خديعـة النفـس

الجازي مطر الشمري

هل تناسي الحزن نعمة؟
أم هـي خديعة مؤقتة للنفس!
أصبحنا لانستطيع التعايش مع الحزن لحظة، لأنه في كل لحظة يأتينا خبر محزن، وألمٌ موجع، وصديق يغادر، وأخ يفارق الحياة!
كيف نتعايش مع هـذا الشعور الموجع والألم يصحبنا من كل جهة، والخذلان يأتينا من كل صوب، والموت يتخطفنا من كل جانب، كيف لنا التعايش معه وقد يضيع عمرنا كله مصاحبةً له إن بقينا فيه، فكون أن تكون قابع في الحزن هـذا يعني أنك لن تشعر بالحياة والسعادة ماحييت، ولن تحقق أي حلم ولن تقاتل لأي هـدف!

انظر إلى أحوال المعزيين تشعر بكلماتهم ومواساتهم الاعتياد على هـذا، بل وبعضهم يتعجب لمَ كل هذا الحزن، ناهيك على التوبيخ الذي يأتيك إن بقيت تبكي،
تبكي فقط!

العالم يا سادة أصبح لا يتحمل الحزن بل وبالاصح لايريد لذلك الشعور أن يمتد
حتى وإن كان اعطاء النفس حقها بذلك!

طريقا للمعرفة – تشارلز تايلور

نوره بابعير

طريقا للمعرفة – تشارلز تايلور
.
أخال أن أوسع انقسام في فهم المعرفة من حيث هي كذلك يمكننا أن نقيمة بوضع العقلانية والتجريبي ، بل وحتى كَانط في جانب واحد و الرؤي التي تحاول تفكيك تلك الرؤية في فهم الأشياء ( والعالم ) في جانب الآخر .

ثمة حافز
-والذي يمكن أن نقول بأنه قد بدأ مع ديكارت، لديكارت شخّص من المفيد أن تبدأ معه . يحفز على بلوغ شكل من أشكال اليقين والسيطرة على حقل المعرفة برمته وذلك عن طريق فهم المعرفة بكيفية تمثيلية .

فما هي المعرفة ؟
ما قاله ديكارت يوما ، هي : ” تمثيل داخلي لواقع خارجي ” فنميز بين الداخل و الخارج تمييزًا واضحاً ومن ثم نفحص تمثيلاتنا ونرى ما يجعلها قابلة لأن يوثق بها ونبني على ذلك معرفة موثوقة هذه رؤية تعتبر أن المعرفة تكون بالوساطة إذ نعرّف العالم بواسطة شيء آخر بالنسبة لديكارت و لوك ، هذه الوساطة هي التمثيلات الداخلية ، أي ، ما يسميانها ” أفكارًا ”

والاختلاف بينهما اختلاق بالدرجة فإما أن يكون البناء بمساعدة عمليات فطرية أو عقلية أو بمساعدة التجربة فحسب لكنهما ما زالا ضمن الإطار العام لهذه الرؤية .

بالنسبة لكانط ،
الوساطة هي القالب المفهومي الذي نفرضه على العالم ، المقولات التي نفرضها على العالم لكن نرى مجدداً ، صورة الشيء القادم من الخارج والمقولة التي نفرضها عليه من الداخل أعتقد بأن الفكرة التي بدأت تبدا من جملة انتقادات مختلفة مثلا ، عند هايدغر ، أو ميرلو بونتي وأعتقد أنا شخصيًا عند فتغنشتاين الثاني ، بل وحتى عند هيجل قِبل ذلك نرى رؤية مختلفة للعالم اختلافا كلياً فبدلا من أن نرى العالم أو نعرفه بواسطة شيء ما سواء كان هذا ” الشيء ” أفكارًا أو قوالباً نفرضها عليه نرى الإنسان على أنه دائماً ، ومنذ البداية ، منخرط في العالم يطحنه ، ويتحسسه ويمسكه ، ويعمل به ، إلخ ومن هذه العلاقة المبدئية مع العالم ، تتطور تمثيلات معينة ، تعلمنا للغة يعني أن نعرف كيفية ترميز الأشياء المحيطة بنا على نحو معين لكن فهمنا لهذا العالم لا يتطابق مع هذه التمثيلات أبداً فنحن أساساً متواصلون مع العالم على الدوام ندفعه ، ونسحبه وأن نكون مدفوعين به و نتلاعب به ، ونمشي عليه ، و ” نتكيف ” معه و ” التكيف ” مصطلح عام ( يشمل ذلك كله )

فنحن ، في مستوى أعمق ، متصلون به دائماً ، إذن ، فأي نظرية تحاول أن تحصر فهم المعرفة في كيفية عمل تمثيلاتنا أو كيفية عمل بنية مفاهيمنا تفقد السياق الذي يمنح هذه الأشياء معناها تفقدكم قد نكون مبدعين وكيف يمكننا أحيانًا أن نتجاوز تمثيلاتنا عن العالم و نتعداها فلدينا هذا الحس العميق بأننا مرتبطون بالأشياء و يمكننا أن نتحدى هذه التمثيلات بناء على ذلك فرؤية الجانب الأول مبنية على فهم خاطئ على نحو عميق .

ثمة ما يحفزها
فحالما تتبنى هذه الرؤية التمثيلية للعالم فإن أمل الاستحواذ التام على العالم و الوصول إلى وضوح تام يصبح أملاً ممكناً بينما لو رأيت إنك متألف مع العالم أصلاً ، ستعرف أن تحقيق ذلك يتجاوز قدرتك إلى حد بعيد فالعالم خلفية يمكنك أن تلفظ جزءاً منه، لكن يستحيل أن تلفظه كله .

فينبغي عليك أن تتخلى عن أمل التحكم بعملياتنا المعرفية قِبل أن تنفتح على هذا الاستبصار الذي مفاده أن المعرفة لا تكون على هذا النحو .

أن المشروع المعرفي الذي استهله ديكارت قد سلك طريقًا خاطئاً منذ البداية قد تتحرك في نطاقه هنا وهناك من العقلانية إلى التجريبية ، و أن تحول العنصر الوساطي من تمثيلات إلى مقولات لكنك ما زلت تحوم حول أصل خاطئ و ما زلت تجري في الطريق الخاطئ .

ترجمة : رزم

ما السبيل للنقاش المثمر – جاكوب نيدلمان

نوره بابعير

ما السبيل للنقاش المثمر – جاكوب نيدلمان

الاستماع لشخص آخر بداية عميقة للأخلاق لماذا أقول ذلك ؟ لم أسمع أن أحدا قال هذا الكلام ، لكن لعل أحدا أفضل مني قاله .

أستعرض هذا بتجربة أجريها عادة دون أن أعي في بداية ثقلها الأخلاقي المهول .

هي تجربة سمعها كثيرون ، بل ويستخدمها المستشارون لكن ليس لهذه الغاية تحديداً وهي : دراسة الاستماع لشخص آخر .
التجربة : حينما يختلف شخصان عن موضوع مؤثر جداً وفِي الكتاب أستعرض مسألة الإجهاض والتي هي واحدة من أصعب المسائل في زماننا ، لأن كلا الطرفين لديه حجج قوية .

يأتي الشخصان في مقدمة الفصل ويطلب منهما الآتي : الشخص الأول عليك أن تذكر رأيك في مسألة الإجهاض (في هذا المثال ) وأن تذكره بإيجاز .

الشخص الثاني : يمكن أن ترد على الشخص الأول بشرط أن تلخص رأيه بطريقة يقبل بدقتها الأول . وعليك ألا تدلس .

أي أن الشخص الثاني يجب أن يكون دقيقًا جداً وعلى أن الشخص الأول ألا يكون رحيما وأن يقول : ” لقد نسيت هذه الجزئية ولا ليست كذلك ” .
وأنا – بصفتي مدير الجلسة – أقوم بهذه المهمة .

إذا قال الشخص الأول شيئًا وقال الشخص الثاني : أنت قلت هذا : فأجاب الشخص الأول ” نعم ، هذا قريب بما يكفي ”

فعلي أن أقول : لا ، هذا ليس قريبا بما يكفي ، حاول مجدداً، وحاول مجدداً، و حاول مجدداً . و يستمر الحال على هذا المنوال . إذ لا يمكن للشخص الأول أن يرد إلا إذا لخص رأي الشخص الثاني على نحو يقبله . واضح ؟ ويستمر الحال على هذا المنوال .

يقول الناس : بإمكاني القيام بذلك ، لكن الحقيقة أنهم يتافجئون من مدى صعوبة الأمر ، لأنهم يكتشفون أنهم غير قادرين على السماع كما كانوا يظنون وأنهم يستمعون إلى آرائهم معظم الوقت أو ينتظرون أن يلتقط الشخص الآخر أنفاسه ليباغتوه.

ينتظرون أن يفوزوا ..

أما إذا أرادوا الاستماع لتحقيق هذه الغاية فعليهم الرجوع قليلاً عن أنفسهم و آرائهم. وأن يخلقوا مسافة داخل أنفسهم وعقولهم وقلوبهم ليدخل الشخص الآخر .

ليس عليك أن تقتنع . أبداً.

بل عليك بكل بساطة السماح لهم أن يدخلوا وكأنك تضيف ضيفك بالشاي والكيك وتودعه ، لا تصعد به للدور العلوي ولا تقوم بشيء بل تجلس لتسمع وهذه هي بداية الأخلاق . هي بداية ما سيُصبِح مستقبلا القدرة على الحب .

لأنك لتسمع على هذا النوح عليك أن تتنازل عن كبريائك وأن تبتعد عن آرائك التي أنت متعلق بها والتي نريد أن نقتل لأجلها الذي يختلف معنا وهذا يستمر مرارا .

الذين يخوضون هذه التجربة رأيتهم مرارا ينتهون وهم مختلفين – وهذه ليست القضية – لكنهم يخرجون ممسكي الأيادي لأنهم أدركوا أن الذي أمامهم إنسان . وأن الذي يختلفون معه فكرة الشخص لا وجود الشخص ذاته .

بينما الآن لو اختلفنا بشدة فقد يصبح الأمر أقرب للاغتيال .

الذين يختلفون معك ينكرون ذاتك ويريدون قتلك بغضهم و هذا تمسك أناني .

ماهية الوهم والخيال وتأثيرهما بالحياة

مريم عادل

ماهية الوهم والخيال وتأثيرهما بالحياة
كنتُ اشاهد مسلسل (فرقة ناجي عطا الله) للزعيم “عادل امام” الذي قام بتجسيد دور ناجي عطا الله, في احدى حلقات ذلك المسلسل تقف القديرة رحمها الله “عصمت محمود” التي لعبت دور الحاجة ام امين على شرفة منزلها مساءا تنادي (امين امين انت فين؟!..حد شاف امين) كان ناجي غارقاً في شرح اسباب وطريقة سرقة البنك الأسرائيلي, مرَّ صبي المقهى بالصدفة فسألهُ عادل امام:
-بقلك ايه يبني متشفولها ده امين راح فين الست صوتها اتنبح من الصبح!
-سيبك منها يا باشا الست دي دماغها مش مضبوطة
اكمل عادل حديثهُ مع فرقته حتى جاء شخصٌ يعرفهُ يدعى فرج من تلك المنطقة وفي اثناء نقاشهم عادت ام امين لتنادي على ولدها امين من جديد فلتفتت عليها انظار فرج والحضور ليخبرها فرج بأنه سوف ينادي عليها فور قدومه واتضح بعد ذلك ان امين شرطي مصري يعمل على الحدود بين مصر واسرائيل ,استشهد بسبب طلق ناري طائش من قبل الأخير!!.
الرفض التام من قبل ام امين في تصديق موت ابنها على الرغم من انها إمرأة معروفة في بور سعيد بحكمتها ورصانة عقلها “حسب ما قيل في النص” وقوة تأثير عدم التصديق ذاك ليصورهُ لنا المخرج والممثليين بصيغة مشهد دراماتيكي رائع ومؤثر لدرجة تدمع لهُ العين..,كل ذلك دفعني للأستعلام عن ماهية الخيال والوهم وما الفرق بينهما وتأثير كلاً منهما على الحياة.
الخيال عبارة عن عالم يبنيه الفرد بنفسه بدون أن يساعده أحد، لكنّه على الواقع لم يستطع أن يعيشه والذي يتخيل لديهِ وعي تام بحقيقة الواقع لكنهُ يتخيل ليستشعر جمالية الأحداث او بشاعتها كالكاتب تماما فالكاتب والروائي عندما يمسك قلمهُ لينقش لنا لوحتهُ الروائية يجلس مع نفسه ويعيش بأجواء مختلفة عن الأجواء الحقيقة التي يعيشها في لحظة الكتابة قد تراهُ جالسا بصمت تام لكن من الطبيعي جدا تجد بأنهُ ذهب بخيالهِ الى اماكن واشخاص واحداثٍ اخرى,الذي يتخيل مدرك واقعية حياته الى حد كبير عقلهُ مُصدق لكل شيء ينقل اليه من جميع الحواس,المتخيل لهُ القدرة على بداية الخيال ونهايتهِ.
أمّا الوهم فهو أن يبني الفرد نفس الأحلام التي يبنيها من خياله، لكنّه يعيش في هذه الأحلام وغير معترف بالواقع ولا حتى يؤمن بوجوده.
الواهم يرفض التصديق بحقيقة الواقع كالذي حدث مع ام امين ,صدمتها بأستشهاد ابنها دفعها للوهم بعدم موته لا تريد الاعتراف بأنها ثُكلى وولدها لن يعود لها يوماً,الوهم نوعا من انواع الامراض النفسية التي تحتاج الى طبيب نفسي فعادل امام خشيَ التصريح بالحقيقة فقد تصاب بأنهيار عصبي وقد تتأثر الى حد الجنون!.
تعامل معها على اساس اوهامها ,عقل الواهم يستقبل المرسلات من الحواس كذلك لكن يفسرها بصورة خاطئة..تشبهُ عملية الخداع لكنها في الغالب غير متعمدة,الواهم يملك طرف البداية لكن طرف النهاية تملكهُ الصدمة!.
الخيال شيء عمدي اما الوهم فهو زلة خيال,هو خيال انحرف عن مساره.
لولا الخيال لما استطعنا الاحلام ومن تلك الاحلام نبدأُ احياناً!..بعضُ الخيالات ممكنه وتجعل منا اشخاصا خلاقين ومبتكرين ,من الخيال نستطيع معرفة معنى الحياة تلك هي فضيلتهُ الكبرى,المعنى في الوجود شحيح,لكن ادراك هذا المعنى لن يكون الا عبر مهماز الخيال في جسد الوقائع التي تحدث في كل يوم.
واذا زاد الخيال عن حده انقلب الى الوهم..,قد ينتشلنا الوهم في الكثير من الاحداث الصعبة واهمها الفقدان ليأتي بعده الوضع المعيشي والعاطفي ومعظم مشاكل الحياة التي لا تنتهي لكنهُ اكذوبة,حبلها قصير.. سيواجه الواهم واقعهُ شاء ام ابى لذلك علينا التخلص من اي اوهام قد تصيبنا فقد نوهم بحب او كره شخصٍ لنا ونتعايش مع هذا الوهم ونؤمن بحقيقته حتى تصدمنا الحياة بعكس ذلك.
لا تكن واهما فتُصدم , بل اصنع خيالا يوصلك الى حقيقة معنى حياتك.

في الفكاهة

 

بمزيج من الفكاهة، والكوميديا السوداء، والخيال العلميِّ، عُرفت أعمالُ الكاتب الأمريكيِّ كورت فونيجت (1922-2007). كانت بداياتُ رحلة فونيجت الأدبية مع كتابة القصص القصيرة للمجلاتِ في سنٍّ مبكرة، ونُشِرت أولُ رواية له عام (1951) وكانت بعنوان (عازف البيانو)، ومنذ ذلك الحين استمر في كتابة العديد من الأعمال الشيقة؛ منها: رواية صفارات إنذار تيتان (1959)، ليلة الأم (1961)، مهد القط (1963)، ومجموعة من القصص القصيرة بعنوان (مرحبًا في بيت القرود) في عام (1968)، المسلخ رقم خمسة (1969)، وفطور للأبطال (1973)، وأليف السجون (1979) وغالاباغوس (1985).

سُجن فونيجت خلال الحرب العالمية الثانية في ألمانيا، وكان شاهدًا على قصف مدينة دريسدن، وهي التجربةُ التي أثمرت عمله الأكبر، والرواية الأكثر شهرة حتى الآن (المسلخ رقم خمسة) والتي تُعد من أفضل الرواياتِ الإنجليزية في القرن العشرين.

في عام 2005 صدر له كتاب بعنوان (رجل بلا وطن) تضمن مجموعة مقالات قصيرة تناولت مواضيعَ شتى من منظور إنسانيٍّ؛ مثل: الفكاهة ودورها وأهميتها، ومشكلات التكنولوجيا الحديثة، وآراء في الاختلافاتِ بين الرجل والمرأة، وفي السياسة، وفي قضايا المجتمع الأمريكي المعاصر.

وإليكم المقال الأول في المجموعة:

وأنا طفلٌ، كنتُ الشخص الأصغر.

أيُّ موضوعٍ في الحياة هو قابلٌ للضحك، وأعتقد أنَّ هناك جانبًا طريفًا ما في معسكر أوشفيتز المروع. النكتةُ هي استجابةٌ فسيولوجية مضادة للخوف. قال فرويد: إنَّ النكتة هي واحدةٌ من عدة استجاباتٍ لمواجهة الإحباط

عندما كنتُ طفلًا، كنتُ الشخصَ الأصغرَ بين أفراد عائلتي، وغالبًا ما يكون أصغرُ طفل في أيِّ عائلة هو صانعُ الدعابة والباحثُ عنها؛ فالطريقةُ الوحيدة التي تمكِّنه من الدخول في محادثة الكبار هي الدعابة. كانت أختي أكبرَ منّي بخمس سنوات، وكذلك كان أخي أكبر مني بتسع سنين، ومن يتحدث دائمًا هما والداي؛ لذا عندما نجتمع على مائدة العشاء كان حديثهم يبعث على الملل ويثير ضجري، إنهم لا يريدون أنْ يسمعوا عن أخباري الصبيانية التي وقعت اليوم، بل يريدون فقط التحدثَ عن الأشياء المهمة التي وقعتْ في المدرسة أو في الكلية أو في العمل؛ لذا فالوسيلةُ الوحيدة التي يمكنني أنْ أقطع بها سيْر هذا الحديث هي أنْ أقولَ شيئًا مضحكًا! أعتقدُ أنني فعلتُ ذلك دون قصد في البداية، فعندما تلفظتُ بعبارات تلاعبتُ بكلماتها في منتصف حديثهم توقفوا عن الكلام، ثم اكتشفتُ أنَّ النكتة كانت وسيلةً لاقتحام محادثة الكبار.

لقد نشأتُ في وقت كانت فيه الكوميديا نوعًا من الترف في فترة الكساد الكبير. كان هناك العديدُ من الكوميديين في برامج الراديو كنتُ أستمع إليهم، ومن دون قصد بدأتُ دراسة أسلوبهم بجدية. وفي فترة الشباب حرصتُ على الاستماع إلى هذه البرامج الكوميدية لمدة ساعة على الأقل في كل ليلة، ومن يومها أصبحتُ مهتمًّا بمعرفة الفكاهة وأساليبها وتأثيرها.

عندما أثير أيَّ طُرفة، أحاول جاهدًا ألّا أسيء إلى أحد. لا أعتقد أنَّ الكثير مما قمتُ به كان خادشًا للذوق، أو أنني قد أحرجتُ الكثير من الناس، أو سببتُ لهم الضيق. في بعض الأحيان، قد استخدم بعض الكلمات البذيئة وهذا أسوأ شيء فعلته. بعض الأمور ليست مضحكة، فعلى سبيل المثال، لا أستطيع أن أتخيل كتابًا فكاهيًّا أو ملاحظةً ساخرة عن معسكر أوشفيتز النازي. كما إنه من غير الممكن أنْ أقول طرفة عن موت جون كينيدي أو مارتن لوثر كينغ. خلاف ذلك فأنا لا أستطيع التفكير في أيِّ موضوع آخر لا يمكنني أن أفعل شيئًا حياله.

كم كان فولتير محقًّا حين قال: «الكوارثُ مدهشةٌ بشكل مرعب»!

لقد رأيتُ تدميرَ مدينة دريسدن، رأيتُ هذه المدينة قبل الغارات الجوية وبعدها، وبالتأكيد كانت ردة فعلي هي الضحك؛ الله وحده يعلم سببها، كان ضحكًا للروح الناجية من الموت! أيُّ موضوعٍ في الحياة هو قابلٌ للضحك، وأعتقد أنَّ هناك جانبًا طريفًا ما في معسكر أوشفيتز المروع. النكتةُ هي استجابةٌ فسيولوجية مضادة للخوف. قال فرويد: «إنَّ النكتة هي واحدةٌ من عدة استجاباتٍ لمواجهة الإحباط». فعندما لا يستطيع الكلبُ الخروجَ من قفصه، يبدأ في النباح والهمهمة والحفر في الأرض، والقيام بحركاتٍ لا معنى لها؛ للتعامل مع هذه الحالة من الإحباط أو المفاجأة أو الخوف.

من الخوف، يأتي القدرُ الأكبر من الضحك. قبل عدة سنوات كنتُ أعملُ في برنامج فكاهيٍّ في التلفزيون، وكنا نحاول أنْ يكون عرضنا الأساسي في كل حلقة عن الموت، وهذا العنصرُ من شأنه أنْ يجعل ضحكَ الجمهور أعمق من دون أنْ يدرك الجمهور كيف كنا نحفز فيهم الضحك الداخليَّ. إنَّ هناك نوعًا سطحيًّا من الضحك، فعلى سبيل المثال الممثل بوب هوب، لم يكن في الحقيقة فكاهيًّا، فقد كان ممثلًا يتناول المواضيع البسيطة جدًّا، فهو لم يتناول أيَّ شيء مثير للقلق أو الخوف. ولطالما ضحكتُ بملء فمي وأنا أشاهد لوريل وهاردي، فلدى هذين الممثلين مشاكل مستمرة بطريقة أو بأخرى، وكان يراودني شعور بأنه من الغريب أن ينجو هذان الرجلان ويبقيا على قيد الحياة في هذا العالم المليء بالمغامرات والمخاطر الرهيبة طوال الوقت؛ فلقد كان من الممكن أنْ يُقتلا بسهولة.

 

الكاتب: كورت فونيجت – ترجمة: بندر الحربي

المصدر: مدونة المترجم بندر الحربي

أثر القراءة على الدماغ

نوره بابعير

أثر القراءة على الدماغ
.

منذ ١٥٠ عام ، عاشت ثلاثة أخوات في منطقة سرومات لقد كان عالمًا مليء بالكتب منذ طفولتهم ، اعتادوا على القراءة ، و بدورهم قاموا بصنع قصصهم الخاصة .

حولت الاخوات الثلاث منزلهم المعزول إلى مصنع للخيال من داخل عقلهم ، اسسوا عالم جديد وشخصيات فريدة لقد كانوا الأخوات (برونتي) مؤلفين الروائع (جين آير) ، و(ومرتفعات ووزرنج) من شدة شغفهم بالكتب ، لم يعلموا ماذا يحدث بداخل عقولهم ، حين يقرؤون ، ويتخيلون فقط الآن، العلم الحديث اكتشف أن القراءة المكثفة لها تأثير أكبر مما كان يمكنهم أن يحلموا به تكنولوجيات التصوير الحديثة ، مثل المسح الصوئي سمحت لنا بمتابعة العقل الحي، وهو يعمل .
لقد أرانا أن القراءة، والتي هي شيء نسلم به فقط ، يُمكن أن تكون له قوة هائلة القراءة تصنع اتصالات جديدة في العقل، والتي بدورها تستخدم الكلمات المكتوبة، لفهم كلمات الأشخاص الآخرين الكتاب الجيد، لديه القوة الفعلية لتغييرك، لكن البراعة الذهنية، التي تعطينا الصور العقلية قد مهدت الطريق لمواد صورية رائعة جديدة الانترنت، المدونات، و ألعاب الفيديو أنها ثورة رقمية، والتي يعتقد البعض أنها تتحدى عالم القراءة القديم هذا هو الوقت، لنريكم، الآن، أكثر من ذى قبل، أن القراءة هامة

WHY READING MATTERS

طالما كنت مبهورة ، بكيفية عمل الأشياء ولهذا كتبت عن العلم أكثر الأشياء سحراً في العالم ، هو هذا ” العقل البشري ”

ربما يكون أكثر الآلات تعقيدًا في الكون وبطريقة ما ، هو الأكثر فاعلية أيضا في الواقع ، أنه قوى للغاية ، لدرجة أنه يمكنه أن يبدأ بفهم ذاته حين بدأت الكتابة عن علم النفس ، كان العقل عبارة عن صندوق أسود يمكنك أن ترى كيف يشبه ، لكن ما يدور بداخله ، كان يتعدى حدود تخمين آي شخص لكن يمكنك استنتاجه ، من السلوك الذي ينهجه لكن هذا تغيّر في التسعينات ، حين أصبح لدينا تكنولوجيا التصوير الجديدة و التي أتاحت لنا ، للمرة الأولى ، أن ننظر بداخل عقل بشرى حي ، اثناء عمله ونعرف ماذا يحدث بداخله .

منذ هذا الحين ، تعلمنا الكثير عن العقل ، إلى حد كيفية تغير شكله ، عن طريق الخبرات الكثير من مهاراتنا المعرفية ، مثل الكلام على سبيل المثال موجودة بداخله بالفعل ، لكن هناك الكثير منها يجب أن تغرس بداخل كل شخص ، وهذا تتضمن ، ربما أكثر المهارات الحاسمة على الإطلاق قدرتنا على القراءة ولهذا ، القرءاة تعد شيء بارز للغاية القراءة ، والكتابة أشياء لا تأتي بشكل طبيعي وكي تفعلها ، على العقل أن يتغير ، البشر لم يولدوا أبدًا بالقراءة ، ربما ولدوا بالتحدث والرؤية ، والشم و السمع ، لكن ليست القراءة أبداً ما على العقل البشري أن يفعله ، هو أن يُعيد تنظم الجزء الوجودي له .

اذنً، الجزء من العقل البشري، الذي يتطور من أجل التحدث ينصع الطفرة، من أجل القراءة و الكتابة على ماذا يحصل عقلنا، جراء ادراكه لهذا ؟ كي يعرف هذه العلامات المكتوبة على صفحة كان عليه أولاً أن يفهم ماذا تعني .

اللغز الأول، آتى من التاريخ الطويل لكلامنا عاش أجدادنا على الصيد، وهذا يبدو أن ليس له علاقة كبيرة، بقراءة كتاب، لكن الصيد الناجح، يعتمد على المهارات البصرية و التي عملت العقل القراءة، بعدها بآلاف السنوات هولاء البشر القدامى ، كان عليهم أن يجدوا إختلافات واضحة بين الإشكال على سبيل المثال، العصا المفيدة والثعبان المميت آثار الحيوانات الواضحة، يمكن أن تنذر بالخطر، أو تبشر بفرصة سانحة و التفريق بين هذه الإشارات، يمكنها أن تعطي فرقا بين الحياة و الموت ثم بعدها بخمسة آلاف سنة ، تم تعديل هذه المهارة ، لخدمة أغراض أخرى حين اخترعنا الحروف الابجدية، وبدأنا بالقراءة الصيادين القدامى اصبحوا قراء جدد جزء من عملية القراءة يتضمن مناطق كَانت ولا تزال تستخدم ، لإدراك الاشياء أذن ، قدرتنا على استخدام نواحينا البصرية لمعرفة ماذا يكون هذا الشيء فريسة ، أم مفترس تم إعادة تدويرها من اجلنا ، كي ندرك الرموز بشكل تلقائي اليوم ، من المستحيل تخيل العالم بدون هذه المليارات من الكلمات على اللوحات ، و الأوراق ، و الصحف و المجلات ، و الانترنت ، نحن نعيش في عالم ، مشبع باللغة المكتوبة .

أذن ، كيف يمكن للعقل أن يقوم بالقراءة كي نفهم ، كيف نفعل الاشياء الجديدة والتي نفعلها بشكل باستمرار علينا أن نعرف شيئين رئيسيين حول العقل هو أنه نموذجي ، فهناك اجزاء متخصصة بداخله تقوم بعمل أشياء مختلفة والشيئ الآخر ، هو أنه مرن ، حيث يمكنه التغير هذه النماذج تعمل معاً ، كي تنتج ربما عدد لا نهائي من السلوكيات يمكنك أن تفكر فيه ، كآلة ، صنعت لفعل شيئا ما ثم تم تفكيكها وتم أعادة بناءها مرة أخرى ، لفعل شيئا مختلف تمامًا نفس الاجزاء ، لكن بوظائف مختلفة احداهم لدلائل على قدرة العقل على أعادة تشكيل ذاته ، تأتي من شيء مفاجئ للغاية سائقى سيارات الأجرة في لندن عقولهم امدتنا بالبيانات الحية ، والتي الآن هي جزء من عمل التحرى العصبي العلمى بيدو أن عقلهم يطلق عليه ” الحصين ” هذا الجزء الموجود هنا تماماً وهذا الجزء الذي نستخدمه ، لمعرفة طريقنا والذي يساعد على ترميز ، و استرداد معلومات حول المسافة بالطبع ، سائقى سيارات الأجرة ، يتعلمون هذا أكثر من غيرهم ، لأنهم عليهم القيام بهذا الشيء ، الذي يدعى ” المعرفة ” والذي يتطلب عامين ، لمعرفة ، جميع الطرق الخلفية فيَ لندن لكن ماذا يحدث ، حين ننظر إلى هذا الجزء الحصين لدى سائق سيارة الأجرة ، أنه بالفعل أكبر ، من العقل الموجود لدى الاشخاص العاديين.

ماذا الآن ، إذا نظرت إلى عقل هذا الرجل ، وفحصته سترى أن عقله ، يعمل بشكل جنوني بينما يجد طريقة ، في هذه الشوارع وهذا هو الجزء المخصص في العقل ، الذي يُبنى هذه المنطقة ، و يجعل هذا النموذج قوى للغاية دراسة عقل سائق سيارة الأجرة ، اظهر لنا أن العقل البشري يمكنه التكيف مع التحديات الجديدة حيث يمكن لعقل هذا السائق ، أن يخزن خرائط لجميع شوارع لندن بداخل عقله .

أذن ، هل هذا يعني أن عقلنا لديه قوة خاصة كي يعيد تشكيل نفسه ، من اجل القراءة ؟ في كثير من الأحيان ، في دراسة العقل ، اتت الدلائل من عقول ، لأسباب ما لم تعد قادرة على تنفيذ مهام معينة العام الماضي ، حضر ( تيري جونز) عيد ميلاد صديقته الأربعين اليوم التالي ، ذهب ليكتشف العالم الذي تغير الصباح التالي ، استيقظت ، وذهبت للاستحمام ” لم استطيع أن اقرأ ماذا كان شامبو” أو آي شيء آخر . لقد كان هذا ، كأنه مكتوبًا بلغة آخرى لذا ، طلبت من شريكتي أن تذهب و تشتري الشامبو من أجلي لأنني لا أستطيع قراءته ، فربما يكون بلغة مختلفة فقالت لي ، وكأنني شخص غبي ” لا بد أنك تمزح ” حسنًا ، على آي حال ، لم أتمكن من قراءته ثم نزلت لتناول الافطار ، وحين أخذت القائمة لم أتمكن من قراءة آي شيء كان يبدو كأنه مكتوبًا بلغة أخرى إذن ، حين نظرت إلى الحروف ، ماذا رأيت ؟ لقد رأيت الحروف ، وربما كان معناها ” افطار ” لقد استطعت قراءة الحروف ، لكنها لم تشكل كلمة هل تفهمين ماذا اعنيه ؟

أذن ، هل تمكنت من معرفة أن حرف ” الباء ” وحرف ” الراء ” كانا يعنيان هذا ؟ كان يمكنني فهم ” الباء ” و ” الراء ” ، لكنني لم أستطع وضعهما معاً ، ليكونان جملة ، كان هذا يبدو كأنه لغة أخرى بالفعل لم أتمكن من قراءة هذا ، ككلمة ، لقد ذهبت إلى المستشفى ، وخضعت لعدة اختبارات .

وثائقيات –
ترجمة ( Group Life )

الفن – آرثر شوبنهاور

نوره بابعير

الفن – آرثر شوبنهارو

الفن هو شكل من أشكال المعرّفة ، و من المعرفة التي هي أرقى من العلم . إنه موضوع النص الموالي : الفن هو عمل عبقري ، إنه ملكة للتأمل ، أي الاستعداد للتحرر من مبدأ العقل .

الفنان هو راء أولاً ، تتوفر عنده إمكانية تجاوز المظاهر لكي يرى الفكرة في ذاتها .

يُكتب شوبنهارو ” الفن هو تأمل الأشياء في استقلال عن مبدأ العقل ” إنه لا يمكن أن يرى فيه هكذا نبوغا علميا لأن النبوغ يتحدد بالقدرة على التغلب على وجهة النظر العلمية عن الواقع . ويلحق ذلك ، أن للفنان القدرة على إعطاء الفكرة مظهرا ملموسا ، أي خلق عمل يحدده شوبنهاور باعتباره مرآة ثقيلة للعالم .

الفن ، هو نتاج العبقرية .
حينما نرتقي بقوة الذكاء ، ونتخلى عن النظر إلى الأشياء عن نحو متداول ، حينما نكف عن البحث على ضوء التعابير المختلفة لمبدأ العقل . عن العلاقات الوحيدة للأشياء فيما بينها ، علاقات تقتصر دائماً ، وفِي نهاية التحليل ، في علاقة الأشياء بإرادتنا الخاصة ، آي حينما لا نعمل على أخذ بعين الاعتبار لا للمكان ، ولا للزمان ، و لا للماذا ، ولا للجدوى من الأشياء ( بل نبحث ) عن طبيعتها بلا قيد ولا شرط فضلا عن ذلك .

حينما لا نسمح للفكر المجرد ، ولا لمبادئ العقل أن تحتل الوعي ، لكن ، بدل كل هذا فإننا نعمل على تحويل كل قوة ذهننا نحو الحدس ، ونغوص فيه بالكامل ، مالئين لو عينا بالتأمل الهادىء لشيء طبيعي ، حاضر الآن ، في اللحظة التي نعمل فيها على نسيان فرديتنا و إرادتنا و لا نبقى إلا ذاتا خالصة ، كمرآة مجلوة ” بإمكانها عكس ” الشيء كما لو أن الشيء على نحو ما يوجد وحده ، دون شخص يدركه ، حتّى يستحيل التمييز بين الذّات وبين الحدس نفسه ، وأن هذا الحدس مثله مثّل الذّات وحدسيتها إن ما هو معروف هكذا إذن ، ليس هو الشيء الخصوصي باعتباره شيئا خصوصيا

بل هو الفكرة . الشكل الأبدي ، الموضوعية الفورية للإدارة .

شوبنهارو ” العالم كإدارة وتصور ”
هل هناك معرفة خاصة تنطبق على ما يستمر في العالم خارج وفِي استقلال عن كل علاقة ، بما يشكّل بالضبط جوهر العالم ، والموضوع الحقيقي للظواهر ، ” مثلما تنطبق على ” ما تخلص من آي تغيّر ، و بالتالي يكون معروفا وفقا لحقيقة متساوية في كل الأزمنة ، آي الأفكار ، التي تشكل الموضوعية المباشرة والمنطبقة على الشيء في ذاته .

آي على الإرادة ؟ عالم المعرّفة هنا هو الفن . إنه نتاج العبقرية . يعمل الفن على إنتاج الأفكار الأدبية التي عمل على إدراكها بواسطة التأمل الخالص آي الأساسي والدائم في كل مظاهر العالم . إنه تحديدا ، وفقا للمادة التي يستعمل في هذا الإنتاج .

فهو يأخذ اسم الفن التشكيلي ، والشعر أو الموسيقى ” ويظل ” أصله الفريد في معرفة الأفكار ، وهدفه الوحيد يكمن في تواصل هذه المعرّفة . حسب تتبع التيار اللانهائي للأسباب و النتائج ، مثلما هي تظهر تبعا لهذه الأشكال الأربعة ، فأن العلم يوجد عند كل اكتشاف ، مردودا دائماً إلى لحظة تالية .

لا يوجد بالنسبة له ، للوصول لكسب السباق ، الذي يتحدد في النقطة التي تلامس فيها السحب الأفق .

على العكس يجد الفن في كل مكان مجاله ، في الواقع إنه ينتزع الشيء من ” مجال ” تأمله أثناء مجرى الظواهر ، العابر ، إنه يحتاز عليه معزولاً أمامه وهذا الشيء الخاص الذي لم يكن في مجرى الظواهر سوى جزء عابر ولا يعني شيئا ، يصير بالنسبة للفن ، يمثّل كل شيء المعادل لهذا التعدد اللانهائي الذي يملأ الزمان والمكان ، يتمسك الفن بهذا الشيء الخصوصي ، يعمل على إيقاف عجلة الزمن ، وتختفي العلاقات بالنسبة إليه ” بحيث ” لا يبقى إلا ما هو أساسي ، آي الفكرة التي تشكل شيئيته.

بإمكاننا إذن أن نعمل على تحديد الفن في : إنه تأمل الأشياء باستقلال عن مبدأ العقل ، إنه يتعارض هكذا مع نمط المعرّفة المحدد سابقا . التي تقود إلى التجربة وإلى العالم .

ترجمة : أ. بوردو
مجلة : طنجة الأدبية

عن صعود الصورة و انحسار الأفكار

نوره بابعير

عن صعود الصورة و انحسار الأفكار
الكاتب والصحفي : ماريو بارغاس يوسا

أعتقد في الثقافة ، في الثقافة المعاصرة أن شيئاً ما يُحدث شيء يمكن وصفه كالتالي :

أعتقد أن الصور بدأت تستبدل الأفكار كلاعب رئيسي في الثقافة المعاصرة . هذا حدّث بسبب ثورة الميديا الكبيرة ، ثورة الشاشات ، وأعتقد أن كل هذا يقوم بالتدريج بالتقليل من أهمية الأفكار و الكتب في المجتمع .

وهذا يجب أن يجعلنا نقلق ، فإذا قامت الصور باستبدال الأفكار بالكامل ، فإن قوة هذا العالم ستتلاعب بالمجتمع بسهولة ، بل حتى تدمر المؤسسات التي تحمي الحريات وتحمي حقوق الإنسان . كل هذا يقلل بل يقمع الأفكار ببطء وأنا أظن أن ناقل الأفكار العظيم هو الأدب ، قد استُبدل تماماً بالصور .

انطباعي هو أن الصور وهي شيء مسلي وممتع ، ولكن انطباعي هو أن الصور تقدم وصف للعالم تافه ومبهر . فعلى عكس الأفكار ، الصور تقدم وصف سطحي للعالم الحقيقي ، ولأنها تافهة وسطحية ، أظن أن من الممكن التلاعب بها بسهولة بواسطة السلطات .

أنا لا أدعو لتدمير الصور . كلا ..
وإنما أدعو لبقاء الأفكار مع وجود عالم الصور المذهل الذي أنتجته ثورة الميديا .

ترجمة : الحلقة المعرفية

عن اللذة و الإحباط – آدم فيلبس

نوره بابعير

عن اللذة و الإحباط – آدم فيلبس

THINKINGALOUD
thinking aloud.com

.
ADAMPHILLIPS
Interviewed by Tyler Krupp & Rachel Stuart

THINKINGALOUD
On Pleasure and Frustration

عن اللذة و الإحباط

إحدى العقبات هي المطالبة في أن نكون سعداء
أن نستمتع بحياتنا ، أعتقد بأن ذلك إلهاء عظيم ويدمر حياتنا تدميرًا هائلًا ، فالعيش في ثقافة شبه تلذذية مشكلة عويصة وهي مشكلة لأنها .

-دعني أقل ذلك بعبارة جافة، في الأيام الخوالي كان الدافع الداخلي أن تكون صالحاً لكن الدافع الآن هو أن تكون سعيداً أو أن تُمتع نفسك وهذا إلهاء لعدة أسباب، أولها: أن الحياة مؤلمة وهذا جانب بسيط و واضح و يبدأ ذلك منذ الطفولة، فالشخص الذي يرضيك قادرٌ كذلك على إحباطك لا مفر من ذلك.

لن يتغير ذلك أبداً
وهذا يعني أن على كل شخص أن يتعامل مع ازدواجية مشاعرة أن يتعامل مع حقيقة أنه يحب ويكره الشخص الذي يحبه (ويكرهه) تروج لنا إمكانيات اللذة على الدوام وكأن كل ما نريده هو التخلص من الألم و الاستزادة من اللذة أرى بأن هذه نظرة فقيرة للحياة وأن كان ينبغي على كل حياة أن تتعامل مع الألم وأن تتلذذ لكن ثمة اختلاف بين التخلص من الألم والإحباط وبين تلطيفهما و تخفيفهما وما حُرمنا منه هذه الأيام هو الإحباط لا نمتلك تفسيراً مُعتبراً لمكانة الإحباط و كأننا نعاني من رهاب الإحباط فحالما نعيش لحظة إحباط نشعر بأنه ينبغي علينا أن نملأها بشيء ما فالوضع مشابه لأم تبالغ في إطعام ابنها وهي تفعل ذلك لكي تحد من شهية طعام طفلها وشهية الطعام أمر مزعج فيبدو لي بأن هناك محاولة لمنع شهية الطعام وهذا يعني الحد من قدرات البشر على التفكير فيما يفقدونه في حياتهم وفيما يريدونه وفيما قد يفعلونه من أجل الحصول على ذلك المفقود خيالات الرضا عن مخربات اللذة.

أحد النقاشات التي ينبغي علينا خوضها تتعلق بطبيعة الرضا، أي: ما الذي نريده حقًا ؟ وما الذي يمنحنا اللذة ؟ وما هي اللذائذ التي نريدها ؟ ويبدو لي بأن ذلك يتعلق بإقرار ثقافي جماعي .

إذ يبثُ ناس أفكارهم في الثقافة أو يكون ذلك عبر المسرحيات و الرقصات ، إلخ.. بحيث يمنحنا ذلك صورًا لأشكال من الوجود نسعى إليها أو نحبها أو نقدرها أو نحاكيها وهذا أمر يحسن بالثقافة فعله .

أعتقد بأننا نحتاج إلى أن نحسن من اغراءات مرحلة البلوغ والرشد ولا تكون عن أن يصبح الشخص خارق القدرة و المعرفة وأن يحظى بكل الفتيات و المال ، إلخ.

فكل هذه الأمور تافهة وطفولية ، نحتاج أفضل مما لدينا عن الرضا والقناعة ، تصور مرتبط بفهم العالم فهماً راشدًا ناضجًا لكن مرحلة الرشد حظيت بسمعة رديئة في زماننا ولسبب ما ، تم إضفاء مسحة سحرية و مثالية على الأطفال وأعتقد بأن سبب ذلك هو أنهم غير راشدين .

أن ذلك عرض على يأس بالغ قد أصاب الثقافة فما فاد ذلك هو : بلوغ سن الرشد حدّث كارثي بينما في الحقيقة ستكون أفضل مراحل حياتك وفي واقع الأمر ، أن تكون طفلاً أمر مريع من عدة جوانب فحينها أنت عاجز و ضعيف الحيلة .

أعتقد بأنه من الممكن أن نحظى بتصورات عن الحياة الطيبة قائمة بحيث لا يمكن للشخص أن يفشل فيها .

إذ إن فكرة الحياة هذه واقعية بحيث تكون في متناول يد المرءُ فإن قال لك طفل : أريد أن أصبح رائد فضاء فلا ترد : لا لا أنت لست إلا طفلاً عمره خمسة أعوام بل تقول : هذه فكرة عظيمة .

لكن إن قال لك شخص راشد : أريد أن أصبح رائد فضاء ترد قائلًا : هل يمكنك تحقيق ذلك ؟ وكيف ؟ بعبارة أخرى .
سنتحدث وفقا لتلك التصورات الواقعية عن سرد قصصي وليس عن مُثل عليا بمعنى أننا سنتحدث عن أفكار قابلة للتطبيق والنقل بمعنى من المعاني بدلاً من الحديث عن مُثل عليا ينبغي عليك الإذعان لها و التقييد بها .

إذ يبدو لي أن المثل العليا عادة ما تخلق حالة ” إما المواجهة أو الاستسلام ” فإما أن تهرب من هذه المثل العليا و تتخلص منها و تأتي بغيرها أو تواجهها وتتصارع معها لكنني مهتم بحالة أن ينتج الناس عددًا من السرد القصصي تكون قابلة للنقاش بحيث تكون ممكنة واقعيًا بدلاً من أن تكون مُذلة فيوجد جانب آخر من المثل العليا في الثقافة وهو أنها قائمة لكي تذلنا أما السرد القصصي فلن ينتقص من قدرنا بحيث ستكون هذه القصص الخيالية ممكنة التحقيق واقعيًا لكنها ستحتفظ مع ذلك بفكرة أننا لا نعرف ما قد نصبحه في المستقبل وما نريد أن نكونه أمر في غاية الأهمية .

ترجمة : رزم

هل يُروى عطش القراءة بلمسة إبهام؟

 

المتأمل في المشهد الثقافي العربي في صيغته التفاعلية الرقمية الجديدة، يلحظ عطشا قرائيا يُروى بصيغة pdf ؛ لترتفع المكتبات الإلكترونية الشخصية بآلاف نسخ الكتب التي لا يكلف بنائها في أحايين كثيرة سوى لمسة إبهام؛ لتُسلب حقوق المؤلف و دار النشر في فوضى إلكترونية وتطرح عدة أسئلة حولها: هل ساهمت في رفع معدل القراءة للفرد العربي على الرغم من كسرها لحقوق المؤلف و دار النشر و كيف يمكن ضبط تلك الفوضى؟ وما مدى تأثير تلك الحالة في المشهد الثقافي و الوعي العام ؟

أسماء الزرعوني: لا بد من ضوابط لنضمن حق الكاتب والناشر

الثورة الرقمية واكتساحها لكل مظاهر الحياة والثقافة والإبداع غيّرت الملامح الجمالية للنص وخصائصها البنيوية لنقف عند بنية جديدة تستدعي آليات اشتغال جديدة، وما يهمنا هنا الكتاب الرقمي الذي جاء ليحل مكان الكتاب الورقي، صحيح إن هذه الثورة سهلت لنا الكثير من الأمور في يومياتنا وأيضا اجتاحت عالم المراهقة والطفولة لدرجة أن الأطفال يتعاملون معه أكثر من تعاملهم مع أي شيء آخر وهذا خطر جسيم ، الكثير منا تفاعل معه ولكن إلى الآن تنقصه الكثير من المعرفة لكنه في نفس الوقت أقلق الكثير من القراء والباحثين، والمهتمين بالكتابة الجادة في مجال الدراسات والنقد وخصوصاً أنه في كثير من الأحيان لا تنطبق عليه الصحة والدقة.

لا أعتقد أنها ساهمت في تحسين مستوى القراءة أو أضافت، بل أجد أنه سلب حق الناشر والكاتب، وذلك لأنه لا يوجد على الكتاب الإلكتروني الحقوق الإلكترونية، فأصبح من السهل أن يسرق ويتداول ويبقي الكتاب الورقي في مخازن الناشر، ضاعت حقوق كثيرة من خلال الكتاب الرقمي أحياناً حتى قبل أن ينزل السوق نجد إما أنه نشر بطريقة ما عبر هذه الوسائل، وليس من العدل أن نجد أحياناً في هذه الوسائل مادة واسم كاتبها مبهم غير الكتاب الورقي الذي كلما فتحنا الكتاب تقع أعيننا على اسم الكاتب قبل دار النشر وفي الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة السرقات الأدبية الذين يقومون بقص ولزق المادة ويتم نسبتها لشخص آخر دون أي تعب سوى تغيير بعض الجمل لذا فالسلبيات أكثر من الإيجابيات فلا بد من ضوابط لنضمن حق الكاتب والناشر.

نعيمة الخالدي: يتميز الكتاب الإلكتروني بسهولة الاستخدام.

بات السؤال عن معدلات القراءة للفرد العربي مقولباً بربع صفحة سنويا – حسب بعض الإحصاءات العالمية والعربية – وعلى الرغم من الاتفاق على تدني تلك المعدلات بشكل عام؛ إلا أن القفز بالسؤال إلى تأثير الفضاء الإلكتروني عليها يمكن أن يولد أسئلة أخرى عن مدى دقة تلك الأرقام!

خاصة إذا ما توقفنا عند نتائج تقارير الاستخدام الإلكتروني؛ إذ يشير تقرير اقتصاد المعرفة العربي 2015م-2016م، إلى أن العالم العربي يشهد حقبة جديدة عنوانها «النمو في عدد مستخدمي شبكة الإنترنت»، والذي يتوقّع أن يبلغ نحو 226 مليون مستخدم بحلول العام 2018م.

وفق هذه المعطيات لا يمكن تصور أن المكتبات الإلكترونية لم تساهم في رفع معدلات القراءة، إلا أنها تختلف – ولا شك- حسب المجال المعرفي، ففي حين يتميز الكتاب الإلكتروني بسهولة الاستخدام والوصول إلى المعلومة من جهة، يتميز الكتاب الورقي بسهولة استرجاع المعلومة، الأمر الذي يوضح الفرق بين القراءة العامة والقراءة البحثية أو النقدية؛ وبالتالي تفسير الفرق بين الإحصاءات المتناقضة لنسبة الإقبال على كلا النوعين من الكتب، من هنا يمكن ملاحظة بعض المؤشرات على تأثير هذه الحالة على المشهد الثقافي والوعي العام، مثل:

1- يتزامن ارتفاع مبيعات معارض الكتب الدولية مع ارتفاع معدلات توفر الكتاب الإلكتروني، ما يعني أن الأخير يسوق للكتاب الورقي، لذلك يعد رافداً له لا بديلاً عنه، ومؤثراً إيجابياً في رفع مستوى الاهتمام بالقراءة.

2- وجدت كثير من الكتب الموقوفة رقابيا الطريق إلى حريتها في فضاء النشر الإلكتروني، ومثلها تلك التي حجزها العامل المادي عن الطباعة، ما يمثّل كسراً للقيود التقليدية للنشر، ومجالا أرحب للحرية الثقافية.

3- أوجدت مواقع التواصل الاجتماعي – و تويتر بشكل خاص الذي يسجل فيه السعوديون أعلى نسبة استخدام عربياً حسب تقرير الإعلام الاجتماعي العربي 2017م- بيئة تفاعلية بين المؤلف والقارئ، يمثّل الكتاب الإلكتروني أو المقالة الإلكترونية وسيطاً ميسّراً بينهما، وتعد تجربة د. عبدالله الغذامي في وسم# نقاش_الغذامي حول كتبه الذي بدأ عام 2012م عبر تويتر نموذجا إيجابيا لهذا التفاعل، وللمشهد الثقافي بشكل عام.

أما الوجه السلبي للنشر الإلكتروني فيظهر عبر عمليات النسخ والقرصنة التي تتعرض لها الكتب مودية بحقوق المؤلف ودار النشر الفكرية والمادية، ورغم وجود قوانين حماية الملكية الفكر ية إلا أن الخلل يكمن في قصور تطبيقها، الأمر الذي يلقي بالمسؤولية على عدة جهات، من أبرزها جمعيات واتحادات الناشرين العربية، للوصول إلى الآليات المناسبة لتفعيل تطبيق قوانين الحماية، وإبداع إجراءات للنشر عبر السوق الإلكترونية بما يساهم برفع نسبة المبيعات من جهة، وضمان آلياتها القانونية من جهة أخرى.

علي الجبيلان: فوضى لا أخلاقية

بدايةً أود أن أقول: إن هذه الفوضى في أكثر صورها -وبكل أسف- فوضى لا أخلاقية، مما يُبعِد أن تكون فوضى خلاقة ثقافيًا، سمتها البارزة في ظني لا تتعلق بالقراءة وانتشارها بقدر تعلقها بالانتهاك الصارخ لحقوق المؤلف والناشر والمنشور، بل إني لأظن ظنًا أن لها تأثيرًا سلبيًا مباشرًا وبالغًا جدًا على حركة الثقافة والتأليف في العالم العربي اليوم – أي على القراءة في محصلة الأمر – والإسهام في ضعفها وركودها مقارنة بأمم أخرى، و لربما لو أجريت دراسةٌ بحثيةٌ في هذا الباب لكشفت عن ضرره وأثره بوضوحٍ شديد. غياب ثقافة الحقوق في حقوق الثقافة خاصةً بطبيعة الحال لا يتوقع أو ينتظر منه ترقية إن لم تكن من آثاره التردية.

عودًا على السؤال عمّا إن كانت ظاهرة فوضى الكتب المحمولة رقميًا قد أسهمت في رفع معدل القراءة عند الفرد العربي على فوضويتها وانتهاكها وحاجتها الماسة إلى ضبطٍ صارم، فلعله يحسن التساؤل قبل ذلك: ما معدل قراءة الفرد العربي المقررة أصلاً قبل ظاهرة الكتب المرفوعة رقمياً والإنترنت عامة؟ هل من دراسات وإحصاءات حديثة تعالج هذه المسألة كي يمكن الخروج برؤية من خلالها؟! للأسف، لغياب مثل تلك المباحث أو شحها على الأقل، يكاد يكون الجزم بشيءٍ حول ذلك غير متأتٍ، وإن كانت كثيرٌ من الظواهر والشواهد لتذهب بالناظر إلى أن يؤكد هذا الرأي ويؤيده، ولكن بلا معطياتٍ بينة، كيف يمكن للناظر تقرير ما إن كانت ظواهر الكتب المصورة رقميا قد أسهمت في رفع معدلات القراءة أم غير ذلك؟

ولكن لنفترض بدءًا أن الإجابة نعم، أفاد انتهاك حقوق الطبع وسهولة الحصول رقميًا على أكثر الكتب حداثة بعد نشرها ورقيًا بقليل بلا تكلفة مادية في انتشار القراءة ورفع معدلاتها بين العرب، ولكن هذا سيقودنا إلى سؤال: فكيف لم تظهر آثار ذلك الارتفاع على الأقل في شبكة الإنترنت نفسها كمًا وكيفًا؟! فعلى مستوى الكم، تبدو نسبة المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية مخجلة في الحقيقة، فلا تجاوز في أحسن الأحوال حسب بعض الإحصاءات الحديثة 3 % من مجموع المحتوى العالمي، قياسًا على اتساع رقعة الوطن العربي واتساع مساحاته وتعداد سكانه الناطقين أصالةً بالعربية، بل إن من المخجل بحق ألا يكون لبعض الهيئات والجهات المعنية بالثقافة والآداب والفكر مواقع وحسابات تواصلية خاصة بها،وأما من ناحية الكيف، فتفحص وتصفح خاطف لكثير من المواقع العربية الثقافية – أيًا كان قالب الثقافة التي تقدمها- من شأنه أن يوحي بنسبة الانتشار الهائلة للمادة المتناسَخة المنقولة كما هي بقضها وقضيضها، غثها وسمينها، جيدها ورديئها. ولعل هذا لا يوحي بفعل قرائي جاد، إضافةً إلى كونه في جزءاً جوهرياً من آلية تعاطيه بهذه الصورة متعلقًا بالكيف القرائية. وربما يبعث هذا ويدعو في المقابل إلى افتراض الشق الثاني والطرف المضاد من الإجابة: وهو أن ظاهرة الكتب المرفوعة رقميًا لم تسهم في رفع معدل القراءة، بل العكس في تدنيها، بعد أن أسهمت في ابتذال صورة القراءة مادتها ومظانها والإيحاء بضعف أهمية اقتناء الكتاب وعدم جدواها لتوفره متى ما أريد بمجرد طلبه في محرك بحث!وبالتالي أسهمت هذه الظاهرة إسهامًا مباشرًا -ومع غياب حقوق الملكية الفكرية في معظم بلدان الوطن العربي- في إضعاف حركة التأليف والنشر.. فهل يصدق هذا الأمر أم ذاك؟ طلب جواب دقيق قريب يتطلب جهدًا بحثيًا منهجيًا في ظني.. ولا أظن التعويل على المشاهدات الشخصية والانطباعات الذاتية يمكنه الإرشاد إلى إجابة مقبولة.

سيف المعمري: هذه الظاهرة تتفاقم وتعقد من الوضع الثقافي

إن المتأمل في الوضع الثقافي العربي يجده مليئاً بالتناقضات؛ ففي الوقت الذي تقل فيه معدلات القراءة بين السكان العرب يزداد الجدل حول الصراع بين ثنائيات الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني، وتخرج أصوات تنادي بأفول عهد الكتاب.. وكأن هذا الكتاب يعيش أزهى عهوده، وفي الوقت الذي لا يحصل الكاتب العربي على ما يساعده على العيش من كتاباته نتيجة قلة القراءة وأيضاً نتيجة عدم احترام الحق في الملكية. نجد أن الأمر لا يرتبط فقط بهدم التزام دور النشر بهذه الحقوق ولكن أيضاً عدم التزام كثير من السكان بذلك نتيجة تحويل الكتب إلى صيغ إلكترونية وتداولها من أجل تعزيز القراءة وتمكين الناس منها والسؤال بالفعل هل أدى مثل هذه النهج الذي لا يحترم حقوق الكتاب ودور النشر إلى رفع معدلات القراءة؟ وهل أسس لعلاقة قوية مع الكتاب؟

إن هذه الظاهرة تتفاقم وتعقد من الوضع الثقافي المعقد أصلاً وهي في الواقع نتاج لأزمة كبرى تعيشها المجتمعات يمكن أن يطلق عليها أزمة تنوير أو أزمة مواطنة لم تتمكن فيها هذه المجتمعات من بلورة وعي تحترم فيه الحقوق، وتراعى فيها الملكيات لاسيما وإن كانت لفئة لا تحظى بأي اهتمام وهي فئة الكتاب، وفي الوقت الذي يمتهن الكتاب في الغرب الكتابة ويعيشون منها؛ يكتب الكتاب العرب في ظروف صعبة وهم غير مفرغين ويدفعون من أجل نشر إنتاجهم، تنتهك حقوقهم من قبل الكثيرين من خلال التبادل الإلكتروني للكتب.

لا أرى أن هذه الظاهرة يمكن أن نحد منها لأنها مرتبطة باتجاهات نحو الكتاب فكثيرون يرون أن الفكر ليس له قيمة وأنه يفترض أن يحصل عليه مجاناً، يدفع لأشياء كثيرة قد لا تكون ذات قيمة ولكنه يتوقف عند الكتاب ويصر أن يحصل عليه مجاناً منتهكاً حقوق فئة تواجه العديد من الصعوبات من أجل النشر، هل يمكن أن يحدث الاشتغال على الوعي من الظاهرة أما أن الأمر يتطلب تشريعاً كبقية التشريعات التي وضعت للحد من تداول مقاطع وصور وكتابات تمس بأشخاص وفئات ومؤسسات، إن غياب الدعم للكتاب والمؤلفين ربما يتغاضى عنه رغم أهميته لكنه إن صاحب ذلك التغاضي عن انتهاك حقوق المؤلفين فالأمر يقود إلى تفاقم في وضع الحياة الثقافية المتردي أصلاً.

يوسف الزهراني: وصول الناس لنتاج الكاتب يُعتبر زكاة

ينصب اهتمام القارئ بالدرجة الأولى على الوصول إلى الكتاب واقتنائه، وهو بهذا لا يتنبه إلى حقوق الكاتب الفكرية أو المادية، وهي حقوق مشروعة بكل تأكيد نظير ما بذله من جهد فكري ووقت وتواصل مع دور النشر في سبيل خروج إنتاجه الكتابي إلى النور، وهنا يرى القارئ أنه غير ملوم، ذلك أن هدفه الوصول إلى المعرفة، ولديه، كما يعتقد أسباباً منطقية تجعله يقتني الكتب بصيغة pdf، يأتي على رأسها غلاء قيمة الكتاب الورقي، وقد شاهدتُ مقارنات بين الأسعار أثناء إقامة معارض الكتاب، مع أسعار يقدمها شباب يشترون الكتب ويوصلونها بالشحن إلى باب القارئ أينما كان، ومن بين تلك الأسباب في رأي القارئ عدم وجود مكتبات كبيرة في المدينة التي يعيش ويقيم بها، مما يجعل الوصول إلى الكتاب أمرًا بالغ الصعوبة، يستوجب السفر في كثير من الأحيان، مع الأخذ في الاعتبار ما يتعلّق بالسفر من تكاليف مادية مرتفعة، كلّ ذلك لأجل الوصول إلى الكتاب، ويدخل في هذا طلاب وطالبات الجامعات ومن هم في مرحلة الدراسات العليا أو لديهم أبحاث علمية، وبعضهم ضمن برنامج الابتعاث الخارجي، وكلهم يقولون بأن أسعار الكتب غالية أو بعيدة عنهم مكانياً، وما من سبيل لاقتنائها سوى طباعتها من شبكة الإنترنت بصيغة pdf.

وستستمر هذه الحكاية طالما استمرت أسبابها، وهنا لا مناص للكُتّاب والمؤلفين من التوصل إلى صيغة حل مع دور النشر، من خلال تسعيرة منطقية للكتاب، والتعهد بخدمة انتشار الكتاب داخل دولة المؤلف وخارجها، واستخدام التواصل الإلكتروني مع القراء لإيصال الكتب إليهم أينما وجدوا بأسعار معقولة لا تضيع معها جهود الكاتب، ولا تحمّل القارئ تكاليف مادية لا يطيقها، وخصوصاً أن أكثر القراء من الشباب والشابات طلاب الجامعات الذين ليس لديهم وظائف يجنون منها الأموال كما أسلفتُ القول.

هذه الطريقة ستسهم كثيرًا في اتزان الأمور بين الكاتب والقارئ، علماً بأنه من الصعوبة إيقاف ما يقوم به كثيرون من نسخ الكتب بصيغة pdf، وعلى الكاتب والمؤلف أن ينظر للأمر من زاوية إيجابية، وهي أن وصول الناس لنتاج الكاتب يُعتبر زكاة لحصيلته من العِلم والمعرفة، ويكفيه شرفاً أن اسمه وأفكاره وصلتْ للناس، حتى لو كان الأمر بطريقة لا يرى صوابَها.

 

الكاتب: حمد الدريهم

المصدر: جريدة الجزيرة | عدد السبت 06 مايو 2017