نوره بابعير
حوار – سوزان سونتاغ و جون بيرجر
الفشل في التجرؤ على الخيال – جون بيرجر
وحينما يكون الشخص هناك حقًا لأنني أعتقد أن كلينا من الناس الذين يشعرون و يتحملون المسؤولية بقدر كبير لكن ليس تجاه فكرة ما عن الحقيقة باستثناء المعنى المنطقي إجمالًا .
أعتقد أنني حينما انتقلت لكتابة القصة لم يكن ذلك من أجل أنني سمعت قصة ما لأنني سمعت – كأي شخص آخر -الآلآف من القصص .
بل لأنني أسمع لغة ما في رأسي ، أسمع جملة ، أسمع صوتًا ، أسمع صوتًا ثم أحيانا لا يكون لدي إلا الجملة الأولى . و تستمرين بسماع ذلك الصوت ؟
نعم ، الصوت ..
الأمر أشبه ما يكون بالإملاء .
نعم ، إملاء يمكنني مراجعته لأكثر من مرة .
أتذكر ذات مرة في واحدة من القصص ، سمعت جملة في رأسي ” وذهبت لأرى الأشياء الجميلة ” ثم يقول صوت آخر .
آه لا ، يقول الصوت : ” وذهبت لأرى الأشياء الجميلة ، ثم أتعلم ماذا ؟ ” فيرد صوت آخر قائلًا : ماذا ؟!
ثم يقول الصوت الأول ” إنهم لا يزالون هناك ”
ثم يرد الصوت الآخر : ” آه ، لكنهم لن يظلوا هناك لفترة طويلة ” ثم قلت لنفسي : ” من هولاء الناس ؟ ماذا يقولون ؟ عما يتحدثون ؟
لذلك هو ليس إملاء بالتحديد ، بل أشبه ما يكون بالاستنباط حيث أصبح لدي أربعة أسطر على الصفحة الآن ، ما الذي يمكنني أفعله بها ؟
وأحيانًا يتوجب على التوقف ، وقد يستغرق ذلك أيامًا قبل أن أستطيع معرفة السطر التالي وأحيانا أكتب خمس صفحات ثم أتوقف ، فالاصوات لم تعد تتحدث أو في حالة إحدى القصص سمعت السطر الأخير كان السطر الأخير ” سيزيف. أنا لا شيء ولا شيء يمكنه إبعادي عن هذه الصخرة وقلت في نفسي : من هذا الشخص الرواقي المتجهم الذي يصرح بإخلاصه لهذا الوضع الذي لا يطاق و بدأت التفكير عكسيًا ” ربما قد تكون هذه قصة لأحدهم الخ ..”
لذلك بالنسبة لي هي عملية إبداعية قطعًا و مرتبطة إرتباطا وثيقًا باللغة ، و بالأسلوب ، و بالصياغة قد يكون ذلك كذلك ، هذا مثير للاهتمام جدأ ؛ لأنه يتكرر ، ولقد ناقشنا ذلك في كثير من الأحيان ، لأننا ربما قد وصلنا إلى نتيجة مشابهة تمامًا ، لكن بطريقة عكسية .
بالنسبة لي ، لم يكن هناك ذلك الصوت قط في البداية هناك تلك الصعوبة الهائلة كي أرى ذلك الوضع ، ذلك الشخص .
أنا لا أرى ، أنا أسمع
لا ، أنا أرى .
ربما لهذا السبب أحبُ صناعة الأفلام .
لأنني لا أرى ، أنا أسمع فقط حين أكتب .
و لذلك أرغب بشدة في أن أرى . وهذا ما أحب فعله مع الصور وحينما يكون الشخص هناك حقاً ، ويكون ذلك على الأرجح في وقت الكتابة الفعلي بعد حوالي الثلثين ، ليس ثلثي النص ، بل ثلثي وقت الكتابة ، الأشهر أو السنين ثم فجأة تأتي الأصوات و حينئذ كل ما أفعله هو الكتابة لكنها تأتي بعد أن تتضح الصورة أو الشخصيات ، و ليس قبل ذلك .
لا، بالنسبة لي الشخصيات تأتي من اللغة .
أما بالنسبة لي فإن اللغة تأتي من الشخصيات ، أعتقد أن موقفي ، حسنا ، من ناحية ، من الواضح من خلال حديثنا .
أنني مخلصة حقًا لبعض الافتراضات الحداثية حول الفن و الأدب و التي أعتقد بأنك تسائلها ، و تخليت عن تطبيقها ، لأنني أفكر في أعمالك القصصية السابقة ، كرواية “جي” مثلًا وما كنت تفعله حينها قريب مما أنا مستمرة في فعله الآن ككاتبة قصص لكن أعتقد أن القصص التي كتبتها مؤخراً عن حياة القرويين .
-ولا أعرف إن كنت تشعر بذلك – تحمل نمطا مختلفًا جدًا. لأن الموضوع مختلف جداً ، كما أعتقد هذه صحيح .
ألم تتغير ؟ ألم تتغير أنت نفسك ؟ لا أعلم ، لقد كان علي إعادة تعلم الكتابة .
هذا صحيح ..
لأن تجربة المعوزين أو القرويين في غاية الاختلاف عن تجربة الكتابة عن أصحاب الامتيازات .
و رواية ” جي ” كانت عنهم .
لكن هل تعتبر نفسك مخبرًا عن تجربتك ؟
أنا لا أشعر بأنني مُخبرة عن تجربتي على الإطلاق .
لا ، لا أعتبر نفسي كذلك .لأنني أومن بشكل مطلق في كون التجربة قابلة للمشاركة . أؤمن بأن المخيلة هي هذه على وجه الدقة التي تبدأ في وقت مبكر جدًا من الطفولة في وقت تماهي الطفل مع لعبة أو مع حيوان ما ، تلك القدرة على التعاطف تبدو أول ثمرة لهذا الإبداع الاجتماعي ، إلا وهو الخيال و بشكل عام ، أرى أن هناك نوعًا من الفشل في الجرأة في الأدب القصصي .
ما الذي أعنيه بذلك ؟
نعم ،
ماذا تعني بذلك ؟
حسنًا ، ما أعنيه هو أن معظم الروايات الآن هي سيرة ذاتية مُتنكرة ، ومن جهة أخرى ، يقول أناس ” بأي حق تكتب عن القرويين ؟ انت لست قرويًا ”
وبالنسبة لك ” بأي حق تكتبين عن الرجال ؟ أنتِ لستِ رجلًا ، أو العكس وهذه الأسئلة حاضرة بقوة . و أزمة الجرأة ، فشل الجرأة هو أنه من غير الممكن الكتابة عن شيء لم يعشه المرء أو لم يراه، لكنني لا أعتقد بذلك .
أتعتقد أن هذا هو سبب وراء كثرة الروايات عن أساتذة الجامعات . نعم ، بالطبع ! بالطبع ! أو عن الكتّاب .
نعم ،
بشكل واضح .
وأخيراً ..
أتعتقد أن لهذا علاقة أيضاً بالمنافسة مع الأساليب الأخرى السرد القصصي ؟ لأننا انتقلنا من أوسع معنى للقص ، ألا و هو القصّ الشفوي .
ترجمة: رزم