مريم عادل
ماهية الوهم والخيال وتأثيرهما بالحياة
كنتُ اشاهد مسلسل (فرقة ناجي عطا الله) للزعيم “عادل امام” الذي قام بتجسيد دور ناجي عطا الله, في احدى حلقات ذلك المسلسل تقف القديرة رحمها الله “عصمت محمود” التي لعبت دور الحاجة ام امين على شرفة منزلها مساءا تنادي (امين امين انت فين؟!..حد شاف امين) كان ناجي غارقاً في شرح اسباب وطريقة سرقة البنك الأسرائيلي, مرَّ صبي المقهى بالصدفة فسألهُ عادل امام:
-بقلك ايه يبني متشفولها ده امين راح فين الست صوتها اتنبح من الصبح!
-سيبك منها يا باشا الست دي دماغها مش مضبوطة
اكمل عادل حديثهُ مع فرقته حتى جاء شخصٌ يعرفهُ يدعى فرج من تلك المنطقة وفي اثناء نقاشهم عادت ام امين لتنادي على ولدها امين من جديد فلتفتت عليها انظار فرج والحضور ليخبرها فرج بأنه سوف ينادي عليها فور قدومه واتضح بعد ذلك ان امين شرطي مصري يعمل على الحدود بين مصر واسرائيل ,استشهد بسبب طلق ناري طائش من قبل الأخير!!.
الرفض التام من قبل ام امين في تصديق موت ابنها على الرغم من انها إمرأة معروفة في بور سعيد بحكمتها ورصانة عقلها “حسب ما قيل في النص” وقوة تأثير عدم التصديق ذاك ليصورهُ لنا المخرج والممثليين بصيغة مشهد دراماتيكي رائع ومؤثر لدرجة تدمع لهُ العين..,كل ذلك دفعني للأستعلام عن ماهية الخيال والوهم وما الفرق بينهما وتأثير كلاً منهما على الحياة.
الخيال عبارة عن عالم يبنيه الفرد بنفسه بدون أن يساعده أحد، لكنّه على الواقع لم يستطع أن يعيشه والذي يتخيل لديهِ وعي تام بحقيقة الواقع لكنهُ يتخيل ليستشعر جمالية الأحداث او بشاعتها كالكاتب تماما فالكاتب والروائي عندما يمسك قلمهُ لينقش لنا لوحتهُ الروائية يجلس مع نفسه ويعيش بأجواء مختلفة عن الأجواء الحقيقة التي يعيشها في لحظة الكتابة قد تراهُ جالسا بصمت تام لكن من الطبيعي جدا تجد بأنهُ ذهب بخيالهِ الى اماكن واشخاص واحداثٍ اخرى,الذي يتخيل مدرك واقعية حياته الى حد كبير عقلهُ مُصدق لكل شيء ينقل اليه من جميع الحواس,المتخيل لهُ القدرة على بداية الخيال ونهايتهِ.
أمّا الوهم فهو أن يبني الفرد نفس الأحلام التي يبنيها من خياله، لكنّه يعيش في هذه الأحلام وغير معترف بالواقع ولا حتى يؤمن بوجوده.
الواهم يرفض التصديق بحقيقة الواقع كالذي حدث مع ام امين ,صدمتها بأستشهاد ابنها دفعها للوهم بعدم موته لا تريد الاعتراف بأنها ثُكلى وولدها لن يعود لها يوماً,الوهم نوعا من انواع الامراض النفسية التي تحتاج الى طبيب نفسي فعادل امام خشيَ التصريح بالحقيقة فقد تصاب بأنهيار عصبي وقد تتأثر الى حد الجنون!.
تعامل معها على اساس اوهامها ,عقل الواهم يستقبل المرسلات من الحواس كذلك لكن يفسرها بصورة خاطئة..تشبهُ عملية الخداع لكنها في الغالب غير متعمدة,الواهم يملك طرف البداية لكن طرف النهاية تملكهُ الصدمة!.
الخيال شيء عمدي اما الوهم فهو زلة خيال,هو خيال انحرف عن مساره.
لولا الخيال لما استطعنا الاحلام ومن تلك الاحلام نبدأُ احياناً!..بعضُ الخيالات ممكنه وتجعل منا اشخاصا خلاقين ومبتكرين ,من الخيال نستطيع معرفة معنى الحياة تلك هي فضيلتهُ الكبرى,المعنى في الوجود شحيح,لكن ادراك هذا المعنى لن يكون الا عبر مهماز الخيال في جسد الوقائع التي تحدث في كل يوم.
واذا زاد الخيال عن حده انقلب الى الوهم..,قد ينتشلنا الوهم في الكثير من الاحداث الصعبة واهمها الفقدان ليأتي بعده الوضع المعيشي والعاطفي ومعظم مشاكل الحياة التي لا تنتهي لكنهُ اكذوبة,حبلها قصير.. سيواجه الواهم واقعهُ شاء ام ابى لذلك علينا التخلص من اي اوهام قد تصيبنا فقد نوهم بحب او كره شخصٍ لنا ونتعايش مع هذا الوهم ونؤمن بحقيقته حتى تصدمنا الحياة بعكس ذلك.
لا تكن واهما فتُصدم , بل اصنع خيالا يوصلك الى حقيقة معنى حياتك.
مُقلة عينٍ جافة
في ذات يوم كباقي الأيام المُزهرة كنتُ جالسةً اتأمل رسوخَ وشموخَ الأشجار، عاليةً بتفاصيلها الدقيقة والرقيقة، وبتفرعاتها الجذابة من جذورها وحتى أوراقها النديّة المُخضرة كأنها مرسومة بفرشاةٍ على الورقِ، وأرتشف قهوتي المفضلة مُحلقةً بجمالِ تلألؤ الأزهار برائحتها العطرة وتمايلها يميناً ويساراً بلطف النسيم المنعش، وفي حوزتي العبق الثمين الذي في لُبه السطور والحروف والكلمات المخلدة في العقلِ والقلب كتابي الذي استمتع بقراءته، واستشعر روعة امتزاج رائحة بُن القهوة وصفحات الكتاب، لوهلة وأنا مُنغرسة في ربوع تأملاتي ولحظاتي العذبة، إذ بصبيٍ حلّق من أمامي مع والديه ويبدو أن الصبي يمتلك من العمرِ ستة سنوات، فكان هذا الصبي يبكي فنظر إليه والده بحده وبنبرة حادة وقال له: كم لي أن أقول وأكرر أن الرجل لا يبكي، فرفع الصبي رأسه ينظر لوالده بهدوء واقفاً مصطنع القوة كي لا تأتيه سهام الحروف الناقدة التي تبعثر فكره، امتص الصبي دمعته وبلع ريقه وفي قلبه حكاية، وأسأله في لُبه بها علامات استفهام يريد لها الإجابة، انني اكتب هذه المقالة بغرض التوعية نعم جميعنا نريد أن يكونوا أولادنا رجالاً أقوياء لكن لا بد من أن يكون هناك ادراك ونضج فكري ومعرفي لفعل ما هو الاصح والاصلح لأولادنا وذلك حفاظاً على صحتهم النفسية وتكوين شخصياتهم، وذلك يجب عمل خطة تطبيق مدروسة لتكون النتائج إيجابية، أولاً وقبل كل شيء البكاء ليس عيباً ولا استنقاصاً ولا اهتزازاً كما يعتقد البعض فلو كان البكاء للرجل عيباً لما خُلق للرجل دموع، ثانياً الإنسان تحملهُ العاطفة مثل الجرة التي عندما تملؤها وتملؤها على حد الامتلاء إذا زادت عن الحد فاض أو انكسر فالحل هو ان نملأها بما تستطيع أن تتحمله كي يسهل علينا أن نُغلقها بإحكام، نحن في طريقتنا في التعامل مع هذا الصبي هي من تحدد هل سنبني رجلاً قوياً أم لا، فإما ان نسقي بلطف لنبني، ام نسقي زيادة عن اللزوم لنهدم، ام لا نسقي شيئاً فتصبح الأرض قاحلة، ففي طريقتنا في التعامل معه نجعله ينهض بشجاعة او ينتكس بسهام حروفنا المؤذية التي تخرج من افواهنا لتحرز هدفاً مؤذياً، ففي بعض الأحيان ما نستمع إلى أوهام ومعتقدات وخرافات جاهلية لا دليل لها ولا تفنيد، بل بسبب تداولها بكثرة صدقها الناس بدون سابق حساب، رسالة إلى الآباء الافاضل لا تضغط على اولادك أو تجبرهم قسراً على عدم البكاء لكونهم أولاد بل واذا بكى تُعايره! سيشعر هنا بالضعف، وانت في سلكك لهذا النهج لن تستطيع تحقيق هدفك الذي هو صقل شخصية قوية بل هنا انت تقوم بإنشاء شخصية هشة وضعيفة، نعم صحيح انت تريد ان تبني شخصية قوية لكن انظر لطريقتك في التعامل معه هل لها تأثير إيجابي ام تأثير سلبي، احتوي اولادك بحب وقم بتعزيز مميزاتهم وتنميتها وافسح المجال لهم بالتعبير عن آرائهم ومشاعرهم دون قمع كي لا يختبئ ابنك وراء قناع مزيف لا يُطاق ولا يُحتمل بل ويكتم الانفاس، قم بترميم شروخ لُبه واضئ مُهجته بالألوان البهيّة والبسمة الندية والكلمة الطيبة النابعة من صميم القلب، لا تغرس في عقول اولادك ان الدموع لا تنجرف من الرجل كي لا يعتقد ان البكاء عيب للرجل او ضعف، نُلاحظ بعض الأولاد يكون لديهم عنف زائد وذلك نتيجة الكبت والتراكمات فهو بحاجة إلى ملجأ آمن يبوح ما بداخله ويُعبر دون خوف من الجرح، وبالنهاية مع الكبت والتراكمات يكبر الصبي بمشاعر جافه وتبلد وذلك سيؤثر على صحته النفسية، لذلك منح الله سبحانه وتعالى البكاء للإنسان كي يشعر بالارتياح ويُخرج ما بداخله من سموم المشاعر السلبية، فانهضوا وتيقظوا من كهوف الجهل وكفوف الفكر المحدود فالإنسان بطبيعته يبكي ويشعُر ويتألم، وابرزها البكاء من خشية الله فهي نعمة من الله يؤتيها من يشاء.
الكاتبة: أ. بشاير خالد الصفران