المدونة

هل اقتبس عبدالرحمن الكواكبي أفكار كتابه طبائع الاستبداد من كتاب الطاغية لفيتوريو آلفيري؟

فيتّوريو آماديو آليفيري

شاعر وكاتب وممثل مسرحي إيطالي، وُلد في مدينة آستي، في أقليم بيامونته، في ١٦ كانون الثاني ١٧٤٩، وتوفى في مدينة فلورنسا عام ١٨٠٣؛ حيث دُفن في كاتدرائية سانتا كروتشه، في فلورنسا.

ينحدر من عائلة نبيلة وشريفة السمعة. أبوه الأمير أنطونيو آماديو آليفيري، أمير مقاطعة كورتيميليه، إلا أنه فقده مبكراً. تزوجت أمه مونيكا مايلّراد دي توُرنون للمرة الثانية من الفارس كارلو دجياتشينتو آليفيري.

منذ نعومة أظفاره، كان فيتّوريو حساساً للغاية، مفعماً بالحيوية، لكنه في أغلب أوقاته كان يعيش منعزلاً، رافضاً قواعدَ مجتمعه. كان يعاني من مرض عصبي غالباً ما كان يسبب له الاكتئاب. في عام ١٧٥٨ حلّ ضيفاً على معلّمه وعمّه بلّيچرينو آليفيري، الذي كان حاكماً لمدينة كوُنيو في عام ١٧٦٢، ومن ثَمّ نائب ملك ساردينيا. ألحقه عمّه بالأكاديمية المَلَكية في مدينة تورينو؛ حيثأكمل دراسته في قواعد اللغة والبلاغة والفلسفة والقانون. لغته الأم كانت لغة مدينته تورينو، بالإضافة إلى اللغتين الفرنسية والإيطالية الكلاسيكية (لغة إقليم توسكانا).

كانت نشاطات ڤيتّوريو الأدبية قصيرة، لكنها كانت كثيفة وعاكسة لآلام روحه ولحياته المغامرة. درس، بعمقٍ، بلوتاركو، ودانته، وفرنشيسكو بيتراركا، وماكيافيللي، كما درس، باهتمامٍ، المتنورين؛ مثل: ڤولتير ومونتسكيو، ومنهم جميعاً استمدَّ نظرته الواقعيةالكلاسيكية. كان مؤيداً للحرية بشكلها المثالي. وبشكل قاطع، كان أيضاً معارضاً لكلّ ما هو استبداد.

خلال إقامته في فرنسا، شجّع الثورة الفرنسية، وبعدها عاد إلى إيطاليا، واستمر في الكتابة معارضاً نابوليون إلى حين وفاته عام ١٨٠٣. قبل موته، في سنواته الأخيرة، صار مصدر إلهام للكثير من الأدباء المتنورين مثل إوغو فوسكولو. من أهم أعمال فيتوريو ألفيري في الكوميديا ​​والهجاء والواقعية: من الاستبداد، مدح بليني لتراجان، في الفضيلة المجهولة وفي الأمير والرسائل: وفي هذا العمل بالذات يحلل الكاتب علاقته مع السلطة المطلقة. لكن هناك من يرى أنّ أهم أعماله كانت سيرته الذاتية؛ الحياة التي كتبها، واستعاد من خلالها القصة العاطفية لكيفية اكتشافه نفسه وميوله الأدبية. ألفيري كتب أيضاً الكثير من الأشعار، التي أعطت صوتاً لازدرائه الأرستقراطي للخسة والنفاق.

كتاب الطاغية وأهمية ترجمته

في كلّ كتابات ألفيري، بما فيهم كتابه هذا، سادت فكرتان أساسيتان هما: إعطاء شكل واضح لمفهوم الإنسانية، وبلورة شخصية الإنسان وربطها بالحرية. وهذه الفكرة، التي لا تُفارق فكر وحياة الكاتب، نراها جلية في كتابه هذا؛ إذ يبحث ألفيري في الآليات النفسية التي تؤثر في الشخصيتين: من يُسيطر ومن يجب أن يخضع، وهناك من يُهيمن عليه التعطش للسلطة، ومن يُسيطر عليه حبّه وتعطشه للحرية. هذه الفجوة العميقة بين الطرفين تظهر جليةً في كتاب آليفيري (الاستبداد)، الذي حلّل فيه المؤلف خصائص الطاغية، والأدوات التي يستخدمها لقمع الرعايا، وكذلك الطُرق التي يستطيع بها الرجال الأحرار، الذين يعانون من هذا الظلم، القضاء عليه.

في كلّ العصور، بما فيها عصرنا هذا، شكّل الاستبداد قوةً معادية للإنسان بشكل عام، وللرجال الأحرار الأبطال بشكلٍ خاص؛ لأن البطل يتربّى على كراهية كلّ ما يُعيق حريته وإنسانيته؛ أي على نبذ الطاغية.

من الواضح في هذا الكتاب أنه لا توجد إمكانية تفاهم بين البطل والطاغية، وغالباً ما يُصبح البطلُ الضحيةَ، وهذا ما يُخيف أكثر مخاوف الطاغي؛ لأن البطل الضحية يُثير في الناس ردود فعل كبيرة، ويُوقظ في داخلهم تعطشهم للحرية وللحياة الكريمة.

في الحقيقة، الطغيانُ والطاغي لا علاقة لهما بعالم السياسة، ولا يُشكّلان من الناحية التاريخية حالة طارئة محددة. منشأهما حتماً متعلقٌ بطبيعة الإنسان وخوفه من المجهول.

الكراهية الشديدة للطاغية تتحول في هذا الكتاب إلى دعوة لحب كلّ ما هو مُطلق، إلى توقان لتجاوز الظروف والقيود الإنسانية، من أجل التأكيد الكامل والشامل على الذات والإنسان الحر. يتوقف كثيراً آليفيري على أهمية تجاوز العقبات كي لا يشعر البطل المدافع عن الحرية بالإحباط، ولكي لا يرى الهزيمة كأنها قدر محتوم، وأنّ الإنتحار هو الحلّ اليائس المُتَبقي.

هذه المرحلة الهدّامة للأسس الإنسانيّة، التي يمّر بها العالم العربي بشكل خاص، والعالم بأسره بشكل عام، تجعل من ترجمة هذا الكتاب واجباً أخلاقياً ومعرفياً دقيقَ الخبر، الذي يهدف إلى دعوة البشرية إلى االتوحد من أجل إنقاذ كلّ ما يجعل الإنسان إنساناً، فالواقع الحالي للبشرية أليمٌ يكتنفه الجهل والغموض؛ لهذا حرية الإنسان من التعسف هي الحل الأول لبدايات حياة كريمة. المشكلة لا تكمن في السلطة أو الحكم، بل في السلطة التعسفية الشيطانية، والحكم الأرعن الذي لا هدف له إلا وجوده كغاية مطلقة وبأي ثمن.

هذا الكتاب أشبه بمخبرٍ طبي يشرّح أمراض الظالم، وأوجاع المظلوم، وطرح الحل الأسلم للطرفين، ومن منّا اليوم لا يبحث عن الحل الأسلم؟ لقد صار حاجة ملحةً لجميع البشر في كلّ أنحاء المعمورة من أجل العودة إلى ما أراده الله للبشرية جميعاً من خير، وهذا لا يأتي بالتخاذل والاستسلام أمام قوى الشر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *