على مرّ العصور واجهت المرأة في مجتمعنا والمجتمعات الأخرى، قضية واحدة هي قضية إثبات الذات. التعامل مع المرأة ككيان مستقل عن الرجل، كيان له رغباته وطموحاته في الحياة. وتناولَ الكثير من الكُتاب العرب والأجانب هذه القضية بمؤلفاتهم مثل «مدام بوفاري» لغوستاف فلوبير و»أنا حرة» لإحسان عبد القدوس، وكانت رواية «يقظة امرأة» للكاتبة الأمريكية كيت شوبان، ترجمة زينب بني سعد وإصدار دار جدل، من أبرز الروايات التي تناولت وضع المرأة في المجتمع الأمريكي في أواخر القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي انطلقت فيها الدعوات لتحرير المرأة من أغلال القيود الاجتماعية، ففي تلك الفترة كان المجتمع الأمريكي شبيها إلى حد بعيد بالمجتمع الفيكتوري، فلم يكن للمرأة مستقبل خارج إطار الزواج، وبطلة كيت شوبان امرأة حاولت إثبات ذاتها في مجتمع الرجال، فقررت أن تحارب القيود الاجتماعية، وتفعل ما تحب، تنهي علاقتها بزوجها الذي كان كل ما يشغل فكره وضعه المالي، والخروج أمام المجتمع في أحسن صورة، وكذلك قررت التمسك بهوايتها الرسم والعمل على تنميتها، فهل كان الحب سبباً في إيقاظ روح إدنا بونتيلييه؟ هل يدفعنا الحب للشعور بذواتنا؟
«بدأت السيدة بونتيليه تدرك مكانتها في هذا الكون ككائن بشري. وتدرك صلاتها كفرد مع العالم فيها ومن حولها. قد يبدو هذا الإدراك وكأنه عبء ثقيل الوطأة يحل على روح امرأة شابة في الثامنة والعشرين، ولربما أكثر إدراكاً. مما تجيزه الروح القدس بكل سرور عادةً لأي امرأة. غير أن بداية حدوث الأشياء في هذا العالم، هي بدايات غامضة، معقدة، مضطربة، ومثيرة لقلق بالغ لا محالة. عجباً، كيف أن قلة منا، نحن البشر، نجا من مثل هذه البدايات! وكم من الأرواح هلكت في اضطرابها «.
تقول مترجمة الكتاب زينب بني سعد وأنا أرجحُ رأيها: مع أن صحيفة مورننغ تايمز واشنطن خلصت في مراجعة الرواية إلى إن «ما تسبب في يقظة إدنا هو رجل، وهذا الرجل هو روبرت ليبرون» لكن لو أمعنا النظر سندرك أن يقظة إدنا تشكلت على يدها هي بنفسها. كانت هي الوسيلة إلى هذا الإدراك، جسدها، فنها، معارفها. والوقت الذي تقضيه في الطبيعة، هرباً من السلطة الذكورية الخانقة».
إذن فمسألة أدنا ليست مسألة حب بقدر ما هي بحث عن الذات، وفك لقيود المجتمع ونعاين في الرواية أن روبرت لبيرون يسافر مباشرة عند بداية تطور العلاقة بينهما، فإذا كانت المسألة مسألة حب فقد تستطيع البطلة العودة إلى حياتها الزوجية الرتيبة مباشرةً بعد سفر حبيبها إلى المكسيك، إنما هي عملت على تهذيب ذاتها من خلال التمسك بالرسم كموهبة، كذلك تركها لمنزل الزوجية والسكن في ما سمته بـ(عش الحَمام) والتخلص من علاقة زوجية أقل ما يقال عنها (مُحتضرة).
«في يوم من الأيام، سوف ألملم شتات نفسي لفترة من الوقت، وأفكر، في محاولة لتحديد شخصية المرأة التي أنا عليها. لأنني وبكل صراحة، أجهل أي شخصية من النساء أنا. وبكل الأعراف والتقاليد التي أعرفها، أعتبر مثالاً سيئاً جداً لبنات جنسي، لكن بطريقة ما، لا يمكنني الاقتناع بأني سيئة.. لا بد أن أفكر في ذلك».
رواية «يقظة امرأة» رواية سهلة وسلسلة لكنها مليئة بالأسئلة الوجودية، تصنف من الأعمال التي تمت المطالبة بحظرها، لكن لم يتم حظرها من أي جهة رسمية وظلت منسية لما يزيد على نصف قرن، منذ أن نشرت في عام 1899 إلى أن لفت الأنظار إليها الناقد كينيث إلبي في عام 1956 وسماها الرواية المنسية، ولم تلبث بعد ذلك أن أصبحت من مقررات الدراسة في الجامعات والمعاهد العليا، جنباً إلى جنب مع الأعمال الكبرى في الأدب الإنكليزي.
كيت شوبان (ولدت كاثرين أوفلاهرتي في 8 فبراير/شباط 1850-22 أغسطس/آب 1904) مؤلفة أمريكية استكشفت قصصها القصيرة ورواياتها، الحياة الجنوبية قبل الحرب وبعدها. تعتبر اليوم رائدة في الأدب النسوي المبكر. اشتهرت بروايتها «يقظة امرأة» وهي تصوير لكفاح المرأة من أجل الذات والتي كانت مثيرة للجدل إلى حد كبير خلال حياة شوبان.
كاتبة من العراق
“غير أن بداية حدوث الأشياء في هذا العالم، هي بدايات غامضة، معقدة، مضطربة، ومثيرة لقلق بالغ لا محالة. عجباً، كيف أن قلة منا، نحن البشر، نجا من مثل هذه البدايات! وكم من الأرواح هلكت في اضطرابها «. ” مقال جميل و موفق 👍 أستاذة رند. هالمقال بيشدك لحتي تقرأ الرواية .