
لكنك، رغم كل شيء، لا تزال تمشي.
المنتصف هو فلسفة وجودية في حد ذاته.
هو سؤال: “من أنا الآن؟”بعد أن فقدت ما كنتَه، وقبل أن تُصبح ما ستكونه.
المنتصف هو لحظة النظر في المرآة دون توقع، أن تلمح وجهك الحقيقي، العاري من محاولات التجميل، والناجي من تعاريف الآخرين.
هو وقت إدراك أن الطريق لم يكن مستقيمًا، ولا معوجًا، بل كان أنت.
أعرف الآن لماذا يخشى الناس هذا الموضع من الحياة. لأن المنتصف لا يمنح إجابات. هو اختبار صامت للثبات، اختبارٌ للقدرة على العيش رغم اللايقين.
أن تكون في منتصف الحكاية، يعني أن تتقن فنّ الإصغاء إلى قلبك، وأنت لا تفهمه. أن تؤمن بشيءٍ ما، حتى وإن لم تُسمّه. أن تحبّ مسراتك المحركة لشعور سعادتك ، ليس لأنه الوقت المناسب، بل لأنك لا تملك إلا أن تُحب مسراتك الصغيرة حتى تكبر ، رغم ثقل الأشياء في بعض الأوقات .
في المنتصف، تعلّمت أن لا أنتظر الخاتمة لتمنحني معنىً، بل أن أزرع المعنى هنا، بين السطرين، بين تنهيدة وتنهيدة.
أصبحت أبحث عن المعجزة في التفاصيل: في ضحكةنقية ، في طعم الشاي، ورشفة قهوة ، في جملةٍ مكتوبة بصدق، في غيمةٍ تشبهني في مواقف إنسانية عابرة . أصبحت أكتفي بأن أعيش، لا كما تُروى القصص، بل كما تُعاش ببساطة، وبلا مجازفاتٍ مبهرة.
قد لا أكون البداية التي يُحتفى بها، ولا النهاية التي تُصفّق لها الجماهير. لكنني أنا، في منتصف الحكاية.
أصغي إلى الزمن،وأعيد ترتيب ملامحي، وأمشي، ولو تعثّرت.
أنا فصلٌ خامس، لا تعترف به الفصول الأربعة، لكن له نكهته، وظلاله، وسيرته التي لا تشبه سيرة أحد.
وأنت؟
أين أنت في حكايتك؟
هل ما زلت تكتب؟ أم علّقت القلم بانتظار شيء لا تعرفه؟
هل تُدرك أن المنتصف ليس مهلة مؤقتة، بل مساحة لتكون فيها إنسانًا كاملًا، حتى وإن كنت منقسمًا بين ما فات وما سيأتي؟
ربما الحكاية لم تكن يومًا عن البداية أو النهاية.
ربما كل ما يهم… هو هذا المنتصف.وانت بعد منتصفات حكايتك ؟
الحوارات , تُعلّمنا أن نكون بشرًا وأكثر إنصاتًا
نوره بابعير
يبقى الحوار هو المعبر الوحيد الذي يمكن أن يعبر من خلاله الإنسان من ذاته إلى الآخر. لكنه ليس مجرد تبادل للكلمات، بل هو مرآة تعكس عمق العقل الإنساني، وتقيس مدى نضجه وقدرته على الإنصات والفهم.
فالحوار، حين يكون نابعًا من عقلانية صادقة، يتحوّل من نقاش عقيم إلى رحلة كشفٍ متبادل، ومن معركة للانتصار إلى مساحة للاحتواء، ومن وسيلةٍ للإقناع إلى أداةٍ لاكتشاف الذات.
العقل لا يتحدث إلا إذا أُصغي له
يُولد الإنسان مزدحم بالرغبات والانفعالات، لكنه لا يُولد عقلانيًا. العقلانية تُكتسب، تُبنى ببطء، من خلال التجربة، الخيبة، السؤال، والانفتاح على الآخر. وعندما تتحقق هذه العقلانية، يصبح الحوار معها فعلًا وجوديًا، لا مجرد ممارسة اجتماعية.
الحوار بين العقول ليس حوار أفواهٍ وألسنة، بل هو لقاء بين رؤيتين للعالم. لقاء قد يكون ناعمًا ، وقد يكون عنيفًا كريحٍ تقتلع جذور الوهم من أعماق النفس. لكن في الحالتين، هو ضروري؛ لأننا، مهما ظننا أنفسنا مكتفين، نظل في حاجة إلى مرآة الآخر لنتأكد أننا ما زلنا نفكر… ما زلنا نُصغي.
بين منطقية العقل وشراهة القلب ..
الحوار لا ينشأ من العقل وحده، ولا من العاطفة وحدها، بل من التوازن بينهما. فالعقل الذي لا يعرف الرحمة، يتحول إلى آلة جافة، تقطع ولا توصل، تحكم ولا تفهم. والعاطفة التي بلا عقل، تهيم في الانفعالات، تصرخ ولا تُقنع، تحب وتكره بلا سبب.
وهنا تتجلى أهمية الحوار العقلاني: أن تُبقي قلبك حاضرًا دون أن تسمح له بأن يغرقك، وأن تُشغل عقلك دون أن تجعله سيفًا على رقبة الآخر. هو أشبه برقصةٍ بين كائنين، كل منهما يحمل ضوءًا وظلًا، ولا يتم اللقاء إلا إذا اتفقا على الإيقاع.
متى يتحول الحوار إلى صراع؟
عندما يفقد الحوار روحه العقلانية، ينحرف عن مساره ويتحوّل إلى حلبةٍ للصراع، لا أحد فيها منتصر. يحدث ذلك عندما يُقحم الإنسان الأنا في موضع الفكرة، فيغدو الدفاع عن الرأي معركة وجود، لا بحثًا عن حقيقة.
حينها لا يعود المهم “ما يُقال”، بل “من قاله” ويُغيب المنطق ليُستبدل بالتأويل المغرض، ويُستبعد الفهم لحساب التشكيك، ويُستبدل السؤال بالاتهام، والمقاربة بالخصومة.
العقلانية: ليست حيادًا بل التزام
قد يظن البعض أن الحوار العقلاني يعني البرود، أو عدم الانحياز، لكن الحقيقة أن العقلانية موقف. أن تتحاور بعقلانية يعني أن تُنصت حقًا، لا لترد، بل لتفهم. أن تزن الكلمات لا بمشاعرك فقط، بل بما تحمله من معنى ومغزى. أن تراجع نفسك إن أخطأت، وأن تعترف بأن رأيك قابل للتبديل.
الحوار العقلاني ليس ضعفًا، بل شجاعة. أن تصمت حين يجب، وتتحدث حين يلزم، لا لترتفع فوق الآخر، بل لتلتقي معه على أرضٍ واحدة، فيها من النور ما يكفي لكلاهما أن تبصرا.
في عالم يفتقر إلى الإصغاء
لقد أصبحت البشرية اليوم . الجميع يتحدث، القليل من يُنصت، وأقل القليل من يفكر بصدق. نعيش زمن “الردود السريعة” و”الحجج الجاهزة”، حيث يُختزل الحوار إلى جملةٍ مقتطعة، وتُلغى الاختلافات بانقطاع التواصل .
لكن في عمق هذا الضجيج، تظل العقلانية ضوءًا نادرًا، والحوار الصادق واحة للراحة وسط صحراء. لأن الحوار العقلاني لا يسعى للغلبة، بل للتقارب. لا يُطلق الأحكام، بل يطرح الأسئلة. لا يُقصي المختلف، بل يستدعيه إلى طاولة التفكير.
الحوار الذي نحتاجه
نحتاج اليوم إلى إعادة اكتشاف الحوار كقيمة، لا كأداة. أن نُعيد تدريب عقولنا على التفكير لا التصنيف، وعلى السؤال لا الافتراض. أن نُصغي، لا لأننا نُخطئ، بل لأننا نُريد أن نُصيب. فالحوار بين عقلانيات البشر هو جسرٌ هشّ، لكنه قادر، إن أُقيم بنيّةٍ صادقة، أن يصل ما تقطّع، وأن يُضيء ما اعتُبر ظلامًا، وأن يجعل من اختلافنا مصدرًا للثراء لا مدعاة للعداء. و تظل أعظم الحوارات هي تلك التي لا تترك فينا إجابات، بل توقظ فينا أسئلة جديدة… وتُعلّمنا أن نكون بشرًا، أكثر إنصاتًا، أكثر تفكيرًا، وأكثر تواضعًا أمام اتساع العقل الإنساني
“سر القبعة الطويلة: لماذا يعلو رأس الطاهي بهذا الشكل؟
نوره بابعير
في أروقة المطابخ، حيث تنبعث رائحة البهارات وتتمازج الأصوات بين تقطيع وسلق وقلي، يبرز رجل أو امرأة بقبعةٍ بيضاء، شاهقة، كأنها منارةٌ في بحرٍ يغلي. قبعة الطباخ ليست مجرد غطاء للرأس، بل هي رمز، تاريخ، وقصة طويلة من الانضباط والفن.
قد يتساءل البعض: لماذا هذه القبعة الطويلة؟ لماذا لا يكتفي الطباخ بقبعة صغيرة أو قطعة قماش تلفُّ رأسه فحسب؟
الإجابة تتعدى الوظيفة، وتكمن في الطبقات العميقة من الاحترام والتقدير لهذا الفن المتقن. فالقبعة وُلدت قبل قرون، يوم كان المطبخ مملكةً خفية، لا يدخله إلا الماهرون في لذة الطبخ.
الطول في قبعة الطباخ كان، عبر الزمن، علامةً على الرتبة. كلما علت القبعة، علت معها مكانة مرتديها. أما تلك الثنيات البيضاء التي تتراكم حولها كأمواج هادئة، فهي لم توضع عبثاً؛ بل يقال إن عددها كان يُمثل عدد الوصفات التي يتقنها الشيف، خصوصاً طرق طهي البيض، رمز البساطة والابتكار في آن.
لكن، لو تأملناها من زاوية أخرى، قد نجد في طول القبعة شموخاً يشبه شموخ الحرفيين، أولئك الذين يهبون حياتهم لإتقان صنعةٍ لا تُرى عظمتها إلا حين تتذوقها. إنها قبعة ترفع الرأس لا غروراً، بل فخراً بالتفاني، بالدقة، بالإبداع.
في عالم سريع، تتساقط فيه المعاني أمام العجلة، ما زالت قبعة الطباخ تقف، طويلةً، بيضاء، نقية. تذكرنا بأن الجمال يكمن في التفاصيل، وأن الفن لا يحتاج دوماً إلى فرشاة، بل أحياناً، إلى ملعقة… وإلى قبعة عالية، تحرس سرّ النكهة .
لم اكتف بما اكتب عن حكاية القبعة لدى الطباخ كنت اتساءل من أول شخص ارتداء القبعة حتى تشكلت علامة بارزة لدى الطباخين؟ أول من ارتدى قبعة الطباخ قبعة الشيف المعروفة و يُعتقد أنه الشيف الفرنسي الشهير ماري أنطوان كاريْم (Marie-Antoine Carême) في أوائل القرن التاسع عشر.
كاريْم كان من أوائل من نظموا قواعد الطبخ الفرنسي، ويُنسب إليه إدخال القبعة الطويلة البيضاء كرمز للنظافة والاحتراف في المطبخ. و كانت تختلف أطوال القبعات حسب رتبة الشيف في المطبخ، فكلما زادت خبرته، زاد طول قبعته.
أما من حيث الأصل التاريخي لفكرة قبعة الطهاة، فبعض الروايات وجدت أنها ترجعها إلى العصور الوسطى، حين كان الطهاة في البلاط الملكي يرتدون قبعات تميزهم، لكن كاريْم هو من رسّخ شكلها المعروف حالياً .
كيف كانت ردة فعل الآخرين تجاه قبعة الطباخ؟
عندما بدأ استخدام قبعة الطباخ في المطابخ الاحترافية، لم يكن الأمر مجرد تغيير في الزي، بل كان خطوة نحو ترسيخ الانضباط والنظام والاحترافية في بيئة العمل. في البداية، ربما لاقت الفكرة شيئًا من الغرابة أو الاستغراب، خاصة وأن ارتداء القبعة لم يكن شائعًا في بيئات الطهي التقليدية.
لكن سرعان ما بدأ العاملون في المطبخ، وكذلك الجمهور، بتقدير هذا العنصر الجديد. فقد كانت القبعة رمزًا للنظافة أولًا، حيث تمنع تساقط الشعر في الطعام، ورمزًا للمكانة ثانيًا، إذ إن طول القبعة كان يميز مكانة الطاهي وخبرته.
لقد تقبّل زملاء المهنة في المطابخ لهذه الفكرة و جاء مع الوقت فرض الطاهي الشهير “ماري أنطوان كاريم” هذا الزي كعلامة مهنية تدل على الهيبة والترتيب. و أما بالنسبة للجمهور، فوجدوا في هذا الزي ما يعكس الجدية والاحترام للمهنة، وسرعان ما أصبحت قبعة الطباخ من العلامات البصرية المرتبطة بالطهي الاحترافي. وهكذا، من كونها مجرد قطعة قماش على الرأس، أصبحت قبعة الطباخ رمزًا عالميًا، يحمل في طياته تاريخًا من التقاليد والانضباط، ويُعرف به أصحاب هذه المهنة أينما كانوا
فن الإنتباه للجمال
نوره بابعير
في زحمة الحياة، وانشغالاتها المتكررة، يضيع منا شيء ثمين لا يُقدّر بثمن: الإنتباه للجمال. ذلك الفن الرقيق الذي لا يُدرّس في المدارس، ولا يُلقَّن في المحاضرات، بل ينبت في أرواحنا كزهرة تحتاج إلى عين تلاحظها، وقلب يحتضن حضورها.
الجمال ليس صفةً مقصورة على الملامح أو الألوان. الجمال روح. يتجسد في التفاصيل الصغيرة التي تمرّ بنا كل يوم، في ابتسامة عابرة من غريب، في انعكاس الشمس على زجاج نافذة، في كلمات تقال بصوت دافئ، في رائحة الخبز صباحاً، في انسجام النفس مع تفردها ، في صمت الغروب، حين ينسحب الضوء بهدوء كما لو كان يستأذننا للرحيل.
ولكن كيف ننتبه للجمال؟ الانتباه ليس فعلاً آلياً، بل هو يقظة داخلية. هو قرار بأن لا نمر مرور العابرين. أن نكون حاضرين بكامل حواسنا. أن نسمح لأنفسنا أن تتباطأ قليلاً لنلتقط اللمحات العابرة التي تشبه الومضات، لا تبقى طويلاً، لكنها توقظ فينا شيئاً قديماً وأصيلاً.
هناك جمال في اللغة، في الكلمة التي تلامسنا دون أن تطرق. هناك جمال في الفن، حين يحكي عنّا دون أن يعرفنا. هناك جمال في الألم حتى، حين يعلّمنا كيف نرقّ، كيف نفهم، كيف نصغي. الجمال في كل مكان، لكنه لا يُرى إلا بالانتباه.
في زمن السرعة، فقدنا قيمة التأمل. اعتدنا أن نُستهلك، لا أن نعيش. نركض خلف كل شيء، ونفقد كل شيء في الركض. لكن لحظة توقف واحدة، لحظة إنصات إلى نغمة عصفور، أو تأمل في ظل شجرة، قد تكون كافية لتعيد ترتيب أرواحنا من الداخل.
ربما لهذا السبب نجد أن أكثر الناس سعادة هم أولئك الذين يُتقنون فن الانتباه للجمال. لا لأن حياتهم مثالية، بل لأنهم يرون الجمال رغم كل شيء. يلاحظونه في الأماكن المنسية، في المواقف العادية، ويمنحونه أهمية تستحقها.
لنُربِّ أنفسنا على هذا الفن النبيل. لننظر بعيون مندهشة، كأننا نرى الأشياء لأول مرة. لنصادق الجمال حين يمرّ، ونشكره حين يبقى.
فالحياة، في جوهرها، لا تقاس بطولها، بل بلحظاتها الجميلة التي انتبهنا لها، وتركناها تنقش أثرها في قلوبنا.
مأدبة الإنسان في عقله
نوره بابعير
في عالمنا الداخلي، لا تقتصر مأدبة الإنسان على ما يراه الآخرون أو ما يعبر عنه بالكلام، بل توجد مأدبة أعظم وأعقد تحدث داخل عقله هي مأدبة سرية، عميقة و عامرة بالضيوف المتنوعين: أفكاره، مشاعره، مخاوفه، أحلامه، وذاكرته التي لا تهدأ. هذه المأدبة هي ساحة صراع مستمر بين تناقضاته لمصدر كل تساؤل وتأمل، بل أحيانًا بين الإلهام والضياع نفسه .
المأدبة العقلية: ما هي؟
المأدبة العقلية ليست مجرد وصف ، بل هي صورة حية لتجربة الإنسان مع ذاته. هي لحظة جلوس متأمل، حين يواجه الإنسان ما في داخله من أفكار متناقضة، من مشاعر متداخلة، ومن رغبات متصارعة.
في هذه المأدبة، يجتمع العقل والمنطق مع الشك والشكوك، يجتمع الحلم مع الخوف، وتتناقض الذاكرة مع الحاضر. وهذا الاجتماع ليس بالضرورة سلمياً، لكنه ضروري لكي تتشكل رؤية الإنسان لنفسه وللعالم.
حينما وصفت المتواجدة بالذاكرة ضيوف لانها هي زوايا المأدبة: و في مأدبة العقل، كل ضيف له دوره مثل الخوف: هو الصوت الذي يحذر، لكنه أيضًا يمنع أحيانًا الإنسان من المجازفة. مثل الأمل: هو النور الخافت الذي يشعل رغبة الاستمرار رغم كل شيء. مثل الشك: هو الذي يعيد النظر في كل يقين، فلا شيء يبقى كما هو و الذاكرة :هي المرآة التي تعكس الماضي، وتحمله معنا في الحاضر.و الضمير: هو الصوت الداخلي الذي يراقب ويدعو إلى الصدق والعدل .
أما عن الحوار الداخلي وأثره على الإنسان فهذا العمق يأخذنا إلى التفاصيل نحو الفكرية و الانتاجية القائمة على هذه المأدبة .
حين يقرر الإنسان “الجلوس إلى المأدبة”، أي مواجهة هذه الأصوات المختلفة، يبدأ حوار داخلي عميق. هذا الحوار يساعده على فهم أعمق لذاته، وإدراك أبعاده المختلفة. إنه حوار لا يهدأ، لكنه يمنح الإنسان القدرة على اتخاذ قرارات واعية، وتشكيل معنى لحياته. تبني في تحديات مأدبة العقل اعلم أن ليست مأدبة العقل سهلة. فهي تتطلب شجاعة، لأن الإنسان غالبًا ما يهرب من مواجهة مخاوفه أو شكوكه. والانشغال اليومي هو طريقة للهروب من هذه المواجهة. لكن الهروب يولّد فراغًا أكبر، لأن المأدبة تستمر مهما غاب الإنسان عنها.
كيف نجلس إلى المأدبة حتى نجد ضالتنا ؟
الجلوس إلى مأدبة العقل لا تتطلب مكانًا خاصًا، لكنها تحتاج إلى وعي وتركيز. يمكن أن يكون في لحظة هدوء صباحي، أو أثناء نزهة في الطبيعة، أو حتى في لحظة تأمل عابرة. المهم هو الانتباه، الاستماع، والسماح للأصوات الداخلية بأن تُسمع حتّى تستطيع أن تنضج بك كما تستحق مَن التفاتك لها ، في النهاية مأدبة الإنسان في عقله هي رحلة لا تنتهي، وليست هدفًا أو لحظة تتجدد يوميًا، بل تدعونا إلى مواجهة أنفسنا بصدق، وإلى خلق معنى في وسط الفوضى. ومن خلال هذه المأدبة، أكثر وعياً، وأكثر قدرة على العيش بتوازن داخلي يليق بحياة متلائمة مع وعينا فيها .