المدونة

تعالوا إلى عالم الرواية

سأقول شيئًا، أنا قارئ يحب القصة جدًا، ويعشق الرواية؛ تعجبني روايات نجيب محفوظ وقصص يوسف إدريس وفانتازيا أحمد خالد توفيق، وأرتحل مع همنجواي في عوالم الحروب التي كان مراسلاً عنها، وأتماهى مع واقعية ماركيز السحرية، وأستمع للتراث الذي يستحضره محمد المنسي قنديل في كل أعماله، وأغوص مع تشيخوف وعوالمه الإنسانية المستوحاة من بيئته الروسية قبل الثورة البلشفية، وأظنُ أنّ الروس هم ملوك الرواية رغم وجود المبدعين الآخرين هناك على الضفاف الأخرى في القارة الأوروبية وقارة أمريكا اللاتينية بالذات، لكن الروس غاصوا في جنبات النفس البشرية أكثر من غيرهم – تجد هذا مجسّداً في روايات دوستويفسكي – فقدّموا سرداً إنسانياً رائعاً.

وقد نتساءل: لماذا يجب أن نقرا القصة / الرواية؟

لأننا سنقرأ حياتنا وحيوات الآخرين مسطّرَةً على الأوراق، فما حياتنا إلا قصص ذات أنواع؛ منها الكوميدي ومنها التراجيدي، وهناك الأكثر ميلودرامية.

ذات مرة قال لنا الدكتور الرائع عبد الحميد الحسامي- أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك خالد: “في داخل كل واحد منّا قصة”!

لكني أقول بل قصص متشعّبة ومشتجرة مع بعضها البعض ذات نهايات متعددة، ولو راجع كل واحد منا حياته لوجد أنه قد عاش قصصاً قصيرة كثيرة، وسمع عن قصصٍ أكثر، بحيث لو سطّرها على الأوراق – هذا إنْ كان كاتباً قصصياً- لوثّق لعوالم كثيرة.

لو عدنا لجغرافيتنا العربية لوجدنا أنّ الفن السائد هو الشِعر وليس الرواية، والمشهور لدينا أنّ “الشِعر هو ديوان العرب”؛ فنحن العرب قد نهتز للشِعر أكثر من القصة / الرواية وذلك لأن الشِعر خطابي ذو نبرة عالية، في حين القصة / الرواية صامتة!

لكن الرواية هي ديوان العالَم بأسره، ونحن –كما أعتقد– جزء من هذا العالَم!

وقد نسأل: ما الفرق بين القِصَص – بكسر القاف- والقـَصَص – بفتح القاف؟

جاء في لسان العرب: «القَصَصُ: الخبرُ المَقْصوص، بالفتح، وُضع موضع المصدر حتى صار أَغْلَبَ عليه، وقصّ عليّ خبَره يقُصُّه قَصّاً وقَصَصاً: أَوْرَدَه، يُقال قَصَصْت الرؤيا على فلان إِذا أَخبرته بها، أَقُصُّها قَصّاً، والقَصُّ: البيان، والقَصَصُ، بالفتح: الاسم، قال تعالى:{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3]، أَي: نُبَيّن لك أَحسن البيان، والقِصَص – بكسر القاف – جمع القِصّة التي تُكتب« (ابن منظور، 1414هـ، 7/73-74).

عن فن القصة / الرواية سألني صديق – ذات يوم -: ما الفائدة المرجوة من قراءة الروايات؟

فأجبت:

فضاء القصة أو الرواية متنفس جميل، ينقلك لتعيش عوالم أخرى حقيقية منها أو خيالية، ويجعلك تتفاعل مع بيئات مختلفة، وتتعرف على ثقافات تلك البيئات، وتعايش نماذج من البشر (وربما الآليات!) منها ما تعرفها وتدب على شوارع بلدك، بل ربما في حارتك الضيقة نفسها، وأخرى لم تعرفها إلا من خلال ما قرأت من سرد، لأنها غريبة قد لا تخطر ببالك وجودها!

وهذه الغرابة في العمل الذي بين يديك ربما دفعتك إلى أن تتساءل: كيف فكّر الكاتب بهكذا قصة؟

المؤكد أنه لا يوجد كاتب روائي نسج خيوط روايته من فراغ محض، لا بد من نقطة في واقع حقيقي أو واقع في ذهنه – تراكم من قراءاته السابقة- انطلق منها لصنع ذلك العمل الغريب، وهنا يكمن إبداعه الذي أذهلك؛ أظن أن رواية “أولاد حارتنا” لنجيب محفوظ تقدم نموذجاً لذلك.

في فضاء القصة / الرواية تكون مع إبداعات الكتّاب أنفسهم في نقل هذه العوالم إليك أنت المتلقي عبر الأوراق والممتد على السرير في استرخاء تقرأ ذلك العمل القصصي شاعراً بتلك المتعة عندما تجد أبطال تلك القصص “تتنطط” أمامك على الأوراق.

أنا لا أعتقد أنّ أحدنا لم يقرأ رواية أو قصة على الإطلاق، أضعف الإيمان الروايات التي كانت مقررة علينا في المدراس!

إنّ فن السرد فن جميل، لكنه يريد الأسلوب الرشيق الذي يجذبك منذ الصفحة الأولى لتغوص في تفاصيل تلك الرواية التي بين يديك، (أو في شاشة كمبيوترك إذا كانت pdf!)

وحتى الروايات المترجمَة لا تفقد جمالها بسبب الترجمة، بل على العكس، إنّ مطالعتك لأي رواية بلغتك الأم يجعلها أقرب إلى وجدانك؛ لأنها ستكون بتعابير تألفها، خاصةً إنْ أجاد مترجمها صياغة تلك التعابير بعربيةٍ سلسة.

أقول: اقرأوا ما يكتبه غيرنا، لتعرفوا كيف يفكرون، بل كيف يعيشون في هذا العالَم الذي لا تنتهي عجائبه!

ارتادوا هذا العالَم السحري، وعيشوا في رحاب هذا الفن الجميل، فن القصة / الرواية بكل أشكالها.

الكاتب: عبدالحفيظ العمري

المصدر: مجلة المحطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *