تولستوي رائد الواقعية الملحمية

سلام التميمي

يُعتبر تولستوي أحد الأعمدة الذهبية السبعة التي يقوم عليها صرح الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، وهؤلاء السبعة الكبار هم: بوشكين، وليرمنتوف، وغوغول، وتورغنيف، ودوستويفسكي، وتولستوي، وتشيخوف.
ولتولستوي أهمية عالمية، وتأثير عالمي واسع، يتجاوز حدود وطنه روسيا، فرومان رولان يؤكد أن أوروبا لم تسمع صوتاً كصوت تولستوي، كما يقول: إن طيبة وعقل هذا الإنسان العظيم وصدقه الفريد جعله مرشدي الأمين في فوضى عصرنا الأخلاقية. ويقول الأديب الفرنسي البارز، أناتول فرانس، إن تولستوي هو المعلم المشترك لأدباء أوروبا. أما الأديب الألماني توماس مان، فيؤكد أن قوة فن تولستوي تتخطى كل المقارنات. كما أن أدباء عالميين كباراً مثل جورج برنارد شو، وستيفان زفايغ، وثيودور درايزر، وغيرهم يعترفون بتأثير إبداع تولستوي في نتاجهم الفني.
وكذلك فإن تولستوي بدوره كان يسعى لأن يوطد على شتى الأصعدة ولمختلف الأغراض مكانة عالمية وصلات عالمية، فكانت له صلاته الأدبية مع عديد من أدباء العالم المشهورين، كما كانت له صلاته الفكرية والروحية مع مصلحين كبار أمثال المهاتما غاندي ومحمد عبدة، إضافة إلى صلاته على الصعيد التعليمي التربوي مع عديد من رجال التعليم والتربية الشعبية (على الطريقة التولستوية أو مايماثلها من المدارس التعليمية الشعبية).
إن واقعية تولتسوي الانتقادية تمتاز بشدة إيغالها في أعماق الواقع، والتصوير الفني الصادق للحياة، وتحري الحقيقة البسيطة دونما تزويق، كما تتميز إلى ذلك بتعمقها في العالم الداخلي للإنسان في حركته وتطوره وبقوة التحليل النفسي، وتصوير ديالكتيك الروح البشرية، وتطور الإنسان ضمن مجتمعه وعصره وبالانتصار الكلي للإنسان أينما كان.
ويوضح مؤلفا كتاب (( مدخل إلى الأدب الروسي في القرن التاسع عشر))، د. حياة شرارة و د. محمد يونس، أن أدب تولستوي يعتبر قمة تطور الواقعية الكلاسيكية (يقصدان الانتقادية) في الأدب العالمي، إذ لم يسبق للأدب العالمي قبله أن تعرف على التناقض الصارخ بين بذخ الطبقات العليا للمجتمع الاستغلالي، وبين الفقر والظلم الذي تعانيه الجماهير الفقيرة بتلك القوة المركزة، والدقة والصرامة التي يتميز بها أدب تولستوي، ويقولان أيضاً إن سر القوة العملاقة للواقعية الروسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر يكمن في قدرتها الخارقة على كشف الطبيعة الاجتماعية – السياسية لروسيا القيصرية آنذاك، حيث تزايد الاستغلال الرأسمالي وأشتد مستنداً إلى بقايا الظلم العبودي وبشاعة النظام البوليسي القيصري الذي كان يؤجج في الجماهير شعور الحقد والغضب والاحتجاج، وتولستوي أحد أبرز أعمدة الواقعية الروسية قد عرَّى ذلك المجتمع بشكل لا نظير له في روايته ((البعث))، وينمو المبدأ الجمالي للواقعية عضوياً عند تولستوي إلى جانب واجبها الاساسي – الخلق الفني لحقيقة الحياة. الحقيقة هي البطل الرئيسي والمفضل لدى تولستوي، إذ بدونها ليس هناك جمال في الفن، وينسجم التصوير الفني الصادق للحياة كلياً عند تولستوي مع التوغل العميق في العالم النفسي للإنسان، وتمتاز واقعية تولستوي بشموليتها في كشف العالم الداخلي للإنسان في حركته الدائمة، وانسيابه في تغييراته وتناقضاته، إن تولستوي يرسم حياة بطله الروحية والأخلاقية والنفسية ضمن قانون التطور الديالكتيكي الذي تخضع له مراحل التطور الأجتماعي.
إن ما يقوله الباحثان اللذان كتبا أطروحتيهما في إبداع تولستوي، صحيح إلى حد بعيد، فإن واقعية تولستوي كانت قمة الواقعية الانتقادية، كما أن التغلغل في العالم الروحي والنفسي للإنسان كانت سمة من سمات واقعية تولستوي، إضافة إلى حلولها الأخلاقية (وذلك لعدم تفهم هذا الأديب للثورة واندفاعه نحو المفهوم التجريدي ((للحقيقة الاخلاقية الازلية))، وتعليقه الآمال الكبيرة على ((المملكة الإلهية)) داخل النفس البشرية). والحق، أن إبداع تولستوي الواقعي – الانتقادي كان محكوماً بقوانين اجتماعية موضوعية، لم تسمح له أن يلتحم بتيار الثورة الشعبية الاشتراكية، فإن اشتراكيته ظلت فلاحية، طوباوية، وظل تولستوي ((مرآة للثورة الفلاحية الروسية))، وتجسيداً للتعبير الأصدق عن ذهنية الفلاحين الروس ومطامحهم وتطلعاتهم.
إن الواقعية الملحمية، النفسية، التي امتاز بها إبداع تولستوي، قد وضعته مع دوستويفسكي في مصاف أبرز كتاب الواقعية الانتقادية في العالم أجمع، لقد شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر (وخصوصاً في إبداع تولستوي ودستويفسكي) أرحب انفتاح على دواخل النفس الإنسانية، وعالم الإنسان الروحي، الأمر الذي أسفر عن كشوف غاية في العمق في ظواهر وتطورات النمو النفسي للإنسان وثرواته الروحية وتكامله القيمي والأخلاقي، وترك تولستوي تأثيره في الأدب السوفيتي (في إبداع غوركي، شولوخوف، أيتماتوف) وفي إبداع عديد من الأدباء العالميين الكبار في أوروبا والولايات المتحدة، وتأثر بإبداعه وكشوفاته الواقعية العديد من الأدباء الواقعيين العرب المعاصرين .

الزّن في فن الكتابة ، فن لا يقاوم “

نوره بابعير

” الزّن في فن الكتابة ، فن لا يقاوم ”
الزّن في فن الكتابة ، تحدث الكاتب راي برادبيري بالطريقة المحتمة عليك بالذهول من قراءة نص
مشبع بجماليات الكتابة وماثوراتها عليك كقارئ.
هكذا قال ..
أنت تسأل ، مالذي تعلمنا إياه الكتابة ، كان سؤال كافياً ليحرك في داخلي العديد من المحاولات في تكوين الأجوبة المقنعة في قرارت نفسي .
ثم أكمل الإجابة للمرة الأولى ..
قال قبل أي شيء إنها تذكرنا بأننا أحياء ، وأن الحياة هدية ، وامتياز ، وليست حقاً. يجب علينا أن نستحق الحياة بمجرد أن نحصل عليها. الحياة تطلب أن نرد لها الجميل لأنها منحتنا الحركة .
كانت كفيلة بأن تعطيك الأحقية في تكوين معناها وتألقها بداخلك مجرّد قرائتك لها .
ثم قال ..
وحيث أن الفن الذي نضعه لا يستطيع ، كما نتمنى ، أن ينقذنا من الحروب ، والحرمان ، والحسد ،
والجشع ، والشيخوخة ، والموت ، إلا أنه يستطيع أن يبعثنا في خضم ذلك كله .
حديثه هذا يجعلك مفكراً فيما يكتب ليفهمك بأن الكتابة تستطيع أن تخلق من وحي فكرك وتأثيرك عليها ثم تهذب فيك خيارها لتصبح ذُو فنً رفيع بما تملك من الاستشعار إليها ، لم يكتفي بذلك
كان مفرطًا في وصف واختلاق مسارات للإجابة .
فكانت الثانية تقول ..
الكتابة منجاة ، أي فن ، أي عمل جيد ، هو بالتأكيد منجاة عدم الكتابة ، بالنسبة لكثيرين منا ، يعني
الموت .
تطرق لزاوية أخرى ليوصف لك الإحتياج الممكن من سيرك في الكتابة أو الزّن في صناعة الإبداع من خلالها .
سواءً تشكلت بك أو تشكلت منك فهي ذَات تأثيرعالي بما يخص ميولك لها أو تكوين الصورة المتلائمة
معك .

ثم كانت الأخيرة فيما يقول ..
يجب علينا أن نتسلح كل يوم ، مع إننا نعرّف – على الأرجح – بأن هذه الحرب لا يمكن الانتصار فيها
تماماً ، ولكن علينا أن نحارب حتّى لوكان ذلك لجولة صغيرة . إن أقل جهد تبدله للفوز يعني في نهاية
اليوم ، شكلاً من أشكال الانتصار.

كانت وصية ثمينة لمن يريد الخوض في عوالم الكتابة أو في تحمّل مشقات الزّن في فن الكتابة .
يبقى هذا الكتاب مفخم بالجماليات المفروضة على كل قارىء ، لابد من تحريضها في إتقانه
كما أنها تجعله غارقًا في انصاف نصوصها بين وقفة فكر ووقفة شعور وبينهما تكوين يبني بداخله القدرة الكافية في ممارسة الكتابة رغم عنه .

النهاية..
يظل هذا الكتاب مهم جداً لكل من يهتم بالكتابة أو محاولة الكتابة أو المتعة في سلك الكتابة ،
تجملك بالقراءات المحاطة بها؛ لأن كل المعاني المقصودة به هو الزّن ، الزن في الكتابة حينها تفهم الإصرار الذي يلازمك من بعدها ،هو نتيجة الرغبة في تحقيقها أي تجبرك على غزارة الإنتاج الأدبي دون إستثناءات ، تجد أنك تفعل وتنفعل وتفرط وتنفرط بك كل الوسائل نحوها ، حينها تفهم النهاية من تلك الفوضى هو إعلان صحوتك تجاه الكتابة .

منابت العقول فوق حقولها

نوره بابعير

منابت العقول فوق حقولها

1-الإنسان لابد من أن يفهم المعنى الحقيقية لمفهومة عن التطور حتى يقدر يفعل الفهم ويوظفة في تطوير حياته التغيرات من أهم الاحتياجات الذاتية للإنسان حتى يتنبأ بذاته . أي تغير يحدث معك هو تطوير كثير من الناس تقدر تطور من نفسها لكن قلة منهم تحافظ على وزنية تطويرها أو اتساعها بالشكل الصحيح .

2-في أشياء مهمة يحتاج الإنسان فهمها ” أن ما يطورك قد لا يطور غيرك ” فهي مسألة ترابط بين مدى الإنسان واحتياجه لها ” ما تجهله أنت قد يعلمه غيرك وما تعلمه انت قد يجهله غيرك ” النتيجة هي الاختلاف في النهاية ، إذا وصلت الاختلاف معناته تفعيلك في التطوير ما زال حي بينك وبين الآخرين .

3-التطور هو منابت العقول فوق حقولها ، أحيانًا انت ما تتعمد في بحثك عن التطور لكن تمتلىء به من خلال تجاربك اليومية اختلاطك مع الآخرين من قراءاتك في الكتب من بيئة عملك من وقوعك في فشلك من قوة نجاحاتك تكون انت ما أجتهدت فيه لكن فجاء تشعر بنفسك أنك انغمست في تغيرات جديدة إضافة لك خبرة مختلفة عنك تماما و هذا الإختلاف قد لا يشعر به الآخرين إلا إذا إختلفت مع فكرهم هنا يكون صار في لفت أنتباه التغيّر بين الطرفين . لكن طبيعة الإنسان يشعر بتغيراته منذ وقوعها به ويدرك إذا كان هو في طريقة الصحيح أو في متاهات فكره لتطور حياته .

4-أحيانًا أشوف تغير مفهوم الناس في التطوير الذاتي تجاه الحياة إختلفت يرون الأشياء من زاوية نظرتهم وفكرهم وقناعاتهم و خطواتهم و يرفضون التوسع العميق المبني على فهم الإنسان له ” التطور حاجة عميقة تحرض الإنسان على مجارات تحقيق ذاته في نتيجة حقائقها به ” أكثر المشاكل التي تصيب الآخرين هي المفارقات الفكرية و الأولوية ، هذه من الأشياء التي تعيق العقل على استيعابه للعدد الهائل من الناس ، وقتها تصير هناك تصادمات بين مفارق العقل وفكرهُ ومفارق الفهم و احتياجهُ . الفوارق إذا لم تفهم بالشكل الصحيح تقتل الوعي الكافي و نضوجهُا فيه .

5- الناس تحتاج أنها تهون المفاهيم في حياتها ولا تهولها حتى تتعايش مع ظروف الحياة و إختلاف ناسها ، البعض يرى تطويره الذاتي يغلب تطورات الآخرين إليه ، يصبح رافض لإي فكرة جديدة أو مختلفة عنه . كذلك المتعلم يرى أن علمهُ كافياً بإن يكون واصل الإكتفاء المعرفي هذا خطأ كبير ، التطور ما يرسم لك الحدود ، كثير من الناس تعلمت من الحياة ما علمتنا إياه قراءة الكتب الموضوع يحتاج توازن في وعينا للأشياء وللحياة بصفة عامة ، أغلب انعدامنا في تطوير حياتنا هي عجلة أفكارنا و فرضها على الآخرين .

6- أعتقد في مسألة التطوير أن الإنسان مطور بفطرته فقط يحتاج إلى تركيز نحو ذاته حتى يستشعر بما يملكه من قدرات ، لا يمكن لإي إنسان أن يبقى على ماهو عليه منذ الصغر حتى الكبر .

التطوّر يحتاج إلى رحابة في الفهم والتأني بالمقصود إذا عملت على إشباع عقلك بالمعرفة التامة تلقائيًا تنتج من وعيك ثمارك .

ماذا قالوا عن الكتابةَ والقراءة ؟

نوره بابعير

ماذا قالوا عن الكتابة و القراءة ؟

تختلف مفاهيم الكتابة و القراءة حسب نظرية
أصحابها . كما إن الكتابة تعتبر من احدى الفنون
التي يقام عليها صنع ابتكارها من قبل الكتّاب والمواقف
و المشاعر و الخيال و الفكر اتجاهها .

لنرى ماذا قالوا الكتّاب عن الكتابة و القراءة بآرائهم
المختلفة عن بعضهم البعض .
أختلاف الكتّاب كان يَضَع لنا أتساع المجال في الكتابة و
لا ينحصر عليهم بل ما زالت الكتابة و القراءة تختلف مع عصور كتابها وقرائها .

لنرى ماذا قال ” جانيت وينترسون
عن الكتابة الإبداعية :
1. لا يهمني ما يدور في رأسك، لأنه إذا لم يُكتب على الصفحة فلن أوليه أي اعتبار. إن الاتصال بين عقلك وعقل القارئ هو اللغة، والقراءة ليست عملية تخاطر .
2. لا يعنيني ما إذا كانت النصوص التي ندرسها تروقك أو العكس، ففكرة الإعجاب أو عدمه هي أمر شخصي بحت وقد يخبرني هذا شيئًا عنك إلا أنه لا يخبرني أي شيء عن النص. وإن كنت تعتقد أن شيئًا أما الكتب التي لم تكتب بصورة جيدة فاطرح علي أفكارك وأقنعني، وإن  كنت تعتقد العكس، فأقنعني أيضًا! تعلّم من كل ما تقرأه، ثم أفهم كيف تتعلم من كل ما تقرأه، فضلًا عن كل هذا اقرأ، إنني أستخدم في حصصي النصوص وأنا على يقين من أن طلابي لم يدركوا ذلك جديًا، فأنا أريد لهم أن ينظروا إلى سعة العالم عبر الكتب والأفكار والخيال. وأنا أبذل جهدي كي أعيد تشكيل علاقتهم باللغة وطرق استجابتهم لها .
3. الكتابة هي علاقة حب وليست متعة فردية. باستطاعتك أن تكتب عن أي شيء تريده، بشرط توفر الإتصال بينك وبين المادة .
4. لا تستمع لأي نصيحة ممن لم يكتب وينشر مقطوعة أدبية بالغة الروعة. “لقد كان عزرا باوند محقًا”
5. كما قال الكاتب ” هاروكي مورالحامي ”
عندما لا أكتب أصبح لاشئ ، بل أشعر أن وجودي الإنساني يتلاشى . أختصر الكتابة بأنها هي كل شيء بالنسبة له ولا يستطيع العيش بدونها .

أما الكاتب “وليم زنسر “يقول على الكتّاب أن يكتبوا
شيئاً طازجاً شيئاً لن يعرف المحررون و القرّاء أنهم يريدونه حتى يقرأوه ، كان يميل للاختلاف وأن التكرر ليس مهم بل الشعور بحتياجهم لهذا النصّ هو الأهم من مضمون الكتابة .

أما الكاتب “فرناند وبيسو ” قال أن الأدب هو الدليل على أن الحياة لا تكفي . وهذا يعني أن الكتابة بالنسبة له هي حياة أخرى لابد من وجودها بحياته .

أما الكاتب ” عزرا باوند ” أعتقد أن على الفنان أن يبقى في حركة مستمرة انت تحاول إن تترجم الحياة بطريقة لإيملها الناس ، وتحاول ايضاً تدوين ماترى . رؤيته للكتابة كان فن لابد من الكتّاب الإبداع فيها أن لم تستطيع إتقانها فلا تجعل الآخرين يشعرون بملل قرائتها.

أما الكاتبة “اليس مونرو ” قالت أحب الكتابة بطريقة تخيف الناس قليلاً .

أما الكاتب ” كريستوفر مورلي ” قال أن الصعوبة هي أن نتعلم كيف نفكر ، أما الكتابة فستتكفل بنفسها . حاول أن يظهر لنا أن أصل الكتابة يعتمد على تفكيرنا اتجاهها .

أما الكاتب “رولان بارت “قال الكتابة تحول المعرفة إلى احتفالٍ دائم . فهذا يعني أن الكتابة تستطيع أن تحفظ لنا المعرفة في كل زمان و مكان .

فهي كصندوق الأمانات لا تتلاشى إلا بإذن كُتابها أكتفي بهذا القدر من آراء الكتّاب عن الكتابة رغم أن هناك العديد من الاّراء تكمن في جوف الكتّاب وما أودّ قولهُ بالمختصر عن الكتابة ، هي تشكل على حسب أفكارنا و مواقفنا و مشاعرنا

الإتقان يأتي من الشغف و الشعور في ممارستها ، كما أنها
تستطيع أن تسيطر على حياتنا فتصبح جزءً مهم لدينا ،نحن الكتّاب لا نمل من صنع الكتابة بل كل ما ننتهي من نصاً ، نجد أنفسنا تفكر في كتابة النص الأخر.

التساؤلات التي دائماً يتعرض إليها الكاتب من خلال الآخرين عن الكتابة ، دائماً نشعر بالعجز في ترتيب الإجابة وربما السبب الأساسي في هذا الشتات لأننا نحب هذه المهنة نراها تجزء من حياتنا اليومية فكيف لإحدى ما يسألك عن عادة تفعلها يومياً ؟

لذلك إلى الآن تتنوع الاّراء اتجاه هذا السؤال و إلى الآن لا أعتقد أن الذين يتسألون عن الكتابة لم يشعرو بما نمر به من ملامحنا و نبراة أصواتنا .

لهذا الكتّاب مدركين جيداً بما يفعلوا وبما لا يشعرون به الآخرين عن حب الكتابة والاهتمام بها والهوس فيها .

أما الآن سوف أقتبس من الاّراء للكتّاب بما يختص عن
القراءة .. وماذا قالوا عنها ؟

قال الكاتب “عباس محمود العقاد ” ليس هناك كتاب اقرأه ولا أستفيد منه شيئاً جديدًا، فحتى الكتب التافة أستفيد من قراءتها ، أني تعلمت شيئاً جديدًا هو ماهي التفاهة ؟ وكيف كتب التافهون وفيما يفكرون .

كان يحاول يثبت لنا أن لا شي يمر من عقلك دون أن يضع في داخلك معرفة تبقى في ذهنك حتى وأن كانت تافة سوف تستفيد منها بكل الأحوال .

أما الجاحظ ” كان يصف الكتاب بكلماته الراقية دليل على أهمية القراءة بالنسبة له فقال الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك والصديق الذي لا يقليك والرفيق الذي لا يملك و المستميح الذي لايوذيك والجار الذي لايستبطك والصاحب الذي لا يريد أستخراج ماعندك بالملق ولا يعاملك بمكر ولا يخدعك بالنفاق .

أما الكاتب “جون لوك ” قال التفكير هو الذي يجعل ما تقرأه ملكا لنا . ولو نلاحظ أن التفكير هو الرابط المشترك بين الكتابة و القراءة ، كلاهما يعتمدان على مفهومنا اتجاهم .

أما الكاتب “مالكوم أكس ” قال لقد غيرت القراءة مجرى حياتي تغييراً جذرياً ولَم أكن أهدف من ورائها إلى كسب اَي شهادات لتحسين مركزي وإنما كنت أريد أن احيا فكرياً.
سُلط الكاتب الضوء على أهمية القراءة في حياته وهي نقطة مهمه لتحولها للأفضل.

أما الكاتب ” هاروكي موراكامي” قال لا أندفع في القراءة كأنني في سباق بل أعيد قرأه الأجزاء التي أعتقد أنها الأهم حتى أفهم مغزاها .

أما الكاتب ” أحمد توفيق ” قال القراءة كتاب رسم ممتع في الفراش على ضوء الاباجوره الدافئ ، كوب من الشيكولاتة الساخنة كذلك ، كأنها نخاع مذاب يتسرب إلى عظامي ، أن الحياة جميلة ، متعة بسيطة كهذه تجعلها جميلة . كأن الجميع يرسم لنا القراءة بأيطار مختلف وكأنهم كانوا يتسابقون لتُزين القراءة في اذهاننا حتى ننجذب إليها رغم أنهم إتفقوا في أهميتها و تغييرها لحياتهم و لحياتنا .

نعم للكتابة و القراءة طقوس تختلف على حسب
شخصياتنا و افكارنا ، كما إن للخيال نصيب من الكتابة ، والإبداع يخلق من التجارب وهذا المجال الكل يستطيع فعلهُ ، ولكن يعتمد على الإتقان في إختيار الكلمات و طريقة سردها ، لإن القارئ الجيد يحب الأشياء التي تلامس داخله ، ولا يحب بهتان الكتابة التي تشعرهُ بالملل .

فلذلك على الكاتب إن يشعر بما يكتبه ويعلم جيداً الطرق المناسبة لإيصال ما يكتبه للقارئ ، لإن الكتابة والقراءة لهم علاقة في طريقة الكاتب وتقبل القارئ ، نصيحة للمبتدئين ، انت ككاتب لا تكتب الكلام الذي يعجز القارئ فهمهُ ، لأنك انت لا تحارب القارئ بقدر ما تحاول إيصال المعلومة لديه ، وقد تساهم بالفائدة له مستقبلاً ، وأما نصيحة القارئ ، لا تقرا لتنتهي من قراءة الكتاب فقط دون إن تفهم المعنى حاول قراءة الشيء حتى تستطيع أن تفهمه ، لإن القراءة تعني المتعة و الفهم و الفائدة وليس العدد في الكتاب التي قمت بقرائتها .

النصيحة الاخيرة :
لا خير في كاتب لم يفهم ، ولا خير في قارئ لايعرف يقرأ ، تذكرها دائماً .

“عالم الكتابة والكتٌاب ”

للكتابة طقوس مختلفة تحمل الكتّاب على أكتافها ,هُم
يعيشوا ، في مراحل تساهم في نمو الكتابة
الإبداعية .

المرحلة الأولى :
هي أول تجربة في الكتابة لم تكن راضيًا  عنها كل  الرضى ، و هذه التجربة لم توصف بالفشل بقدر ما تسمى
بالقوة ، لأنها تضع في نفس الكاتب المقاوِمة و إختلاق
المحاولات في التجربة بشكل أوسع ، ولكن هذه المرحلة
جداً رائعة لأنك انتقلت إلى مرحلة مختلفة تحملك إلى
عالم مختلف اتجاه الحياة ، و ايضاً اتجاه شعورك و فكرك .

أما المرحلة الثانية :
فهي تصبح الكتابة أكثر اتزانً في اللغة و إختيار مواضيعها ، هنا يظهر فن الكتابة لدى الكاتب لأن فنون الكتابة تدل على ارتياح الكاتب كما أن الكلمة الأولى تحمل في طياتها نهاية
النص.

أما المرحلة الثالثة :
متعة الكتابة ، هنا قد يخلو الكاتب من عوائق الكتابة و
ضعف نصها ، بل يتمتع بشعور الشغف و الانغماس في لذة الكتابة كلما أنتهى  من النص يشعر بأن لدية مهمه أخرى في كتابة أمراً آخر .

دائماً يشعر أن هناك أناس يحتاجوا لقراءة ذلك النص
المجهول الذي لم يكتب بعد .

النهاية :

الكتابة كالماء حينما تجري في النهر ، فالكاتب المفكر دائماً كلماتهُ تجري بين قلمهُ و اوراقهُ . أن للكتابة متعة و للقراءة ايضاً متعة ، لا يدرك هذا العالم المختلف و الممتلئ من
الفنون و الفائدة العظيمة سوى المحب بشغف في هذا
المجال .

لا يمكن لكاتب يكتب بلا شعور ولا يمكن لقارئ يتلذذ بمتعةما يفعل إذا لم يشعر بقيمة ما يفعل .

إذا كنت تمتلك القدرة الكتابية و الفكر العميق والشعور  بأدق التفاصيل ، هنا تستطيع أن تدخل هذا العالم من
أوسع أبوابه  دون أن تمل منه ، بل سوف تغرق به كلما أعطيت و كلما شعرت بحجم ما تقدمه من زاوية الكتابة و القراءة .

كيف تعرف نفسك وتصل إلى إمكاناتك الكاملة

نوره بابعير

– أعرف نفسك
كيف تعرف نفسك وتصل إلى إمكاناتك الكاملة
-جوردان بيترسون -Jordan Peterson

قال : جوردان بيترسون
كان لدى الإغريق قول مأثور ” أعرف نفسك ”
كيف نتعرف على أنفسنا من حيث شخصياتنا والأهم من ذلك إمكاناتنا؟ إحدى أهم الطرق للتعرف على نفسك هو بأن تدرك أنك لا تعرفها .

يمكنك أن تتعلم مراقبة نفسك نوعًا ما كما لو كنت تراقب شخصًا غريبًا . لكن عليك أن تتبنى موقفًا ، أود أن أقول أنه موقف ناتج عن التواضع الشديد . التواضع من ناحيتين ، أحد الناحيتين هو التواضع الناتج عن اعترافك بجهلك .

لذلك عليك أن تدرك أنك لا تعرف من تكون ، وهذا ليس شيئًا يسهل إدراكه ، لأنك تعتقد أنك تعرف ، لكن بعد ذلك ، تتذكر أنك لا تستطيع التحكم في نفسك جيدًا ، أنت لست منضبطًا جدًا ،

ربّما لا تعرف نفسك كما تعتقد . لكن من الصعب أن تخفض نفسك بما يكفي لفهم مدى عمق جهلك بنفسك . الآن هناك جانب إيجابي لذلك أيضًا ، وهو أنك تجهل أيضا من قد تكون . وبالتالي ، فأن اكتشاف ذلك يعد بمثابة مكافأة على رعب تحديد هويتك بالفعل .

ثم سأقول ، حسنًا ، راقب نفسك .

راقب نفسك وكأنك تراقب شخصًا غريبًا . راقب ما تقوله وتستمع إليه .فكر ، إي نوع من الأشخاص سيقول ذلك . وكيف أستجيب عاطفيًا عندما أتواصل بهذه الطريقة ؟

هل هذا يجعلني أشعر بأنني أقوى ، أضعف ؟ هل يملأني هذا بالخجل والعار ؟ هل هذا يساعد ثقتي بنفسي ؟ هل أكذب كذبة ؟ هل أخذع نفسي و الآخرين ؟ هل أتبنى هذه الشخصية في حفلات مصممة لإثارة الإعجاب و التسلية ، ويبدو الأمر على أنه لا شيء سوى نرجسية متمحورة حول الذات ؟ ما هي خيالاتي المظلمة ؟ ماهي خيالاتي العدوانية ؟ ما الذي أرغب في فعله ؟ ما الذي أنا مهتم به ، حتى أتابعه بشكل تلقائي ؟ ما الذي أؤجله ولماذا؟ ما الذي لا أرغب في فعله ؟ ما الذي أعتقد أنه جيد ؟ ما الذي أهنئ نفسي على إنجازه ، وما الذي أوبخ نفسي لفشلي في مواجهته وتنفيذه ؟ هذه كلها أسئلة معقدة بشكل لا يصدق . وانت لا تعرف الإجابات عليها . إذن ،

هذه بداية . ثم فيما يتعلق بالإمكانيات ، ستكتشف المزيد عن إمكاناتك عندما تكتشف ماهيتك ، خاصة الأجزاء المظلمة من نفسك ، لأنك تكتشف بعد ذلك إمكانياتك للقيام بالفوضى و التخريب . توجد بعض الفائدة الحقيقية في ذلك .

اكتشاف أنك خطير ، إنه اكتشاف مفيد . إنه في الواقع شيء يقويك ، لأن أول شيء يمكن أن ينتج عن إدراك كهذا في الواقع ، هو الطموح لدمج هذا الخطر في شخصية أعلى مستوى ، تلك الخطورة في الشخصية عالية المستوى ، ويمكن أن يجعلك ذلك عنيدًا ، يمكن أن يجعلك ذلك شخصًا يستطيع أن يقول ” لا ” عندما يجب أن تقول ” لا” يمكن أن يجعلك ذلك شخصًا لن يتجنب الصراع الضروري ، وهذا مفيد بشكل لا يصدق . وهذه واحدة من الإمكانات التي قد تكتشفها .

الشيء الآخر الذي تفعله لا كتشاف إمكاناتك هو ، هو أن تتحدى نفسك .القاعدة الرابعة في كتابي 12 قاعدة للحياة ” هي قارن نفسك بما كنت عليه بالأمس وليس بما هو عليه شخص آخر اليوم ، وهذه طريقة جيدة لبدء ذلك . ألقِ نظرة على نفسك وفكر في الأشياء غير الجيدة التي يمكنك تحسينها ، التي يجب عليك تحسينها وفقًا لمعاييرك الخاصة ، والأشياء الأخرى التي عليك تحسينها . وحدد لنفسك هدفا صغيرا.

كما تعلم ، ربما لا تدرس على الإطلاق في جامعتك . أو ربما كنت في العمل ، ولديك هذه الرزمة من الأوراق على المكتب ، ولم تنظر إلى هذه الرزم المكدسة اللعينة منذ شهر ، وأنت تعلم أنه ينبغى عليك أن تقوم بذلك . وأنت تزعج نفسك في الليل لأنك تتجنب ذلك . ربّما تعتقد ، حسنًا ، لقد تجنبت هذه الكومة من الورق تمامًا لمدة شهر واحد .

أنا جبان تماماً عندما يتعلق الأمر بأي ثعابين قد تكون مخبأة في تلك الكومة من الورق . ما رأيك أن أضع مجموعة الأوراق هذه أمامي على مكتبي غدًا ، وألقي نظرة سريعة عليها لمدة 15 ثانية ؟

سأنظر إذا كان بإمكاني فعل ذلك . يبدو الأمر كما لو أنك وضعت لنفسك هدفًا للتحسين ، لكن هذا هدف متواضع لآنك هل أنت حقًا شخص جبان ، لدرجة أن أفضل ما يمكنك القيام به بعد شهر من التجنب ، هو النظر لمدة 15ثانية إلى رزمة الورق ؟

أتعلم ، هذا شيء كان يمكن القيام به بسهولة . ولذا قد يكون هذا الوضع كئيبًا ورهيبًا ، وقد تفكر قائلًا ، حسنًا ، هذا لا يقوى ثقتي بنفسي ، هذا لا يعزز من قوة أناي وذاتي ، أن يتم تعريفي على أنني شخص لا يمكنه تحمل النظر لمدة 15 ثانية إلى الشيء الذي أخاف منه . وبالتالى هذا أيضا شكل من أشكال التواضع .

يبدو الأمر كما لو أن هناك أشياء يمكنك القيام بها لتحسين نفسك ، وأنت تعرف ما هي . وهناك خطوات صغيرة يمكنك اتخاذها ، التي قد تتخذها، ومن شأنها أن تضعك في هذا الاتجاه . وهكذا السؤال هو ، هل انت ناضج بما يكفي لاتخاذ تلك الخطوات الصغيرة ، كما تعلم ؟ هل أنت قادر على التعامل مع حقيقة أنك ملىء بالعيوب من الأساس ؟

لدرجة أنه يتعين عليك تقسيم الأشياء إلى خطوات صغيرة للغاية من أجل التعامل معها ؟ الجواب على ذلك هو ، نعم أنت كذلك . معظم الناس لديهم أشياء يتجنبونها ، ويخافون منها . لذلك أود أن أقول إلى حد ما ، يشترك الجميع في هذا .

يختلف الناس في الدرجة التي يقهروا بها مخاوفهم ، وتقابل من وقت لآخر أشخاصًا منضبطين بشكل غير عادي . لكن في معظم الأوقات يصبحون منضبطين بهذه الطريقة بالضبط ، من خلال التحسين التدريجي البطيء . وبعدها تتحدى نفسك .

تسأل نفسك : هل يمكنني القيام بهذا ؟ هذا سيكون أفضل . وتكتشف الإجابة ، ثم تفكر، حسنًا ، هل هناك شيء أكبر قليلًا وأكثر تحديًا ، يمكنني القيام به ويجعلني أصبح أفضل ؟

وتجري هذا الشيء وتكتشف الإجابة . وأثناء تجربته واكتشافه ، تتحسن بشكل عام في ذلك ، وبعد ذلك يمكنك مواجهة تحديات أكبر و أكبر . لهذا السبب أقترح عليك أن تتحمل المسؤولية عن نفسك ، هذا جزء من الوقوف بشكل مستقيم مع كتفيك للوراء ، الأمر يشبه مواجهة العالم يا رجل فقط على المستوى الذي تستطيع التعامل معه .

أتعلم ، عندما تكون جاهلًا ومنحازًا ، ولديك عيوب شديدة وغير ناضج ، هكذا يبدأ الجميع . أنت لا تريد أن تقضم أكثر مما تستطيع مضغه ، لكن هذا لا يعني أنك لا تستطيع أن تصارع جزء من الواقع ، جزء صغير بما يكفي بحيث يكون لديك فرصة جيدة للنصر .

وبعد ذلك تحقق النصر على جزء صغير من الفوضى ، ثم تصبح الشخص المنتصر على الفوضى . أنت مجرد مبتدئ ، لكن هذا ما أنت عليه . وبعد ذلك ربما يمكنك أن تصبح بارعًا بشكل لا يصدق ، وربما يمكنك الانسجام مع ذلك ، القدرة على إعادة صياغة النظام الاستبدادي إلى حالة من الفوضى ، وإعادة هيكلته إلى شيء أعمق ، أكثر عمقًا وأكثر ملاءمة لسكن الإنسان . هذا هو النصف الآخر من أسطورة البطل ، أليس كذلك ؟

نصفها هو التغلب على الفوضى نفسها ، والنصف الآخر هو مواجهة الاستبداد حيث يجب مواجهته . أنت تفعل ذلك بتحدي نفسك بتواضع ، على المستوى الذي تكون قادرًا على التعامل معه . من الأسهل أن تفهم الأمر إذا فكرت في طفل تحاول تربيته بشكل صحيح وتريد أن تساعد هذا الطفل في الكشف عن أقصى إمكاناته ، أيًا كان ذلك ، أيا كان ما يعنيه . و ما تفعله هو .

أنت لا تضع لهم سلسلة من المهام المستحيلة على أمل تفويض ثقتهم بأنفسهم . أنت تكوّن علاقة معهم مبنية على اهتمامك بأعلى أنماط كينونتهم . وبعد ذلك تقدم لهم التحديات التي تم تحسينها بدقة وفقًا لقدراتهم ، أليس كذلك ؟ حتى يتمكنوا من القيام بها ، لكن عليهم أن يوسعوا نطاقهم . العنصران اللذان تتكون قدرتهم منهما هما . ما يمكنهم القيام به .

وإلى أي مدى هم قادرين على تغيير ما بإمكانهم تغييره . ويقوم التحدى الأمثل بتوسعة نطاقك إلى أقصى ما يمكنك القيام به . ثم لنطاق إلى أي مدى يمكنك التحول .

وهكذا ، إذا كنت تحب طفلًا ، فإنك تحدد له مهامًا من هذا النوع ، وربما يكون لديهم فرصة معقولة للنجاح ،
٪ 70 فرصة للنجاح .

أو فرصة نجاح بنسبة 80٪ .

قد يعتمد الأمر على مدى حساسية طفلك ،أنت تفعل نفس الشيء لنفسك ، لكن عليك أن تكون متواضعا وحكيما بما فيه الكفاية ، لفهم أنه قد يتعين عليك تحجيم المستوى الذي تهدف للوصول إليه . خاصة في تلك الأماكن التي لا تقوم فيها بعملك بشكل جيد . وقد يكون الأمر محرجًا للغاية . لدرجة أنه لا يمكنك إرغام نفسك على استيعاب أن هذا هو ما أنت عليه بالفعل .

عليك أن تعرف بذلك ، وسيكون هناك فقدان للأنا أو تدمير للأنا . الأنا المتغطرسة التي تصاحب ذلك بالضرورة ، لكنك تحتاج إلى فقدان تلك الأنا المتغطرسة . لأنها بالضبط التي تتداخل مع حركتك نحو الأمام ، إنها جزء من عملية الخصومة .

من الناحية الميثيولوجية ، التي توقف التقدم الأخلاقي ، انت فخور للغاية بمن تعتقد أنك تكون لدرجة أنك لا تلاحظ ما أنت عليه بالفعل ، حتى تتمكن من التغيير بشكل صحيح . انت لا تريد التضحية بهذا الجزء من نفسك . من المحتمل أن يكون الأمر مرتبطًا ببعض الوهم الذي يساعدك على البقاء إيجابيًا ، على الرغم من هشاشة الصورة الذاتية ، في غياب جهد حقيقي .

أنت تعرف نفسك من خلال المراقبة والانتباه، يقوم الثعبان بالمراقبة بدم بارد دون أي رد فعل عاطفي . فقط لرؤية ما يحدث بالفعل . لا يسمح ، من الناحية الرمزية ، لا يسمح لما هو منشود أو مرغوب بالتدخل فيما يتم ملاحظته .

لذا راقب نفسك بهذه الطريقة ، حسنًا ، هذه بداية . ثم تحدى نفسك باستمرار ، لمعرفة إلى أي مدى يمكنك أن تحرز تقدمًا اليوم وغدًا متجاوزًا الأمس .

وللتجربة باستمرار بتوسيع المجالات وليس فقط كفاءتك ، ولكن بقدراتك على زيادة تلك الكفاءة ، وهذا ليس واضحًا بالنسبة لي . الحد الأعلى لذلك يتناسب مع الجهد الأخلاقي الذي تبدله . كلما استرشدنا بأعلى الرؤى الممكنة ، صحيح . التحالف مع أعلى ما يمكن تصوره من الخير . وكلما كان مدفوعاً بذلك .

كلما كان مصحوبًا بالحقيقة في القول والعمل ، كلما طورت إمكانياتك ، وأعتقد أن هذه الإمكانية غير محدودة في الاتجاه التصاعدي ، أكثر مما هي غير محدودة في الاتجاه الذي يجذب الناس إلى الجحيم السياسي والاجتماعي الذي كثيرًا ما يميز العالم الذي نعيش فيه . وهكذا ، أفترض أنك ايضاً ، يجب أن تكون على استعداد للقيام بذلك كمغامرة .

لأنه شيء فظيع أن تتحمل هذا النوع من المسؤولية ، كما تعلم ، فأن هذا يأخذ الشخص خارج المألوف ، ينزعهم عن أنفسهم . هناك اغتراب وعزلة مصاحبة لذلك ، وحزن عظيم ، كل ذلك معًا ، لكن هناك معنى عميق في ذلك . وليس هناك ما هو أفضل يمكنك القيام به ،

ترجمة : winners Team

تيّة الصعود و السقوط بين أجنحة أفكارك ..

نوره بابعير

تيّة الصعود والسقوط بين أجنحة أفكارك..

-اختلاق الأفكار من أهم الدوافع التي تهيئ للإنسان قابلية التوسع و النضوج الملحوظ في إضافة سمات جديدة لذاته.

-متى تدرك أن أفكارك تحتاج إلى تغيير حينما تنبت في داخلك فكرة مغايرة لطريق مختلف عن السابقة لك وقتها تكتشف أن التغيير أصبح شيء ملزم في ذلك وأن انتباهك في هذا الأمر هو الأهم من كل شيء لأن الإنتباه يحرك ساكنك الداخلي تجاه أمر لا يشبهك ولكنه يحتم عليك التشريح في وصفه و جدواه منك .

-أن العقل السليم مقيد بالفكر الحكيم ، وأن الأفكار هي من تولد لك كل ما ذكرته من قبل لأنها تمررك في سطحية بدايتها لكنها لا تنهي مرورها إلا وقد اعطتك ما تستحقهُ منها .

– التصادم الفكري يفتح الآفاق بين تعاكس المعنى في أعجوبة الفهم البشري ، حينها كل إنسان يعلن فكرهُ بالمعنى المستحقة رغم أن المعنى دائمة التنوع بتنوع العقل و مستوياته المخزونة في ذاكرة الإنسان والاختلاف الذي يميزهُ عن غيره .

-التناقض الفكري مجهر الحياة والإنسان ، كلما وقعت به زادت مساحاتك الفكرية وكلما زادت مساحاتك تمكّنت قدراتك من مواجهة الحَيَاة بالاتزان المطلوب .

_ التأمل يجلب الفكر الدقيق في وصفك للأشياء و موقفك منها ، يعطيك أحقية التشريح من جميع زواياها ، لتدرك كل الإدراك فيما تعنيه منها ، الوضوح الذي يحدث حينها قد يأتيك من السكوت الذي جعلك بالتحديق إليها ، لذلك تتميز أفكارك التأملية عن عجلة أفكارك في الحياة وصخبها .

-الإقناع بالفكر من الأقوى الفرضيات العقلية في القبول بالشيء ربما قوة الحجة فيها تثبت قابليتها أو احتياجها المنطقي يجعلها تأخذ الحيز الأكبر في إقناعها .

-الحوار يولد للفكر قيمته يحرك ساكن العقل بتشغيل فكرهُ الدائم اتجاه المناقشات الفردية و الاجتماعية ، يضيف للتوسع والاسترسال قدرة كافية في مخارج استيعابها لكل ما يحدث معها ، تبين لك توازن الحوار بنفس المستوى الواعي في إنهاء رسالة معينة تليق ببداية حوار العقل و إيصال المغزى من ذلك الخيار .

-غالبًا التغيير يحدث ، من صحوة الأفكار الخاملة بك ، مجرد ما تعلن صحوتها بك تلزمك بالعديد من الأشياء لتحرك دوافعك لها و اندفاعك عنها ، لتبقى متغيراً فيما يحقق لك التطوير .

-هناك اختلاف بين الباحث عن الأفكار وبين المقلد لها ، الأول يريد بنائها من بنيته الداخلية الخاصة المجردة من تداخلات غيره ، أما الآخر فهو لا يبالي للفكر ولأهمية تطويره فيجد الأخذ بأفكار الآخرين من أسهل الأشياء في تغيير حياته ، رغم أن التغيرات التي تحدث مع الإنسان لايمكن لها أن تشبه غيرها فلكل إنسان ميزة وضعت به ليدرك التغيرات الحاصلة من حوله .

في أجنحة الأفكار تأخذنا أفكارنا حيثما نريد وأين نقف على أكتافها ، والإدراك الذي يحدث من خلفها هو نتيجة مفهوم تكون من محاولات عدة ربما باتت بالفشل وأخرى بالنجاح ، ولكن يعود الأساس عند خيار الإنسان في قابلية فهمه للأشياء ، أن يفهم معنى الفهم بالوعي التام سوف يدرك القيمة المطلقة في بناء افكاره كلما قلة به زادت رغبته في تحسينها .

الفن الروائي في الأدب الانكليزي

سلام التميمي

الفن الروائي في الأدب الانكليزي

ماكنت لألصق مثل هذا العنوان الذي يوحي بالشمول على هذه المقالة القصيرة التي تفتقر بالضرورة إلى أي نوع من الأكتمال، عن موضوع قد تذهب بنا معالجته معالجة تامة بعيداً، وقد تكلم عن هذا الموضوع السيد والتر بزانت تحت نفس العنوان، في محاضرة التي ألقاها في المعهد الملكي تدل فيما يبدو على أن الفن الروائي يثير أهتمام كثير من الأشخاص، الذين يعبئون بمثل هذه المحاضرات، التي يحاول أولئك الذين يمارسون هذا الفن ابداءها عليه، ولذا فأني حريص على أدع هذه الفرصة المواتية تمر دون أن أزج ببضعة كلمات، مستغلاً ذلك الأهتمام الذي لابد أن السيد والتر بزانت قد أثاره، فمن المشجع جداً أنه قام بالتعبير عن بعض آرائه في سر قص القصص .
ففي ذلك دليل على الحياة وحب الأستطلاع _ من جانب الروائيين ومن جانب القراء على حدٍ سواء، فمنذ فترة وجيزة كان من الممكن أن يفترض المرء في الرواية الأنكليزية غير صالحة للمناقشة أو مشكوك فيه كما يقول الفرنسيون، إذ لم يكن يبدو أن ورائها نظرية أو عقيدة أو أحساس بذاتها _ أحساس بأنها تعبير عن عقيدة فنية، وليدة الأختيار والمقارنة، لأنني لا أزعم أنها كانت بالضرورة أسوء حالاً نتيجةً لذلك، إذ يعوزني ذلك القدر من الشجاعة الذي يمكنني من أن أزعم أن شكل الرواية كما كان يراه ديكنز ووليم ثاكري مثلاً كان يتسم بشيء من عدم الأكتمال، ولكن الرواية على أي حال كانت ساذجة، ومن الواضح أنه إذا كان من المقدر لها أن تعاني بشكل ما نتيجة لفقدها هذه السذاجة، فمما لا شك فيه أنها تنوي أن تعوض ما تفقده من مزايا، فقد أنتشر في الفترة نفسها أحساس مريح، لطيف المزاج، بأن الرواية هي رواية وكل ماعلينا فعله تجاهها هو أن نهضمها بالقراءة، ألا أنه في الفترة الأخيرة _ فترة نهوض الرواية الانكليزية _ ولسبب ما ظهرت علامات تدل على عودة الحيوية إلى الرواية، ويبدو أن عصر النقاش قد بدأ لحدٍ ما، والفن يعيش على النقاش وعلى التجربة، على حب الأستطلاع وعلى تبادل الآراء ومقارنة وجهات النظر، وهناك أعتقاد بأن تلك الأوقات التي لا يجد المرء فيها شيئاً مفيداً يقوله على الفن الذي يمارسه أو سبباً يبرر به تفضيله له على غيره من أنواع النشاط ليست أوقات تطور، بالرغم من أنها قد تكون أوقات مجيدة، بل قد تكون أوقات ركود إلى حدٍ ما، أن ممارسة أي فن بنجاح أمر يبعث السرور إلى النفس، ولكن مناقشته مناقشة نظرية أمر شيق أيضاً ومثير للأهتمام، وبالرغم من وجود الشيء الكثير من هذه دون تلك فأني أشك في إمكان تحقيق نجاح حقيقي على الأطلاق، دون وجود عقيدة راسخة كامنة، فالنقاش وتقديم مقترحات والتعبير عن الآراء كلها أشياء مخصبة عندما تتسم بالصراحة والأخلاص، ولقد قدم السيد بزانت مثلاً رائعاً لذلك بتحدثه عما يعتقد أنه الطريقة التي يجب أن تكتب بها الرواية، والطريقة التي يجب أن تُنشر بها كذلك، إذ أن رأيه بالفن الذي تكلم به في محاضرته يعالج ذلك أيضاً، ولا شك في أن غيره من العاملين في نفس الميدان سيتابعون معالجة الموضوع، وألقاء الضوء عليه بما لديهم من خبرة فتكون النتيجة دون شك أزدياد أهتمامنا بالرواية عما كنا نخشى ألا يتحقق، طوال فترة من الزمن سيصبح أهتماماً حيوياً، نشطاً، لا يكف عن التساؤل .
يجب على الرواية أن تأخذ ذاتها مأخذ الجد ليأخذها الجمهور مأخذ الجد، فمما لا شك فيه أن الخرافة القائلة بأن الرواية أثم قد ماتت في إنكلترا، ولكن روحها مازالت باقية في تلك النظرة غير المباشرة التي ينظر بها إلى أية قصة لا تعترف بشكل أو بآخر بأنها ليست سوى مَلَحَة، وحتى أكثر الروايات مرحاً تشعر إلى حدٍ ما بثقل هذا الحكم الذي كان يوجه من قبل ضد الخفة الأدبية، فالخفة لا تفلح دائماً في أن يتقبلها الناس كأمر معترف به، فما زال الناس يتوقعون بالرغم من أنهم يخجلون من المجاهرة بذلك، أن يتقدم الأنتاج الذي لا يعدو أن يكون لعباً تمثيلياً _ وهل القصة غير ذلك؟ _ بتبرير لوجوده أو أعتذار منه، أي أن يرفض التظاهر بمحاولة تمثيل وتصوير الحياة فعلاً، وهذا بالطبع ما ترفض أية قصة عاقلة يقظة أن تفعله، إذ سرعان ما تدرك أن ما يمنح لها من تساهل نتيجة لهذا الشرط، ليس إلا محاولة لخنقها، محاولة تخفي وجهها الحقيقي خلف قناع من الكرم، فإن العداء التقليدي للرواية الذي كان صريحاً بقدر ما كان ضيق الأفق، والذي كان يعتبرها أقل نفعاً للجانب الأزلي في الإنسان من المسرحية، كان في الواقع أقل إحتقاراً لها من ذلك، أن المبرر الوحيد لوجود الرواية هو
أنها تحاول بالفعل تصوير الحياة، وعندما ترفض هذه المحاولة نفس المحاولة التي نراها على لوحة المصور، فأنها ستكون قد وصلت إلى حالة غريبة، لا يطلب أحد من الصورة أن تتواضع لكي نغفر لها وجودها، والتشابه بين فن الرسام وفن الروائي في رأيي تشابه تام فمصدر الوحي فيهما واحد وعملية الأبداع في كل منهما هي نفس العملية مع أختلاف الوسائل، ونجاحهما أيضاً واحد، وبوسعهما أن يتعلما كلٍ من الآخر، وبوسعهما أن يشرحا ويساندا بعضهما الآخر، فقضيتهما واحدة ومجد الواحد هو مجد الآخر، يعتقد المسلمون أن الصورة شيء غير مقدس ولكن وقتاً طويلاً قد مضى منذ كان يعتقد أي مسيحي ذلك، ولذا مما يبدو أكثر غرابة أن يبقى في العقل المسيحي آثار شك وإن كانت مقنعة في القصة، وهي أخت الصورة إلى هذا اليوم، ولعل الطريقة الوحيدة الفعالة للقضاء على هذا الشك هي تأكيد التشابه الذي أشرت إليه منذ لحظة أي الأصرار على أنه كما أن الصورة هي الحقيقة فالرواية تاريخ، وهذا هو الوصف الوحيد العام الذي يمكننا أن نصف به الرواية، فالتاريخ يسمح له أيضاً بتصوير الحياة ولكنه مثله في ذلك مثل التصوير غير مطالب بالأعتذار ومادة الرواية مثل مادة التاريخ مخزونة أيضاً في الوثائق والسجلات، وحتى لا تفصح عن ذاتها كما يقولون لابد أن تتحدث بثقة، بنبرة المؤرخ، لقد أعتاد بعض الروائيين الذين أكتملت لهم جميع المزايا، أن يكتشفوا عن أنفسهم دون قصد بطريقة كثيراً ما تبعث الدمع إلى عيون أولئك الذين ينظرون إلى قصصهم نظرة جدية، ولقد أستوقف نظري وأنا أقرء الكثير من صفحات أنتوني ترولوب أفتقاره إلى الحكمة في هذا الصدد، فهو يعترف للقارئ في فقرة أستطرادية بأنه هو وهذا الرفيق الطيب أنما يوهمان أنفسهما بوجود ما ليس قائم بالفعل، ويعترف بأن الأحداث التي يرويها لم تحدث بالفعل، وأنه يستطيع أن يوجه قصته أية وجهة يريدها القارئ، وأعترف أن مثل هذه الخيانة لمهمة الروائي المقدسة، تبدو لي جريمة مروعة وهذا هو ما أعنيه بموقف الأعتذار، وهو يصيبني بصدمة لا تختلف في شدتها عندما يكون المتحدث ترولوب عما لو كان المتحدث جيبون أو ماكولي .

موظف في كلية دجلة الجامعة

سلام التميمي

من أجل فرجينيا وولف

لقد قيل أحياناً إن فرجينيا وولف في أهتمامها المُعلن بالوعي بوصفه ” هطولاً لا ينقطع من الذرات اللاتحصى ” وفي توكيدها على ظاهرة التأمل الذاتي الذي يدوم برهة قصيرة, قد عزلت نفسها عن التيارات الرئيسة في الحياة الحديثة, ورواية ” بين الفصول ” قد بعثت هذه الفكرة, فقد قال عدد من النقاد أنهم وجدوا في كتابها الأخير دعماً جديداً للفكرة الغربية التي مفادها إن مؤلفته فنانة عظيمة ولكنها في الوقت نفسه فنانة لا قيمة لها, وهذا القول المُتناقض يعترف بصعوبة إكتشاف أي جريان درامي خلال كل صفحاتها ذات الومضات الواهنة أو أي تطور للأحداث الجلية الصريحة التي تتناول قيماً ذات إهتمام واسع لدى الناس في الوقت الراهن, ولكن على الرغم من أن رؤياها للهالة اللامعة للواقع لقد حيرت كثيرين ممن سحرتهم هذه الرؤيا في الوقت نفسه, فربما تكون روايتها ” بين الفصول ” قادرة على أن تجتذب عدداً من القراء إلى مقربة منها, وذلك بإن تعرض لهم أن التأمل الذاتي في رواياتها ليس غريباً غرابةً مقصودة ولا هو تأمل ذاتي تقوم هي بتعظيم شأنهُ من غير إحساس نقدي, وكذلك تعرض لهم هذه الرواية إن فرجينيا وولف تقوم فعلاً بالربط بين الفردية الذاتية والنظام الأجتماعي .
تبدو روايتها الأخيرة ” بين الفصول ” عملاً بارزاً في سلسلة أعمالها الكاملة, فأنها تُعالج مُعالجة قديرة بعضاً من أشد المواد المُعاصرة صعوبة وإلحاحاً معاً, وإن إعادة النظر في أعمالها الأولى, وهي إعادة تحث عليها هذه الرواية, لابد أن تكشف من داخل لمعانها شيئاً مُشابهاً لهذه القوة الحادة التي نجدها في روايتها الأخيرة, وأهتمام فرجينيا وولف بالحساسية لم يكُن غرقاً في هذه الحساسية وضياعاً فيها, فلقد حاولت أن تحكم على أهواء العقل الواعي بذاته بوصفِهِ حقيقة تاريخية, أي على أنهُ ثمرة عصر النهضة والعصر الرومانسي بل ربما كان أيضاً نمواً لا يمكُن تفسيره لشيء جاء في أوانه, وقد نظرت فرجينيا وولف في هذه المُعطيات المُحيرة الموضوعة على الطاولة من قبل كثيرين من أولئك المشغولين بالمشكلات الأجتماعية والسياسية .
وفي رواية ” أورلاندو ” تلك الفنتازيا الدينامية حول روح التاريخ الإنكليزي, أظهرت فرجينيا وولف وعياً بالتحول والتخصص في إستجابة العقل للمحيط الدائر حوله, وفي رواية ” السيدة دالاواي ” قامت وولف بدراسة شمولية ساخرة بشأن الحساسية الحديثة, وذلك على مستويين, مستوى إنغمار السيدة دالاواي المحمي ذي الأمتيازات, وعلى مستوى العائد من الحرب المصدوم بفعل القنابل وتفسخه الشديد, ورواية ” بين الفصول ” تدمج هاتين الثيمتين الموجودتين في كل من رواية ” أورلاندو ” ورواية ” السيدة دالاواي ” وتستكشف أبعد منها المكانة الشخصية والأجتماعية لبعض الناس الإنكليز في أيام أندلاع الحرب العالمية الثانية .
والقضايا المطروحة في الرواية الأخيرة قضايا جديدة, فالآن لاتوجد السيدة دالاواي وأمثالها في مُنجاة من صدمات الحرب, سواء المباشرة منها أم غير المباشرة, وإذا ما كانت هذه عسيرة على أن تتحمل من مثل حساسيات راقية فتاريخ إنكلترا هذا أذن قد يكون وصل محطته النهائية, وقد ينهار أورلاندو أو إذا ماكان لإنكلترا أن تبقى وتصمد, فإن روحها اذن قد تمر في تبدلات أشد حده حتى من التحول من الذكورة إلى الأنوثة الذي عاناه أورلاندو في بداية القرن الثامن عشر, ألا إن رواية ” بين الفصول ” أبعد ماتكون عن الدلالة على إن مثل هذه التعديلات ستزيل الحركة الحرة لتداعي الأفكار وتيار الوعي, وعلى الرغم من إن أهواء السيدة دالاواي الفكرية تظهر داخل جَو حطمتهُ الحرب وإن السلام المؤمل قد لا يستطيع أن يُعيدها إعادة كبيرة, فإن هذه الأهواء الفكرية تأخذ تلوينها من المحيط وأنها لتبدي وظيفة متطورة للذكاء الذي لايحتمل أن يتهاوى تحت ظروف سياسية وإقتصادية جديدة, مهما يكُن الأنتقال بين العهدين مؤلماً, وهذه الذبذبة في الخيال وهذا الوهج في الوعي يُشار إليهُما على أنهما خصيصتان إنسانيتان تثيران بفعل التمثيل الإضافي الذي يقوم بهِ سيبتيموس في الرواية, وإن مصيره نقيض مصير السيدة دالاواي لسبب صدفة أحدثتها الظروف, غير إن المزاجين ينتميان إلى المعدن ذاته, وإذا كانت فرجينيا وولف قد شكت في قدرة أي من هذين الطرازين من البشر على البقاء بوصفهُما شخصيات, فلا أهمية لأي شيء يحدث للأفراد المُحيطين بهما ولا للتغيرات التي مرت على طبيعتهُما وإذا كان لدى فرجينيا وولف مخاوف بإن الأرض سيرثها جنس جديد من الناس الذين يتحركون تحركاً ميكانيكياً, بحيث يكون مُعتذراً أن يؤثر فيهم أية مؤثرات سوى تلك المسموح بها والمؤثرات المُقننة المشهود عليها, وبحيث يصبحون عديمي القدرة على التجوال الفكري, فلابد أنها وضعت تلك المخاوف جانباً, وقامت والقنابل تنهال على إنكلترا بكتابة شهادتها الأخيرة .

موظف في كلية دجلة الجامعة

سلام التميمي

الرواية في عصرنا

كتب الناقد والمؤرخ الأدبي جورج سانتسبري في عام 1926، وهو زمن ليس بعيداً في التاريخ، قائلاً أنهُ لايجد مُدعاةً لكل ذلك الأهتمام بالتكنيك الذي عاصرهُ، ففي الفن كما قال ” يكون التكنيك ذا منفعة لا تُذكر بالنسبة لك وهو في الوقت ليس أمراً قليل الخطورة “، وأستخدام التكنيك كان يعني في نظره كتابة صاحبها شديد الشعور بذاته وشخصيات تولد ميته، فالروائي لا يُمكن أن يتعلم التكنيك فهو أما أن يكون قادراً على الإمساك بحكايته من أطرافها وخلق شخصيات مُلائمة لها، وأما أنهُ لا يستطيع أن يفعل ذلك _ أي هو أما أن يكون قادراً على أن يصبح روائياً وأما أنهُ لا يستطيع ذلك _ ، وليس لنا أن نستنتج من ذلك أن الرواية في أعتقاد سانتسبري لم تكُن تزيد على أن تكون حكاية فيها شخصيات تبعث على الأهتمام كما يكون فيها أحداث مُثيرة، وكما يبدو فأن سانتسبري لم يكُن يعتقد بأن أشكال المعرفة أو وجهات النظر للواقع التي يكون الروائيون قد حازوها وطرحها القرن الذي يعيشون به تلزم الروائي على إيجاد أشكال تكون مُلائمة أفضل التلاؤم مع التعبير عن تلك المعرفة والوجهات .
ومما يدهشنا أن سانتسبري تعرف على أعمال هنري جيمس و جوزيف كونراد، إن لم نقل على أعمال غيرهم، لم تجعل من البَيِن الذي لا لَبسَ فيه لدى سانتسبري قيمة أنواع معينة من التكنيك مثل قيام هنري جيمس بأداء الرواية بدلاً من القيام بالأخبار عن أحداثها، وكذلك وضع جوزيف كونراد لراوي الرواية داخل الحكاية إبتغاء عكس صورتها وإيضاحها، لقد دعا فورد مادوكس هنري جيمس و جوزيف كونراد بأنهما ” سحابة غريبة ” كانت في أثناء عبورها فوق الأرض التي تحيا عليها الرواية الأنكليزية قد تركت وراءها شعوراً بأن الحكاية البسيطة قد أنتهت، ومن ذلك الوقت أصبح للروائي إحساس أعظم بذاته، وكان من المُحتمل إذا أستخدمنا تعبير جوزيف وارن بيتش أن ينتج الروائي ” رواية مصنوعة صناعة جيدة “، ومنذ عام 1885 كما أستطرد وارن بيتش في القول أصبح هناك أهتمام مُتعاظم على الدوام بالشكل كما بُذِلَ مجهود من أجل جعل الرواية تختلف قدر الأمكان عن المقالة الفلسفية والسجل التاريخي للأحداث وهما الأمران اللذان كانت الرواية في البداية مُتصلة بهما أقرب الأتصال .
على أنهُ من الناحية الأخرى جرى النظر إلى ” الرواية المصنوعة صناعة جيدة ” على أن فيها محدودياتها، ومن تلك المحدوديات أن مادة الرواية قد حددت تحديداً مُتشدداً وأنها قد أشبعت بالدقة الشكلية وأن فيهـا لطافة مشعوراً بها، كما أنها تخلو من الفيضان العاطفي والفكري، وكانت ردود الفعل كثيرة، ومن بينها الطلاق الذي حدث مع اللطافة والعذوبة كما نجد ذلك في واقعية سنكلير لويس وتيودور درایزر، وكذلك محاولة إصطياد المشاعر التي تقرب من وتندمج مع اللاوعي وتيار الشعور الذي يجرى بين الشخصيات كما فعل د. هـ . لورنس، ثم هناك محاولة التركيز على التشابك تنوع للأفكار والمشاعر والتأثرات في دواخل العقول الفردية كما فعل جيمس جويس وفيرجينيا وولف، ونضيف إلى هذا ذلك الأهتمام وضع وجهات نظر مُتعددة جنباً الى جنب كما فعل كل من أندريه جيد والدوس هكسلي، وكل من هؤلاء الروائيين قد حاول أن يجد شكلاً يستطيع معهُ أن يموضع فهمه لعصرنا، أن يصوغه صياغة درامية .
كل هؤلاء سواء أردنا ذلك أم لم نردهُ، ينتمون الى زماننا ونحن إليه وليس إلى غيره لأنهُ قام بتشكيل كياننا، وإذ عشنا فيه فأننا لن نستطيع أن نكون مرتاحين في أي زمان غيره، وعندما نستجيب إلى معرفة عصرنا وتعابيرهُ فإن حساسياتنا تكون إلى حدٍ ما مخلوقة لنا خَلقاً، إن فن كل الفترات فيه تماثلات غير إن فن كل فترة يكون فيه، اضافة الى التماثل طابعاً خاصاً بها، والأمر لا ينطوى على تقلب المزاج في كون الأشكال الأدبية تتخذ من عصر إلى عصر صِيَغاً مُختلفة أو أنها تُهجر وتُلغى، فهُناك بالتأكيد التقليعة أو الموضة يكُمن وراء هذه التبدلات في الشكل، شيء أكثر من مُحاكاة الطليعة الفنية مُحاكاة فردية وهي المُحاكاة التي تهوى التغيير من أجل التغيير فحسب، ذلك أن روح هذه الأشكال الفنية وأنواع المعرفة المنطوية عليها تتغير وبذلك تجعل من الضروري خلق أشكال جديدة، فالقارئ المُعاصر يستطيع أن يَلْتذَّ بأقصوصة طويلة أو بدراما بطولية ولكنهُ لا يقدر أن يستذوق أياً منهما إذا ما كتبهُما كاتب قصـة أو درامي ينتميان إلى القرن العشرين، ومن أجل أن يكون الأنسان وفياً لفنه لابد أن يكون وفياً لعصره، إذ ينبغي عليه أستخدام المواد الأولية التي يقدمها إليـه ذلك العصر .
لقد أشيد بكل من هنري جيمس وجوزيف كونراد، حسب طريقة كل منهُما، لأنهُما يمتلكان سيطرة على النبرة، أي أنهُما قادران خلق وحدة من الشعور والمزاج النفسي بواسطة الأبقاء طويلاً على الذبذبات الأنفعالية، بدرجات مُلائمة من الحدة خلال كل واحدة من رواياتهم، وأن هذا الأنشغال ضروري للروائي الذي يعطينا أما الشعور بموقف معين أو بنبرة مُجتَمَعِهِ، فالثيمة والموضوع يتم السيطرة عليهُما لا على أساس من التجريد أو على أساس أنهما أحداث تقع على السطح بل تتم السيطرة عليها بما فيهما من شعور أنفعالي وأصداء صوتية خافية، ولدى التحليل يجد المرء مراراً وتكراراً أن الذبذبات والشعور تسببهما رمزية مركزية أو هما يخلقان بفعل مجموعة من المجازات مُتصلة فيما بينها .
وعلى ذلك فالروائيون الذين إنشغلوا أشد الأنشغال بمشكلات التكنيك إنما كانوا يحاولون الكشف عن وسائل يستطيعون معها أن يجعلوا المواقف المُتعددة مصاغةً أفضل صياغة درامية لنا، وعلى سبيل المثال فأن الناقد ” ألين تيت ” في تحليله لرواية مدام بوفاري يُركز إهتمامه على حادثة واحدة وهي أزيز مخرطة المعادن والخشب وهذا التركيز يساعدنا على أن نتعرف على ما يجرى في عقل إيما بوفاري، ففلوبير مؤلف هذه الرواية يستخدم تكنيكاً كان إليوت سيدعوه بالمعادل الموضوعي، ويقول ” ألين تيت ” أنه من خلال هذا التكنيك وما يشابهه ” لحقت الرواية في النهاية بالشعر” .
‎ويُنظر للتكنيك أيضاً على أنهُ مُعالجة لمادة الرواية وموضوعها وذلك من أجل أن تُثار في داخليتها حيويةٌ تتوافق مع نوعها الفريد الخاص بها وذلك فيما يتعلق بالأسلوب، ولقد أظهر لنا ” روبرت بین وارين ” المُلاءمة الخاصـة للأسلوب المشدود المُنطوي على عبارات ذات مقطع صوتي واحد في كتابات همنغواي الأولى الذي كان يعتقد بالنادا _ اللاشيء باللغة الاسبانية كما جاء ذكر هذه الكلمة في قصته القصيرة ” مكان نظيف حسن الاضاءة ” _ أما ” مارك شورر ” فيُلاحظ أن مما يزيد فهمنا كيف أن مثل هذا الأسلوب ينهار ويصبح غير مُلائم، يصبح موضـوع همنغواي مُتغيراً بتحوله نحو التوكيد الاجتماعي، لقد كان أسلوب همنغواي الأول متوافق مع مجموعة من المواقف التي نجمت بعد الحرب العالمية الأولى، ويقول ” مارك شورر ” أن على المرء أن يُصحح ما قالهُ الكاتب الفرنسي بوفون : ” وهو أن الأسلوب هو الرجل “، أو نقول ” أن الاسلوب هو الموضوع ” لكي تصبح المقولة مُلائمة، أو ربما وَجَبَ علينا أن نقول أن الأسلوب حين يكون أجود ما يكون إنما قيمتهُ وحساسيته تُعبر عن نفسها في صيغة مُلائمة لموضوع مُعين وأن الأسلوب حينما يكون مُلائماً فهو جزء من المعنى، والأسلوب أيضاً تعبير عن روح مُحركة نحو غاية ما وعلى هذا فهو تعبير عن حقبة ما أو ثقافة معينة .

موظف في كلية دجلة الجامعة

سلام التميمي

عوالم التخييل عند الروائيين

إن كتاباً من أمثال ديكنز وكافكا وبروست هم الذين يبسطون عالمهم المطبوع بطابعهم على مجالات تجاربنا، ذلك أن الروائي يقدم عالماً أكثر مما يقدم قضية، أو حادثاً، أو شخصية، فالروائيون الكبار جميعهم يملكون مثل هذا العالم، ويمكن التعرف إليه بأعتباره يفيض ويتداخل مع العالم التجريبي، وأن كل متميزاً بكونه قائماً بذاته ومفهوماً بذاته .
ذلك أن الأدب عالم مغاير، ألا أن الرواية حالة خاصة ضمن هذا العالم، حالة مرتبطة بالتاريخ، فهذا العالم لكي يكون عالماً يجب أن يوجد في زمان ومكان، وأن تجري فيه أحداث بحسب قانون مرسوم ومعلوم، وبذلك لاتنقل الرواية عالماً من الحياة، بل عالماً شبيهاً بالحياة في أحداثه ومجرياته، فالناس في الحياة يتزاوجون ويتحاربون ويتخاونون ويتلاومون وكذلك في الرواية، إلا أن الرواية تخلو من هذا التسرب البطيء في الزمان مثلما تخلو من الأحساس بإنفلات العالم وسيرهُ البطيء .
أن الهدف الأمثل للروائي أن يخلق عالماً محدداً، وكل تحديد عزل وأستقلال وأنفصال وتخصيص، والعزل الذي نعنيه ليس إنعزالاً عن العالم، بل هو عزل لحالة معينة من حالات الحياة عما عداها من شؤون الفكر والحياة، فأوسع الروايات شمولاً كالحرب والسلم أو أعمقها فكراً وأنشطها تجسيداً كالأخوة كرامازوف هي _ في واقعها الفني _ حالة معزولة عما سواها من شؤون الحياة الأخرى وبقية البشر الآخرين، ومع ذلك فهذا العزل بالذات هو الذي يؤسس علاقة الرواية بالواقع وشبهها بالحياة، فحين ينجح الروائي في إنشاء عالم خاص يكون قد نجح في إنشاء صلة لروايته بالحياة، ذلك أن الأدب تخييل أي أن الفنان أو الأديب يُخَيل لنا، يُوقع في روعنا، ويجعل الأمور تتراءى لنا، أن مانسجهُ من بنات أفكاره وخياله هو صورة عن الواقع، حدثت أو قابلة للحدوث، فالمهم أن تدخل الحادثة في حيز الأحتمال، وهذا ما أتفق عليه الباحثون في شرح كلمة أرسطو عن أن الشعر أكثر نزوعاً فلسفياً من التاريخ، فالتاريخ يعالج ماكان هو محدود في الواقع وماكان من أمور، في حين أن الأدب محدود بالتخييل أي بكل مايجوز أن يقع الأدب تخييلي، أي أنه محاكاة للواقع وللحياة، غير أنها محاكاة منتقاة، فالفنان أو الأديب لا يحاكي أحدهما كل ماتقع عليه عينه من شؤون الحياة بل يقتصر من ذلك على مايخدم هدفه في وحدة التأثير وفي العرض الذي يشبه البرهان على رأي غير منطوق، هو موقفه من الحياة أو نظرته الشاملة إليها، وفي مقدرة الفنان على الانتقاء وتنظيم المواد يُكمن مفعول التخييل، تأثير الأديب في النفس ومكانته من مجمل التجربة الأنسانية، وأعتقد أن تأثير الأدب في النفس _ بأعتباره ناتجاً عن أنتقاء المواد وتنظيمها وتكثيفها _ هو من جملة الأسباب التي دفعت بأفلاطون وكل من يتخوفون من الأثر الضار للفن إلى رفضه، فإذا أخذنا الرواية مثلاً لنا وجدنا أن الروائي وهو يعرض حالة معينة يسوق الأشخاص ويحلل الدوافع ويجند الظروف والصدف كلها بإتجاه واحد، مما هو مقنع ولكن لامثيل له في الحياة الواقعية، لامثيل له في كثافته وتساوقه وإنسجامه وتوارده، إن تأثير الرواية _ وكل الأدب _ مقنع وخطر، وخطره في إقناعه بأمكان إيجاد مثل هذه المشاعر والأحداث، علماً بأن من الصعب أن تجود الحياة على المرء بمثل تلك الكثافة والتنظيم .
ولكي لايكون المقال مطول سأكتفي بنقل أقتباس للناقد البريطاني ريتشاردز ذكره في كتابه ” مبادئ النقد الأدبي ” يقول فيه : ” أنني لو قلت أن معظم الشباب من الطبقات العليا والوسطى يتلقون تعليمهم الخلقي من الروايات التي يقرؤونها لأتُهمت بأنني أبالغ في تأكيد سلطان الروائيين، إذ ستتذكر الأمهات بلا شك ما يقدمنه من دروس عذبه، وسيتذكر الآباء تلك الأمثلة التي يقدمونها لأبنائهم لكي يحتذوها، وسيتذكر المدرسون ما يعطونه لتلاميذهم من نصائح وإرشادات رائعة، أن البلد الذي يكون فيه مثل هؤلاء الأمهات والآباء والمدرسين إنما هو بلد سعيد جداً، ولكن الروائي يزحف بخفة صوب الشبان حتي يصبح أقرب إليهم من آبائهم ومدرسهم بل أقرب إليهم من أمهاتهم، انه المرشد المختار، المعلم الذي تصطفيه الشابة لنفسها، فهي تخلو به وتجلس إليه دون أن تظن أنه يلقنها درساً، وإذا به في هذه الخلوة يعلمها كيف تحب وكيف تستقبل حبيبها حينما يأتي إليها، وإلى أي حد يجب أن ترضيه ولماذا ينبغي لها أن ألا تصارحه وتنغمس مباشرة في هذه النشوة الجديدة “، وأنا مع هذا الروائي في الرأي، خاصة في أمة فقدت سلم القيم في حياتها التربوية ، وصار على الناشئة أن يلتقطوا قيمهم ويرتبوها من السينما ومن وسائل الأعلام ومن الكتب، شرها وخيرها على السواء .
أما كلمة ” تخييل ” فلها قصة طريفة، ذلك أنني حين كنت أٌقرأ كتاب ” نظرية الأدب ” للناقدين الأمريكيين ” أوستين ارين و رينيه ويليك ” أصطدمت في الصفحات الأولى بمصطلح ” Fiction ” ولم أجد له في قواميسنا ولا آثارها النقدية المعاصرة عديلاً ولا كفوءاً بين المصطلحات المستعملة من ” إيهام “، ” أختلاق “، ” توهم “، ” خيال ” … ألخ، وفي قراءة أخرى لكتاب ” تاريخ النقد الأدبي عند العرب ” للأستاذ الدكتور إحسان عباس، وجدته يستعمل مصطلح ” تخييل “، وحين أوغلت في الكتاب وجدت أن الفارابي ينقل عن أرسطو أن الأدب تخييل فقارنت النص العربي مع الترجمة الأنكليزية فتطابق المصطلحان، وتبين لي أن كلمة تخييل دارجة في النقد العربي القديم وأن لم يبقَّ منها الآن إلا قولنا ” خيلَّ لي أنك فعلت كذا وكذا ” .