وداعاً أيها الأدب:
اقتربت نهاية الأدب وصارت وشيكة، فالزمن اختلف وغلبت عليه وسائط جديدة غير الكتاب. وعلى الرغم من ذلك فالأدب خالد وعالمي، وسوف يبقى رغم كل التغيرات التكنولوجية والتاريخية، فالأدب ملمح من ملامح كل ثقافة إنسانية في كل زمان ومكان. وهاتان المقدمتان المنطقيتان هما ما ينبغي أن تقوم عليه أية محاولة جادة لتناول “الأدب” في أيامنا هذه.
ما السبب في هذا الموقف الذي تناقض جوانبه بعضها بعضاً؟
إن للأدب تاريخاً، وأقصد بالأدب هنا ما نعنيه هنا في الغرب عند استعمال الكلمة ومرادفاتها في اللغات المختلفة:
literature ( الإنجليزية والفرنسية )،
و letteratura ( الإيطالية )،
و literatura (الإسبانية ) و literatur ( الألمانية ). وكما يوضح ” جاك دريدا ” في كتابه
“السكن: القص والشهادة ” فإن كلمة literature ذات أصول لاتينية ولا يمكن فصل الكلمة عن أصولها الرومانية المسيحية الأوروبية، أما الأدب بمعناه الحديث كما نعرفه نحن في الغرب الأوروبي فقد ظهر في أواخر القرن السابع عشر على أقصى تقدير، و حتى في ذٰلك الحين لم يكن للكلمة معناها الحديث، إذ يخبرنا معجم “أكسفورد”: أن كلمة literature لم تستخدم لتعنى ما نعنيه بها الآن إلا حديثاً جداً ، بل إن التعريف الذي يضيف إلى الأنواع الأدبية المختلفة (من قصائد ومسرحيات مكتوبة وروايات) أنواعاً أخرىٰ لا نعدها اليوم أدبية (كالمذكرات والسير الذاتية والكتابات التاريخية والمراسلات بين الأشخاص والرسائل البحثية العلمية) لم يظهر إلا بعد أن وضع الدكتور “صمويل جونسون” معجمه الشهير عام 1755، وقصر كلمة الأدب على القصائد والمسرحيات والروايات أحدث من ذٰلك بكثير.
ولقد عرَّف الدكتور ” جونسون ” كلمة الأدب تعريفاً أكثر قصراً وتخصيصاً لمعناها ومجالها، وهو تعريف صار ينظر إليه باعتباره تعريفاً عفا عليه الزمن، إذ يقول الدكتور جونسون “إن الأدب هو:
۱ ) معرفة القراءة والكتابة
۲ ) التعليم التهذيبي أو الإنساني
۳ ) الثقافة الأدبية
ويعود واحد من الأمثلة التي يوردها معجم “أكسفورد” لاستخدام الكلمة إلى عام 1880، والمثال هو:
He was a man of small literature
( أي: لم يصب من التعليم سوى النزر اليسير ). ولا يشير معجم أكسفورد إلى معنى الأدب كما نعرفه إلا متأخراً، إذ يورد ما يلي باعتباره معجم المعنى الثالث للكلمة:
تشير الكلمة إلى الإنتاج الأدبي ككل، أي مجموع الكتابات المنتجة في بلدٍ ما أو حقبةٍ ما ، أو في العالم كله بوجه عام، كما صارت الكلمة في وقتنا هذا تستعمل بمعنى أكثر تحديداً وتقييداً للإشارة إلى الكتابة التي يقصد أخذ الشكل الجمالي لها وتأثيرها الشعوري على النفس في الحسبان عند تقييمها .
ويقول معجم أكسفورد “إن هذا التعريف لم تعرفه إنجلترا وفرنسا إلا حديثاً” ومن الممكن أن نجد لهذا التعريف أصولاً في بعض الكتابات التي ظهرت في منتصف القرن الثامن عشر، -وهو يرتبط في إنجلترا على الأقل- بكتابات “جوزيف وطوماس وارتون” ( 1722- 1800:1728-1790 )، واللذين احتفى بهما “إدموند جوس” في مقال كتبه بين عامي 1910و 1919بعنوان “جوزيف وطوماس وارتون رائداً الرومانسية” . قال “جوس” في ذٰلك المقال: إن “طوماس و جوزيف وارتون” قد منحا الأدب تعريفه الحديث. وعلى أية حالٍ فإن الأدب -بهذا المعنى التقليدي الحديث- قد أوشك على أن ينتهي ويندثر، فالوسائط الحديثة ماضية قُدُماً في طريق اغتصاب عرش الكتاب الورقي.
المصدر: كتاب عن الأدب
المؤلف: ج.هيليس ميلر
ترجمة: سمر طلبة