المدونة, موضوعات متنوعة

مرّ من هنا ، قصة بعنوان : خدوش على ظهري ، غازي

قطّب الطبيب حاجبيه في ذهول، بدأ يتلمس أماكن الخدوش بحذر كي لا يؤلمني، لكنه آلمني جدًا، صرخت بقوة أوقعت القلم الموضوع على حافة الطاولة، قال: “لا بأس، سأكتب لك ورقة للمضمد، أريدك قويًا لتتعافى بسرعة”، نهضت دون أن أجيبه، ألبسني أخي ردائي الداكن لنخرج.

دخلنا غرفة التضميد التي حفظتها، سلّم المضمد عليّ كما يفعل غيره، تكفّل أخي بالإجابة هذه المرة: “أنا في عجلة، هل يمكنك إنجاز الأمر بسرعة من أجلي؟”، يفعل ذلك في كل موقف يكلمني فيه الناس، بعد ذلك عدنا إلى البيت ودخل معي، فلم يكن هناك مشوار ولا عمل ليُنجز، لكنه يعلم أني لا أحب الرد على الغرباء.

ظل ممسكًا يدي بقوة كما يفعل عادة، لا يحب الأمر كثيرًا، لكن أمي دائمًا تطلب منه ومن أخواتي ذلك، فحرارة جسمي إن غضبت لا تنخفض إن بقيت في نفس المكان، أحب أن أخرج دون إذن أو إخطار، لا أنوي العودة إليهم، لكنهم يجدونني في كل مرة.

دخلنا للبيت؛ فاستقبلتني أمي بذراعين مفتوحتين، تجاهلتها وذهبت لألعب سباق السيارات في المضمار الدائري البلاستيكي، لا أملّ هذه اللعبة أبدًا، بل لا أتركها إلا حين أحن للعبة الدوّامة المربوطة بحبل صغير، أو حين أجد كرسيًا قريبًا من الخزانة؛ فأصعدها وأقفز إلى الأرض، ثم أعيد الكرّة مرات ومرات، تألمت من بعض قفزاتي، لكن سعادتي فيه تشجعني لتكراره.

لم تكن تلك المرة الأولى التي يضربني بها أبي، في كل مرة يغضب مني؛ يكرر ضرباته القاسية حتى تصل لهذا الحد، وفي مناسبتين سابقتين زاد قوة ضرباته، فاستدعى الطبيب المحقق المناوب في المستشفى، وفي كلا المرتين يخرج بلا خطيئة، أوقّع ورقة يسمونها تنازلًا، أبي يأمرني بالتوقيع، أمي وأخي يصمتان، أما الضابط فيستمر بالإلحاح بصوت منخفض لئلا أفعل، لا أعلم ما الأمر، أكتب اسمي نهاية الورقة، فلا أرى ابتسامة إلا من أبي، ثم نخرج من تلك الغرفة، ونعود للبيت لتبكي أمي، ويغضب أخي.

أنا أتحمل جزءًا من اللوم، فحين يسألني الضابط لا أجيب، يظنني في البداية خائفًا من غضب أبي، يحاول طمأنتي بأن الأذى لن يمسني لو تكلمت، بل كان يقسم أن يحميني من أي سوء قد يطالني، كل هذا في سبيل وضع حدّ لما يسمّونه: (تعنيف الأبناء)، لكني لا أتكلم؛ لأني ببساطة لا أريد.

أنا أكره أبي، لا أدري لماذا لا يريد أن يفهمني، رأيته مرة جالسًا في الصالة؛ اقتربت منه وارتميت في أحضانه، أمسكت بيده الكبيرة، وضعتها على رقبتي من الخلف كي يتلمسها وينزل بلمساته إلى ظهري، يفعل ذلك إن كان مزاجه بخير، ونادرًا ما يكون كذلك، لكن في تلك المرة أمسك شعري بكلتا يديه وهزّني، بصق عليّ وصفعني، ثم قذفني بعيدًا عنه، لم أبكِ… فضرباته لم تؤلمني، أحسستها لمسات ثقيلة قليلًا، لكنها غير مؤلمة، نزل ماء من عينيه، أخفاه بسرعة ومسحه، صرخ في وجهي لأذهب إلى غرفتي، هذه المياه تخرج من عيني أحيانًا، لكني لا أصرخ في وجه أحد، أمي كذلك لا تصرخ، فقط أبي يفعل.

دخل عليّ الغرفة بعد دقائق، جلبه صوت التكسير والضرب إليّ، هكذا أفعل منذ كنت طفلًا، إما أن أحظى بما أريده، أو أكسّر كل شيء حولي، الأشياء في غرفتي لا تنكسر، بعكس تلك الموجودة في الصالة التي يُدخلون إليها الغرباء.

أضرب رأسي بالحائط وبالأرض، لا أتألم أبدًا، بل أراهم هم الذين يبكون من ضربي لنفسي، فأزيد الضرب كي ينتبهوا لي، يمسكوني بقوة ويتلمسون يدي وظهري وكل جسمي، أشعر بالراحة قليلًا، أصرخ بشدة إن لم يفعلوا ذلك.

حاول إمساكي ومنعي من الضرب، دفعته دون أن أنظر إليه وأسقطته أرضًا، يريد أن ينتقم لنفسه مني، لكنه لا يستطيع، أنا أضخم منه جسمًا، عمره كبير، وجهه مجعد ومرتخ، أما أنا فأستطيع حمل الكرسي بيد واحدة، وأدفع بعض الأغراض بسهولة.

تدخلت أمي أخيرًا، وساعدها أخي، صرختْ في وجهه: “ابنك توحدّي، افهم”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *