رواية الأسير عصمت منصور عن غوانتانامو الإحتلال

بيني وبين الكاتب المغربي عبد القادر الشاوي صداقة تمتد إلى منتصف السبعينات وهو فتى غضّ، قبل أن يُسلخ من عمره أربعة عشر عاماً وراء القضبان إيماناً بقضية ووطن.

حين أطلق سراحه هو ورفاقه، ظهر إلى العالم الخارجي ليسترجع حريته، وفي الوقت وُلد كاتباً. ففي السجن كتب روايتيه الأوليين: “كان وأخواتها” (1986) و”دليل العنفوان” (1989). الشاوي (القُطب) كما يلقبه أصدقاؤه الخُلّص، ويتسمّون طوعاً مريدين، إنسان رقيق الحاشية، هادئ بطبعه، يضحك من عينيه، قد يتدفق، لكنه لا يزأر أو يثور، إلا لما ثار على نظام. لكن، إن فاه أحدٌ أو لمّح أن ما كُتب خلف القضبان هو (أدب سجن) تراه يغضب، لأنّ ما كتبه ورواه هو أدب كامل لا يجوز حصرُه بقيد.

أردت هذا مدخلاً لتقديم رواية باهرة ومؤثرة لأسير فلسطيني، قضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي عشرين عاماً بعدما حكم عليه بالسجن المؤبد، ولطفت به الأقدار فتحرر قبلها. “الخَزنة” عنوان الرواية التي كتبها عصمت منصور (منشورات طباق، رام الله، 2023).

للفائدة، فإن “الخزنة” هو الاسم الذي يُطلق على سجن جلبوع الواقع في وادي هارود، عند سفح جبل جلبوع غربي مدينة بيسان. وهو أحد أكثر سجون الاحتلال تحصيناً ويلقب في إسرائيل بـ”الخزنة الحديدية” لتَحكُّم إجراءات صارمة ضد أي محاولة فرار فسُمِّيَ غوانتامو إسرائيل.

سيسهل عليّ اختصار حكاية هذه الرواية (من 167 صفحة قطع متوسط) موضوعاً وأحداثاً وشخصيات. معرفة هذه الأمور يستحسنه المتعطشون للحكاية، فلنبدأ بهم لننصرف إلى الأهم. يروي عصمت منصور جزءاً مما عاشه طيلة سنوات أسره، فقد تنقل في سجون آخرها الخزنة. هذا هو المكان والفضاء الذي سيحكي لنا عمّا عاش فيه أو بالأحرى اختار أن يقدم.

من البداية إلى النهاية هو معنيٌّ بسيرة رفاقه الأسرى، يعطيهم أسماء لا نعرف صحتها من افتراضها وإن ظهر لنا منها المعروف. معنيٌّ بوصف الفضاء السّجني، وظروف العيش فيه، أقسامه وغرفه وأثاثه وطعامه والمعيش العام للمحتجزين، في مواجهة سجّانيهم بسحناتهم وسلوكهم وجبروتهم.

أنت القارئ المتلهف للحكاية مدعوٌّ للصّبر قليلاً، تتعرف أولاً على هذا التقديم بمثابة الإطار العام يُعطاك تدريجياً قبل أن ينقلك الكاتب الروائي السارد إلى تجربة أسْر محددة، خاصة، هي المرويةُ في كتابه، ومطيّةُ ومطلبُ روايته، فلا رواية إلا بتجربة شخصية أو هي خبرٌ عام. سيسرد لنا التجربة من زاوية وضع أسير محدد هو رفيقه في القسم والغرفة التي تسع ثمانية أفراد.

إنه سامر الذي تربطه به علاقة نضالية متينة، فهو من كلفه وسلّحه ليقوم بعملية انتحارية قبل أن يلتقيا في (الخزنة) حيث يمضيان مع رفاق من تنظيمات فلسطينية مختلفة سنوات الحبس. يرصد السارد اللحظة الفارقة في حياة سامر عندما تنبت في رأسه فكرة الهرب وتتحول تدريجياً إلى مشروع. يبرره بمنطق أنه: “محظور على السجين أن يألف السّجنَ مثل السّجان” (19) لينجوَ من عذاب: “أن يتحول الأسير إلى شبح منسيّ وغيرِ مرئي” (23).

تشويق

من هنا شروع التحول، تنفيذ مشروع الهرب الذي يستغرق القسم الأوّل من الرواية. هنا تبدأ الأحداث والأفعال وتتعدد الشخصيات العاملة بين رصد موقع الحَفر وأدواتِه ومنفذيه وظروفه ومختلف ملابساته، وهو يتم عبر عملية تشويقية تحبس الأنفاس وتستدعي التوقعات لدى القارئ، سواء بين أوقات التنفيذ ومخاطر القصوى تحت رقابة صارمة من السجان والتذكير بالعقوبات في حالة الفشل بناءً على تجاربَ سابقة قام بها الأسرى. عندئذ سنستحضر جميعاً أفلاماً عالجت الموضوع أشهرها عملية الهروب الناجح من السجن الفدرالي الأميركي (ألكاتراس) الأشهر. نتابع يوماً بيوم وبالساعات والدقائق تواصل عملية الحفر داخل سجن الخزنة والمفاوضات بين تنظيمين فلسطينيين لتوحيد خطتهما بعد أن تبين أن كليهما بصدد مشروع واحد، انتهاءً بوقت الخروج من النفق حيث ستفشل ويلقى القبض على سامر ويفلت الرفيق السارد من قدّمه عليه في دور الخروج، سيلقى سامر فصولاً مروّعة من العذاب تَنتهك جسده وكرامته ولا يفنى.

تحمل رواية “الخَزنة” عنواناً فرعياً (الحب والحرية)، ذلك أن سامر عاش في فترة من أسره تجربةَ حبّ ضارية من أثر تعرّفه على زائرة فلسطينية منتدبة للدفاع عن الأسرى، وبعد تكرار جلساتهما ينجذبان لبعضهما البعض وتسكن المحامية (سهام) وجدانه ومخيّلته ويشعر رفاقه في القسم بتبدله وتنتابه مشاعر شتى متناقضة بين عاطفته واستحالة تحقيقها وهو المحكوم بالمؤبد، ليقرر بنفسه في ذروة اشتعال الحبّ بين الطرفين وضع نهاية قطعية وفجائية لهذا (الرومانس) الواقع في طيّ سياق الأسر وأحد عذاباته الأخرى، وبما يبقي للأسير بعض إنسانيته المفقودة. ينضم إلى التجربة العاطفية المتوهجة معاناة أخطر للأسرى حين يُقدمون على الإضراب عن الطعام، نعرف أنها احتجاجات تمّت في السّجون الإسرائيلية جرّاء قسوة المعاملة والحرمان من الضروريات ومنع الزيارات. نطّلع في الرواية على محنتهم ومعاناتهم موصوفة بدقة موجعة. ويعانق السارد الحرية كما ألمعنا تاركاً شخصيته، سامر وراء أسوار الخزنة البطل الأشرس.

هذا محكيُّ الرواية فقط، ويمكن سماع وقراءة مثله وأفدح من أمّهات الأسرى وزوجاتهم، وكذلك في نشرات ومدونات شخصية لمن تحرر منهم. وهي جزء من الصورة الكبيرة والمرعبة لما يتعرض له الفلسطينيون مقاومين وأفراداً عاديين من ضروب التنكيل وتُعدّ من أدبيّات السجون. أما الروائي، فهو إخراج هذه الصورة وإبرازها بوضع ذاتٍ بؤرةٍ فيها وجعلها مركز جاذبية وفعل وشعور، تنطلق منها وتمتد في محيطها وترتدّ إليها. هذا ما صنعه عصمت منصور الذي عرّفنا بنفسه من البداية أسيراً سابقاً يشكر من احتضنوه من أصدقاء بعد التحرير. ثم حافز الكتابة المتمثل في حادث الهروب الشهير من سجن جلبوع (في السادس من سبتمبر/أيلول 2021 تمكّن 6 فلسطينيين من حركة الجهاد الإسلامي وواحد من حركة فتح من الهرب عبر نفق حفروه بداخله)، فأعاده الحادث إلى تجربة أسره لذلك نوّه في العتبة: “جزء كبير من أحداث هذه الرواية وشخصياتها مستوحاة من قصص معاشة”(7). إنها، إذاً، معيشة، أي حقيقية، ومستوحاة، أي خضعت لصناعة، لإعادة تشكيل وتصوير ووضع على ألسنة شخصياتها خطاباً، بالمجمل إنها صياغة وإنجاز تخييل، وهذا ما تطمح إليه الرواية وينبغي أن تحققه.

يمثل الشوق إلى الحرية ووجود الإنسان بأداتها وداخلها والمثابرة لبلوغ المستحيل، منه الخروج من وراء أسوار منيعة، التيمةَ المركز لهذه الرواية، وتشبثَ الإنسان (= الأسير) بهذا الحق هو يقين سامر نقرأها لازمةً تتردد مونولوجاً من البداية إلى النهاية، منها مثلاً: “الإنسان لا يعرف سوى شيء واحد، أن يتوالد من ذاته، وأن يعيد بناء وترميم عالمه من جديد في كل مرة يسقط فيها. لا شيء سوى أنه هو والحياة والاستمرار أصبحوا شيئاً واحداً”(122). من رسوخ هذا اليقين ينسج منصور قصصاً تتوالد من بعضها البعض وهو يعبُر شخصيات السجن كل واحد يسلم خيط حكايته إلى الثاني، وقد تنقَّل بين السجون فنرى كيف حوّل المحتلُ البلاد إلى سجن كبير، ومعه نتبين إرادة الصمود وقوة التحدي الفلسطيني في مخاطرات الهروب لانتزاع الحرية. ولو قلنا إنه من البدَهي أن تمثل قيمة الحرية موضوع كل سجين ومطلبه وسرداً يُكتب عنه، أرد، نعم، إن بقي هنا حصراً، وعولج بتقريرية ومسلّمة، وفي “الخزنة” شيء مختلف.

إنه الحب يعزز التيمة المركزية ويفردها. إنه يفتح أسوار سجن جلبوع بدخول سهام من الخارج بين ذهاب وإياب. ويحرر روح سامر تخترق القضبان وترحل به، يخاطب رفيق الزنزانة: “لا أعرف يا صديقي إن كانت جميلة أم لا! لم أكن أرى امرأة، بل روحاً هائمة في فضاء الغرفة أصابتني في أعماقي” (113).

لم يعد أسير السجان الإسرائيلي يجرفه: “هذا الحبّ الذي يسيل مثل ينبوع صاف من حدقات عيوننا ويروي ظمأ روحينا” (123). ونبلغ ذروة الكتارسيس والحرية بأجنحته وسامر يبوح لنفسه لها مباشرة في إحدى زياراتها: “أنا أحبك قبل أن أراك.. خُلقت كي أحبَّك.. وانتظرتُك بصبر نبيّ.. وأيقنتُ أنك ستأتين أيضاً كيقين الأنبياء” (127). من نافل القول بعد هذا أن عصمت منصور سرد قصته مع قصص رفاقه وهي فردية ومتعددة في إطار بطولة جماعية وطنية في مواجهة محتل وعدو واحد، يمكن الانتصار عليه بإرادة التشبث بالحرية وفي ثناياها القدرة على التنفس والحلم بالعاطفة الأبدية أكبر من جبروت الاحتلال.

سرد عصمت منصور روايته ورسم فضاءها وأنطق مشاعر شخصياتها بمهارة العارف بصنعتها، وإن تخللتها فقرات خطاب مباشرة انسجمت مع محكيّها. طيلة السرد امتزج بشخصيته وتباعد، مستثمراً (ثقافته السّجنية) لو صحّ التعبير، ومستغنياً عن سيرته دمَجَها في سيرة رفيقه. لذلك، ولعناصر أخرى، فإن هذه الرواية بعوالمها ووقائعها وتجربتها كلها هي داخل السجن، لكنها أكبر من حبْسها في نطاق (أدب السجون) وهو خلافاً للمعتقد ليس كتابة ناقصة، هي تيمة بحكم وضع خصوصي وعندنا منه مئات النصوص عن زمن الاستعمار وحكم الدكتاتوريات. أليس لنا أن نتساءل بعد هذا: ماذا يمكن للسجين سياسياً أو غيره أن يكتب غير ما عاشه؟ منصور سُجن عشرين عاماً والشاوي أربعة عشر والفرنسي جان جيني أيضاً، ثلاثتهم روى ما عاش بالطريقة التي ناسبت استعداده، وهو هنا أدبي، ولم يملك حياةً أخرى ليرويَها، لذلك تبقى الطريقةُ، الشكلُ، الأسلوبُ أداة حاسمة في التصنيف، وكذلك الاستمرار في الكتابة. في المغرب نمتلك خزانة كاملة من المحكيات عمّا يسمى “سنوات الرصاص” وكذلك في شيلي والأرجنتين، وهذه أدب سجون. ومنصور عصمت وهبنا رواية واقعية ومتخيلة تفوق ما يكتب “الأحرار”.

المصدر: جريدة النهار العربي

العلم نورٌ وضّاء

أ.بشاير خالد الصفران

العلم نورٌ وضّاء
الكاتبة: أ.بشاير خالد الصفران

تتجلى حكمةُ الانسان بمدى ادراكه بمستويات الاحداث، فالإنسان الحكيم هو انسان مُتزن انفعالياً وعاطفياً وهو ايضاً ناضج فكرياً ومعرفياً، وصفة الحكمة هي هبة من الله يؤتيها من يشاء من عباده، فنسأل الله باسمه الحكيم ان يؤتينا الحكمة التي من اوتيها فقد اوتي خيراً كثيرا، فعندما اتأمل بتفاصيل هذه الصفة الذهبية اشعر وكأنني ابحرت نحو عالم واسع من الجَمال، فالإنسان الحكيم يُحجم الأمور بما يُناسبها من مقياس فهو لا يعير اهتمامه لتوافه الأمور، لأنه على فقه ان وقته ثمين ولا توجد لديه مساحة لتوافه الأمور ان تأخذ حيّزاً من حياته، فالإنسان الحكيم عالياً بعقلانيتهِ ورَشاده، مُحلقاً نحو آفاق العلم الرصين، والثبات هو اجزى ما يستوطن مُهجته، ويتمتع بسمو ذكاءه الاجتماعي وزهو احتوائه للمواقف بكل حنكة وفن، والعلم نورٌ وضّاء يُضيء المَدارك ويرتقي بها لأقصى سلالم المعرفة والفِكر السديد، والغنى هو غنى النفس وملؤها بما ينفعها من علم ومعرفة وتهذيب للذات، وغنيمة القناعة والرضى التي تُعلينا طمأنينةً وسلاماً داخلياً، ودقة اختيار الحروف والكلمات في حواراتنا وانتقاء الانقى والارقى كي تبقى مخلدةً في العقلِ والقلب. ما أجمل أن يُعز الانسان نفسه بالعلم والتعلم وما ألطف أن تكون نظرته لتفاصيل الحياة إيجابية وفؤاده مُشبعاً بالتفاؤل والتلألؤ السامي، منعماً بالرحمة وتفاصيلها الحنونة التي تشبه علو الغيمة البيضاء في سِعه السماء الزرقاء حيث ان الرحمة حياة ومن يتحلى بها فقد حَيا، فجمال الرحمة تطغى على روح الانسان بهاءً وجاذبيةً بقلبٍ مشع بألوان الحنية التي لها رونقاً فريداً وتأثيراً واسعاً تتمركز في لُب الانسان كإشراقة الشمس المتجلية التي تعلو لتلون دُنيانا بأشعتها البراقة، وبألطاف نسيم الندى المنعش الذي يسمو بنا لنرتقي كفراشةٍ بأجنحةٍ زاهيةٍ وبروعة ألوانها الملفتة وحُسنها، العلم خيرٌ من الجهل، فالعلم نور للعقل وتاجٌ مرصع بالمجوهرات الفكرية والمعرفية الشامخة، أما الجهل على عكس ذلك تماماً فهو يقود بك للانغماس بالتوافه والغرق في بحر هائجٌ ومُعتم، العلم والتعلم رِفعة وعِزة للعقل البشري، تبّصر ذاتك جيداً أيها الانسان، وأكرمها بما يليق بها من علم ومعرفة وجَمال، فالجمال مكنون بالعقلِ والمنطق فإذا ارتقى العقل ونضج نقى اللسان وسَما، وأعلم أيها الانسان أن الله لا يكلف نفساً إلا بقدر استطاعتها وتحملها لأنه أعلم بك سبحانه من نفسك ويعلم ما تستطيع أن تتجاوزه كي تكتسب العبرة والقيمة المستفادة من الحياة.

غازي القصيبي ” سيرة لا تنسى في حقائب الأدب “

نوره بابعير

هناك شخصيات تحفر لنفسها البقاء القيم حتى من بعد رحيلها تجعل من أفعالها دور في تفعيل الآخرين لم أجد شيئًا يثير الدهشة مثل الأديب غازي القصيبي كانت الأيام تصور كل تعاملاته الحقيقية مع الحياة مع تلك المناصب الذي كان يتحول معها في كل مرة يصنع الآمل في مساحاتها ليوقظ الإنجاز على أكتاف غيره ، كان متنبهًا في تهذيب ذاته متألقا فيَ ارتقاء الرُّوح واللين ، ممتلئًا بالحياة الشغوفة إتجاه إنجازاته و خبرته العملية و الثقافية ، يرى أن الثقافة هي المحرك الأول في تغيير إعداد داخل الإنسان ثمّ ذلك الفعل يرتب العقل نحو صواب منطقيته ، لم يقف عند عتبه واحده ولا يهمل كل خبرة معقدة ، كان يرى الحق في المشاء وينسجم مع المتاهات حتى يخلق الضوء بنفسهُ ، و يروي الحكايات ليغيره و يلبس ثوب الحكمةً من مأزق مواقفه ويتحلى بالنضج من تجارب فعلهُ .

كان متوازياً في الفكر العملي خلق الإدارة في الإرادة و اللين في العاطفة ، كان يسعى في النهار منجزاً و كان يغني في المساءُ شعرهُ ، اجمع بين عقلاً ناضج و قلباً شاعرًا، تلك السطور الذي بقيت أثارها فوق صفحاتهُ حملت إلينا كل المتاعب الذي مال فيها و انتصبت به و تلك القراءات التي كان يتحدث عن وعيها ظلت تنمو مع اتزان رؤيته فيها ، وتلك اللقاءات التلفزيونية التي كانت تأخذ من اقوالهُ البساطة في الحوار و العمق في الجواب كلها كانت تأخذ بأيدينا إلى تغيراً جذريًا يصقل فينا المعرفة التي تملأ علينا فراغ عقولنا منها ، وتجعل من الهزائم التي نقع فيها دافعًا قوي يؤهلنا إلى قفزات غيرها .

كان شاعرًا يصنعُ من الكلمات جمالها و من الإلقاء أثراً علَى مسامعنا ، وحينما تغيب عنا لم يغيب بل ظل رفيقاً للأشياء المحفورة به في الأدب والعمل الإداري ، أصبحت الإدارة ترتبط باسم غازي القصيبي وكأنه يبلل الأشياء بمفهومًا بدا منه واتسع باجتهاد زائره ، لم يكن قاسيًا بل كان يحاول إن يفهم الأشياء بمعانيها لا بمعتقداتها المرتكزة على مخيلاتها، تعلم ليتمكن من ثمار نفسهُ و حينما أثمرت ارضهُ كان يشارك النَّاس خير علمهُ و رقي فعلهُ و انتقاءه فكرهُ وتعاملهُ مع الآخرين و الحياة بما تحملهُ من حكايات البهاء و بقايات الإبداع و نهايات موثرة و قناعات واعية .

الأديب غازي القصيبي ، شخصية مبدعة لم يكن قاصدًا في حديث عنه كانت الأشياء كلها تتحدث عنه تخبر القارئ عن مدى الأفكار التي ترافق الكتابة الذي كان يمارسها ، و عن الإشعار التي أزهرت على مشاعرهُ فكأن أهلاً لها ، أبرز لنفسه المكانة القيمة وإلى الآن تحمل في داخلها حكاية الأيام و صقل الخبراء و صناعة المهن و الإنجازات .

أعجوبة معجزات الخالق

أ.بشاير خالد الصفران

أعجوبة معجزات الخالق

ليلةٍ كباقي الليالي الهنيّة يشيد عنوانها بديع الخلق الجليل، ففي وسط ظلام الليل الدامس كنتُ جالسةً اتأمل جمال تلألؤ السماء بالنجوم البراقة وبهاء البدر المنير في وسط السماء عالياً ومضيئاً، لوهلة عَلا معه فكري بأعجوبة واصبح مضيئاً كضياء وجه المؤمن النقي، حيث ابحرت بعمق المعاني والأماني التي ليست على الله مستحيلة، عندما اتبصر عظمة الله سبحانه وجلاله اشعر وكأن القلب يرتوي بماء عذبٍ يملئ الفؤاد ويطهره، وعندما اتبصر لطف الله الخفي بعباده وكأن القلب له اتصال بربٍ رحيم يشعر بحال عبده ليُخرجه من الظلمات إلى النور، ومن الجزع إلى الصبر، ومن القنوط إلى الأمل، معجزات الخالق تستحق التأملات، فكم من مريضٍ شفاهُ الله، وكم من حزينٍ جبر قلبه، وكم من مهمومٍ قر عينه، وكم من منتظرٍ أعطاه الله حتى ارضاه، هو الله ليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء، ومعجزات الله ليست كمثلها معجزات فهو يختار لنا ما هو الأنسب لحياتنا دائماً ويرتبنا ويرتب أمور حياتنا بما يراه خيرٌ لنا وتجهلهُ محدودية إدراكنا لخيرة الله واختياراته، هو الله الوهاب يهبنا من نعيم الدنيا والأخرة حتى يُرضينا ويجبر شروخ قلوبنا، هو الله السميع يسمع أنين اللب في غسق الليل ويرى جروح مُهجتنا لكنه ليس بغافل حاشاه جل جلاله، فسبحانه يعلم أنك قادر على تجاوز ما ينزل عليك من شدة، فاللطيف لا يحمل نفساً إلا وسعها، فعليك أن تعمل بالأسباب وتلجئ إلى الله حباً وطاعةً وتطلب منه طلب العبد التقي، أن يُذهب ما حل بك من سخط، وأن يُنعم عليك بالخيرات والعوض الجميل، فبعد الصبر عوض جميل من الله ومع العسر دائماً يسر وفتحاً من عنده جل جلاله، حيث اقسم الله سبحانه في كتابه الكريم مرتين في سورة الشرح تحديداً وقال: إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا، ففي مجمل الآية الشريفة يتبين عظمه ولطف الله بعباده وان الشر يعقبه خير وان العتمة تعقبها رؤية ونور وان الحزن يعقبه فرح وهناء، فلا تظن أن الأزمات والمحن دائماً من غضب الله عليك وكن متيقظاً وتبصر جيداً أن أشرف الخلق الذين هم الأنبياء ابتلاهم الله سبحانه، فالابتلاءات ليست دائمة والأحزان ليست دائماً كالغيمة السوداء تلاحقك أينما ذهبت، دائماً هناك جانب مشرق في كل امر، وجه فكرك ونظرك للجانب الجميل في حياتك، تبصر عطايا الله لك وكن راضياً وقنوعاً بما لديك، ولا تمدن عينيك لما عند غيرك وأشعر بالامتنان والشكر لله عز وجل بكل ما انعم به عليك، فبالامتنان يطمئن القلب ويهدأ الفؤاد، لا تقلق حول أمور تظن انها تسير بميلان لكن تبصر قدرة الله وستدرك أنها مستقيمة، فمن كان مع الله لن يخيب ومن توكل على الله تباركت حياته بل والاجمل صحح له نظرته للحياة فأصبحت الظروف التي كان يراها ألم اصبح يراها خير من الله بل وأمل، فالقرب من الله دائماً حياة وهناء وخير، ما أجلً أن يكمن في جوهرنا اليقين والثقة بالله سبحانه، ففي سورة الزمر اية تحفها الطمأنينة من كل جانب، حيث قال تعالى: أليس الله بكافٍ عبده؟، هذا الاستفهام الذي يورث في القلب السكينة هذا السؤال الذي يضخ المهجة أماناً ويجدد الروح في الجسد، والجواب بين ثنايا العبد وقلبه، فأليس الله بكافيك أيها الانسان؟ أيها العبد المأمون لك ربٌ أقرب اليك من حبل الوريد، ولك ربٌ يقول ادعوني استجب لكم، ولك ربٌ امرهُ بين الكاف والنون، فليطمئن قلبك ولتهدأ نفسك فلك ربٌ قريبٌ مجيب.

الكاتبة: أ. بشاير خالد الصفران

مُقلة عينٍ جافة

أ.بشاير خالد الصفران

مُقلة عينٍ جافة

في ذات يوم كباقي الأيام المُزهرة كنتُ جالسةً اتأمل رسوخَ وشموخَ الأشجار، عاليةً بتفاصيلها الدقيقة والرقيقة، وبتفرعاتها الجذابة من جذورها وحتى أوراقها النديّة المُخضرة كأنها مرسومة بفرشاةٍ على الورقِ، وأرتشف قهوتي المفضلة مُحلقةً بجمالِ تلألؤ الأزهار برائحتها العطرة وتمايلها يميناً ويساراً بلطف النسيم المنعش، وفي حوزتي العبق الثمين الذي في لُبه السطور والحروف والكلمات المخلدة في العقلِ والقلب كتابي الذي استمتع بقراءته، واستشعر روعة امتزاج رائحة بُن القهوة وصفحات الكتاب، لوهلة وأنا مُنغرسة في ربوع تأملاتي ولحظاتي العذبة، إذ بصبيٍ حلّق من أمامي مع والديه ويبدو أن الصبي يمتلك من العمرِ ستة سنوات، فكان هذا الصبي يبكي فنظر إليه والده بحده وبنبرة حادة وقال له: كم لي أن أقول وأكرر أن الرجل لا يبكي، فرفع الصبي رأسه ينظر لوالده بهدوء واقفاً مصطنع القوة كي لا تأتيه سهام الحروف الناقدة التي تبعثر فكره، امتص الصبي دمعته وبلع ريقه وفي قلبه حكاية، وأسأله في لُبه بها علامات استفهام يريد لها الإجابة، انني اكتب هذه المقالة بغرض التوعية نعم جميعنا نريد أن يكونوا أولادنا رجالاً أقوياء لكن لا بد من أن يكون هناك ادراك ونضج فكري ومعرفي لفعل ما هو الاصح والاصلح لأولادنا وذلك حفاظاً على صحتهم النفسية وتكوين شخصياتهم، وذلك يجب عمل خطة تطبيق مدروسة لتكون النتائج إيجابية، أولاً وقبل كل شيء البكاء ليس عيباً ولا استنقاصاً ولا اهتزازاً كما يعتقد البعض فلو كان البكاء للرجل عيباً لما خُلق للرجل دموع، ثانياً الإنسان تحملهُ العاطفة مثل الجرة التي عندما تملؤها وتملؤها على حد الامتلاء إذا زادت عن الحد فاض أو انكسر فالحل هو ان نملأها بما تستطيع أن تتحمله كي يسهل علينا أن نُغلقها بإحكام، نحن في طريقتنا في التعامل مع هذا الصبي هي من تحدد هل سنبني رجلاً قوياً أم لا، فإما ان نسقي بلطف لنبني، ام نسقي زيادة عن اللزوم لنهدم، ام لا نسقي شيئاً فتصبح الأرض قاحلة، ففي طريقتنا في التعامل معه نجعله ينهض بشجاعة او ينتكس بسهام حروفنا المؤذية التي تخرج من افواهنا لتحرز هدفاً مؤذياً، ففي بعض الأحيان ما نستمع إلى أوهام ومعتقدات وخرافات جاهلية لا دليل لها ولا تفنيد، بل بسبب تداولها بكثرة صدقها الناس بدون سابق حساب، رسالة إلى الآباء الافاضل لا تضغط على اولادك أو تجبرهم قسراً على عدم البكاء لكونهم أولاد بل واذا بكى تُعايره! سيشعر هنا بالضعف، وانت في سلكك لهذا النهج لن تستطيع تحقيق هدفك الذي هو صقل شخصية قوية بل هنا انت تقوم بإنشاء شخصية هشة وضعيفة، نعم صحيح انت تريد ان تبني شخصية قوية لكن انظر لطريقتك في التعامل معه هل لها تأثير إيجابي ام تأثير سلبي، احتوي اولادك بحب وقم بتعزيز مميزاتهم وتنميتها وافسح المجال لهم بالتعبير عن آرائهم ومشاعرهم دون قمع كي لا يختبئ ابنك وراء قناع مزيف لا يُطاق ولا يُحتمل بل ويكتم الانفاس، قم بترميم شروخ لُبه واضئ مُهجته بالألوان البهيّة والبسمة الندية والكلمة الطيبة النابعة من صميم القلب، لا تغرس في عقول اولادك ان الدموع لا تنجرف من الرجل كي لا يعتقد ان البكاء عيب للرجل او ضعف، نُلاحظ بعض الأولاد يكون لديهم عنف زائد وذلك نتيجة الكبت والتراكمات فهو بحاجة إلى ملجأ آمن يبوح ما بداخله ويُعبر دون خوف من الجرح، وبالنهاية مع الكبت والتراكمات يكبر الصبي بمشاعر جافه وتبلد وذلك سيؤثر على صحته النفسية، لذلك منح الله سبحانه وتعالى البكاء للإنسان كي يشعر بالارتياح ويُخرج ما بداخله من سموم المشاعر السلبية، فانهضوا وتيقظوا من كهوف الجهل وكفوف الفكر المحدود فالإنسان بطبيعته يبكي ويشعُر ويتألم، وابرزها البكاء من خشية الله فهي نعمة من الله يؤتيها من يشاء.

الكاتبة: أ. بشاير خالد الصفران

لا تنسى أن تفهم

نوره بابعير

لا تنسى أن تفهم

انتقادك في الأشياء لا يعني أن الاشياء سيئة الوجود ربّما أختلفت الفكرة التي تفصل بينك وبين عقول الآخرين عنك ، لكن هذا لا يعطيك الحق بأن تموت حضورها أو تذبل لالمعان تأثيرها لمن حولها ، الأفكار التي تنبت من عقولنا ، هي تتبع حقولنا و نحن لا نستطيع أن نجبر غيرنا في المشاركة بها ، حينما تنتقد عليك أن تفهم الغاية من فعلك هذا هل هو الإصرار في تغيير الأشياء تحت ظل أفكارك أو انتسابها إلى حراك فكرك فيها ، التطوّر الذي ينتج من النقد لا يحتاج التكلفة في تلبية الرغبات الشخصية بقدر ما تحتاج إلى الرغبات الاجتماعية ، لإنها تستطيع أن تغير مجرى العقل إذا كانت في المكان الصحيح ، وتتجرد الغاية من تقليدها دون الإقناع فيها ، البعض يتعامل مع النقد كفرضية ملحة في تنفيذها وهذا ما يجعل فائدته تسقط من ممارسته ، والأخر يرى أن النقد مثل النحات ينحت الزوائد ليبقى الأهم في إبراز وعي ناضج يمارس به الإنسان قيمة الوجود من هذه الحياة . لذلك لا تقبل الأفعال التي تجعلك فاعلًا بلا معنى تأخذك إلى آفاق جيدة تجسد لك الطريق بصورة أفضل مما انت عليه ، لا تصبح ثرثارًا فيما تسرد ويبقى سردك فارغًا من وعيك وتبقى سرابًا يظن أنه يروى كل السمات و الصفات التي تكبر مع فعل الإنسان تعود على الفكرة التي يسعى في تفعيل وجودها بين ذاته و الآخرين والأشخاص الذين يتماسكوا بالنقد ليغيروا العديد من الاحتياجات البشرية و العقلية قد تفلت منهم الحقيقة الواعي من ضغط الأشياء فيمارس كل شخص حقهُ في الفهم رغم أنها خطيئة واضحة لا تتناسب مع غيره . المشكلة التي تحجب النقد عن صوابه حينما يعلو الإنسان فيما يفكر به دون أن يترك مساحة الأفكار من زاوية الاخرين وربّما حتى الحياة نفسها لهاَ زواياها التي تضعنا فيها لنفهم الرسالة التي دائما تحثنا على سيرها بالطريق المتوازي فيها . الأغلبية قد يقع في الأعماق الخارجية دون أن يرى الأعماق الداخلية وهذا يفسد للبصيرة وجودها فيبقى كالأعمى يسير الطرقات بلا بصيرة تقوده نحو نجاتها .

حينَما تخبطت الذّات تصحوا الأخريات

نوره بابعير

حينَما تخبطت الذّات تصحوا الأخريات

أن القوة الذاتيّة تستطيع أن تبني لها قيم ناتجة عن إرادة قانعة في فَهْم الحياة ثم تحول كل الأشياء إلى محطات منقسمة تفرّق العبور كما يريد زائرها ، بينما الشمس التي تسطع كل يوم تعطيك حق الإنتباه في كل ما يخص تغيرك والأرض تعلمك اللين في سيرها أن كانت مبللة أو يابسة ، الإنسان هو الميزة الحقيقية في كل الإنتاجات الفكرية لإن هو المفصلة القادرة على تفريق بعض العقول في مساحاتها الهادئة و الثائرة ، يتوقف العقل كحقول محدودة تصنع الحواجز بين التغير و التغيّر الأخر وصول العقل إلى هذا الحد يبرز القدرة ثم يصبح في مجال الإكمال حتى يصنع لنفسه القوة الممثلة لهويته الذاتيّة المستقلة به ، أن يصل الإنسان مرحلة الاستقلال الفكري لا يمكن أن يهتز في مجموعة تساؤلات الآخرين بل أجاد الإمكانية الازمة في أختيار الفهم المستحق من كل هذه التساؤلات أو الحوارات. الأوقات المتاحة تؤهل العقل للأوقات الضيقة ثم تجمع بينه وبين النضوج وصلة ثبات تصقل كل مناقضات الوقت و من يقف به ، ليدرك أن مازل للعقل متسع فكري يقوده إلى أشياء مختلفة تنتج من صلابة وعيهُ لين المسار و القفزات التي تحدث في الحقائق هي المبادئ التي يتحلى بها الإنسان في تكوين هويته الذاتية وتمييز وجودها بالحياة ، إذا كانت القوة الذاتية في العقل فأن قوة الإنجاز في الانضباط وإذا كانت الحكمة في العقل فأن الأفكار هي الأبواب والآفاق المترتبة عليه في بقيت حياته وربّما لذلك حينما تحدث الكثير عَن ترابط حياة الطفولة في الكبر وكل ماَ بنى عليها يعود منها ، ولا أدري أن كانت حقيقة ولكن أدرك أن البقايات تظل مع الذات وتجعل للإنسان الاختيار بين تشكيلها عليه أو على المجتمع ذاته . مهما تمكّنت الأفكار القيمة في تكوين الصورة المقربة لوصف الذّات و القوة الكامنة بها لأبد أن يقع الإختلاف بينهما لأنها بطبيعة حالها مغيرة مع أشخاصها و ميولهم نحوها ، هناك من يملك ذاتً واحدة و آخر مجموعة ذوات أفسدت عليه بقائهُ نحوها ، بين انتباهًا و شتات عقولاً ذابلة و أخرى ناهضة ، القدرة العميقة في توزيع الإمكانيات هو تحسين الداخل مما هي عليه الآن و الإصرار في مكان واحد لا يجلب لك الإنجازات الفعلية وَلا المهارات العقلية، الاستمرار في المشاء هو نجاتك الدائم في كل محاولات سعيك للحياة .

حفلة الثقافة في مسارح العقول

نوره بابعير

حفلة الثقافة في مسارح العقول

الثقافةِ ، إنك تبني الأشياء في داخلك بطريقة ملائمة مع وعيك فيها ، إنك لا تكتفي بتفكير واحد لأبد من إختلاق الأفكار و إعادة تأهيلها بين تفرقة العقل الواعي و العقل الخامل ، إنك تبرز المسافات القيمة في المعاني لتفهم أكثر بأن الفهم وسيلة للبحث وكأنها تثير الفضول فيما لا تملكه ثم تعلمك كيف تخلق الأجوبة من خلال استنتاجك منها .

لكل صفة وسائل ، الإنسان وحده من يحدد مساره فيها ، مثلًا الفضول من المفترض أن يكون محرك أساس في تفعيل العقل اتجاه تطويره ، لإن يساهم في جمع المعلومات ليكون العقل معرفته ، وحينما تكتمل تلك المعرفة تصبح الأشياء ذات قيمة في مرحلة العقل و نضجة ، دائمًا العقل بحاجة إلى أدوات محركة الساكن والفضول يعتبر من إحدى اشيائها و أقواها ، مجرد ما يفهم الإنسان غايته منها . الفضول المعرفي يزيد في الإنسان قوة التركيز إتجاه إنجازاته آو خبراته ، التمكين في الشيء هو القراءات به أو الاستمرار في فعله حتى يصل الإنسان إلى التكوين المعرفي المتكامل .

الأشياء المجهولة لن تكشف عن معناها حتى تجد من يقدر مفهومها المعرفي ، والمعرفة تطلب الاستمرارية في البحث ليقع الإنسان بين تحاليل العقل و نضج وعيهُ في إختلاق نتاجه .

البعض الأخر يستخدم الفضول في مالا يعنيه حتى يفسد أهمية الفضول في تطوير ذاته ، يصبح مفرطًا في الفضول لكنه لا يملك المعنى الحقيقة من احتياجهُ له آو سد النواقص التي ترفع من مستوى عقلانيته فيها . يرى أن الفضول حق من حقوقه لكن لا يستطيع إن يوظفها في عقلانيته كما يتوجب عليه ، الفضول إذا تجرُّد من الغاية المطلقة فيصبح عبثًا على غيره وَ عقبة على نفسه .

الفضول لوحده غير كافيًا ربّما يتواجد الفضول في الذوات لكن هناك أشياء أخرى لابد من إبراز فائدته وهو التحليل و التفسير الدقة و التركيز ، أهمية التحليل أنها توسع مدارك العقل في الوصول إلى المعنى ، وسبق تحدثت أن المعنى تحتاج الوضوح في فكرة الفهم إتجاه استيعابك لها أو انعدامك فيها . و التفسير إنك تشرح الأشياء بتفاصيل صغيرة حتى تنبت من صغرها المعاني العميقة ، كل القيم تبدأ من الصغائر وحينما تكبر تعلن نضجك فيها . والدقة في التركيز تحافظ اللاشياء وزنية بقائها بك و انتهائك من فهمها و انتقالك المترابط لغيرها .

لتكون هوية واعية للعقل قبل إن تمثلها لأبد من سقياك لها بانضباط ليتكون معك طريق نير تتقدم به كلما شعرت بالاكتفاء منه ،و إياك أن تضع الإكتفاء المعرفي حجة للوقوف من هذا السّير ، لإن طبيعة الإنسان في الحياة هو محاولة إثبات وجوده فيها وإن شعر بالاكتفاء فهو توقف عن التقدم والتطور الذاتي .

القدرات : لأبد من الإنسان إن يدرك تكيف القدرة مع الانفعالات الناتجة منه وَ المقيمة عليه ، هناك قدرات موجودة في فطرة الإنسان يتمتع فيها دون فرضه عليها وأخرى تخلق مع التعليم و الإصرار و السقوط والفشل وَ المحاولات و المثابرة و الصبر ، يعني تلك القدرات تكون من أختيارك وتكونت من تجاوبك فيها . ” قدراتك هي مفاتيح قوتك و فضولك هو مساحة عقلك ”

الثقافة الذاتيّة تبحث عن ما يخص تحسين ذاتها بصورة أفضل من سابقها لكن الثقافة تحمل مجموعة ثقافات داخليه و بيئية و ذهنية جميعها دوافع للإنسان لتبرز فيه أيهما هويته من جميع هذه الثقافات .

أيضا في ثقافة الإختلاف و الإتفاق ، هذه بحاجة إلى متانه العقل فيها يصل الإنسان إليها حينما يكون قد أمتلأ فكرًا و وعيًا و نضجًا واتزانًا وحكمةً ليرى تلك الثقافة لا تخالف العقل بل تضيف له اتساعًا آخر قد تغير نظريات المفاهيم بمعاني مختلفة .

الثقافةِ معرفة الشيء بلا حدود ولا قيود أن تسعى فيَ قراءاتك لتفهم و أن لا تضع وقوفك عند أول علم و أن تختلف في خطواتك وأن تنسجم مع اختلافاتك أن تعرف الأتزان من الاهتزاز و الثبات من المغايرات وأن لا تعترف بثقافتك لأنها لا تقبل الاعتراف منك حتى لا تقتل بريق لامعنها بك .

قراءة العرفج بساتين مثمرة

نوره بابعير

قراءة العرفج بساتين مثمرة

ربّما صنعت المخيلة نافذة له ، تطل على مناظر ثقافية ، أصبح يحلق فيها متناغماً معها ، وكأنها مظلةً له وهو ظلاً لها ، مستمرًا فيَ صحبتها أتخذها بمثابة النجاة و ملجأ لعزلته ، تميز في إختيارها لم يسميها بالثقافة أو يربط اسْمُهُ بالمثقف قالها وهو على يقين المعنى المقصودة بها ” عاملًا للمعرفة” أحمد العرفج

عبّارة تحمل فيَ طياتها تفاصيل فلسفة ثقافتها و آدائها ، كان يعمل من أجلها و يدون أثر مردودها عليه في حياته اليوميّة ، أصبحت شيئًا ملازمًا به ، تفتح ستارها على أضواء شمسه و أبوابها على تفائله وايجابيتها عليه . جميعناً ندرك أن الأعمال التي أنتجت منه كانت للمعرفة مساحتها عليه إتجاه ترتيبها و تكوينها له بأفضل صورة و فائدة تترك فيَ العابرين أثرها و فيَ القارئين تناغم نصوصها وَ للمفكرين أعماق وعيها .

” أختار رفقة الكتب ” لإنه كان يِجيد توثيقها بما يستحق من مشقات العلم و التعلم الذي تواجه إليه و هو على يقين بأن المكتبة وَ الكتب هم الأصدقاء الاوفياء للأبد الذين لاَ يتغيرون عليه مع مرور الزمن بل يغيرون فيه القابلية المفترضة عليه مجرد أحساس بالتشبع الذاتي له وتطويره .

أصدر العديد من الكتب ، وضع الاجتهاد أساس في النمو الواعي للقراءة و كان متصالحًا مع قراءاته ، منضبطًا فيما يسعى لثقافته ، وصل إلى الإلمام بما يريد أن يكون ، متمكن من وجود الشغف الذي يحرك ساكنه للوصول إلى المعنى ، إدراكه في الغرق كانت رغبةً منه ، صنع للغرق معنى مختلفة لا يمكن له أن يختنق به ، جعل القراءة متنفسًا له .

” المقالات ” نشر العديد مَن المقالات المتنوعة بين الخفة و المتن يأخذنا معه في التنزه بينهما يتخير فيَ الاتساع بين مواضيعه و المشاركة مع جميع قرائه و التفاعل مع قدرة تأثيرها في معانيها .

” هلا بالعرفج ” كانت مظلة أخرى سمعية وبصرية وكان العلم و المعرفة لم يكتفون من عدة أوراقه و صفحاته أصبحت بحاجة إلى نبراته و أوصافه يفصل لنا المفاهيم بتحاليله الفكرية و تشريحها بين كاتبها وَ قارئها وما ينتج من نضج وعيه فيها . كان يحرص على إبراز الفائدة من كل معنى من الكتب و سطورها و نصوص و أشعارها و فلاسفة و غيرهم من العلم والمعرفة .

أحمد العرفج من الشخصيات البسطاء الذين يتمتعون بالبحث عن المعنى و الوصول إلى جوهرية المعنى مجرد أضافته لمعرفة جديدك إلى خزينة ثقافته لها .

سمى نفسه بعامل المعرفة يعمل في كل الأماكن على نشر التوعية الفكرية و التطويرية ، دائمآ يحول أن يفعل دور القراءة في مشاركة معرفته ، يُفعل الاداء التفعيلي للثقافة المعرفية . حتى يتمكن من دور المراجع المعرفية للجميع و ينصت إلى البساطة في قراءاته بين مواقعه في التواصل و برامجه .

السيد بورخيس

نوره بابعير

السيد بورخيس

قال عن نفسه مؤخراً : أما بالنسبة للرسالة ، فليس لدي أي رسالة ”
صحيح
لا توجد رسالة أو أي شيء
” بعض الأشياء ببساطة تخطر لي ثم أكتبها مع عدم وجود هدف لايذاء أي أحد أو تغيير رأي أحد هذا هو كل ما يمكنني قوله .
ليكون هذا تصريحاً علنياً عن فقري أمام الجميع .

هكذا تحدث بورخيس في إحدى لقاءاته :
في تلك الحظة ربما كان بورخيس فارغًا من فكرة التضخم الذاتي الذي يجعل في الإنسان رغبة الأنا و الامتلاء به تجاه ما يقدم للآدب والكتابة خاصةً . لذلك كان مقتنعًا بعبارة ” لا توجد رسالة لم يجتهد ليثبت أنه فعل العديد من الكتابات و الكتب ليقول إنني قد فعلت كل ما بوسعي لم تسعه القدرة الكافية فيما قدم تجاه الأعمال الأدبية كان يرى الاستمرار في عدم الاعتراف بذلك فكان يهرب من حقيقة هزيمتها التي لا يفهمها سوى كاتب ومفكر يدرك الأثر الذي يصاب به مجرد اعترافه لهاَ .

ثم قال :
بالإضافة لأنني ، ” لم يسبق أن قمت بشيء وأنا واثق بأنه عين الصواب ”
نعم ، هذا ما قلته .
سأنتهي فقط من هذه المقدمة ومن ثم سنتحاور فيما قال.

كان مهتمًا في الحديث عما يترك الآثر القيم في نفس الإنسان توسعت به المدارك ليفهم أن للإنسان حاجة لأبد أن يصل إلى الفهم الحقيقي إليها ليبقى في ذاته مقتدرًا عن فوضوية الزوائد في مقدمة الأحاديث الناتجة عن فكرها المفرط العائق به .

– كتب البعض أنه ” أعظم كاتب على قيد الحياة ” والبعض الآخر يؤكدون ، وأن له تأثيراً على الأدب ، الأدب العالمي أكثر من أي شخص في وقتنا الحالي يعيش خورجي لويس بورخيس هنا في بوينس آيرس ، على الرغم من أنه قد سافر على نطاقً واسع ، وخاصة للولايات المتحدة ، ودرس مؤخراً في جامعة هارفارد لمدة عام . وهو أعمى منذ أواخر الخمسينات . وهو لا مانع الأمر ، ويقول : لأنه الآن يمكنه أن يعيش أحلامه بإلهاء أقل ”

أخذ على عائقة مبكرًا ، الترجمة إلى الأسبانية من الإنجليزية عمل أوسكار وايلد الأمير السعيد حين كان عمره ست سنوات الترجمة و المعتقد أنه كان عمل والده كانت بمثابة واجب مدرسي ، بدأ النشر في العشرينات ، القصائد و المقالات و النصوص القصيرة المتخيلة . في أواخر الثلاثينات حصل على أول وظيفة له كمساعد في مكتبة محلية ، ولكن خسر وظيفته لتوقيعه على عريضة المعارضة ضد الجنرال .

عندما تم الإطاحة ببيرون ، عُين السيد بورخيس مديرًا للمكتبة الوطنية ، وأعماله الأدبية مستمرة بمعدل مذهل بما في ذلك حاليًا ترجماته إلى الأسبانية ، نقلًا لأعمال الكتاب الأمريكيين الكبار . ألقى محاضرات على نطاق واسع . مُعرفاً العديد من الأمريكيين بكتاباته وبنفسه . وفيما يتعلق بأعماله ، فنقاده لا يختلفون بأن التاريخ سيخلد إنتاجه الأدبي. السيد بورخيس إلى حد كبير ولكن ليس كليًا سياسي . وبما أن الارجنتين تعاني من مشاكل فكر بأن يبدأ بالسؤال .

القيّمة المعرفيّة ..
دائماً الحوارات الأدبية تملأك بالإبداع الفكري تجعلك غارقاً بين أفكارهم الواعية وبين تساؤلاتك النابعة فوق إنتاج نضجك فيها ،الغزارة في الأدب نهضة ذات تبيّن الجانب الثقافي في الإنسان تعلمه الإتقان في العلم الذي يهذب الأفكار في مفاهيمها .

حتّى لو نلاحظ أن الأغلبية في اللقاءات الفلسفية يتحدث بطريقة البسطاء في المعرفة لا يتعامل معها على التمكين رغم إنه أنتج العديد من التأليف الأدبي لأنهم يدركوا أن الاعتراف في المعرفة هو هزيمة تقتل العقل يصبح فارغًا من المعرفة التي تحيا به ، فيبقى يتحدث كزائراً يفتش عن مقاعداً يليق به .

يتعملوا مع المعرفة وكأنها الأخيرة من ذاك الفكر ثم على أطرافها المنتهية تتّسع الأشياء كحبال متينة المد تحث العقل على إتباع خطواتها ليكمل ما تبقى من المعنى المخفية في أثر مفهومها .

دائمًا بورخيس يلفتني بصفة السرد الذي يتحدث به وكأنه يألف كتابًا وكلما توجه له سؤالًا يصنع بحوراً من المعرفة فوق جريان الماء عليه ، تعلمت أن المعرفة الواعية تشبه السفن الراحلة مهما تبحث عن وجهاتها فهي تستطيع أن تجد طريقها بجدارة الفهم الذي تملكه .

جزئية النص المقتبس من للقاء بورخيس – خط الهجوم
يقدمهُ : وبيّن ف. بوكلي – الإبن
ترجمة : Thabit khamis