دوناتيين هي قصة عروس وأمّ شابة بريتانية ذهبت إلى المدينة للعمل مربيةً بغية مساعدة زوجها وأطفالها مالياً؛ منغمسة في دوّامة محادثات الخادمات الأخريات، بسبب عدم أخلاقيتهنّ، وتائهة بسبب الترف والمال المُكتسب بسهولة، تنسى ذويها، وتصبح عشيقةً لخادم مستهتر. غادر زوجها بؤسَ مزرعته، وهو تائهٌ على الطرقات مع أطفاله الثلاثة، وينتهي به الأمر بالفشل في منطقة الأوفيرن؛ حيث صار عاملاً في مقلع…
دوناتيين هي شخصية معقدة، تحمل مشاعر إنسانية للغاية، ولها نقاط ضعفها وشجاعتها. مرت هذه الشخصية بدورة حياة متقلّبة: الرغبة في الفرار من تقوقع الريف وبؤسه، والانبهار بالمدينة وترفها، ونسيان وازدراء أصلها وقيمها، والفشل، والتعاسة، والندم، والوحدة، والتشكيك، ثمّ القرار، وأخيراً لمّ شمل عائلتها وثقافتها.
يمثل غطاء الرأس المميّز لمنطقة البريتاني رمزاً لانتمائها الثقافي، تخلعه أمام سخرية الرفاق لدى وصولها إلى باريس، وتعيده عندما تلتقي ذويها. تحاول هذه الرواية، على الرغم من أخلاقيّتها، أن تصف، مثل الروايات الخاصة بالكُتّاب الطبيعيين، الحالةَ الاجتماعية للخادمات، وأماكن سكنهنّ، ومكاتب التوظيف، لكنها تتناول، أيضاً، أعماق دوناتيين ونفسيتها، ولا سيما تعقيدات سعيها.
يتمثل السقوط والخلاص في شخصية واحدة كشخصيات مادلين وماري، ويمنحها ثراءً يبعدها عن الصورة الكاريكاتورية.
رينيه بازان هو روائي وأكاديمي فرنسي وُلد في 26 كانون الأول/ديسمبر 1853 في أنجيه. توفي في 19 تموز/يوليو 1932 في باريس.
بعد الدراسة في باريس وأنجيه، أصبح رينيه فرانسوا نيكولا ماري بازين أستاذاً للقانون في جامعة أنجيه الكاثوليكية. عرف، طوال حياته، كيف يبقى قريباً من سكان الريف ونشاطاتهم. تصوّر أعماله المبكرة حياة الفلاحين من وجهة نظر مثالية للغاية. فتحت له رحلاته إلى إسبانيا وإيطاليا، التي بدأت في عام 1893، آفاقاً جديدة، واكتسب إحساساً بعالمية موضوعات الفلاحين، التي أعطت المزيد من القوة لرواياته اللاحقة. تعالج رواية الأرض التي تموت (1899)، بشكل مؤثر، موضوع التخلي عن الأرض والهجرة، من خلال عائلة يهرب شبابها الواحد تلو الآخر من بؤس موطنهم الأم لافندي، بحثاً عن فرص أخرى في المدينة، أو حتى في أمريكا. تعالج رواية عائلة أوبرلي (1901) قضية ضم الألزاس واللورين من قبل ألمانيا، من خلال رسم صراعات الولاء التي تقسم هذه العائلة. حقّق الكتاب نجاحاً كبيراً، وبفضله استحقّ رينيه بازين دخول الأكاديمية الفرنسية في عام 1903. تروي دوناتيين (1903) ترحال زوجين شابين من منطقة البريتاني. بغية إعالة عائلتها، تذهب الأم الشابة، دوناتيين، للعمل في المدينة، وتقع في فجور حياة المدينة. بعد أن فقد مزرعته، يتحول الزوج إلى حياة بائسة لعامل متجول، ينتقل من مزرعة إلى مزرعة يجرّ أطفاله خلفه. بعد سنوات، تلتقي دوناتيين، الملطّخة، بعائلتها، وتتولى زمام الأمور، وكأن شيئاً لم يحدث، وتتابع حياتها بوصفها زوجة مزارع. يصف في روايته القمح ينمو (1907) فساد قاطعي الأشجار تحت تأثير النقابات العمالية.
وهكذا يصور رينيه بازين، في رواياته، الحياة الريفية في أعماق فرنسا، ويعبر، بلغة بسيطة، لكن أنيقة، عن حبه للطبيعة والقيم الأصيلة، مثل: العمل، ولاسيما العمل في الأرض. على الرغم من أنّ أعماله قد أصبحت الآن في طيّ النسيان، إلا أنه لا يزال أحد أبرز الكُتاب الممثلين لعصره، في الحركة الروحية للمؤلفين الكاثوليك، بمن فيهم موريس باريه، وجورج برنانوس، وفرانسوا مورياك.