أَلِف شافاك: كيف خيب القرن الحادي والعشرون آمال هربرت جورج ويلز

ألقت مؤلفة كتاب “10 دقائق و38 ثانية في هذا العالم الغريب” محاضرة هذا العام حول كاتب الخيال العلمي جورج هربرت ويلز احتفاءً بتفانيه في مكافحة عدم المساواة.

أَلِف شافاك @Elif_Safak

كانت المرة الأولى التي وضعت فيها يدي على إحدى مؤلفات هربرت جورج ويلز، عندما كنت طالبة في تركيا. إذ وجدت طبعة قديمة في رواق أحد متاجر الأشياء المستعملة التي كنت أزورها في الغالب لشراء القصص ومجلات المعجبين ومشاهدة أحدث ألبومات ذات المعدن الثقيل. وجدتُ كتاباً تملؤ غلافه الرطوبة وكانت صفحاته مهترئة إلى حد ما، وظهر على الكتاب علامات تدل ملكية صاحبه السابق.

كان عنوانه “First Humans in the Moon” أي: أول البشر على سطح القمر. اكتشفت بعد ذلك أن الترجمة التركية قد سلكت طريق الحياد بين الجنسين، لكن الكتاب بلغته الأصلية لم يسلكه، حيث أن عنوانه “The First Men in the Moon” أي: أول الرجال على القمر.

في تلك الأثناء، لم أكن مهتمة إلى حد كبير بالخيال العلمي.  لقد اشتريت الكتاب لأنه جذبني لسبب ما، عجزت عن إدراكه.  لكن قراءته لم تكن من بين أولوياتي. كنت شغوفة بالأدب الروسي آنذاك؛ فلقد غيرت رواية النفوس الميتة “Deads Souls” لغوغول ورواية مذكرات من البيت الميت Notes from a Dead House ورواية الإخوة كارامازوف The Brothers Karamazov لدوستويفسكي شيئًا بداخلي تغييرًا أبديًا.

كنت أرغب في قراءة نوع الأدب الذي تعامل مع ما رأيته “الوقائع الاجتماعية السياسية القاسية”.  لذلك، استخففت بهربرت جورج ويلز وتجاهلته، وظلت روايته ملقاة على رفي لم أقرأها ولم أكترث بها لفترة طويلة.

عندما انتقلت من أنقرة إلى اسطنبول في العشرينيات من عمري، وكان يراودني حلم هادئ بأن أصبح مؤلفة، لم يكن لدي أي سبب لأحضر هربرت جورج ويلز معي، لكنني فعلت.

استأجرتُ مسكنًا صغيرًا بالقرب من ميدان “تقسيم” ، في شارع يحمل اسم “كازانشي يوكوسو” الشارع المنحدر لصناع المراجل. كانت شقة لها إطلالة مميزة على حد قول سمسار العقارات. إذا وضعت مقعدًا تحت إحدى زوايا النافذة الوحيدة في غرفة الجلوس، والتي كانت أيضًا غرفة مذاكرتي ونومي، ووقفت عليه ومددت رأسي إلى أقصى اليمين،وكانت السماء صافية والأفق منقشع ضبابه، مما أمكنني من أن أنعم ببصيص من اللون الأزرق المتلألئ وومضة من جمال البوسفور، بل أطلقتُ العنان لنفسي لأغوص فيه، وانجذبتُ إما بالبحر أو بأرق الآمال التي زفها إليَّ.

تم اختيار الروائية التركية البريطانية أَلِف شافاك لإلقاء المحاضرة السنوية عن هربرت جورج ويلز

تصوير: بال هانسن – صحيفة ذا أوبزرفر

بدأت رحلتي في قراءة قصة أوائل الرجال على القمر في تلك الشقة.  ارتبطت مدينة هربرت ويلز القمرية، بكهوفها المذهلة وطقسها الغريب، في مخيلتي، بشكل أو بآخر، بالمدن الكبرى القديمة التي وجدت نفسي فيها، بشوارعها الأفعوانية وشخصياتها التي لا تقل غرابة عنها.

الكائنات التي أطلق عليها اسم السيلينايت ”Selenites” ، تلك المخلوقات القمرية المعقدة من الناحية الاجتماعية والمتطورة من الناحية التقنية والتي تسكن تحت سطحه، لم يكن فهمها من السهولة بمكان. لكنني اكتشفت لاحقًا أنني لم أكن أفهم الاسطنبوليين.

ويلز، هذا الكاتب المتمرس بوصفه خبيرًا محنكًا في كثير من الأساليب، اعتلى منزلة فريدة في ابتكار الروايات التي كانت المعرفة بمختلف مجالاتها تربة خصبة لها.  وقد ميزه ذكاءه عن أغلب معاصريه من الأدباء.  فهو لم يدرك رغبتنا الوجودية اللانهائية في الابتكار والتجريب والحداثة فحسب، بل كان يخشى أيضًا ذلك الجانب المظلم من التكنولوجيا.

نقل ويلز في مؤلفاته العديد من التنبؤات المستقبلية، من السفر في الفضاء إلى الهندسة الوراثية، من القنبلة الذرية إلى الشبكة العنكبوتية.  ولم يتعمق أي مؤلف آخر من مؤلفي الروايات الخالية في استشراف مستقبل البشرية بنفس الوضوح والجرأة مثله.

إذا كان على قيد الحياة في نهاية القرن العشرين، ماذا عساه أن يقدّم من هذا العالم؟  ومن دواعي فضولي أن أعرف بالتحديد ماذا سيكون رأيه حول التفاؤل الجامح في هذا العصر، التفاؤل الذي عمّ السياسيين الليبراليين والخبراء السياسيين وعاصمة التقنية العالمية “وادي السيليكون” على حدٍ سواء. القناعة الوردية بأن الديمقراطية الغربية قد انتصرت نهائياً وأن العالم بأسره، بفضل انتشار التقنيات الرقمية، سيصبح قرية عالمية ديمقراطية كبيرة عاجلاً أم آجلاً. وأبسط التوقعات إن استطعت نشر المعلومات بحرية خارج الحدود، تتحول الشعوب إلى مواطنين واعين، وبالتالي تكون اختياراتهم صائبة وفي الوقت المناسب.  وإذا كان التاريخ بطبيعته خطيًا وتقدميًا ــ إذا لم يكن هناك بديل عملي للديمقراطية الليبرالية ــ لمِ القلق بشأن مستقبل حقوق الإنسان أو سيادة القانون أو حرية التعبير أو تنوع وسائل الإعلام؟  ونُظر إلى العالم الغربي على أنه آمن ومتماسك ومستقر. لن تتفكك الديمقراطية بمجرد تحققها.  كيف يمكن لأي شخص كان يتذوق حريات الديمقراطية أن يوافق على التخلي عنها للرياح؟

“إننا بحاجة إلى التضامن والتآخي الدولي في جميع أنحاء العالم.”

يعتبر التقدم السريع والعصر الحاضر بمثابة طريق مزدوج لرؤية العالم وهو يتحطم. الأرض تحت أقدامنا لا تبدو بهذه الصلابة على الإطلاق. لقد دخلنا عصر القلق. عصرنا عصر التشاؤم. عالمنا هو عالم مؤلم. وإذا كان ويلز على قيد الحياة اليوم، فماذا سيكون رأيه في هذا القرن الجديد الذي يتنامى فيه الاستقطاب ويتصاعد فيه الاستبداد الشعبوي، ووتيرة الاستهلاك المزعجة ــ بما في ذلك استهلاك المعلومات المضللة ــ التي تفاقمت جميعها بفعل التكنولوجيات الرقمية؟

بالإضافة إلى المجموعة الرائعة من الروايات الخيالية، كتب ويلز تعقيبات سياسية واجتماعية قوية.  أصبح التاريخ البشري إلى حد بعيد “سباقًا بين التعليم والكارثة”، على حد قوله. وكان يؤمن بشدة أن “التاريخ البشري في الأساس تاريخ للأفكار”. لم يخش ويلز أن تتحول سهام انتقاده شطر وطنه، وفي بعض الأحيان، شطره شخصيًا. وقد يسخر صراحة من نفسه، ويتحرى حماقاته، وكان ينتقد التركيز على الإنجليز.

التاريخ مليء بالأمثلة التي تظهر كيف أن صعود المذهب الوطني يسير دائمًا جنبًا إلى جنب مع ظهور المعارضات الثنائية.  تتعالى أصوات الديماغوجيون الشعبويون بزعمهم القائل إنه بإمكانك إما أن تكون وطنياً ــ أي أن تضع الأولوية لبلدك على حساب بناء جدران أعلى، وغلق كل الأبواب من أجل البقاء بمنأى عن “مشاكل الآخرين” ــ أو أن تمضي لتكن جزءًا من نخبة عالمية.

هذان هما الخياران الوحيدان، على حد قولهم.  ولكن ويلز، الذي اهتم اهتمامًا بالغًا بالأهمية، يثبت بمنتهى اللباقة أنه من الممكن تجاوز هذا الانقسام المبتذل.  لسنا مضطرين لحصر أنفسنا في شرك العصبية القومية أو المظالم التي تفاقمت باسم العولمة الجشعة.  وهذه النقطة جديرة بالذكر في عصرنا الحاضر، عندما نحتاج إلى تضامن وتآخي دولي في جميع أنحاء العالم، وفي في وقت نحتاج فيه إلى أن نتذكر إنسانيتنا المشتركة.

لقد أثبت جائحة كوفيد-19 مدى عمق ارتباطنا. ولقد أوضحت أزمة المناخ أن أي جزء من العالم لن يكون بمنأى عن تأثير الاحتباس الحراري.  أمامنا تحديات هائلة كبشر، ولا يمكن حل أي منها عن طريق أساطير الاستثنائية أو الوطنية أو الانعزالية.   ومن العار أنه في الوقت الذي يظهر فيه احتياجنا إلى التعاون الدولي، انتهى بنا الأمر إلى نوع من “قومية اللقاح”.   لو كان على قيد الحياة اليوم لخابت آماله بفعل ذلك كله.

الديمقراطية ليست ميدالية عند الفوز بها تزيّن ببرواز وتعلق على جدار لإخفاء شقوق ألمت به. إنها نظام بيئي دقيق، وبيئة حية تتنفس بالبشر المتفاعلين فيها وبالضوابط والتوازنات والتنوع والشمول والتعاون والتعايش.  ومن هنا، يجب تعضيدها باستمرار.  صندوق الاقتراع بمفرده لا يكفي للحفاظ على ديمقراطية تعددية سليمة.  علينا ألا ننسى أن العديد من البلدان غير الليبرالية، بل وحتى السلطوية البحتة، تُجري “انتخابات” كل بضع سنوات في العصر الحالي. سيادة الأغلبية ليست مثل الديمقراطية.

وبناءً عليه، إضافة إلى صناديق الاقتراع، نحتاج إلى سيادة القانون والفصل بين السلطات ووسائل الإعلام الحرة والمتنوعة والأوساط الأكاديمية المستقلة وحقوق المرأة وحقوق مجتمع الميم.  وعندما تنكسر القواعد والمؤسسات الديمقراطية وتتصاعد حدة النزاع في لغة السياسة وتحتدم بالاستعارات العسكرية فإننا ندخل منعطفًا خطيرَا.

كما أن احتكار السلطة من بين الأمور الخطرة. ينبغي ألا يكون هناك لأي سياسي أو لأي حزب سياسي وبالطبع لأية شركة من شركات التكنولوجيا سلطة مطلقة في المجتمع.

التاريخ لا يمضي بالضرورة في تقدم ثابت ومستقيم.  وقد تكرر الأجيال الجديدة الأخطاء التي ارتكبها الأجداد. وعندما تتقهقر الدول، فإن حقوق المرأة والأقليات هي أوائل الحقوق التي يتم تقييدها.

كان ويلز يؤمن بنوع من أدب الأفكار؛ وهو الفن الذي انخرط مع العالم وتجرأ على طرح الأسئلة. وتصور مستقبلًا تكون فيه “المرأة حرة كالرجل”.  وقال إنه إذ يجرؤ على الكتابة عن المحرمات، فإنه لا يدعم المساواة بين الجنسين فحسب، بل يدعم أيضًا التحرر الجنسي للمرأة، بحيث “لا تستعبد أو تخضع بأي حال من الأحوال للرجل الذي اختارته”. كما أرى أن دعوته إلى تحديد النسل في وقت لم يكن من السهل فيه القيام بذلك من بين الأمور التي كانت على نفس درجة الأهمية.

كما فهم هربرت جورج ويلز عدم المساواة. وأدرك كيف سيؤدي اتساع وتعميق أوجه عدم المساواة إلى تآكل الحياة وسعادة البشر. كما أنه فهم اليأس.  وقال في كتابه “حقوق الإنسان”  The Rights of Man، “ما لم نتمكن من الكفاح في خضم الارتباكات المتزايدة في عصرنا هذا، لإرساء نظام عالمي جديد للقوانين والسلامة، وما لم نتمكن من الحفاظ على رباطة جأشنا وشجاعتنا، لكي نشيد حياة نزيهة من جديد، سينهار بنو جنسنا، ويصيبهم الجنون، وهم يتقاتلون ويثرثرون كشرذمة من النازيين الخارقين على أرضٍ خربة “.

كانت هذه نسخة مختصرة من محاضرة أَلِف شافاك عن هربرت جورج ويلز، التي ألقتها يوم الجمعة 17 أيلول/سبتمبر 2021 في مهرجان Ripples of Hope بالشراكة مع مؤسسة القلم الإنكليزية.

الفشل في التجرؤ على الخيال – جون بيرجر

نوره بابعير

حوار – سوزان سونتاغ و جون بيرجر
الفشل في التجرؤ على الخيال – جون بيرجر

وحينما يكون الشخص هناك حقًا لأنني أعتقد أن كلينا من الناس الذين يشعرون و يتحملون المسؤولية بقدر كبير لكن ليس تجاه فكرة ما عن الحقيقة باستثناء المعنى المنطقي إجمالًا .

أعتقد أنني حينما انتقلت لكتابة القصة لم يكن ذلك من أجل أنني سمعت قصة ما لأنني سمعت – كأي شخص آخر -الآلآف من القصص .

بل لأنني أسمع لغة ما في رأسي ، أسمع جملة ، أسمع صوتًا ، أسمع صوتًا ثم أحيانا لا يكون لدي إلا الجملة الأولى . و تستمرين بسماع ذلك الصوت ؟
نعم ، الصوت ..
الأمر أشبه ما يكون بالإملاء .
نعم ، إملاء يمكنني مراجعته لأكثر من مرة .
أتذكر ذات مرة في واحدة من القصص ، سمعت جملة في رأسي ” وذهبت لأرى الأشياء الجميلة ” ثم يقول صوت آخر .

آه لا ، يقول الصوت : ” وذهبت لأرى الأشياء الجميلة ، ثم أتعلم ماذا ؟ ” فيرد صوت آخر قائلًا : ماذا ؟!
ثم يقول الصوت الأول ” إنهم لا يزالون هناك ”
ثم يرد الصوت الآخر : ” آه ، لكنهم لن يظلوا هناك لفترة طويلة ” ثم قلت لنفسي : ” من هولاء الناس ؟ ماذا يقولون ؟ عما يتحدثون ؟

لذلك هو ليس إملاء بالتحديد ، بل أشبه ما يكون بالاستنباط حيث أصبح لدي أربعة أسطر على الصفحة الآن ، ما الذي يمكنني أفعله بها ؟

وأحيانًا يتوجب على التوقف ، وقد يستغرق ذلك أيامًا قبل أن أستطيع معرفة السطر التالي وأحيانا أكتب خمس صفحات ثم أتوقف ، فالاصوات لم تعد تتحدث أو في حالة إحدى القصص سمعت السطر الأخير كان السطر الأخير ” سيزيف. أنا لا شيء ولا شيء يمكنه إبعادي عن هذه الصخرة وقلت في نفسي : من هذا الشخص الرواقي المتجهم الذي يصرح بإخلاصه لهذا الوضع الذي لا يطاق و بدأت التفكير عكسيًا ” ربما قد تكون هذه قصة لأحدهم الخ ..”

لذلك بالنسبة لي هي عملية إبداعية قطعًا و مرتبطة إرتباطا وثيقًا باللغة ، و بالأسلوب ، و بالصياغة قد يكون ذلك كذلك ، هذا مثير للاهتمام جدأ ؛ لأنه يتكرر ، ولقد ناقشنا ذلك في كثير من الأحيان ، لأننا ربما قد وصلنا إلى نتيجة مشابهة تمامًا ، لكن بطريقة عكسية .

بالنسبة لي ، لم يكن هناك ذلك الصوت قط في البداية هناك تلك الصعوبة الهائلة كي أرى ذلك الوضع ، ذلك الشخص .
أنا لا أرى ، أنا أسمع
لا ، أنا أرى .
ربما لهذا السبب أحبُ صناعة الأفلام .
لأنني لا أرى ، أنا أسمع فقط حين أكتب .
و لذلك أرغب بشدة في أن أرى . وهذا ما أحب فعله مع الصور وحينما يكون الشخص هناك حقاً ، ويكون ذلك على الأرجح في وقت الكتابة الفعلي بعد حوالي الثلثين ، ليس ثلثي النص ، بل ثلثي وقت الكتابة ، الأشهر أو السنين ثم فجأة تأتي الأصوات و حينئذ كل ما أفعله هو الكتابة لكنها تأتي بعد أن تتضح الصورة أو الشخصيات ، و ليس قبل ذلك .

لا، بالنسبة لي الشخصيات تأتي من اللغة .
أما بالنسبة لي فإن اللغة تأتي من الشخصيات ، أعتقد أن موقفي ، حسنا ، من ناحية ، من الواضح من خلال حديثنا .

أنني مخلصة حقًا لبعض الافتراضات الحداثية حول الفن و الأدب و التي أعتقد بأنك تسائلها ، و تخليت عن تطبيقها ، لأنني أفكر في أعمالك القصصية السابقة ، كرواية “جي” مثلًا وما كنت تفعله حينها قريب مما أنا مستمرة في فعله الآن ككاتبة قصص لكن أعتقد أن القصص التي كتبتها مؤخراً عن حياة القرويين .

-ولا أعرف إن كنت تشعر بذلك – تحمل نمطا مختلفًا جدًا. لأن الموضوع مختلف جداً ، كما أعتقد هذه صحيح .
ألم تتغير ؟ ألم تتغير أنت نفسك ؟ لا أعلم ، لقد كان علي إعادة تعلم الكتابة .
هذا صحيح ..
لأن تجربة المعوزين أو القرويين في غاية الاختلاف عن تجربة الكتابة عن أصحاب الامتيازات .
و رواية ” جي ” كانت عنهم .
لكن هل تعتبر نفسك مخبرًا عن تجربتك ؟
أنا لا أشعر بأنني مُخبرة عن تجربتي على الإطلاق .
لا ، لا أعتبر نفسي كذلك .لأنني أومن بشكل مطلق في كون التجربة قابلة للمشاركة . أؤمن بأن المخيلة هي هذه على وجه الدقة التي تبدأ في وقت مبكر جدًا من الطفولة في وقت تماهي الطفل مع لعبة أو مع حيوان ما ، تلك القدرة على التعاطف تبدو أول ثمرة لهذا الإبداع الاجتماعي ، إلا وهو الخيال و بشكل عام ، أرى أن هناك نوعًا من الفشل في الجرأة في الأدب القصصي .
ما الذي أعنيه بذلك ؟
نعم ،
ماذا تعني بذلك ؟
حسنًا ، ما أعنيه هو أن معظم الروايات الآن هي سيرة ذاتية مُتنكرة ، ومن جهة أخرى ، يقول أناس ” بأي حق تكتب عن القرويين ؟ انت لست قرويًا ”

وبالنسبة لك ” بأي حق تكتبين عن الرجال ؟ أنتِ لستِ رجلًا ، أو العكس وهذه الأسئلة حاضرة بقوة . و أزمة الجرأة ، فشل الجرأة هو أنه من غير الممكن الكتابة عن شيء لم يعشه المرء أو لم يراه، لكنني لا أعتقد بذلك .

أتعتقد أن هذا هو سبب وراء كثرة الروايات عن أساتذة الجامعات . نعم ، بالطبع ! بالطبع ! أو عن الكتّاب .
نعم ،
بشكل واضح .
وأخيراً ..
أتعتقد أن لهذا علاقة أيضاً بالمنافسة مع الأساليب الأخرى السرد القصصي ؟ لأننا انتقلنا من أوسع معنى للقص ، ألا و هو القصّ الشفوي .

ترجمة: رزم

الصلـة

الجازي مطر الشمري

(الصلـة)

لطالما كانت الصلاة مفتاح نجاحٍ وتوفيق، أدركتُ ذلك منذ مرحلتي الإعدادية، حينما كنتُ أريد أن أصير مثل الأخريات في هذا العمر اللاواعي، حيث لا تدرك الفتاة أو الفتى على العموم سوى الطيش واللهو متناسين ما لهم وما عليهم. وفي الحقيقة هذا دور الآباء والمربين على الأغلب، فالشاهـد لا أنسى ذلك الوقت الذي تعمدتُ ألّا أصلي؛ لأني شعرت أو بالأحرى وسوس لي الشيطان أن إذا صليت فلن أؤدي الاختبار جيداً، وفعلاً ظلت الفكرة تراودني لفترة، لكن لم يتركني الله فجاهدت نفسي وقمت وصليت وذهبت للاختبار في اليوم التالي وأديته بأحسن مما يكون. وكان يصحبني انشراح صدر يغمرني شعوره إلى الآن وكلمة تلك المعلمة والمديح عالق إلى الآن بسمعي، ومن يومي ذاك وأنا أحرص على ذلك العهـد وتلك الصلة التي بيننا وبين الله. لا أذكر أن لدي عمل أفعله سوى أنني أحافظ عليها، إلى الآن أشعر أن الله في ذلك الوقت حماني من أشياء كثيرة بسببها وبسبب ذلك الاتصال على الرغم من التقصير الذي كان يختلجهـا، وكم فُتحت لي أبواب وتيسرت لي أمور وتوافيق لا أدري بأي عمل سوى تلك الصلاة التي لم تكن تأخذ من الوقت سوى الخمسة دقائق.

جرائم وأسباب

رحاب إبراهيم عجم

جرائم وأسباب
بأي ذنب قُتلت وبأي ذنب قُتل….بعد كل تلك الجرائم البشعة بين الأزواج التي مرت علينا جعلتني أفكر مليًا في الأسباب التي جعلت كلٍ منا متحفز للقضاء على الآخر خاصةً إذا كان شريك حياتك….
سيداتي وسادتي الكرام، عندما يمر على أحدهم طوال الوقت الكثير من المشكلات، والتنمر والتذمر والتحكم والسيطرة بلا أي حق، أن يواجه كل يوم غضب شخص آخر وليس له حق الرد، أن يكتم أنفاسه ويحقن غضبه وعليه الطاعة في أي أمر كان… قد يجعله قنبلة موقوتة تنفجر في أي وقت…هذا ما حدث مع إحدى ضحايا العنف المنزلي ومشكلات “بيت العائلة الكبير” انفجرت الزوجة وهي تحت قبضة يد زوجها التي تلتف حول عنقها -هل تدعه يقتلها خنقًا أم تقتله هي وتعيش- انفجرت قنبلتها ولكن انفجرت حياتها هي الأخرى تباعًا.
عندما يكون هناك احترام بين الزوجين، احترام يمنع تدخل لغط العائلات بينهما تحت مسمى لقب عائلة سيصبح الأمر أفضل… في بلادنا العربية تتعرض أغلب الزيجات للفشل بسبب تدخل عائلة الزوج على الدوام بحكم بيت العائلة، وقد أيضاً يكون بسبب غيرة الأم على ولدها وغيرة السلفات والأخوات وبعض الأعراف التي تختلف من بيت لآخر وأيضاً الحالة الإجتماعية والثقافية…. يجب أن يعترف الجميع بأنه لا يوجد حق لأي شخص بالتدخل بين زوجين وخصوصيتهما إلا برضاهما واتفاقهما هما الاثنين لدخول حكم خارجي بينهما….الإحترام أولاً قبل الإهتمام والحب، قد يحب شخص أحدهم ويهتم به لكن كحيوانه الأليف فينشأ عن ذلك مشاعر الحقد والغل والكره اتجاهه وتتحول أخيراً إلى قنبلة موقوتة وتنفجر…. احترموا بعضكم البعض.
ومن أحد الأسباب الأخرى؛ الاستضعاف عندما يستضعف شخص أحدهم؛ تتولد مشاعر الكراهية على الدوام من المُستضعف، وتتولد مشاعر النشوة والمرض عند الذي يمارس قوته على ضحيته…. فتقتل الضحية الجاني أو يقتل الجاني ضحيته إن حاولت الهرب منه، كما فعل الزوج الذي أرادت زوجته الإنفصال عنه فطعنها ٢٧ طعنة في مقر عملها وهذا السبب لا يندرج على الأزواج فقط.
أن تتابع صيانتك النفسية أفضل من أن تنكرها فتتحول لقاتل.

حين تنفذ الحلول.. نلجأ للمستحيل

مريم عادل

هناك فيلماً هوليودياً اسمه ” blood red sky ” شاهدتهُ على منصة نيتفليكس قبل عدة ايام، في البداية تمكنوا من خداعي في وصفه فيلماً.

لم يكن هناك كلمة أو عبارة تدل على وجود فكرة المسوخ “مصاصي الدماء” الفكرة التي لا أحب مشاهدتها أبداً، فلا أجد منها ايُّ فائدة إلا ارعاب المشاهد واثارة اشمئزازه بفكرة وهمية يخلوا منها عالمنا الحقيقي..!

تدور أحداث الفيلم حول رحلة جوية على متن طائرة تنتمي الى خطوط الطيران (ترانس أتلانتيك) رقم “473” المتوجه الى (نيويورك).

وهناك امرأة تدعى “نادية” هي ام وزوجة ذهبت مع زوجها وابنها الرضيع “إلياس” الى مكان يحيط الثلج بهم من كل جانب، وعند انتهائهم من نزهتهم تفاجؤوا بعطلٍ أصاب العربة التي كانت تنقلهم.

ذهب الأب باحثاً عن شيء او احدٍ ما لمساعدتهِ في اصلاح تلك العربة اللعينة التي كانت سبباً لخوض الأم في متاهات ومعانات سوداوية جداً ..!

عند تأخر الأب حملت ابنها وذهبت للبحث عنه لتجد بيتاً متروكا وسط الغابة، تجرأت في الدخول وشاهدت زوجها مقتولاً ومرمياً على الأرض ليهاجمها بعد ذلك مصاص الدماء.

ومن هنا تبدأ حكاية الفلم بتحول الأم الى ممسوخة…

عانت الأم الويلات وتذوقت المرار فكانت كل ما ترغب في تناول اللحم وشرب الدم تشتهي ولدها القابع امامها لتعيش في صراع مخيف بين ماتشتهيه وبين اجبار نفسها في الأبتعاد عن لحق الأذى بولدها المسكين..

تستمر الاحداث بصراعات قوية وإثارة رائعة وابراز دور المسلمين بطريقة مثلى واسلوب لم اعتد مشاهدتهُ في الأفلام الأجنبية التي تصور المسلم في غالب الأمر على انه شخص عدواني غرائزي لا يأبه بالنساء الا لغاية واحدة فقط وعدا ذلك هي لا تساوي شيئاً ابدا !

فاجأني كاتب العمل “stefan holtz ” في طريقة طرحه لشخصيتين مسلمتين هما “فريد و محمد” اللذان جسدا اسمى معاني البطولة والتضحية والفداء والانسانية المفردة الشاملة لجميعهم.

و مخرج العمل “peter thorwarth” الذي اوصل معاني تلك المفردات دون نطق العبارات..!

كل ذلك وضعتهُ في كفة والدقيقة 1.42 من الفيلم وضعتها في الكفة الاخرى التي رجحت لدي، حين وصل المطاف بنادية الى مشارف النهاية تلك النهاية التي دفعت إلياس للجوء الى جرح نفسه كي تشرب امهُ دمه ليبثُ فيها الحياة ..!

ذلك الطفل مع نادية اوصلوا لي معاناة الأنسان في مجاهدة رغباته فهو اراد احتضانها بعدما استفاقت وهي حاولت درء نفسها عنه بملامح يقطر العذاب منها وبغريزة تدعس بقدم القدر!!

القدر الذي اجبرها على الوصول الى اعلى مراتب تحدي الشهوة العارمة في القض على ابنها عند ذلك الحدث الحزين المليء بالمعاناة الأنسانية..

في نهاية الفيلم عندما شاهد إلياس والدته فقدت كل اسلحتها في مقاومة نفسها لألتهام ابنها، قرر ذلك الولد الصغير في الدقيقة 1.58 اللجوء الى ضرب من ضروب المستحيل اكراماً للمنقذ فريد.!

انصحكم بمشاهدة هذا الفيلم الذي جعلني اعدلُ عن رأيي في التعميم لفكرة بصريح العبارة اشمئزها جدا..

لكن ذكاء الكاتب فرض عليّ اسلوبه وفكرته من خلال فرضية المسوخ تلك فنسج مشاهد تتلخص فيها الحروب الذاتيه التي نتعايش معها يومياً متفادين احتمال تغلبها علينا بوهم غرور الانتصار الذي يسيطر على عقولنا.

لكننا نحاول مرة تلو الاخرى متشبثين بعنادنا تجاه القدر المحتم والواقع الرياضي الذي من غير الممكن لديه ان نضع اشارة الزائد بدلاً من الناقص وندرك نفس النتيجة!

هذا الواقع الذي نجرب معهُ شتى انواع الحلول والتبدلات وعندما لا يستجيب نصدمهُ بقوة فعل المستحيل..!.

أن أنتقم

تسنيم

أن أنتقم

الانتقام كصرير أمل عند بعض النفوس الكسيرة، كأنه حاجة ملحة مرتبطة براحتهم ، و ينبع هذا كله من شدة ماكانوا يعانون الأذية ثم الإحساس بالدونية. إن أبسط الأمور التي منها يتحفز شعور الانتقام هو ذلك الخذلان المتواصل في نفس المنتقم ، وقد يختار الانتقام كسلاح لاثبات وجوده.

إن التفكير بالانتقام يأخذ منهم الكثير..استنزاف المشاعر، تهميش العقل ، ثم تكليف القلب بما لا يطيق. فهو يبدأ بالتساؤلات التي لا تنتهي و التي لا يجيبها إلا بنفسه مثل لماذا أتوقف عن التفكير بالانتقام؟ لماذا أسيطر على مشاعري السيئة أمام هذا المؤذي؟ لماذا لا يذوق ما أذاقني؟.. والكثير من التساؤلات التي تؤذي النفس وتغيرها للأسوء من غير أن يشعر بذلك.

كيف نصل لحقيقة أن التفكير بالانتقام مدمر للنفس؟
عندما تصل هذه النفس إلى أعلى مراتب الأذى ستتملكُها القسوة وتتمتع بالتشمت و يغذيها احتقار هذا الآخر ، و قبل هذا كله نسيان أي ذرة خير من المؤذي.

إن الثقة بالله ليست كلمة تقال على هامش الحياة،إنها كلمة وفعل عظيم يغذي النفس بل ويزيدها صرامة. قد يرى البعض أن ثقته بالله هزيلة ، فيُسير النفس إلى الانتقام لوحدها، ولو أنه تمهل وتمعن قليلاً لوجد أن الله تعالى يعلم خبايا البشر إذاً يعلم كيف يمكن محاسبة هذا المؤذي وأين و في أي وقت ، وستجد الله سبحانه يمتعك بالانتقام لك و يذيقك حلاوة النصر، ثم قد لن يسوقه الله تعالى إلى يدك بل تجده خاضعاً للظروف التي كتبها الله له و المهالك التي قد دمر مثلها غيره و ها هي تدمره، فما ألذه من انتقام.

في النهاية.. الانتقام لن يستوفي النفس حقها ، و سنظلمها دون علم، فلنختر الإجابة الصادقة لتساؤلاتنا و لنبتعد عن الانتصار الوهمي.

تسنيم

الفمنيست وحقوق المرأة

رحاب إبراهيم عجم

الفمنيست وحقوق المرآة

تدعو منظمات حقوق المرآة في الوطن العربي بالمساواة بين الرجل والمرآة، والمطالبة بحقوقها في جميع مجالات الحياة.

لكن السؤال الذي أطرحه “ما السبب الذي أدى إلى ظهور النسوية في بلادنا العربية؟!

هل كما يقول البعض بأنها أمور صدرها الغرب إلينا لإفساد المرآة الشرقية المسلمة، أم لأن المرأة تعاني في

الوطن العربي وتُظلم…

في رأيي إنه طالما تلك المنظمات شغلت حيزاً من تفكير المرآة العربية فهذا يعني إنها فعلاً تتعرض للاضطهاد

والظلم لذا ستلاحقها المرأة العربية لتحظى ببعض الحقوق المهدورة حتى وإن كان العسل يُدس به السم.

إذاً كيف ظُلمت المرأة في الوطن العربي!

ظُلمت المرأة عندما تم الإبتعاد عن الدين من قبّل الطرف الأقوى، الدين الإسلامي الذي حمى المرأة من الوئد

رضيعة،وأعطاها حق الإرث بعدما كانت تورث كالجمادات والبهائم، أعطاها الحق في اختيار الزوج والتعلم، الدين

الذى أوُصي عليهاووصفها بالقارورة لفرط رقتها التي لا تتحمل الضغط أو التعنيف في الوقت الذي كان فيه

الغرب يقتل المرأة باسم الدين الذي نشر الخزعبلات المستلهمة من الأفكار العنصرية على أن المرآة عمل

الشيطان.

وأصبحت المرأة في وطننا العربي مجرد جسد وشهوة بلا عقل أو قلب عند الأغلبية ولم يعد لها حق اختيار الزوج

أو التعلم أو أي شيء بحجة إنها ناقصة عقل ودين، وشتان ما بين ما يفهمونه وما يجب عليهم فهمه والمغزى

الحقيقي من ” ناقصة عقل ودين”، والمعنى الحقيقي من ناقصة عقل؛ أنها تستخدم عاطفتها أكثر من عقلها،

فلو خُلقت المرأة كالرجل لكرهت الطفل الذي تلده لشدة ما آلمها، لو كانت المرأة ناقصة عقل كما يفهم بعض

الرجال ما كانت ظهرت عالمات كسميرة موسى وهايدي لامار ومهندسات زها حديد وغيرهن الكثير والكثير، يا

سادة المرأة ناقصة عقل لأنها تحب أكثر مما تفكر بالمنطق، أما ناقصة دين فهذا بسبب طبيعتها التي خلقها الله

بها لتستمر الحياة على الأرض، لكن رغم ذلك ينفر الكثير من المرآة الحيضة وعاملها الجميع على مر الزمان

بطريقة بشعة؛ فكان قديماً يخرجوا المرآة الحيضة إلى الصحراء وحدها ظناً منهم بأنها تنزف نزيف لولد

شيطاني، وفي بعض الكتب؛ كتب عن المرأة بأنها تنزف كل شهر لأنها كائن لعين ويجب هجرها وعدم لمسها أو

إطعامها، بل يجب أن تدارى عن الناس وتطعم نفسها بنفسها، وكثير من الخزعبلات التي أودت بحياة الكثيرات،

والحمد لله أن الإسلام جاء وخلص المرأة من كل تلك الخزعبلات.

لذا من المخزي أن يردد البعض الآن أن المرأة نجسة لذا حُرم عليها في فترة حيضها الصلاة والصوم؛ لا لأن الله

رحمها في تلك الفترة لضعفها؛ لأنها تنزف وتعاني خلالها من الإكتئاب وتغير في المزاج والإرهاق والكسل

والخمول وانخفاض في مستوى الدم، صعوبة السيطرة على الأعصاب، فرط الحساسية، وتعب جسدي أحياناً

يكون لا يُحتمل… ثم يأتي البعض الآخر ويقول إنها تتدلل.

مُنعت المرأة في فترة كبيرة من التعلم بحجة ضرر الاختلاط، لكن لماذا لم تُأسس لها المدارس والجامعات

الخاص بها، لماذا لا يعطونها حريتها مع حمايتها، لماذا لا يُبنى لها المؤسسات الترفيهية الخاصة بها كالرجال…

هل لأنها مرأة، لا تهم!.

كما حُرمت المرأة من اختيار الزوج واختيار التوقيت المناسب لها، حُرمت من ميراثها وذلك لمصلحة تعم على راعيها الذكر.

لم تقيد حرية المرأة في ما سبق ذكره إلا لشعور بالدنو ناحيتها، لذلك أصبحت المرأة في وقتنا الحالي تهرول

خلف أي شعار يحقق لها رغباتها المكبوتة حتى وإن امتلئت تلك الشعارات قد تجور على حقوقها الطبيعية التي خلقت عليها.

الرجل والمرأة متساويان مع اختلاف طبيعة كلاً منهما، فكلاهما إنسانان.

وساد الظلم أكثر عندما ظهر مفهوم آخر للمرأة العاملة على إنها فاسقة تريد الاختلاط بالرجال، إلا أن بحث

المرأة عن العمل لم يكن إلا أنها لا تلتمس الأمان من الرجل في المركز الأول…

فبعض النساء تُهان وتُعنف ويُبخل عليهن باحتياجاتهن المادية وكذلك المعنوية في بيت الزوج أو حتى في بيت

الوالد رغم القوامة التي كُلفت عليهم برعايتهن وتحقيق احتياجاتهن كما عليهم تحقيق الرفاهية على قدر

المستطاع…

وفي المركز الثاني ليس حراماً أن تحقق المرأة أحلامها وتبني كياناً خاصاً بها.

لكن سؤالي الأكبر لماذا كلما نشرت عن حقوق المرأة اتهمتني النسويات بالتخلف والرجعية، واتهمني الرجال

بالنسوية المفرطة؛ لدرجة إنني لا أعرف في أي طرف أكون!؟….

لكن ما لاحظته أن الرجل يفضل أن يمرض على أن يقرأ عن حقوق المرأة، وأن المرأة النسوية يعجبها كثيراً التذمر على كل شيء.

بقلم/ رحاب إبراهيم عجم

معلمة مدرسة

مي الخلاق

عندما تنضج…✅

عندما خلقَ الله هذا الكون جعلَ له مركزاً واحداً، لكنّه بطبيعةِ الحال ليسَ أنت، ولا أنا…

مركزُ الكون بعيدٌ تماماً عن شخصِ أيّ إنسان، لأنّ حياتك لن تتوقف هنا أو هناك…

ستدركُ ذلك عندما يبدأ قطار ُ حياتك بالمضي سريعاً بين المحطات المختلفة…

ستكبر… وستنضج…

ستدركُ حينها أنّ تفاهاتِ الحياةِ وسطحيِاتِها باتت بعيدةً جدّاً عن إهتماماتك..

لن يجذبك ذلك الشخصُ الذي كنتَ تعتبرهُ مركز حياتك وكل آمالك…

ستتوقف عن ملاحقةِ الأشخاص الذين يديرون ظهورهم لك..

لنْ تزعجك الوحدة…

لن تؤثّر فيك الكلماتُ الجارحة التي يتلفّظُ بها اللاهون…

لن تكثرت لقولٍ أو عملٍ أو تصرفٍ لا يروق لك..

ستتعلّمُ كيف تجمعُ كل زوائد وترّهاتِ هذه الحياة وترميها وراء ظهرك… تدوسها بقدميك وتعبرُ من فوقها، وتسخر من ذلك اليوم الذي كانت الكلمة وحدها كفيلةً بتغيير مِزاجك…

ستتنازلُ عن كبريائك وغرورك حين تدرك أنّ هناك الكثيرون ممن هم أفضل منك، ولكنّكَ ستدرك أيضاً أهميّة ذاتِك…

ستبحثُ عن الشيء الوحيد الذي كنتَ تفتقده ولا تعيره أي اهتمام: راحة بالك وسعادتك الداخليّة…

ستصغي لما تُحب وليس لما أُجبرتَ عليه..

ستُجالسُ الأشخاص الذين ستستمعُ معهم، وليس من فُرِضوا عليك…

ستقول الكلمةَ التي ستشعرُ بها، وليس تلك التي ترضي الآخرين…

ستبحثُ عن سعادتكَ في داخلك، بعيداً عن قلوبِ وعقولِ الآخرين حيثُ ظننتها هناك …

ستفخرُ بالإنجازاتِ التي حقّقتها لذاتك دون مساعدةٍ من أحد…

ستُعيدُ ترتيب أولويّاتك واهتماماتك وهواياتك وأفكارك التي بعثرها الزمن…

ستدرك كم فاتكَ من أمورٍ جميلةٍ كان يمكنُ أن تفعلها بينما كنت أنت تبحثُ عن أشياء أخرى لا تشبهك …

ستُمتّعكَ تلك التفاصيل الصغيرة التي كُنتَ تظنّها سخيفة..

لن تخجل من قولِ كلمةٍ تريدها أو فعل عمل يريحك..

ستدرك أن مفتاح حياتك بيدك.. لا بيد غيرك..

وحين تصلُ إلى تلك النقطة من حياتك لن تلتفتَ بعدها إلى الوراء…

ستدركُ حينها أن حياتك أصبحت مكتملة، وأن أيّ شيءٍ جديدٍ يحدثُ فيها هو إضافةً لها، إضافةً فقط..

ستمضي في حياتك وستهملُ ما فاتك..

وستبحثُ فقط عن سعادتك!

مجموعة قصص قصيرة – قُصور المعرفة

نوره بابعير

مجموعة قصص قصيرة – قُصور المعرفة

1- ” حراك الداخل”
يفتش في منافذ الحياة ، يبحث عن قولهُ المستحق عن منطقيته في العقل ، كاد أن يخترق كل ما تلبس به ، تعثر في منتصفها ، كان يدرك حجم الإنصاف و مغالطة الأفكار لها ، لكنه لم يقف وقوف اليأس المعتقد في رؤية الأنظار ، تمكن من خلق المحاولة حين أراد أن يفصل الخارج عنه ، كان يعلم أن محاولة قاهرة مع محيطه الخارجي لكن افتعلها مرة ، وكانت المرة ترتبه و تربت على أكتافه ليكون مستعدا في وقوعالفشل مثل كل مرة ، لكن الإصرار يقتحم هزائمة حتى لا يفقد نفسه في الاستلام منذ بداية أمره ، أصبحت تتكاثر عليه المحاولات و الفشلقائدهما مثل كل مرة ، لكنه كان  ينبت على فشلة بذرة قوة ، يعلم أن الخفي الذي بالداخل لا احد يقيم مصدره سوى يقينهم بحضوره رغمبعدهُ عنه ، كان يدرك كل ما يفعله رغم صخب الأشياء بين خطيئة تقع في مكانة الصواب و صواب يقع في مكانة الخطيئة ، يلزم عليه أن يقربذلك القول حتى يتمكن في جمع الشتات و الصورة التي لم تجتمع في داخله حتى يتفهم ما يبحث عنه منذُ الشعور و التبؤ بذلك ، كان يقتربمن شيء ربّما لا يتضح له ملامحهُ لكنهُ كان شيئاً يجذبه نحوه دون أن يتردد في القدوم إلى ذلك الاتجاه ، شعر أنهُ قد وجدها ، نعم وجدها وتبلل بوجودها في داخله حينها شعر أن لا شيء يعوضه مكانته سوى ذاته .

2- ” غليان الماء  ”
مظلته تعطلت فما عادت تحميه من تبلل المطر ، كاد أن يغرق في تلك المياه، ثم قال : أيعقل أن الماء الذي يرويني ، كاد أن يحبس أنفاسي ،كان متعجبًا فيما أصيب ، متسائلًا عمّا يحدث ، أصبح مشوشًا لا يستطيع أن يحافظ على توازن الأمور ، فقد قدرته في حادثته ، عاريًا من الملامح لا شيء يهدئ رياحه من ذلك ، كان يظن أنه قريب من الوضوح ، لكنه تفاجأ مما انتابه من شعور مختلف لم يشعر به من قبل ، تفصلت الأشياء فوقها ، تبقت الأجزاء تبحث عن أجزاء أخرى ترتب مكانتها عليه ، كان في ارتباكها عالق ، لا يدري كيف يصدق الحقيقة من تلك الكذبة التي كانت تهيئ له الارتياح ، كان يخشى من لحظة أعتراف يلطخ الداخل من خطيئته ، حينها قال ، مظلتي العقلية لم تعد تسعفني في بعض الأحيان و أفكاري لم تعد درع حمايتي في كل الأوقات ، لقد خشيت من حقيقة القول أن العقل لا يؤهلني في المناجاة ، و الأفكار لا تبني لي بيوتًا أسكن بها بكل اطمئنان .

3- ” مخالطة الأنفس ”
كان متكلفًا بإتقان قيد الآخرين ، تحت إطار التقاليد ، لا شخصية له ، كان يفعلها كل مرة ، دون أن يشعر بالضجر  ، كان الرضى يملؤه ،فيما يتجسده من الآخرين و انتقاله بينهما دون أن يسترجع هويته ، أصبحت عادة يمثلها كل يوم ، ولم تعد  تصف انعكاس أفعاله لها ،تمكنت القيود في حصارها و تمكن معها دون أن يتطرق لنفسه ، و لو بزاوية منه ، كان يركض خلف الأشياء ، دون التفكر  أو الإنتباه إليها ،كان يخيط الأسباب ببعضها ، حتى لا يجد رقعة ثوب تفسد مجملها عليه ، كان عميقًا بالآخرين ، إلا نفسه يتعمد في سطحيتها ، حتى لايصدم باختلافه عنهم، ربما اعتاد أن يعيش فوق غيره ، و لا يقوى بأن يخوض شخصية مستقلة ، تفرض على الآخرين مطالبها ، دون أنتتلبس في مخالطة الذوات الأخرى ” كان قريبًا من كل شيء، إلا ذاته بعيدة عنه” .

الأدب الياباني بعد الحرب العالمية الثانية: “حب محرم” نموذج

دعاء تيسير

“أليس الأوروبيون بقسوة روحهم هم مَن تنقصهم الرشاقة الضرورية لفهم الأدب اليابانيّ؟”.

بعد الحرب العالمية الثانية مباشرةً بدأ الأدب الياباني مرحلة إعادة تشكّل أو ولادة، وقف فيها الأدب كطفل يحاول المشي من جديد، وكان طفلاً كاملاً وجميلاً جمالاً آسيوياً خالصاً لا يختلط بشُقرة ولا زُرقة تامة.

كان لا يزال محافظاً على السّحرية السّردية الوصفيّة الأدبيّة الإبداعيّة، واللغويّة الشعريّة الإيجازية لكنه أضاف حينها جزئيّة ستختفي فيما بعد كلياً تقريباً حين يقرر التوجه إلى ما يحمله الأدب الغربيّ والفن الغربيّ ككلّ.

وهذه الجزئيّة بالضبط هي ما جعل الأدب اليابانيّ حينها أكثر الآداب إثارة للاهتمام عالمياً، حافراً له مكاناً مهماً في الأدب: تحليل الطريق النفسيّ والأدبيّ للكاتب خلال عمله وشخصيّاته مشاركاً القارئ تلمّسه واكتشافاته في العتمة.

مثلاً:

بعد أن كان الفنان اليابانيّ بطل الرواية قبل الحرب، يتسلّق جبلاً هائلاً ومتأبطاً لوحته الفارغة ومتأملاً السماء والجبال المحيطة والطبيعة الصخريّة الجبليّة في رحلته، متسائلاً في عقله عن مكمن الروح في الأشياء وصورتها التي قد تظهر بها،

عاد هذا الفنان بطلاً في الرواية بعد الحرب متأبطاً نفس اللوحة الفارغة ومتسلقاً نفس الجبل الهائل، متأملاً وجهه في صفحة السماء والعقبات الصخريّة المعنوية التي تجرح ساقيه القويّتين متسائلاً إن كان هناك روح فعلاً في داخله وإن كان لها حتى معنى كما هو مزعوم!

وبدلاً من أن يصل الفنان في الرواية الأولى إلى قمة الجبل ملتقياً معلمه الشيخ الجليل في موعد قديم بينهما، وفي خلفية معبد بوذيّ مهيب ليسأله بإجلال كيفية الإرتقاء بتعاليم الحياة،

يصل الفنان في الرواية الثانية إلى قمة الجبل ملتقياً صدفةً مالكة وديعة للحمام الشمسيّ الذي يزوره الأدباء والفنانين عادةً في الربيع، فتُصغي المالكة لتساؤلاته النفسيّة عديمة الأجوبة وعُقده الفلسفية العدَمية وقد وجدت نفسها في النهاية واقعة في حب كل نواقصه المشوّشة!

وبينما يُغلق القارئ الرواية الأولى على مشهد اللوحة المنعشة للروح، والتي رسمها الفنان بريشة عريضة يُظهر فيها خلفية طبيعية يتقدمها بريشة نحيلة فتى متأمل يرتدي كيمونو زاهٍ يتناسب مع ألوان الخلفية المتناسقة ويجلس الشيخ متأملاً لوحة تلميذه،

يُغلق القارئ الرواية الثانية على مشهد غرق في انتحار جماليّ مزدوج للفنان والمالكة العاشقة معاً، واللوحة الفنية اليتيمة المعلقة على السانِد تصوّر تقليداً للوحة الشهيد القديس سيباستيان!

ولا يفوت القارئ الفارق في الحشوة بين البداية والنهاية، الفنان الأول كان “هنا” بينما الفنان الثاني لم يكن هنا ولا هناك! والفارق ليس بين حياة الأول وموت الثاني، بل بين الحياة واللاموت!

في المراسلات بين كاواباتا الحائز على نوبل في الآداب وتلميذه ميشيما اللذان اشتُهرا بالضبط في الفترة التي تلَت الحرب، نجد ظلاً واضحاً ومرئياً لميشيما الذي جسّد نقطة التحوّل هذه في الأدب اليابانيّ.

يظهر ميشيما في الكتاب روائيّ أدبيّ واعد وشاب مفتون بالتفاصيل: بالأدب، والتحليل الأدبيّ، والنقد، والشجاعة، والشباب، والفكرة العدَمية للحياة، بالموت والعنف، بالجمال والوجود، وميشيما المفتون بقوة جسده!

“حين يقوّي المرء جسده، يبلغ أوج الشِّعر”.

وفيه أيضاً ميشيما الذي يعشق الشيء حدّ قتله، أو كما تقول الأسطورة اليابانية: يعشق الشيء حدّ أكله!

وفيه ميشيما القلِق، رغم كل ما يظهر عليه من قوة وثقة، من زواجه ومن طفلته الرضيعة التي لا تكفّ عن توزيع الابتسامات كلما رأت والدها، وعلى أطفاله بعد موته، وعلى إبداعه الذي لطالما جعله يمزّق الأوراق ويُعيد تحبيرها.

في “حب محرم” لميشيما، تبحث الشخصيات عن حقيقتها ورغباتها وميولها، وتدرس كل شخصية تأثيرها الخاص على الأخرى بكثير من التحليل والتركيز، بعضها بسحق قيمة الذات كلياً وبعضها بوضع الذات كبؤرة تركيز في وجوه الشخصيات الأخرى.

في الرواية، “شنسوكي” هو روائيّ شهير وعجوز ستينيّ وُلد بالقُبح وعاش بالقُبح، وكان يرى القدَر بعين مرآةٍ له تتربص وتفسخ علاقاته، خاصة المتعلقة بالنساء، كنسيج قماش رخيص.

يكتشف، بفضل وجوه الشخصيات النسوية الجميلة التي عرفها في حياته، أن غياب الجمال كلياً عن وجهه يعني بالضرورة أنّ هناك تناسب حضوريّ جماليّ يُفضي إلى حقيقة أن النساء أيضاً يغيب عنهنّ شيءٌ آخر ألا وهو الروح!

فيمتلكن بدلاً عنها إرادة جامدة تتكفّل بسير حياتهنّ وتصرفاتهنّ بلا معنى للروحانيّة ولا العاطفة التي لطالما وُصفن بها، ولا حتى في أنقى صورها كما الأمومة مثلاً.

وأنّ التعامل معهنّ يجب ألا يتجاوز صورة التعامل مع قطعة خشب أو قطعة لحم من جزّار، مجسم إرادة بلا حب ولا غيرة ولا علاقة معينة.

لكن.. تماماً في الوقت الذي يظنّ فيه “شنسوكي” أن جدار الحقيقة يقول بموته بنفس القُبح، يدرك بالصدفة أن الجدار لم يكن إلا ستاراً ثقيلاً سُرعان ما سيسقط كاشفاً عن “جمال” باهر.

فتقفز له تلك “الفكرة”، فالانتقام الآن بات ممكناً!

وتبدأ الرواية في التحوّل إلى تحليل، نفسيّ وفلسفيّ وأدبيّ، دقيق ومعقد مع سير الأحداث.

تحليل ما كان ليظهر مطلقاً في الرواية اليابانية قبل الحرب.

وإذاً، فالجمال المثاليّ الذي حاول “شنسوكي” تصويره في رواياته يتجسد الآن أمامه في “يوشي” التحفة الفنية التي ظهرت من خلف الستار، والقادرة فضلاً عن الانتقام، على اثبات نظريته المهمة:

التحفة الفنّية تولّد تجربة فريدة للمرء تسلبه حياته العادية وتجبره على عيش حياة ثانية لفترة زمنية محدودة، مثل فكرة الحياة الثانية التي تهبها أي رواية، ويسميها “شنسوكي” بالشكل الأدبيّ،

لكن هل يمكن مطابقة تأثير اللوحة الفنية بحدَث عاديّ من الحياة اليومية؟

يقول:
“تجربة التحفة الفنية وتجربة الحياة تختلفان شديد الاختلاف من ناحية وجود الشكل الأدبيّ أو غيابه. لكن، من خلال تجارب الحياة، ثمة ما يقترب كثيراً من الاختبار الذي تؤمّنه التحفة الفنية. إنه الانفعال الذي يسببه الموت.

نحن نعجز عن خوض تجربة الموت. لكن، بين وقت وآخر، يُقدّر لنا أن نختبر الموت. نختبر الموت من خلال فكرة الموت بحد ذاتها: موت الأهل، أو موت شخص عزيز علينا. باختصار، الموت هو الشكل الإبداعيّ الوحيد للحياة.”

يوضّح الاقتباس السابق فكرة ميشيما الغريبة التي تربط بين الموت والجمال.

أيضاً:

” ازدواجية الوجود هذه [الموت والحياة، الوجود والعدم] هي التي تقترب إلى اللانهاية، التحفة الفنية التي ترسم جمال الطبيعة.”

وهذا يعني عنده أن وجود الأشياء بالتالي يُثبت بغيابها:

“اثبات الروح بغياب الروح، اثبات الأفكار بغياب الأفكار، واثبات الحياة بغياب أي حياة. هذا في الواقع ما كانت عليه المهمة المتناقضة للتحفة الفنية.”

كيف إذاً سيستغل “شنسوكي” جمال “يوشي” للانتقام بتطبيق نظرية اللوحة الفنية؟

وفي نهاية الرواية كيف سينتهي هوس “شنسوكي” وهذيانه الشديد بالجمال والانتقام؟

وهل سيجد في ذاته، هو العجوز الستينيّ الذي خبر الحياة جداً في الواقع وفي الأدب وبكثافة، عمقاً مختلفاً لم تمنحه بعد سنواته الستين؟

وما نهاية “يوشي” بالضبط، هل سيبقى الجمال هنا مجرد حجر على لوحة شطرنج الانتقام والموت؟

أليس للجمال وجوداً آخر حقاً؟

سنجد أيضاً أفكار أخرى تحليلية يطول شرحها تُثبت على التحوّل سابق الذكر.

ويذكّرنا التحليل البارع جداً في الرواية بأسلوب كاتب آخر غربيّ من نفس الجيل وسيظهر بعد ميشيما: كونديرا.

لكنّ ميشيما سيخالف إيجاز كونديرا إلى تفصيل شديد وسيسمح للصبغة الشرقية الواضحة في رواياته بأن تطغى على التحليل: “في الشرق، يبدو الموت أوضح بكثير من الحياة.

وإذا بالتحفة الفنية [الشرقية]، نوع من الموت المشذّب، وهي القوة الوحيدة التي تسمح للحياة بالارتقاء.”

وفي مشهد لشخصية “يوشي” يصف الكاتب وجه الشرق بعد الحرب، متعباً خالٍ من التعابير، مشلول الأطراف، يحمل ذنوبه على ظهره، ورذائله الكثيرة فوق رأسه، يتاجر بالمخدرات ويسرق ويحتال بالمال وبالكاد يرى أين يضع رجله.

وعلى حدّ تعبيره: للأدب الياباني “نكهة” لا يدركها الغرب.

“لا يُشفى المرء في غالب الأحيان، من الفكرة المتسلطة إلا بعد أن يترجمها واقعاً، غير أن الشفاء من الفكرة لا يُلغي سببها.”

انتحر ميشيما عام ١٩٧٠م في انقلاب عسكريّ شهير.

ومن عباراته الأخيرة التي وردت في المراسلات:
“قد لا يكون عام ١٩٧٠ إلا مجرد وهم أحمق”.

“ما أخشاه ليس الموت، وإنما ما قد يصيب شرف عائلتي بعد موتي”.

“كل قطرة زمن تسيل تبدو لي ثمينة كجرعة نبيذ فاخر، وفقدتُ تقريباً كل اهتمام بالبعد المكاني للأشياء”.

حُمّل انتحاره معانٍ كثيرة.

فهل أراد ميشيما اثبات أفكاره القديمة بغيابها، اثبات نفسه بغيابها، أم التخلص من الفكرة المتسلطة؟! لكن.. :
“الانتحار سواء أكان لهدف شريف أم قبيح، هو فعل يرتكبه العقل بحق نفسه، ولا يترافق أي انتحار مع تفكيرٍ مفرط.”

كلمات مفتاحية لأدب ميشيما وحياته: النقاء، الكمال، الليل، الجمال، الموت، العدَم، الشباب، الشرق، اليابان، الأدب، الاكتشاف.

انتحر دازاي “المتشائم غريب الأطوار” قبل ميشميا بعدة أعوام، وانتحر كاواباتا المعلم بعد تلميذه بعامين.