موضوعات متنوعة

عن المرأة وتأنيث العالَم

عمر الخالدي

تدخل المرأة في لاوعيها عالماً كريستالياً كل ليلة وتحلم أنها الحرية، تفتح عينيها في الحلم وترى ما لا يراه الرجال لا في يقظتهم ولا في منامهم، بطريقة أكثر فلسفة يمكننا أن نقول إن المرأة كائن أمثل والرجل كائن بشري وكلما قويت الروابط بين الرجل والمرأة اتضح للرجل ذلك الكهف البعيد الذي نسجه أفلاطون وتخيَّله على نحو خاطئ مقدار بعده عن المرأة وكينونتها المُثلى.
هكذا وبهذه الطريقة يمكنني الادعاء أن ساراماغو – الروائي البرتغالي والحائز على جائزة نوبل للأدب – فكر وهكذا تحدث حين رسم صورة مختلفة للمرأة في رواية العمى حيث يصيب العمى المفاجئ جميع الناس بلا استثناء سوى امرأة واحدة، وهي الرائية، وهي المُخلِّصة، وهي الرسولة، ورغم أنها تعرضت للاغتصاب إلا أنها تسمو وتتعلى على كل شيء وتقتل الشيطان بيديها العاريتين وتقود بقية العالم للضوء وكما نعلم “مباركٌ هو الضوء” وليست مصادفة أنها كانت نصف عارية خصوصاً عند حصولها على الطعام لتنقذ آخر الجنس البشري من الهلاك، وليست مصادفة أن المطر انهمر على عُريها ولمع على صدرها فور حملها لأكياس الطعام رغم كل توهانها ورغم أننا لا نعرف عنها شيئاً سوى أنها “زوجة الطبيب” وذلك على سبيل التهكم من الكبير ساراماغو على ما يبدو، وليست مصادفة أنها فور وصولها لزوجها – هي التي – طلبت منه جاكيته لتغطي نصف جسدها رغم أن الجميع عميان ولا يستطيعون رؤيتها. هي لا غيرها.
هكذا فكر ساراماغو في روايته التي رسم أحداثها في عالم لا يتوقف فيه الموتى عن الموت ومن قبله سميي عُمر “ابن الفارض” الشاعر الصوفي العذب الذي جعل قلبه يقف على أطراف أصابعه وهو يصرخ في عوالم الأنثى البعيدة : “هي التي علَّمتني كيف أعشقها” – بصوت لطفي بوشناق بالتأكيد – وإذا كان لي أن أدَّعي مرة أخرى فسأقول إن ابن الفارض لم يستحق لقب سلطان العاشقين إلا بسبب هذا البيت الشعري والذي احتوى على هذا الشطر إذ جعل الأنثى عالماً مختلفاً تماماً بأبعاده وترك نفسه الطفلة تتعلَّم من الأنثى إلى ما لا نهاية.
الجميل في كل ما سبق أن الأنثى المذكورة مجرد قيمة مثلى وليست أنثى بعينها تمشي على قدمين، لذا نجد ديلاكروا الرسام الفرنسي يضع المرأة في أوج أشكال الحرية – الثورة – وهي نصف عارية أيضاً وذلك في لوحته الشهيرة “الحرية تقود الشعب” وبعيداً عن عشتار وأساطيرها التي عفا عليها الرجل فإن تمثال الحرية الموجود في أمريكا مرتبط أيضاً بالمرأة وتقول الإشاعة إنه مستوحى من لوحة ديلاكروا الآنفة الذكر، وعلى كل حال فإن المرأة / الحرية ليست جسداً ولا كلمة، بل هي حياة كاملة تقف وتمشي على قدمين وتتربَّع وتستلقي على ظهرها وتتقلب على جنبيها وحين تفتح المرأة عينيها تبدأ حضارة الإنسان بالنشوء، ويبدأ الضوء.
كان أحد الأصدقاء يكرر على مسمعي : “العلاقة بين الرجل والمرأة يجب ألا تكون باردة على طريقة الرومانسيين، يجب أن يتجاوز الإنسان المثقف نفسه التي تفكر بالأنثى على طريقة : هل تسمحين لي بهذه الرقصة؟ ويدخل للأنثى/الحرية/الحياة بيديه وقدميه” ومن هنا يمكنني القول إن لحضور الأنثى الواحدة في هذا الزمن الذي لا يجيء عالماً كريستالياً مختلفاً وناضجاً بشكل لاذع، وسأدَّعي للمرة الثالثة أن ذلك يتجلى بشكله اللاذع والمختلف بالصراخ، وأعني صراخ الأنثى الأنثوي والأمثل وليس صراخ الصوت البشري، صراخ جمالها الواحد وعوالمها التي لا تبدأ ولا تنتهي وحياتها الكاملة. قريباً سأكتب بشكل مختلف عن الصراخ وكيف أنه علامة أنثوية فائقة الأنوثة.

 

One thought on “عن المرأة وتأنيث العالَم

  1. يقول TMotawe:

    جميل 🥰 ما كتبت ” يجب أن يتجاوز الإنسان المثقف نفسه التي تفكر بالأنثى على طريقة : هل تسمحين لي بهذه الرقصة؟ ويدخل للأنثى/الحرية/الحياة بيديه وقدميه” أو ربما يتجاوزها كما تجاوزها نيتشة عندما قدم عرض الزواج لماتيلدة عندما قال ” هل تجرؤين علي القدوم معي… في جميع دروب الحياة والتفكير؟ ” . ، بانتظار مقالك عن الصراخ 👍

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *