الحوار ثروة الإنسان

نوره بابعير

الحوار ثروة الإنسان

لم يخيل للإنسان أن يظل مكتفيًا بصوت و رأي و فكر واحد يحجب عنه بقيت الأصوات ، لأن الإضافات التي تحدث للتطور تأتيك نتيجة إختلاف يخالفك من الداخل حتّى يترك فيك الأثر الجديد ثم تخالطك به يعلمك المعنى في تفاصيل زاوية متقنة في بقائها لك .

صناعة الحوار من أهم الأشياء الملحة لتحضر الإنسان نحوها ، يستطيع أن يتمكن من حجم القبول فيها وقابلية أختلاق التفكير لكل ما يجلب للفكر نضجه . يختلف البعض في معنى الحوار و الخصام دائمًا تهزم العقول عند انفعالاتها ، تفقد موقعها العقلي للاستيعاب الفكري نحو حديثها أو الغاية من خروجها لذلك الحوار .

المغالطات التي تحدث جعلت للإنسان أن يصاب بمداخلات عديدة ألغت وجود نفسه من رؤيته لهذه البداية التي وضعته في صراعات لفظية لم ينوي بها الوصول إلى هذا الحد .

كما أن السلوكيات تمايلت إلى تشريح الأفعال والأفكار والأعمال والأنجاز على مبدأ الرأي أو النقد المتوازن في خلاصة الفكر نحوها ، هنا تشوهت الحوارات بين أختيار أشخاصها، لن يتقن الأشخاص الحوار بقدر ما يتقنوا العديد من الأشياء التي تخرّج عن نطاق بدايتهم من الحوار .

” لا أدري متى يتفهم البعض أن ثروة الحوار؛ في تنوير العقل و تطوير الذات في كل ما تقدم عليه تجاه إنجازاتها و انسجامها مع الحياة ”

للحوار ميزة ، يميز نفسه في مفارقات الجدال و الخصام و الفرض في الآراء و الغلبة لمن تكون أولًا.
الحوارات المتوازنة تقبّل الهدوء والتهاون فيما يعود إليها من حديث يتلاءم مع فكر الإنسان لها ، تحب أن تخرج من تبادلها ثروة محصولها الناتج عن وعي الإنسان لها ، مشكلة البعض أن لا يرغب بالعلم العائد له من غيره بقدر ما يحاول أن يكون هو المعلّم الدائم في نُشر الحكم و التوبيخ والوصايا للآخرين وهذه مشكلة أخرى لا يمكن أن تحل إذا الإنسان نفسه لم يشعر بها ولن يتفهم معنى الحلول الجيدة إلا في حال تركه لفعلها وتهيئة الذات لأثر الحوار وأبراز قيمته به .

عن المرأة وتأنيث العالَم

عمر الخالدي

تدخل المرأة في لاوعيها عالماً كريستالياً كل ليلة وتحلم أنها الحرية، تفتح عينيها في الحلم وترى ما لا يراه الرجال لا في يقظتهم ولا في منامهم، بطريقة أكثر فلسفة يمكننا أن نقول إن المرأة كائن أمثل والرجل كائن بشري وكلما قويت الروابط بين الرجل والمرأة اتضح للرجل ذلك الكهف البعيد الذي نسجه أفلاطون وتخيَّله على نحو خاطئ مقدار بعده عن المرأة وكينونتها المُثلى.
هكذا وبهذه الطريقة يمكنني الادعاء أن ساراماغو – الروائي البرتغالي والحائز على جائزة نوبل للأدب – فكر وهكذا تحدث حين رسم صورة مختلفة للمرأة في رواية العمى حيث يصيب العمى المفاجئ جميع الناس بلا استثناء سوى امرأة واحدة، وهي الرائية، وهي المُخلِّصة، وهي الرسولة، ورغم أنها تعرضت للاغتصاب إلا أنها تسمو وتتعلى على كل شيء وتقتل الشيطان بيديها العاريتين وتقود بقية العالم للضوء وكما نعلم “مباركٌ هو الضوء” وليست مصادفة أنها كانت نصف عارية خصوصاً عند حصولها على الطعام لتنقذ آخر الجنس البشري من الهلاك، وليست مصادفة أن المطر انهمر على عُريها ولمع على صدرها فور حملها لأكياس الطعام رغم كل توهانها ورغم أننا لا نعرف عنها شيئاً سوى أنها “زوجة الطبيب” وذلك على سبيل التهكم من الكبير ساراماغو على ما يبدو، وليست مصادفة أنها فور وصولها لزوجها – هي التي – طلبت منه جاكيته لتغطي نصف جسدها رغم أن الجميع عميان ولا يستطيعون رؤيتها. هي لا غيرها.
هكذا فكر ساراماغو في روايته التي رسم أحداثها في عالم لا يتوقف فيه الموتى عن الموت ومن قبله سميي عُمر “ابن الفارض” الشاعر الصوفي العذب الذي جعل قلبه يقف على أطراف أصابعه وهو يصرخ في عوالم الأنثى البعيدة : “هي التي علَّمتني كيف أعشقها” – بصوت لطفي بوشناق بالتأكيد – وإذا كان لي أن أدَّعي مرة أخرى فسأقول إن ابن الفارض لم يستحق لقب سلطان العاشقين إلا بسبب هذا البيت الشعري والذي احتوى على هذا الشطر إذ جعل الأنثى عالماً مختلفاً تماماً بأبعاده وترك نفسه الطفلة تتعلَّم من الأنثى إلى ما لا نهاية.
الجميل في كل ما سبق أن الأنثى المذكورة مجرد قيمة مثلى وليست أنثى بعينها تمشي على قدمين، لذا نجد ديلاكروا الرسام الفرنسي يضع المرأة في أوج أشكال الحرية – الثورة – وهي نصف عارية أيضاً وذلك في لوحته الشهيرة “الحرية تقود الشعب” وبعيداً عن عشتار وأساطيرها التي عفا عليها الرجل فإن تمثال الحرية الموجود في أمريكا مرتبط أيضاً بالمرأة وتقول الإشاعة إنه مستوحى من لوحة ديلاكروا الآنفة الذكر، وعلى كل حال فإن المرأة / الحرية ليست جسداً ولا كلمة، بل هي حياة كاملة تقف وتمشي على قدمين وتتربَّع وتستلقي على ظهرها وتتقلب على جنبيها وحين تفتح المرأة عينيها تبدأ حضارة الإنسان بالنشوء، ويبدأ الضوء.
كان أحد الأصدقاء يكرر على مسمعي : “العلاقة بين الرجل والمرأة يجب ألا تكون باردة على طريقة الرومانسيين، يجب أن يتجاوز الإنسان المثقف نفسه التي تفكر بالأنثى على طريقة : هل تسمحين لي بهذه الرقصة؟ ويدخل للأنثى/الحرية/الحياة بيديه وقدميه” ومن هنا يمكنني القول إن لحضور الأنثى الواحدة في هذا الزمن الذي لا يجيء عالماً كريستالياً مختلفاً وناضجاً بشكل لاذع، وسأدَّعي للمرة الثالثة أن ذلك يتجلى بشكله اللاذع والمختلف بالصراخ، وأعني صراخ الأنثى الأنثوي والأمثل وليس صراخ الصوت البشري، صراخ جمالها الواحد وعوالمها التي لا تبدأ ولا تنتهي وحياتها الكاملة. قريباً سأكتب بشكل مختلف عن الصراخ وكيف أنه علامة أنثوية فائقة الأنوثة.

 

غير فكرك هو ( جرأة الفكر حينما ينطق )

نوره بابعير

غير فكرك هو ( جرأة الفكر حينما ينطق )
بعض الكتب محاولة تغيير بطريقة هادئة تلامس الداخل رغم عنها ، تبين إبداع الكاتب في أختيار أسلوب يتلاءم مع القارئ ، و يترك أثر فيه يجعله يعيد ترتيب أولويته من البداية .
أهتم الكاتب رود جودكينز في مبدأ غير فكرك أن يضع لنا ٥٧ عادة مهمة لدى المبدعين في العالم لفت إنتباهي في الكتاب ( غير فكرك ) أنه لم يُكتب عن الصفر في مراحل التغيير ، وكأنه يقول للقارئ أنك متغير بالفطرة و لكن ما سلطة الضوء عليه هو وسائل مساعدة في تحرك الداخل لها للوصول إلى الإبداع المفرط إليك .
تنوع في ذكر المبدعين حتى يُبين أن كل شيء يقدم عليه الإنسان هو معرض لتغير و للإبداع ، التفكير هو من يزيد للأشياء تفاصيلها أو يناقضها حتى يقتل وجودها به .

في النص تأملات توعوية بحته ..
مختاراته للمواضيع قوية تستطيع أن تقترب من داخل القارئ لها ، أن يفكّر فيما تحرض به و الغاية من افتعالها ، قال ( أنت ما تؤمن به عن نفسك ) كان محق فيما يقول ، الإنجاز هو قرار من النفس في استمراها للنهاية المؤدي للإنجاز المطلوب و الإبداع بينهما هو تمييز الفكر في تنفيذها .
كان يُكتب كتوصية للقارئ أن لم تفهم ما تقرأه لن تخرج من ذلك الكتاب أو العادات بشيئاً يهيء لك فائدتها . لأن مختاراته عميقة في تفكيرلا يقبل السطحية فيه .

الثقة مقابل التغيير ..
كان يتعمد في إختلاق الثقة مع كل موضوع يتطرق فيه لأنها من الأشياء الأساسية في تفعيل التغيّر و الفكر في آن واحد .
يُصنَع الإنسان ثقته بنفسه كلما إجاد حرفتها ، فكيف تكون صنيعته وهو مغاير لفكره كلّما إنتهى من إنجاز يخوض إلى فكّر مغاير حتى يتميز في جميع أفعاله و مهامه تجاه متطلباته الحياتية و البشرية .
كان رود جودكينز يدخل القارئ في النص ثم يترك الخيار الأخير له ، ينثر الكلمات في صفحاته وهو يعلم أن القرار يعود إليك .

نص يبحث عن نهوضه ..
كان يعرف الكاتب أن الجدلية في القراءة تفتح للقارئ مدارك أخرى فلذلك كان يلامس الأشياء المثقلة يدرك من بقاء أثرها عليه .
تحدث عن ( توقّف عن كونك منطقيًا ) كان ملفت الحديث عن المنطقية بينما القرّاء دائما يخرجون من القراءات بمنطقية قولها ، أضاف في كتابة رؤيته للمنطقية المرهقة للأشخاص المتمسكين بها دون أن يفرقوا أثرها العائد عليهم . تمكّن من إظهار خلفية رؤيته لها وأن الإفراط في جميع المواصفات قد يضر بقدر ما يُعتقد البعض إنها مفيدة .
كلما يتجرد الإنسان من نفسه هو لا يحسّن التصرف و التدبير فيما يفعل أو يقوى عليه .
المنتصف المشبع بالفكر ..
تحدث عن التنافس بطريقة أنيقة تجمل لك التفكير فيما يقصده ، إقناعه لذلك يجعلني أقول أستطاع الكاتب أن يخترق الأفكار كلها و تعدى العادية بينهما ليرفع قارئه إلى الإبداعية الملائمة له .
قال الكاتب رود جود كينز (لا تنافس .. أبداع ) كلمتين لكنّها قوية في التفكير و الأخذ بجدية قولها و معناها المحمل في تنفيذها على واقعية أرض الإنسان .
تطرق في التنافس و الإبداع ، لأن الإختيار بينهما صعب و بالوقت نفسه هزيمة لأخريات ، البعض يختار التنافس ثم يفقد الإبداع تصبح بصيرته مراقبة للآخرين و عمياء تجاه ذاتها ، أما الإبداع يدخل الإنسان في عوالمه يجعله ينسى الخارج ومنافسات الآخرين له .
المنافسة حينما تكون بين الذات و الذات تستطيع أن تغيّر معناها له قد تفيد فاعلها ، لكن حينما تتشبث في الآخرين تشبه النار تأكل شخصها ولا تسمح له بتقديم إنجاز متكامل ينسب إليه .

الصورة المتكاملة ..
الكتاب سهل فيما يتحدث لكنه عميق فيما يقصد يعتمد التفعيل المبدع للقارئ ، و الاجتهاد المكتوب من قبل الكاتب كان وسيلة تبحث عن غاية التغيير في جميع المهن القابلة لخوض الإنسان لها ، والأجمل من ذلك أن الكتاب يجرد الأعذار لدى الكسلاء الذين يتحججون فيما يفشلون به أو يرهقون به أو يرون التميز لا يليق بهم .
أختصر البداية في النهاية حينما قال أنهم أشخاص عاديون ، لكنهم أصبحوا استثنئيين .

أجعلها تحدث ..
كان يُعلم القارئ الوصول إلى معنى الدراية فيما يعمل وفيما ينجز من قبل إجتهادك و تحقيقك للأهداف و المقاومات التي تغيرك للأفضلية في كل إنجاز لا يرضى بالإنجاز فقط ، بل بالوصول إلى المبتكر ، حينما وضع العادات بين يد القارئ كان يدري التغيير الذي يصدر منها قد لايُحدث كما أرد الكاتب إيصاله ربما يتفوق الإبداع بحجم مفهوم القارئ و أستخدامها بطريقة تجعل جميع الأشياء متوقفة في صالحة ويصبح هو الغاية المرضية لها .

كتاب : غير فكرك
الكاتب : رود جودكينز
ترجمة : أمين عليا

مراجعة كتاب قلق السعي إلى المكانة

ندى الأشرم

في عالم كل شيء به قابل للتعديل وقابل للتغيير المفاجئ والغريب تختلف به المعايير القديمة ويأتي بجديدة تلبث قليلًا ثم تختفي هي الأخرى لتفسح المجال لمعايير أجد وهكذا يتكرر المشهد فيه، لا شيء يثبت بهذا الزمان، غير النفس البشرية في حاجاتها ورغباتها هي هي على مر الزمان لا تتغير، في كتابه الذي بين أيدينا يُسلط آلان دُو بوتون- الكاتب والفيلسوف البريطاني- الضوء على ما يمكن القول عنه واحد من الثوابت الموجودة في النفس البشرية وهو من المشكلات التي يتفاوت تأثيرها علينا ألا وهو (قلق السعي إلى المكانة).

فهل نحن فعلًا نعيش هذا القلق؟

وماهي الأسباب التي تجعلنا نقع في شباكه؟

وهل من حلول؟.

يجيبنا الكاتب على تساؤلاتنا تلك واضعا في الجزء الأول من الكتاب أسباب هذا القلق مختصرًا إياها بالتالي:

افتقاد الحب، الغطرسة، التطلّع، الكفاءة، والاعتماد.

فيكون فقر الحب فينا من وجهة نظر بوتون أول محرك لهذا السعي، فالرغبة بأن نكون محط إهتمام أحدٍ ما، أن يُلتفت لنا في هذا الزحام، أن نكون علامة فارقة بحياة أحد، هي أول ما يدفعنا نحو ما قد لا نرغبه، ثم تأتي الغطرسة وهذا الفصل المجتمعي الذي يُصنف به المرء حسب اسمه ولقبه ورصيده المالي والويل كل الويل لمن لا يملك منها شيء، ويعود بنا بوتون لذواتنا وإلى تطلعنا المرهق لما هو أفضل أو -نظنه أفضل -هذا الشعور المرير الذي يسكن الصدر أحيانًا ولا ينفك عنه حتى يحولنا إلى حاسدين، فوفق معيار الكفاءة الذي بالعادة نضعه نحن بأنفسنا ونُقيّم من خلال المحيطين بنا ونخلق منه حلبة للمصارعة لا يهدأ بها الصراع أبدًا والتي تعتمد على ما نملكه من مواهب وحظ وعلاقات عمل وكأننا في حالة تساؤل دائمة لماذا لم أحقق ما حققه زميلي؟ لماذا لست أنا؟.

أما عن الحلول فقد ذكرها بوتون في الجزء الثاني من الكتاب وعن امتدادها في كلًا من الفلسفة والفن والسياسة والدين وجاء بآخر فصل هنا بالحديث عن البوهيمية حيث من الممكن أن يدفع فقد المكانة بالبعض نحو الاعتزال ونحن خلق مجتمعاتهم الخاصة المنغلقة، ووفق هذه التصنيفات يرى بوتون أن من الممكن للفن -وخاصة الأدب الروائي- معالجة النفاق المجتمعي فيُعرِّف بوتون الرواية: كوسيطٍ فني يساعدنا في فهم وتقدير كل هؤلاء الذين عاشوا حياةً خفية في الظل ثم استراحوا في قبورٍ لا يزورها أحد”.

أما على صعيد السياسة ومرورًا بالإلمحات التاريخية الإجتماعية التي استعرضها بوتون والتي يمكن اختصارها بما ذكره فيقول “بصرف النظر عن مقدار ما نشعر به من سُخطٍ أو حيرة إزاء نظام التراتب الاجتماعي، فإننا ننزع إلى مجاراته بافتراض مسلم به أن هذا النظام عميق الجذور ولا بد أنه راسخ الأساس بحيث يستحيل نقده أو التشكيكات فيه.

بعبارة أخرى، تم توجيهنا للاعتقاد بأن المجتمعات والمبادئ الداعمة لها غير قابلة للتغيير من الناحية العملية، بل ربما تكون بطريقةٍ ما فطرية شأن مظاهر الطبيعة.”

ويرى بوتون تأثير أن الدين وخاصة في فكرة الموت ومغزى الحياة فتبدو يجعل كل الأفكار الدافعة نحو السعي إلى المكانة بلا قيمة أو شأن في مقابل فكرة الموت.

ورغم كل ما عددّه بوتون تبقى أول خطوات حل هذه المشكلة هي الاعتراف الحقيقي بوجودها، اذ يجب على الفرد أن يُدرك حقًا حجم المشكلة وتوابعها فالأمر اليوم بات مختلفًا خاصة مع هذا الانفتاح والتواصل المتسارع مع أقطاب العالم الذي يشكل عبئًا هائلًا على النفس مالم يتخذ الفرد منا موقفًا جادًا في ايجاد الحل المناسب له.

ماذا بعد القراءة؟

في الحياة لن يأتيك دومًا ما أردته ولا حتى ما ظننت أنك تستحقه، لن تنال فيها غير ما قد كتبه الله إليك، قد تكون هذه هي بالفعل الفكرة التي نؤمن بها جميعًا لكننا مع الأسف نقع دومًا رهن رغبات النفس وتأملاتها، وإن أخطر ما نقع فيه هو مقارنة أنفسنا مع الآخرين وهذه المقارنة وحدها قادرة على إحالة الحياة إلى جحيمٍ لا يُطاق فكيف إذا مُزِجت مع السعي لتحقيق المكانة؟!

إن أكثر ما يُخشى على هو أن يفقدك هذا السعي ذاتك فتذوب حتى لا يبقى منك أنت سوى ظلك.

مراجعة كتاب قلق السعي إلى المكانة
للكاتب: البريطاني آلان دُو بُوتون.
عدد الصفحات: 311 صفحة
دار النشر : دار التنوير للطباعة والنشر.

أَلِف شافاك: كيف خيب القرن الحادي والعشرون آمال هربرت جورج ويلز

ألقت مؤلفة كتاب “10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم الغريب” محاضرة هذا العام حول كاتب الخيال العلمي جورج هربرت ويلز احتفاءً بتفانيه في مكافحة عدم المساواة.

أَلِف شافاك @Elif_Safak

كانت المرة الأولى التي وضعت فيها يدي على إحدى مؤلفات هربرت جورج ويلز، عندما كنت طالبة في تركيا. إذ وجدت طبعة قديمة في رواق أحد متاجر الأشياء المستعملة التي كنت أزورها في الغالب لشراء القصص ومجلات المعجبين ومشاهدة أحدث ألبومات ذات المعدن الثقيل. وجدتُ كتاباً تملؤ غلافه الرطوبة وكانت صفحاته مهترئة إلى حد ما، وظهر على الكتاب علامات تدل ملكية صاحبه السابق.

كان عنوانه “First Humans in the Moon” أي: أول البشر على سطح القمر. اكتشفت بعد ذلك أن الترجمة التركية قد سلكت طريق الحياد بين الجنسين، لكن الكتاب بلغته الأصلية لم يسلكه، حيث أن عنوانه “The First Men in the Moon” أي: أول الرجال على القمر.

في تلك الأثناء، لم أكن مهتمة إلى حد كبير بالخيال العلمي.  لقد اشتريت الكتاب لأنه جذبني لسبب ما، عجزت عن إدراكه.  لكن قراءته لم تكن من بين أولوياتي. كنت شغوفة بالأدب الروسي آنذاك؛ فلقد غيرت رواية النفوس الميتة “Deads Souls” لغوغول ورواية مذكرات من البيت الميت Notes from a Dead House ورواية الإخوة كارامازوف The Brothers Karamazov لدوستويفسكي شيئًا بداخلي تغييرًا أبديًا.

كنت أرغب في قراءة نوع الأدب الذي تعامل مع ما رأيته “الوقائع الاجتماعية السياسية القاسية”.  لذلك، استخففت بهربرت جورج ويلز وتجاهلته، وظلت روايته ملقاة على رفي لم أقرأها ولم أكترث بها لفترة طويلة.

عندما انتقلت من أنقرة إلى اسطنبول في العشرينيات من عمري، وكان يراودني حلم هادئ بأن أصبح مؤلفة، لم يكن لدي أي سبب لأحضر هربرت جورج ويلز معي، لكنني فعلت.

استأجرتُ مسكنًا صغيرًا بالقرب من ميدان “تقسيم” ، في شارع يحمل اسم “كازانشي يوكوسو” الشارع المنحدر لصناع المراجل. كانت شقة لها إطلالة مميزة على حد قول سمسار العقارات. إذا وضعت مقعدًا تحت إحدى زوايا النافذة الوحيدة في غرفة الجلوس، والتي كانت أيضًا غرفة مذاكرتي ونومي، ووقفت عليه ومددت رأسي إلى أقصى اليمين،وكانت السماء صافية والأفق منقشع ضبابه، مما أمكنني من أن أنعم ببصيص من اللون الأزرق المتلألئ وومضة من جمال البوسفور، بل أطلقتُ العنان لنفسي لأغوص فيه، وانجذبتُ إما بالبحر أو بأرق الآمال التي زفها إليَّ.

تم اختيار الروائية التركية البريطانية أَلِف شافاك لإلقاء المحاضرة السنوية عن هربرت جورج ويلز

تصوير: بال هانسن – صحيفة ذا أوبزرفر

بدأت رحلتي في قراءة قصة أوائل الرجال على القمر في تلك الشقة.  ارتبطت مدينة هربرت ويلز القمرية، بكهوفها المذهلة وطقسها الغريب، في مخيلتي، بشكل أو بآخر، بالمدن الكبرى القديمة التي وجدت نفسي فيها، بشوارعها الأفعوانية وشخصياتها التي لا تقل غرابة عنها.

الكائنات التي أطلق عليها اسم السيلينايت ”Selenites” ، تلك المخلوقات القمرية المعقدة من الناحية الاجتماعية والمتطورة من الناحية التقنية والتي تسكن تحت سطحه، لم يكن فهمها من السهولة بمكان. لكنني اكتشفت لاحقًا أنني لم أكن أفهم الاسطنبوليين.

ويلز، هذا الكاتب المتمرس بوصفه خبيرًا محنكًا في كثير من الأساليب، اعتلى منزلة فريدة في ابتكار الروايات التي كانت المعرفة بمختلف مجالاتها تربة خصبة لها.  وقد ميزه ذكاءه عن أغلب معاصريه من الأدباء.  فهو لم يدرك رغبتنا الوجودية اللانهائية في الابتكار والتجريب والحداثة فحسب، بل كان يخشى أيضًا ذلك الجانب المظلم من التكنولوجيا.

نقل ويلز في مؤلفاته العديد من التنبؤات المستقبلية، من السفر في الفضاء إلى الهندسة الوراثية، من القنبلة الذرية إلى الشبكة العنكبوتية.  ولم يتعمق أي مؤلف آخر من مؤلفي الروايات الخالية في استشراف مستقبل البشرية بنفس الوضوح والجرأة مثله.

إذا كان على قيد الحياة في نهاية القرن العشرين، ماذا عساه أن يقدّم من هذا العالم؟  ومن دواعي فضولي أن أعرف بالتحديد ماذا سيكون رأيه حول التفاؤل الجامح في هذا العصر، التفاؤل الذي عمّ السياسيين الليبراليين والخبراء السياسيين وعاصمة التقنية العالمية “وادي السيليكون” على حدٍ سواء. القناعة الوردية بأن الديمقراطية الغربية قد انتصرت نهائياً وأن العالم بأسره، بفضل انتشار التقنيات الرقمية، سيصبح قرية عالمية ديمقراطية كبيرة عاجلاً أم آجلاً. وأبسط التوقعات إن استطعت نشر المعلومات بحرية خارج الحدود، تتحول الشعوب إلى مواطنين واعين، وبالتالي تكون اختياراتهم صائبة وفي الوقت المناسب.  وإذا كان التاريخ بطبيعته خطيًا وتقدميًا ــ إذا لم يكن هناك بديل عملي للديمقراطية الليبرالية ــ لمِ القلق بشأن مستقبل حقوق الإنسان أو سيادة القانون أو حرية التعبير أو تنوع وسائل الإعلام؟  ونُظر إلى العالم الغربي على أنه آمن ومتماسك ومستقر. لن تتفكك الديمقراطية بمجرد تحققها.  كيف يمكن لأي شخص كان يتذوق حريات الديمقراطية أن يوافق على التخلي عنها للرياح؟

“إننا بحاجة إلى التضامن والتآخي الدولي في جميع أنحاء العالم.”

يعتبر التقدم السريع والعصر الحاضر بمثابة طريق مزدوج لرؤية العالم وهو يتحطم. الأرض تحت أقدامنا لا تبدو بهذه الصلابة على الإطلاق. لقد دخلنا عصر القلق. عصرنا عصر التشاؤم. عالمنا هو عالم مؤلم. وإذا كان ويلز على قيد الحياة اليوم، فماذا سيكون رأيه في هذا القرن الجديد الذي يتنامى فيه الاستقطاب ويتصاعد فيه الاستبداد الشعبوي، ووتيرة الاستهلاك المزعجة ــ بما في ذلك استهلاك المعلومات المضللة ــ التي تفاقمت جميعها بفعل التكنولوجيات الرقمية؟

بالإضافة إلى المجموعة الرائعة من الروايات الخيالية، كتب ويلز تعقيبات سياسية واجتماعية قوية.  أصبح التاريخ البشري إلى حد بعيد “سباقًا بين التعليم والكارثة”، على حد قوله. وكان يؤمن بشدة أن “التاريخ البشري في الأساس تاريخ للأفكار”. لم يخش ويلز أن تتحول سهام انتقاده شطر وطنه، وفي بعض الأحيان، شطره شخصيًا. وقد يسخر صراحة من نفسه، ويتحرى حماقاته، وكان ينتقد التركيز على الإنجليز.

التاريخ مليء بالأمثلة التي تظهر كيف أن صعود المذهب الوطني يسير دائمًا جنبًا إلى جنب مع ظهور المعارضات الثنائية.  تتعالى أصوات الديماغوجيون الشعبويون بزعمهم القائل إنه بإمكانك إما أن تكون وطنياً ــ أي أن تضع الأولوية لبلدك على حساب بناء جدران أعلى، وغلق كل الأبواب من أجل البقاء بمنأى عن “مشاكل الآخرين” ــ أو أن تمضي لتكن جزءًا من نخبة عالمية.

هذان هما الخياران الوحيدان، على حد قولهم.  ولكن ويلز، الذي اهتم اهتمامًا بالغًا بالأهمية، يثبت بمنتهى اللباقة أنه من الممكن تجاوز هذا الانقسام المبتذل.  لسنا مضطرين لحصر أنفسنا في شرك العصبية القومية أو المظالم التي تفاقمت باسم العولمة الجشعة.  وهذه النقطة جديرة بالذكر في عصرنا الحاضر، عندما نحتاج إلى تضامن وتآخي دولي في جميع أنحاء العالم، وفي في وقت نحتاج فيه إلى أن نتذكر إنسانيتنا المشتركة.

لقد أثبت جائحة كوفيد-19 مدى عمق ارتباطنا. ولقد أوضحت أزمة المناخ أن أي جزء من العالم لن يكون بمنأى عن تأثير الاحتباس الحراري.  أمامنا تحديات هائلة كبشر، ولا يمكن حل أي منها عن طريق أساطير الاستثنائية أو الوطنية أو الانعزالية.   ومن العار أنه في الوقت الذي يظهر فيه احتياجنا إلى التعاون الدولي، انتهى بنا الأمر إلى نوع من “قومية اللقاح”.   لو كان على قيد الحياة اليوم لخابت آماله بفعل ذلك كله.

الديمقراطية ليست ميدالية عند الفوز بها تزيّن ببرواز وتعلق على جدار لإخفاء شقوق ألمت به. إنها نظام بيئي دقيق، وبيئة حية تتنفس بالبشر المتفاعلين فيها وبالضوابط والتوازنات والتنوع والشمول والتعاون والتعايش.  ومن هنا، يجب تعضيدها باستمرار.  صندوق الاقتراع بمفرده لا يكفي للحفاظ على ديمقراطية تعددية سليمة.  علينا ألا ننسى أن العديد من البلدان غير الليبرالية، بل وحتى السلطوية البحتة، تُجري “انتخابات” كل بضع سنوات في العصر الحالي. سيادة الأغلبية ليست مثل الديمقراطية.

وبناءً عليه، إضافة إلى صناديق الاقتراع، نحتاج إلى سيادة القانون والفصل بين السلطات ووسائل الإعلام الحرة والمتنوعة والأوساط الأكاديمية المستقلة وحقوق المرأة وحقوق مجتمع الميم.  وعندما تنكسر القواعد والمؤسسات الديمقراطية وتتصاعد حدة النزاع في لغة السياسة وتحتدم بالاستعارات العسكرية فإننا ندخل منعطفًا خطيرَا.

كما أن احتكار السلطة من بين الأمور الخطرة. ينبغي ألا يكون هناك لأي سياسي أو لأي حزب سياسي وبالطبع لأية شركة من شركات التكنولوجيا سلطة مطلقة في المجتمع.

التاريخ لا يمضي بالضرورة في تقدم ثابت ومستقيم.  وقد تكرر الأجيال الجديدة الأخطاء التي ارتكبها الأجداد. وعندما تتقهقر الدول، فإن حقوق المرأة والأقليات هي أوائل الحقوق التي يتم تقييدها.

كان ويلز يؤمن بنوع من أدب الأفكار؛ وهو الفن الذي انخرط مع العالم وتجرأ على طرح الأسئلة. وتصور مستقبلًا تكون فيه “المرأة حرة كالرجل”.  وقال إنه إذ يجرؤ على الكتابة عن المحرمات، فإنه لا يدعم المساواة بين الجنسين فحسب، بل يدعم أيضًا التحرر الجنسي للمرأة، بحيث “لا تستعبد أو تخضع بأي حال من الأحوال للرجل الذي اختارته”. كما أرى أن دعوته إلى تحديد النسل في وقت لم يكن من السهل فيه القيام بذلك من بين الأمور التي كانت على نفس درجة الأهمية.

كما فهم هربرت جورج ويلز عدم المساواة. وأدرك كيف سيؤدي اتساع وتعميق أوجه عدم المساواة إلى تآكل الحياة وسعادة البشر. كما أنه فهم اليأس.  وقال في كتابه “حقوق الإنسان”  The Rights of Man، “ما لم نتمكن من الكفاح في خضم الارتباكات المتزايدة في عصرنا هذا، لإرساء نظام عالمي جديد للقوانين والسلامة، وما لم نتمكن من الحفاظ على رباطة جأشنا وشجاعتنا، لكي نشيد حياة نزيهة من جديد، سينهار بنو جنسنا، ويصيبهم الجنون، وهم يتقاتلون ويثرثرون كشرذمة من النازيين الخارقين على أرضٍ خربة “.

كانت هذه نسخة مختصرة من محاضرة أَلِف شافاك عن هربرت جورج ويلز، التي ألقتها يوم الجمعة 17 أيلول/سبتمبر 2021 في مهرجان Ripples of Hope بالشراكة مع مؤسسة القلم الإنكليزية.

الفشل في التجرؤ على الخيال – جون بيرجر

نوره بابعير

حوار – سوزان سونتاغ و جون بيرجر
الفشل في التجرؤ على الخيال – جون بيرجر

وحينما يكون الشخص هناك حقًا لأنني أعتقد أن كلينا من الناس الذين يشعرون و يتحملون المسؤولية بقدر كبير لكن ليس تجاه فكرة ما عن الحقيقة باستثناء المعنى المنطقي إجمالًا .

أعتقد أنني حينما انتقلت لكتابة القصة لم يكن ذلك من أجل أنني سمعت قصة ما لأنني سمعت – كأي شخص آخر -الآلآف من القصص .

بل لأنني أسمع لغة ما في رأسي ، أسمع جملة ، أسمع صوتًا ، أسمع صوتًا ثم أحيانا لا يكون لدي إلا الجملة الأولى . و تستمرين بسماع ذلك الصوت ؟
نعم ، الصوت ..
الأمر أشبه ما يكون بالإملاء .
نعم ، إملاء يمكنني مراجعته لأكثر من مرة .
أتذكر ذات مرة في واحدة من القصص ، سمعت جملة في رأسي ” وذهبت لأرى الأشياء الجميلة ” ثم يقول صوت آخر .

آه لا ، يقول الصوت : ” وذهبت لأرى الأشياء الجميلة ، ثم أتعلم ماذا ؟ ” فيرد صوت آخر قائلًا : ماذا ؟!
ثم يقول الصوت الأول ” إنهم لا يزالون هناك ”
ثم يرد الصوت الآخر : ” آه ، لكنهم لن يظلوا هناك لفترة طويلة ” ثم قلت لنفسي : ” من هولاء الناس ؟ ماذا يقولون ؟ عما يتحدثون ؟

لذلك هو ليس إملاء بالتحديد ، بل أشبه ما يكون بالاستنباط حيث أصبح لدي أربعة أسطر على الصفحة الآن ، ما الذي يمكنني أفعله بها ؟

وأحيانًا يتوجب على التوقف ، وقد يستغرق ذلك أيامًا قبل أن أستطيع معرفة السطر التالي وأحيانا أكتب خمس صفحات ثم أتوقف ، فالاصوات لم تعد تتحدث أو في حالة إحدى القصص سمعت السطر الأخير كان السطر الأخير ” سيزيف. أنا لا شيء ولا شيء يمكنه إبعادي عن هذه الصخرة وقلت في نفسي : من هذا الشخص الرواقي المتجهم الذي يصرح بإخلاصه لهذا الوضع الذي لا يطاق و بدأت التفكير عكسيًا ” ربما قد تكون هذه قصة لأحدهم الخ ..”

لذلك بالنسبة لي هي عملية إبداعية قطعًا و مرتبطة إرتباطا وثيقًا باللغة ، و بالأسلوب ، و بالصياغة قد يكون ذلك كذلك ، هذا مثير للاهتمام جدأ ؛ لأنه يتكرر ، ولقد ناقشنا ذلك في كثير من الأحيان ، لأننا ربما قد وصلنا إلى نتيجة مشابهة تمامًا ، لكن بطريقة عكسية .

بالنسبة لي ، لم يكن هناك ذلك الصوت قط في البداية هناك تلك الصعوبة الهائلة كي أرى ذلك الوضع ، ذلك الشخص .
أنا لا أرى ، أنا أسمع
لا ، أنا أرى .
ربما لهذا السبب أحبُ صناعة الأفلام .
لأنني لا أرى ، أنا أسمع فقط حين أكتب .
و لذلك أرغب بشدة في أن أرى . وهذا ما أحب فعله مع الصور وحينما يكون الشخص هناك حقاً ، ويكون ذلك على الأرجح في وقت الكتابة الفعلي بعد حوالي الثلثين ، ليس ثلثي النص ، بل ثلثي وقت الكتابة ، الأشهر أو السنين ثم فجأة تأتي الأصوات و حينئذ كل ما أفعله هو الكتابة لكنها تأتي بعد أن تتضح الصورة أو الشخصيات ، و ليس قبل ذلك .

لا، بالنسبة لي الشخصيات تأتي من اللغة .
أما بالنسبة لي فإن اللغة تأتي من الشخصيات ، أعتقد أن موقفي ، حسنا ، من ناحية ، من الواضح من خلال حديثنا .

أنني مخلصة حقًا لبعض الافتراضات الحداثية حول الفن و الأدب و التي أعتقد بأنك تسائلها ، و تخليت عن تطبيقها ، لأنني أفكر في أعمالك القصصية السابقة ، كرواية “جي” مثلًا وما كنت تفعله حينها قريب مما أنا مستمرة في فعله الآن ككاتبة قصص لكن أعتقد أن القصص التي كتبتها مؤخراً عن حياة القرويين .

-ولا أعرف إن كنت تشعر بذلك – تحمل نمطا مختلفًا جدًا. لأن الموضوع مختلف جداً ، كما أعتقد هذه صحيح .
ألم تتغير ؟ ألم تتغير أنت نفسك ؟ لا أعلم ، لقد كان علي إعادة تعلم الكتابة .
هذا صحيح ..
لأن تجربة المعوزين أو القرويين في غاية الاختلاف عن تجربة الكتابة عن أصحاب الامتيازات .
و رواية ” جي ” كانت عنهم .
لكن هل تعتبر نفسك مخبرًا عن تجربتك ؟
أنا لا أشعر بأنني مُخبرة عن تجربتي على الإطلاق .
لا ، لا أعتبر نفسي كذلك .لأنني أومن بشكل مطلق في كون التجربة قابلة للمشاركة . أؤمن بأن المخيلة هي هذه على وجه الدقة التي تبدأ في وقت مبكر جدًا من الطفولة في وقت تماهي الطفل مع لعبة أو مع حيوان ما ، تلك القدرة على التعاطف تبدو أول ثمرة لهذا الإبداع الاجتماعي ، إلا وهو الخيال و بشكل عام ، أرى أن هناك نوعًا من الفشل في الجرأة في الأدب القصصي .
ما الذي أعنيه بذلك ؟
نعم ،
ماذا تعني بذلك ؟
حسنًا ، ما أعنيه هو أن معظم الروايات الآن هي سيرة ذاتية مُتنكرة ، ومن جهة أخرى ، يقول أناس ” بأي حق تكتب عن القرويين ؟ انت لست قرويًا ”

وبالنسبة لك ” بأي حق تكتبين عن الرجال ؟ أنتِ لستِ رجلًا ، أو العكس وهذه الأسئلة حاضرة بقوة . و أزمة الجرأة ، فشل الجرأة هو أنه من غير الممكن الكتابة عن شيء لم يعشه المرء أو لم يراه، لكنني لا أعتقد بذلك .

أتعتقد أن هذا هو سبب وراء كثرة الروايات عن أساتذة الجامعات . نعم ، بالطبع ! بالطبع ! أو عن الكتّاب .
نعم ،
بشكل واضح .
وأخيراً ..
أتعتقد أن لهذا علاقة أيضاً بالمنافسة مع الأساليب الأخرى السرد القصصي ؟ لأننا انتقلنا من أوسع معنى للقص ، ألا و هو القصّ الشفوي .

ترجمة: رزم

الصلـة

الجازي مطر الشمري

(الصلـة)

لطالما كانت الصلاة مفتاح نجاحٍ وتوفيق، أدركتُ ذلك منذ مرحلتي الإعدادية، حينما كنتُ أريد أن أصير مثل الأخريات في هذا العمر اللاواعي، حيث لا تدرك الفتاة أو الفتى على العموم سوى الطيش واللهو متناسين ما لهم وما عليهم. وفي الحقيقة هذا دور الآباء والمربين على الأغلب، فالشاهـد لا أنسى ذلك الوقت الذي تعمدتُ ألّا أصلي؛ لأني شعرت أو بالأحرى وسوس لي الشيطان أن إذا صليت فلن أؤدي الاختبار جيداً، وفعلاً ظلت الفكرة تراودني لفترة، لكن لم يتركني الله فجاهدت نفسي وقمت وصليت وذهبت للاختبار في اليوم التالي وأديته بأحسن مما يكون. وكان يصحبني انشراح صدر يغمرني شعوره إلى الآن وكلمة تلك المعلمة والمديح عالق إلى الآن بسمعي، ومن يومي ذاك وأنا أحرص على ذلك العهـد وتلك الصلة التي بيننا وبين الله. لا أذكر أن لدي عمل أفعله سوى أنني أحافظ عليها، إلى الآن أشعر أن الله في ذلك الوقت حماني من أشياء كثيرة بسببها وبسبب ذلك الاتصال على الرغم من التقصير الذي كان يختلجهـا، وكم فُتحت لي أبواب وتيسرت لي أمور وتوافيق لا أدري بأي عمل سوى تلك الصلاة التي لم تكن تأخذ من الوقت سوى الخمسة دقائق.

جرائم وأسباب

رحاب إبراهيم عجم

جرائم وأسباب
بأي ذنب قُتلت وبأي ذنب قُتل….بعد كل تلك الجرائم البشعة بين الأزواج التي مرت علينا جعلتني أفكر مليًا في الأسباب التي جعلت كلٍ منا متحفز للقضاء على الآخر خاصةً إذا كان شريك حياتك….
سيداتي وسادتي الكرام، عندما يمر على أحدهم طوال الوقت الكثير من المشكلات، والتنمر والتذمر والتحكم والسيطرة بلا أي حق، أن يواجه كل يوم غضب شخص آخر وليس له حق الرد، أن يكتم أنفاسه ويحقن غضبه وعليه الطاعة في أي أمر كان… قد يجعله قنبلة موقوتة تنفجر في أي وقت…هذا ما حدث مع إحدى ضحايا العنف المنزلي ومشكلات “بيت العائلة الكبير” انفجرت الزوجة وهي تحت قبضة يد زوجها التي تلتف حول عنقها -هل تدعه يقتلها خنقًا أم تقتله هي وتعيش- انفجرت قنبلتها ولكن انفجرت حياتها هي الأخرى تباعًا.
عندما يكون هناك احترام بين الزوجين، احترام يمنع تدخل لغط العائلات بينهما تحت مسمى لقب عائلة سيصبح الأمر أفضل… في بلادنا العربية تتعرض أغلب الزيجات للفشل بسبب تدخل عائلة الزوج على الدوام بحكم بيت العائلة، وقد أيضاً يكون بسبب غيرة الأم على ولدها وغيرة السلفات والأخوات وبعض الأعراف التي تختلف من بيت لآخر وأيضاً الحالة الإجتماعية والثقافية…. يجب أن يعترف الجميع بأنه لا يوجد حق لأي شخص بالتدخل بين زوجين وخصوصيتهما إلا برضاهما واتفاقهما هما الاثنين لدخول حكم خارجي بينهما….الإحترام أولاً قبل الإهتمام والحب، قد يحب شخص أحدهم ويهتم به لكن كحيوانه الأليف فينشأ عن ذلك مشاعر الحقد والغل والكره اتجاهه وتتحول أخيراً إلى قنبلة موقوتة وتنفجر…. احترموا بعضكم البعض.
ومن أحد الأسباب الأخرى؛ الاستضعاف عندما يستضعف شخص أحدهم؛ تتولد مشاعر الكراهية على الدوام من المُستضعف، وتتولد مشاعر النشوة والمرض عند الذي يمارس قوته على ضحيته…. فتقتل الضحية الجاني أو يقتل الجاني ضحيته إن حاولت الهرب منه، كما فعل الزوج الذي أرادت زوجته الإنفصال عنه فطعنها ٢٧ طعنة في مقر عملها وهذا السبب لا يندرج على الأزواج فقط.
أن تتابع صيانتك النفسية أفضل من أن تنكرها فتتحول لقاتل.

حين تنفذ الحلول.. نلجأ للمستحيل

مريم عادل

هناك فيلماً هوليودياً اسمه ” blood red sky ” شاهدتهُ على منصة نيتفليكس قبل عدة ايام، في البداية تمكنوا من خداعي في وصفه فيلماً.

لم يكن هناك كلمة أو عبارة تدل على وجود فكرة المسوخ “مصاصي الدماء” الفكرة التي لا أحب مشاهدتها أبداً، فلا أجد منها ايُّ فائدة إلا ارعاب المشاهد واثارة اشمئزازه بفكرة وهمية يخلوا منها عالمنا الحقيقي..!

تدور أحداث الفيلم حول رحلة جوية على متن طائرة تنتمي الى خطوط الطيران (ترانس أتلانتيك) رقم “473” المتوجه الى (نيويورك).

وهناك امرأة تدعى “نادية” هي ام وزوجة ذهبت مع زوجها وابنها الرضيع “إلياس” الى مكان يحيط الثلج بهم من كل جانب، وعند انتهائهم من نزهتهم تفاجؤوا بعطلٍ أصاب العربة التي كانت تنقلهم.

ذهب الأب باحثاً عن شيء او احدٍ ما لمساعدتهِ في اصلاح تلك العربة اللعينة التي كانت سبباً لخوض الأم في متاهات ومعانات سوداوية جداً ..!

عند تأخر الأب حملت ابنها وذهبت للبحث عنه لتجد بيتاً متروكا وسط الغابة، تجرأت في الدخول وشاهدت زوجها مقتولاً ومرمياً على الأرض ليهاجمها بعد ذلك مصاص الدماء.

ومن هنا تبدأ حكاية الفلم بتحول الأم الى ممسوخة…

عانت الأم الويلات وتذوقت المرار فكانت كل ما ترغب في تناول اللحم وشرب الدم تشتهي ولدها القابع امامها لتعيش في صراع مخيف بين ماتشتهيه وبين اجبار نفسها في الأبتعاد عن لحق الأذى بولدها المسكين..

تستمر الاحداث بصراعات قوية وإثارة رائعة وابراز دور المسلمين بطريقة مثلى واسلوب لم اعتد مشاهدتهُ في الأفلام الأجنبية التي تصور المسلم في غالب الأمر على انه شخص عدواني غرائزي لا يأبه بالنساء الا لغاية واحدة فقط وعدا ذلك هي لا تساوي شيئاً ابدا !

فاجأني كاتب العمل “stefan holtz ” في طريقة طرحه لشخصيتين مسلمتين هما “فريد و محمد” اللذان جسدا اسمى معاني البطولة والتضحية والفداء والانسانية المفردة الشاملة لجميعهم.

و مخرج العمل “peter thorwarth” الذي اوصل معاني تلك المفردات دون نطق العبارات..!

كل ذلك وضعتهُ في كفة والدقيقة 1.42 من الفيلم وضعتها في الكفة الاخرى التي رجحت لدي، حين وصل المطاف بنادية الى مشارف النهاية تلك النهاية التي دفعت إلياس للجوء الى جرح نفسه كي تشرب امهُ دمه ليبثُ فيها الحياة ..!

ذلك الطفل مع نادية اوصلوا لي معاناة الأنسان في مجاهدة رغباته فهو اراد احتضانها بعدما استفاقت وهي حاولت درء نفسها عنه بملامح يقطر العذاب منها وبغريزة تدعس بقدم القدر!!

القدر الذي اجبرها على الوصول الى اعلى مراتب تحدي الشهوة العارمة في القض على ابنها عند ذلك الحدث الحزين المليء بالمعاناة الأنسانية..

في نهاية الفيلم عندما شاهد إلياس والدته فقدت كل اسلحتها في مقاومة نفسها لألتهام ابنها، قرر ذلك الولد الصغير في الدقيقة 1.58 اللجوء الى ضرب من ضروب المستحيل اكراماً للمنقذ فريد.!

انصحكم بمشاهدة هذا الفيلم الذي جعلني اعدلُ عن رأيي في التعميم لفكرة بصريح العبارة اشمئزها جدا..

لكن ذكاء الكاتب فرض عليّ اسلوبه وفكرته من خلال فرضية المسوخ تلك فنسج مشاهد تتلخص فيها الحروب الذاتيه التي نتعايش معها يومياً متفادين احتمال تغلبها علينا بوهم غرور الانتصار الذي يسيطر على عقولنا.

لكننا نحاول مرة تلو الاخرى متشبثين بعنادنا تجاه القدر المحتم والواقع الرياضي الذي من غير الممكن لديه ان نضع اشارة الزائد بدلاً من الناقص وندرك نفس النتيجة!

هذا الواقع الذي نجرب معهُ شتى انواع الحلول والتبدلات وعندما لا يستجيب نصدمهُ بقوة فعل المستحيل..!.

أن أنتقم

تسنيم

أن أنتقم

الانتقام كصرير أمل عند بعض النفوس الكسيرة، كأنه حاجة ملحة مرتبطة براحتهم ، و ينبع هذا كله من شدة ماكانوا يعانون الأذية ثم الإحساس بالدونية. إن أبسط الأمور التي منها يتحفز شعور الانتقام هو ذلك الخذلان المتواصل في نفس المنتقم ، وقد يختار الانتقام كسلاح لاثبات وجوده.

إن التفكير بالانتقام يأخذ منهم الكثير..استنزاف المشاعر، تهميش العقل ، ثم تكليف القلب بما لا يطيق. فهو يبدأ بالتساؤلات التي لا تنتهي و التي لا يجيبها إلا بنفسه مثل لماذا أتوقف عن التفكير بالانتقام؟ لماذا أسيطر على مشاعري السيئة أمام هذا المؤذي؟ لماذا لا يذوق ما أذاقني؟.. والكثير من التساؤلات التي تؤذي النفس وتغيرها للأسوء من غير أن يشعر بذلك.

كيف نصل لحقيقة أن التفكير بالانتقام مدمر للنفس؟
عندما تصل هذه النفس إلى أعلى مراتب الأذى ستتملكُها القسوة وتتمتع بالتشمت و يغذيها احتقار هذا الآخر ، و قبل هذا كله نسيان أي ذرة خير من المؤذي.

إن الثقة بالله ليست كلمة تقال على هامش الحياة،إنها كلمة وفعل عظيم يغذي النفس بل ويزيدها صرامة. قد يرى البعض أن ثقته بالله هزيلة ، فيُسير النفس إلى الانتقام لوحدها، ولو أنه تمهل وتمعن قليلاً لوجد أن الله تعالى يعلم خبايا البشر إذاً يعلم كيف يمكن محاسبة هذا المؤذي وأين و في أي وقت ، وستجد الله سبحانه يمتعك بالانتقام لك و يذيقك حلاوة النصر، ثم قد لن يسوقه الله تعالى إلى يدك بل تجده خاضعاً للظروف التي كتبها الله له و المهالك التي قد دمر مثلها غيره و ها هي تدمره، فما ألذه من انتقام.

في النهاية.. الانتقام لن يستوفي النفس حقها ، و سنظلمها دون علم، فلنختر الإجابة الصادقة لتساؤلاتنا و لنبتعد عن الانتصار الوهمي.

تسنيم