المدونة

السبيل إلى تعزيز إنتاجيتك الكتابية: خطة أنتوني ترولوب الاستراتيجية لكتابة ما يربو على خمسةٍ وأربعين كتاباً

السبيل إلى تعزيز إنتاجيتك الكتابية: خطة أنتوني ترولوب الاستراتيجية لكتابة ما يربو على خمسةٍ وأربعين كتاباً

بقلم: نيكول بيانكي

ترجمة: زينب بني سعد

قد يكون من الصعب علينا -نحن الكتّاب- أن نجد الوقت للكتابة أصلاً، ولكن عندما نتمكن أخيراً من إيجاد تلك السويعاتالثمينة، من المحبط للغاية ألّا نتمكّن من التركيز على كتابتنا.

 كان ترولوب أحد أنجح الروائيين في العصر الفيكتوري. وقد اكتشف روتيناً يومياً للكتابة مكّنه من إصدار الكتب بسرعة مثيرةللدهشة؛ فعلى مدى خمسة وثلاثين عاماً كتب سبعاً وأربعين رواية، فضلاً عن العديد من القصص القصيرة والكتب غيرالروائية والمسرحيات.

والأدهى من ذلك أنه أنجز أعماله الأدبية كلّها أثناء عملهِ مفتشَ مكتب البريد؛ إذ تطلبت منه وظيفته أن يسافر كثيراً، وأن يتعايش مع جدول أعمالٍ مزدحم، وهذا يعني أنه، عندما كان يجلس للكتابة، كان عليهِ أن يتأكّد له أنه يحقق  هدفه اليومي في عدد الكلمات. إذاً، كيف فعل ذلك؟ تابعوا القراءة لتكتشفوا استراتيجية ترولوب الفريدة!

 

روتين أنتوني ترولوب اليوميّ للكتابة

بادئ ذي بدء، كان على ترولوب أن يخصص عدة ساعات من الوقت للكتابة. وبسبب الساعات الطويلة، التي يتطلبها عمله، أدرك أنه لن يتمكّن من إيجاد وقت للكتابة إلا قبل أن يتوجّه إلى عمله.

ذكر إدوارد نيوتن، في كتابهِ (The Trollope Society)، أنّ: «ترولوب كتب لمدة ثلاث ساعات كلّ صباح من الخامسة إلىالثامنة صباحاً، ثم يتوجه إلى العمل، وأنه كان يدفع لخادم خمس جنيهات إضافية في السنة لإيقاظه بفنجان من القهوة».

وفي سيرته الذاتية، ذكر ترولوب «أنّ ذلك الخادم لم يتأخر قط، ولو مرة واحدة، في إيقاظي وفي  يده فنجان من القهوةوأعرف أني مدينٌ له، أكثر من أي شخص آخر، بالنجاح الذي حقّقتهفما إن تحلّ تلك الساعة المبكرة منالصباح، حتى يتسنّى لي إكمال مهمتي الأدبية قبل أن أرتدي ملابسي لتناول الإفطار».

 يقسم الكثير من الكتّاب بالاستيقاظ في الصباح الباكر والبدء في الكتابة قبل أيّ شيء آخر في  جدول يومهم المزدحم، وقد لاينجح هذا مع الجميع، لكنّ ما فعله ترولوب، بعد ذلك، أمرٌ  يستطيع أيّ كاتب أن يتبناه في روتينه اليومي.

استراتيجية الكتابة الموقوتة

حرص ترولوب على عدم إضاعة أيٍّ من هذه الساعات الثمينة الثلاث. أراد أن يضمن أنه  سيكتب باستمرار حتى لا يُبدد الوقت «وهو يقضم قلمه، ويحدق في الحائط أمامه، إلى أن يعثر  على الكلمات التي يريد التعبير بها عن أفكاره»!، وحلهِ لهذه المشكلة كانت ساعة جيب!

 في البداية، كان يقرأ مخطوطته قرابة نصف ساعة. يقول ترولوب:

«في تلك المرحلة، أصبح من عادتي، ولا يزال كذلك، وإن كنت في الآونة الأخيرة متساهلاً قليلاً مع نفسي، أن أكتب وساعتي أمامي، وأن أطلب من نفسي 250 كلمة كلّ ربع ساعة، ثم أدركتُ أن  الـ 250 كلمة تغدو في متناول يدي بشكل منتظم كماكانت ساعتي…».

وعليهِ، كانت جلسات الكتابة الموقوتة، التي حافظ عليها ترولوب، هي المفتاح لإنتاجه الوافر.

يضيف ترولوب: «أتاح لي هذا التقسيم للوقت كتابةَ أكثر من عشر صفحات من مجلد روائيّ  عاديّ في اليوم، ولو استمر ذلك لمدة عشرة أشهر، لكان من نتائجه ثلاث روايات من ثلاثة مجلدات في كل عام».

ما سبب نجاح استراتيجية ترولوب في الكتابة الموقوتة؟

كانت استراتيجية ترولوب في الكتابة الموقوتة فعالةً جداً؛ لأنه التزم بتجنيب نفسه كلَّ ما يشتت الانتباه خلال تلك الفترة الزمنية،وأجبر نفسه على التركيز على دقات ساعة التوقيت فحسب.  وهذا يعني عدم فعلهِ عدة أشياء في الوقت نفسه إطلاقاً؛ ففي عالمنا هذا، أصبح فعل عدة أشياء في الوقت نفسه شيئاً لا بأس فيه في حياتنا اليومية؛ حيث يصعب التخلص من تلك العادة؛ إذبينما نكتب، قد نتوقّف كلّ بضع دقائق تقريباً للتحقق من رسالة نصية على هاتفنا، أو إشعار  من فيسبوك، أو إنستاغرام.

 مع أن أدمغتنا لا تستطيع التركيز على عدد من المهمات في الوقت نفسه، وبدلاً من ذلك، على  الدماغ أن يتسارع لتحويل بؤرةتركيزه في كلّ مرة نبدأ فيها بفعل شيء مختلف! وعندما نقوم بمهمات متعددة أثناء العمل على مقال، أو أيّ نوع من مشاريعالكتابة، هذا يعني أن أدمغتنا تملك مسألة ثوانٍ فقط للانتقال ذهاباً وإياباً عندما نتحقّق من  الفيسبوك، ثم نكتبُ بضعة أسطر،ثم نتحقق بسرعة من بريدنا الإلكتروني، ونعود لنكتب بضعة أسطر أخرى، ثم نتحقق من رسائلنا النصية، وبعدها نعود إلىمشروع الكتابة. وبحسب مقالة في صحيفة وول ستريت جورنال:

«يستغرق استئناف المهمة، بعد مقاطعتها، أكثر من خمس وعشرين دقيقة كمعدل»، والأسوأ من ذلك «يستغرق الأمر خمس عشرة دقيقة إضافية لاستعادة التركيز المكثف نفسه، أو الاسترسال في الكتابة، كما كان قبل الانقطاع»؛ أي أربعين دقيقة كاملة، ناهيك عن المقاطعات المتعددة.

 بطبيعة الحال، لم يضطر ترولوب الى التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الخلوية، ولكن لا شكّ في أنه كانت هناك إغراءات مماثلة في أيامه يمكن أن تلهيه بسهولة عن مهماتهِ الكتابية. ولكن بوضع ساعته أمامه، تحدّى نفسه بألا يكسر تدفّق عملهالمكثف.

كيف بإمكاننا تطبيق استراتيجية الكتابة الموقوتة باستخدام «تقنية البندورة أو تقنية پومودورو» بالإيطالية؟ 

ليس كلّ واحد منّا لديه ثلاث ساعات في اليوم بوسعه تخصيصها للكتابة، ولن نتمكن جميعاً من تحديد وقت في الصباحللكتابة. ورغم ذلك، إنّ الكتابة الموقوتة هي استراتيجية  بسيطة وسهلة يمكن لأيّ كاتب توظيفها. في تلك الأيام، التي أدركتُ فيها أنني أواجه صعوبة في  التركيز على مشروعي، استخدمتُ أسلوباً مماثلاً لاستراتيجية ترولوب تُدعى «تقنية البندورة أو  تقنيةپومودورو»، وهي طريقة طورها طالبٌ جامعيّ إيطاليّ يدعى فرانشيسكو سيريلو في الثمانينيات؛ إذ كان مشتتاً خلال فترةدرسه على الدوام، وأخذ يبحث عن شيء يساعدهُ على التركيز.

استخدم سيريلو مؤقِّتاً على شكل ثمرة بندورة لتنظيم وإدارة وقته، وهي تعتمد مدداً زمنية متفرقة من ٢٥ دقيقة. وهكذا وُلِدتْ تقنية پومودورو، وپومودورو هي الكلمة الإيطالية لصلصة الطماطم.

إنَّ خمساً وعشرين دقيقة وقتٌ مثاليّ يقضيه المرء في الكتابة، ليس بالوقت القصير جداً ولا الطويل جداً، ثم بوسع المرء أن يحصل على بضع دقائق للتحقق من الفيسبوك، أو البريد الإلكتروني، أو لأخذ استراحة من الكمبيوتر، وتناول وجبة خفيفة! تلكالانقطاعات تتيح لدماغ المرء بعض الوقت لإعادة تنشيطهِ، وتبقيه مع التيار في الوقت نفسه.

سواء كنتَ تستخدم تقنية پومودورو أم طريقة أقلّ انتظاماً كاستراتيجية ترولوب، إنّ الكتابة  الموقوتة هي واحدة من أفضلالطرق للتغلب على المماطلة، وإنهاء مسألة تعدّد المهمات، والوصول إلى الهدف اليومي لعدد  الكلمات؛ إذ أدرك ترولوب أنه لم يكن في حوزته سوى وقت محدود للكتابة! كانت ساعاته ثمينة، وكان عليهِ استغلالها بحكمة. فالكتابة في وقت مضبوط ومحدد تساعدنا على الاستفادة من ساعاتنا بأفضل طريقة ممكنة، ووضع روتين يوميّ للكتابة.

وكما يقول ترولوب: «إنَّ إنجاز مهمة يومية بسيطة -شريطة أن تبقى مهمةً يوميةً بالفعل- من شأنها أن تتغلّب على أعمال عظيمالروم هرقل اللانظامي!»، ومن تأنّى نال ما تمنى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *