المدونة

كان على المرأة الفوز بحقّ الضحك – حوار مع سابين مليكور بونيه

تقول سابين ملكيور بونيه: «كان على المرأة الفوز بحقّ الضحك».

طالما كان الضحك. وجعل الناس يضحكون امتيازٌ ذكوري، وظل ضحك المرأة لا يحظى بشعبية في المجتمع؛ لأن الضحك يمتلك قوة تخريبية، والمجتمع لا يثق بالنساء الضاحكات. تروي المؤرخة الفرنسية سابين ملكيور بونيه المسيرة الطويلة لأولئك النساء، اللواتي يطمحنَ إلى المرح بحرية كاملة، فانتهى بهنَّ الأمر إلى رفع المحرمات.

» بالنسبة إلى المرأة، الصمت زينة» أَحب أرسطو أن يتذكر، نقلاً عن سوفوكليس. نبتسم أو نختنق. لم تنقصهم أبداً النصيحة بشأن اللباقة، يقول ممثلو الجنس بصوت عالٍ إن من المناسب إبعاد ضحك النساء، وبقي الأمر على حاله لعدة قرون. هذا ما نتعلّمه من خلال قلم المؤرخة سابين ملكيور بونيه، التي تستكشف، في مقالٍ غزير الإنتاج نُشر في نهاية نيسان/أبريل، التخيّلات والرهانات المرتبطة بضحك الإناث.

حوار مع سابين ملكيور بونيه

على الرغم من أن المرأة لم تتمكّن من الفوز بالحقوق إلا مؤخراً في التاريخ، غالباً ما نجهل أنّ قدرة النساء على الضحك وإضحاك الناس قد تمّ تحدّيها أيضاً لعدة قرون. كيف يمكنك تفسير ذلك؟

سابين ملكيور بونيه: طالما كان يُنظر إلى ضحك النساء على أنه موضوع إشكالي، لا بل خطير. بقدر ما يُعدُّ لدى الرجل بمنزلة ترفيه منصف، أو علاج لحزنه، يتمّ تشبيهه لدى المرأة بأنّه فيضٌ جامح وفاحش. لكن وراء وصمات العار المتعلقة بضحك الإناث، إنّ ما هو على المحكّ هو قوتها التخريبية، بعبارة أخرى قدرتها على تحدي الجدية الذكورية، ومن ثَمَّ سلطة الرجال.

ومن أين تأتي الحاجة إلى تدوين هذا المنع من خلال الكتابة؟

سابين ملكيور بونيه: إنها كراسات اللباقة هي التي تحظر، بشكل صريح، ضحك الإناث. بدأت إيطاليا الحركة في القرن الرابع عشر، وازدهرت هذه الأعمال في فرنسا في وقتٍ مبكر من القرن السادس عشر. في البداية كانت مخصصة للفئات الميسورة نسبياً، وستُنشر وصفاتهم من خلال المكتبة الزرقاء، وهي مجموعة من الأعمال لعامة الناس. لكن تجدر الإشارة إلى أنّ في قمّة السلم الاجتماعي كانت لدينا جميع الحقوق.

 

إنها الرغبةُ في السيطرة على جسدِ النساء التي تُنجَز، ولطالما كان هذا أمراً غريباً ومقلقاً للغاية في نظر الرجال.

 

سابين ملكيور بونيه، تعتبرين أنّ الشاعر اللاتيني أوفيد سيد استراتيجية الحبّ وأحدَ مصادر الإلهام لهذه المعايير.

سابين ملكيور بونيه: كان نفوذه حاسماً. لعدة قرون، سيتم الاستشهاد به من خلال كراسات التمدن وأطروحات الجمال. في كتابه فن الحب، انتقد ضحكة تشبه «صراخ حمارة عجوز تقلب حجر الرحى الخشن». المحبط في الأمر هو أنّ المرأة، التي تضحك وفمها مفتوح، وتكشف عن أسنانها تصبح، من ثَمَّ، ضبعاً، وبعبارة أخرى كائناً لاحماً. يشير هذا السجل المتوحش إلى شكل من أشكال الوحشية، بعيداً عن شرائع الجمال.

الجمال، إذاً، هو رافعة لتقدّم النساء خطوة إلى الأمام، بطريقة ما؟

سابين ملكيور بونيه: يتمّ الإساءة إلى الجمال والاحترام بداعي الضحك الجامح. يجب القول إنّ الضحك يغيّر الفراسة بشكل عميق؛ يستحوذ على الجسد بالتشنّجات، وينتفخ الوجه، وتنغلق العينان، ويظهر داخلُ الفم بوضوح، وفي ذلك الوقت، الذي كانت فيه حالة الأسنان شيئاً مرغوباً فيه، من المؤكّد أنّ هذا المشهد لم يكن دوماً مبهجاً. هذا ما سيشجع النساء على الضحك خلف المروحة. لاحظ في الوقت الحالي، هو عكس ذلك تماماً. من الواضح أنّ الضحك بصوت عالٍ يعدُّ نوعاً من الإغواء.

 

أنت تقتبسين، في هذا الصدد، الرأي اللاذع لأحد كُتاب التنوير، لويس سيباستيان مرسييه: «خذ سناً إلى هيلين الجميلة ولن تحدث حرب طروادة…»

سابين ملكيور بونيه: في الواقع، تمتلك هذه العبارة معنى الصيغة، لكن بصرف النظر عن هذه الاعتبارات الجمالية، غالباً ما ترتبط الأسنان بالحياة الجنسية؛ لذلك الكشف عنها يُعدُّ غير ملائم. نتحدث أيضاً عن «الفم العلوي» و«الفم السفلي»، فالأول يستحضر الثاني. الابتسامة فحسب يمكن أن تزيّن وجه المرأة؛ لأنها تجسد النعومة والحنان. إنها تشير إلى الصورة النموذجية للأم، وهي تميل على طفلها.

ومن وراء منع الضحك، إن الرغبة في التحكم في جسد النساء قيدُ التنفيذ، وتمثّل تلك الرغبة الغريبة والمُقلقة في نظر الرجال.

 

كيف تمّ اعتبار أن ضحك الأنثى لا يخضع لقوانين ضحك الذكور نفسها؟

سابين ملكيور بونيه: هناك العديد من المراجع على مرّ القرون، التي تشير إلى أن النساء كنَّ عرضةً للمشاعر القوية والمتغيرة. يحتلّ المنطق مكاناً أقلّ في دماغهم، كما هو الحال لدى الأطفال، ينبع ضحكهنّ بشكل أسرع. كما تمت الإشارة بإصبع الاتهام إلى مزاجهنَّ ورحمهنَّ. يقول الدكتور جوبير، على سبيل المثال، في كتابه مقالة عن ريس، في عام 1579، إنّ «غضب الرحم» يروّج للضحك العالي. ومن ثم، سيظل مرح النساء موصوماً بالجنون أو بالهستيريا، بعد فترة طويلة من إثبات شاركو أن الهستيريا ليست سمة خاصة بالمرأة.

بالرغم من ذلك، إذا كان الضحك محظوراً في الأماكن العامة، فمن حقه أن يُسمع على انفراد لكن في ظلّ ظروف معينة، وفقاً لبلوتارك عالم الأخلاق من روما القديمة.

سابين ملكيور بونيه: يذكر بلوتارك، في كتابه التعاليم الزوجية، أن المرأة هي مرآة زوجها. وهكذا يمكنها أن تدع نفسها تضحك في حضوره، «إذا كان التوقيت والمزاج بحالة ابتهاج». في هذه الحالة، يساهم الضحك في انسجام الزوجين.

على النقيض من هذه الرؤية، يؤكد روسو في كتابه جولي أو لا نوفيل هيلويز أن الضحك والزواج لا يمتزجان بشكل جيد.

سابين ملكيور بونيه: تتميز رؤيته للزواج بالفعل ببصمة الجاذبية. في هذه الرواية، التي ستؤثر بشدة في المؤلفين الرومانسيين، ستفضل كلير مكانتها، بوصفها أرملةً سعيدة، على الزواج، على عكس جولي التي ستموت بسببها.

 

بالرغم من ذلك، في عصور مختلفة، يتماشى الضحك والحب معاً. حيث تكتبين أن «الحب يجري من خلال الضحك كالدم في القلب«.  

سابين ملكيور بونيه: طالما كان الضحك استعارة للفعل أَحَبَّ؛ لأن ممّا لا شك فيه أنّ الضحك هو الموافقة. يقول أحد الأمثال بشكل أكثر فظاظة: «امرأة تضحك هي نصف سريرك». ومن هنا جاءت الحاجة إلى عدم التعبير عن نفسها علناً، ما سيضعها في موقف مزعج. فقط المحظيات ينغمسنَ في الضحك دون قيود.

بحسب الفيلسوف آلان: «هناك انتقام جميل في الضحك من الاحترام الذي لم يكن مستحقاً.... « في دوائر أخرى، يتدفق الضحك بحرية بين النساء، لا بل يتصف مظهره بالحيوية. حبذا لو تشرحي لنا ذلك.

سابين ملكيور بونيه: تمنح النساء أنفسهنّ الشعور بالفرح بمجرد هروبهنَّ من أنظار الرجال، في غرفة الغسيل، أو في السوق، أو في ورش العمل، أو في صالونات أحادية الجنس، «يطلقنَ سراحهنّ». لا يمكن كبح هذا السلوك إلا لفترة قصيرة فقط. عاجلاً أم آجلاً، يستعيد الجسد وضعيته. يُعدُّ الضحك متنفساً في سياق غالباً ما يكون عنيفاً بالنسبة إلى المرأة: عدم الاستقرار الاقتصادي، والزواج الإجباري، والولادة الخطرة.

حتى لو امتثلنَ لما هو متوقّع منهنَّ، لا تنخدع النساء؛ إنهنَّ يعرفنَ عيوب الرجال، والادعاءات الكاذبة، والفجوة بين الخطاب والواقع. يلخص الفيلسوف آلان الأمر جيداً: «هناك انتقام جميل في الضحك من الاحترام الذي لم يكن مستحقاً».

 

إذاً يُعدُّ الضحك مثالاً واضحاً للشفافية؟

سابين ملكيور بونيه: نعم، لكنْ هناك ضحك وضحك. يمكنك السخرية من الآخرين بروح شريرة، لتحقيرهم، أو لطرد الخداع وعدم التعلق بالأوهام. هذه هي فضيلة الضحك المحرّرة التي تحتفي بها فرجينيا وولف في مقالٍ رائع في صحيفة الغارديان عام 1905، قيمة الضحك. وتقول إن الضحك يفتح أعيننا؛ لأنه «يظهر لنا الكائنات كما هي، متخلصةً من رداء الثروة والمكانة الاجتماعية والتعليم».

 

لماذا فضلت النساء، في أغلب الأحيان، السخرية؟

سابين ملكيور بونيه: لطالما كان جعل الناس يضحكون من اختصاص الذكور. لذلك اختارت النساء هذا الضحك في الخفاء؛ هذا الضحك المخفي تحت عباءة هي قوة الضعفاء، هرباً من العقوبة.

تطالب كوليت وفرجينيا وولف بضحكة منقذة للحياة، كما تقولين، ضحكة يجب الظفر بها، تستمدّ جذورها من الطفولة

سابين ملكيور بونيه: نعم، تدرك كوليت تماماً التحريم الذي فُرض على النساء. يتوجب عليهنَّ إعادة الاتصال بهذه «الجنة المفقودة» من الطفولة. علاوة على ذلك، تتخلى العديد من بطلات رواياتها عن الزواج والأمومة، وينجحنَ في ذلك: ضحكهنَّ الذي لا ينضب هو الدليل.

حتى في مأساة الحياة، يتحلى هؤلاء الكُتاب بالضحك، مثل مارغريت دوراس، التي تستخدمه لتفخيخ سلطة الذكور، بما في ذلك سلطة الاستعمار. تستخدم أيضاً ناتالي ساروت وياسمينا رضا الضحك بشكل رائع.

 

يُعدُّ الزواج، الذي يُنظر إليه على أنه مثبط للتطلعات الأنثوية، موضوعاً لا ينضب. إن عروض المرأة الواحدة تقلل من الحب الزوجي، ولكنْ أيضاً الأطفال «صارخون أو متعفنون أو كذابون أو جانحون محتملون»

سابين ملكيور بونيه: النقد قاسٍ، لكنّه مبهج! هل يُنظر إلى العزوبة بأعين الحسد بالنسبة إلى هؤلاء النساء المتحررات؟ هذا أمر غير مؤكد. يعترفنَ بأنّ الحرية تعني أحياناً الوحدة. أعتقد أنهنَّ يضعنَ الجمهور في جيوبهنَّ أكثر من الرجال عندما يستهزئنَ من أنفسهنَ. أضع «زوك»في قمة البانثيون الخاص بي. إنّها حياتها التي تقدّمها على خشبة المسرح: إنّها لا تمثل ؛ إنها «هي» الفتاة الصغيرة، أو هذه الشخصيات التي رافقتها في مستشفى الأمراض النفسية. في الآونة الأخيرة، استولت على بلانش جاردين بعرضيها الفكاهة الجريئة وحتىالقمامة.

تلاحظين أنه إذا أخذ الرجال الأمر بصعوبة، موسومين بالتقلب والأنانية وعدم المسؤولية، فإن النساء يدفعنَ أيضاً ثمن ضحك الإناث.

سابين ملكيور بونيه: نعم، سواء كان ذلك في أفواه الفكاهيين، الذين يسمون النساء بالمتكيفات جيداً، أو الاصطناعيات، أو غير الذكيات، أم بريشة كلير بريتشر، على سبيل المثال، التي، في كتبها المصورة، تولت رئاسة النسويات الملتزمات، على الرغم من أنها تشاركهنَّ معركتهنَّ. لكن الضحك الأنثوي يستهدف أيضاً المصير المحتوم للضعفاء، وعبادة الأداء، والأوامر التي يجب على المرء أن يتوافق معها، سواء كان ذكراً أم أنثى.

 

من خلال الضحك، كما تقولين، تمكّنت النساء من التخلي عن «أصولهنّ الموروثة منذ القدم لكن المنفرة: الجمال، الإغواء، الشعور». هل هي ثورة؟

سابين ملكيور بونيه: أعتقد أن اللواتي عملنَ بشدّة قد أحدثنَ بالفعل ثورة ثقافية. لقد فزنَ بالحقّ في اللعب بالكلمات، بطبيعة الحال، ولكن أيضاً بأجسادهنّ، وقبل كلّ شيء، فزن بالشرعية ليقدمنَ العالم بشكلٍ هزليّ من وجهة نظرهنَّ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *